زينت متن هذا الكتاب مقتبسات من كتابات حضرة الباب وحضرة بهاء الله ثبتت في “مسرد الكتب والمراجع” و”المصادر” في الصفحات الأخيرة من هذا المجلد، وهناك الكثير من المقتطفات الأخرى بالفارسية جاءت في المخطوطات قمت بترجمتها ما لم أشر إلى غير ذلك. أمّا الحواشي فهي في الغالب صياغتي وقد أشرت إليها منعاً للالتباس. والآيات البينات المقتبسة من القرآن الكريم ثبتت أرقامها كما وردت في الطبعة العربية. وكتبت الأسماء الفارسية والعربية كما وردت في المراجع البهائية، أمّا المقتطفات فقد وضعت كما جاءت في الأصل.
نادراً ما رغب المؤمنون الأوائل في أن تؤخذ لهم الصور الفوتوغرافية الفردية، ولكن في بعض المناسبات أخذت لهم بعض الصور الجماعية، ومن هذه الصور الجماعية استخرجنا لهذا الكتاب بعض الصور الفردية. وإنني على يقين بأن أهميتها التاريخية تفوق كونها باهتة غير واضحة. وأدين بالامتنان لقسم السمعيات والبصريات في المركز البهائي العالمي لتزويدي بأغلب الصور الفوتوغرافية هذه، وإلى السيد روحي شكيبائي للإخراج الممتاز لمعظم الصور المطبوعة في هذا المجلد.
لقد احتاجت كتابة هذا المجلد وقتاً طويلاً، إذ أنه، كما في السابق، لم يتوفر لي من الوقت سوى الساعات المتأخرة من الليالي التي أمضيتها في منزلي بمدينة دبلن.
والآن وقد انتهى هذا العمل، أود أن أشارك القراء ببعض الحقائق المتعلقة بماهية القوة الدافعة وراء القيام بهذا المجهود المتواضع. كان العامل الرئيس الذي دعمني وشد أزري في تحرير هذه المجلدات هو عمق حبّي الوجداني لأولئك الأحباء في مختلف أنحاء العالم ممن لا يتمكنون من قراءة كتابات حضرة بهاء الله باللغتين الأصل، والأمل في أن هذه السلسلة من المجلدات، رغم أنها غير وافية وسطحية، قد تعكس، من خلال قوة كلمة حضرة بهاء الله نفسه، قدراً يسيراً من عظمة هذا الظهور الجبار.
كما أن عاملاً آخر أسهم كذلك في دفع العملية وتحقيقها هو التشجيع الودّي الذي غمرني به الأحباء في كل مكان. وأخص هنا بالذكر السيدة ماريون هوفمان التي أشعر بأني مدين لها بما لمست منها عوناً أصيلاً لم ينقطع خلال الأعوام الخمسة عشر الأخيرة. وعليه أود أن أقدم إليها أخلص امتناني القلبي وتقديري لما أبدته من مشورة حكيمة وتشجيع ودّي مما كان له أعظم الأثر في معاونتي. وأعرب أيضاً عن تقديري العميق لكثير من النصح والمساعدة اللذين قدمتهما لي الدكتورة ماي هوفمان باليريو في سياق مهمتها التي قامت بها بكل جدارة في مراجعة تحرير هذا العمل، ولها أحر الشكر لنصيبها الرئيس في إنتاج هذا المجلد وما سبقه. وبقي لي الإقرار بمصدر تشجيع آخر عبر السنوات وهو زوجتي العزيزة ليزلي، التي أشعر نحوها بامتنان حقيقي والتي لعب دعمها الودود دوراً هاماً في إنجاز عملي.
وإلى السيدة ثيلما باتشلر والسيدة أنيت روني أود أن أتقدم بأحر شكري وتقديري لطباعتهما الممتازة للمخطوط الأصل والذي كانت فيه أجزاء كثيرة تصعب قراءتها. ثم أشكر بإخلاص الدكتورة ويندي مؤمن لإخراجها البارع للفهرس، وكذلك السيد هارولد بويس لاهتمامه بنواحي التفاصيل وقراءة التصحيح الطباعي ومقترحات كثيرة مفيدة.
أديب طاهرزاده
أعلن ظهور حضرة بهاء الله مجيء يوم الله الذي تنبأ به الأنبياء السابقون جميعاً. وقد بلغت غزارة فيض هذا الظهور، الذي امتد مدى أربعين عاماً، بحيث تكون أية محاولة لوصفها أشبه بمحاولة وضع بحر في فنجان. وعلاوة على ذلك، فإن ظهور حضرته يمتلك من النفوذ ما يجعل محاولة سبر أهميته أو كشف أسراره الخفية، عملاً يتجاوز قدرة الإنسان الفاني.
وهذا يضع محاولة مؤلف هذه المجلدات الأربعة لاقتناص لمحات من هذا الظهور العظيم وتقديمها إلى القراء، في بعدها التصويري المناسب، إذ هو يعلم جيداً مدى صعوبة المهمة من جهة ومدى عدم كفايته في معالجة الموضوعات المرتبطة به من جهة أخرى. في الواقع، إن كل ما تم وصفه في هذه المجلدات لا يعدو كونه محصلة استطلاع سطحي لجزء يسير من محيط لا حدود له.
يغطي المجلد الرابع هذا الفترة الأكثر أهمية في ولاية حضرة بهاء الله، وهي الفترة التي وصل فيها وحيه إلى ذروته، وشهدت اعتلاء شخصه، بعد سنوات من النفي والسجن، بكل جلال، عرش سلطنته عندما استقر في قصر بهيج أشار إليه بعبارة “المنظر الأكبر للبشر”.
إن الألواح الكثيرة التي تدفقت من القلم الأعلى خلال هذه الفترة كانت إلى حد كبير تتمحور حول ترويج تلك المبادئ والتعاليم التي تشكل مع أحكام “الكتاب الأقدس”، هيكل نظم حضرة بهاء الله العالمي. كانت الأحداث المصاحبة لهذه الفترة عظيمة المغزى، إذ أسهمت في بروز أمر الله في إيران، ودللت على عالميته وحيويته وقوته التي لا تقهر، وإنه دين فتي يمتلك دينامية لا نظير لها في تاريخ الأديان. وبينما كان أمر الله ينمو باضطراد في أرض ميلاده، بدأت طلائع رسالته الشافية بالتغلغل في بلدان أخرى مجاورة في الشرق.
يتطرق هذا المجلد إلى بعض هذه الأحداث، وتبدأ القصة من حيث توقفت في المجلد الثالث – أي عند وصول حضرة بهاء الله إلى قصر المزرعة، وتستمر مع الوقائع الرئيسة خلال بقية ولاية حضرته، ومع بعض أبرز ما أنزله من الألواح حتى صعوده في قصر البهجة. ويحدو المؤلف الأمل بمواصلة القصة في المجلدات المقبلة حول موضوع ميثاق حضرة بهاء الله، وهو أهم وأعظم جزء من ظهوره.
تم استخراج النصوص الأصلية العربية المتوفرة (وهي مطبوعة بخط عريض) بما فيها آيات القرآن الكريم والكتاب المقدس والأحاديث النبوية الشريفة. أمّا النصوص الفارسية فقد عربت من الأصل الفارسي مباشرة عندما لم يتوفر تعريب لها في الكتب الأمرية، ويشار إلى أرقام تلك المقتطفات في الحاشية أدناه(1) مع رقم الفصل بين قوسين. وقد تم نقل النصوص والمقتطفات المتوفرة من المصادر المذكورة في بند “مسرد الكتب والمراجع” كما وردت دون تعديل يذكر.
تم الالتزام بتعريب متن الكتاب ونقل المقتطفات كما وردت في الطبعة الإنگليزية الأصلية، عدا بعض المواقع، عندما وجد أن ذلك يتناسب مع السياق.
وفي متن الكتاب تشير الأرقام الصغيرة (مرتفعة قليلاً)، إلى الحواشي المبينة في أسفل الصفحة تحت خط، أمّا الأرقام الكبيرة في قوسين فتشير إلى المصادر والمراجع المقتبسة.
يسرنا أن نضع بين أيدي القراء الأعزاء الترجمة العربية للمجلد الرابع والأخير من كتاب “ظهور حضرة بهاء الله” لمؤلفه المغفور له السيد أديب طاهرزاده، وعرّبه المغفور له السيد فؤاد عبد الرزاق عباس. قام منسق تراجم مؤلفات السيد طاهرزاده بتدقيق وتنقيح الترجمة العربية وطباعتها واستخراج النصوص الأصلية، وعرّب بعض النصوص الفارسية التي لم تتوفر ترجمتها إلى العربية، ثم قام بإعداد الفهرس وتهيئة المجلد للطبع. ونود أن نشكر هنا الأستاذ مصطفى صبري والآنسة صبحية الطحان لجهودهما الخيّرة في مراجعة اللغة العربية.
يشكل رحيل حضرة بهاء الله من مدينة السجن في حزيران 1877م، وانتقاله إلى قصر المزرعة، نقطة تحول في مقدرات فترة ولايته. وكان هذا القصر الصيفي الجميل يعود لعبد الله باشا، ويقع في ناحية هادئة من الريف شمال عكاء، وكان المبنى يتوسط حديقة في ناحية المزرعة الواقعة ضمن سهل شاسع، وتحدّها من جهة تلال الجليل، ومن الجهة الأخرى البحر. وقد خصص حضرة بهاء الله إحدى الغرف في الطابق الأرضي لتكون صالة استقبال حيث تشرف فيها الكثير من المؤمنين بمحضره. أمّا حجرته الخاصة فكانت في الطابق العلوي مع شرفة([1]) تطل على الريف الجميل.
وبقي في عكاء كل من حضرة عبد البهاء ووالدته نواب الطاهرة، وشقيقته العزيزة، الورقة المباركة العليا، فكانوا يذهبون لزيارة حضرة بهاء الله من وقت لآخر، وبخاصة المولى الذي كان يتشرف بمحضره المبارك كلما تيسر له ذلك.
إن السبب الرئيس لعدم انضمام حضرة عبد البهاء إلى والده العزيز في “المزرعة” وقصر البهجة فيما بعد، هو فداحة ما كان يرزح تحته من أعباء المسؤوليات التي أخذها على نفسه منذ أيام أدرنة لتخفيف أعباء الحياة اليومية عن حضرة بهاء الله. ففي عكاء بلغ ثقل مسؤولياته بحيث اضطر للبقاء فيها لحل العديد من المشاكل المتصلة بجماعة البهائيين وكذلك أهالي عكاء والمدن المجاورة لها. فكان مشغولاً من ساعات الصباح الأولى وحتى منتصف الليل بالاجتماع بالمسؤولين الحكوميين والشخصيات الدينية ورجال الثقافة والتجارة، فضلاً عن اهتمامه باحتياجات المواطنين، والفقراء والمرضى وكبار السن، والمشرفين على الموت، والأرامل والأيتام. وسعى إليه الحكام والموظفون في كثير من الأحيان طالبين المشورة بشأن مسائل ذات أهمية كبيرة تتعلق بأعمالهم. وبالمثل جلس الزعماء الدينيون عند قدميه وتلقوا جميعهم قدراًً من علمه وحكمته. كان المشاوَر لكل إنسان، والأب الحقيقي المحب للفقراء والمضطهدين، ويمضي عدة ساعات كل يوم في زيارة المرضى، وتقديم العلاج الطبي والطعام والملبس لأولئك المحتاجين. كان حقاً “سيد عكاء”.
وكانت رعايته لشؤون جماعة البهائيين لا تقل أهمية أو استهلاكاً للوقت. فلم يقتصر عمله على إرشاد أفراد الأحباء المقيمين في عكاء وتوجيههم حول شؤونهم الشخصية والجماعية، بل شمل أيضاً الترتيبات التفصيلية للسيل المتواصل من الحجاج القادمين للتشرف بمحضر حضرة بهاء الله. كان المولى يتأكد من توفر الراحة لكل واحد من الحجاج ينزل في دار المسافرين، وإن لم يتيسر له ذلك، ففي أمكنة أخرى. أحاطهم بمحبته الشاملة، ونصحهم في شؤونهم المتعددة، وأعدّهم روحياً لتلك اللحظة العظمى في حياتهم عندما يؤذن بدخولهم إلى محضر مولاهم. بل إنه في بعض الحالات تفحّص ملابسهم، فإذا وجدها مهلهلة أو غير مناسبة، كان يرتب لهم ارتداء ملابس جديدة جديرة بالدخول إلى محضر حضرة بهاء الله.
فيما يلي ذكريات طوبا خانم، إحدى بنات حضرة عبد البهاء، فيما يتعلق بحضرته في تلك الأيام:
ملأ حياة المولى في عكاء العمل المتواصل لصالح الآخرين.
كان ينهض في وقت مبكر جداً، يتناول الشاي، ثم ينطلق إلى جهاد المحبة الذي أخذه على عاتقه. وغالباً ما يعود في وقت متأخر من المساء دون أن يكون قد تناول شيئاً من الطعام أو أخذ قسطاً من الراحة.
كان يذهب أولاً إلى البيروني، حجرة استقبال واسعة مستأجرة كانت تقع في الجانب المقابل من الشارع إلى منزلنا، كنا غالباً نراقب من النوافذ فنشاهد أناساً محتشدين هناك يطلبون المساعدة من المولى.
فمثلاً لو أراد رجل أن يمتلك حانوتاً فإنه يشعر بضرورة طلب نصيحة من حضرته. وآخر بحاجة إلى خطاب تعريف، أو توصية من أجل منصب حكومي. ومرة قد تأتي امرأة فقيرة اتُّهم زوجها باطلاً، أو سيق للخدمة العسكرية تاركاً إيّاها والأطفال يموتون جوعاً، أو يأتي شخص يخبره عن وجود أطفال تساء معاملتهم، أو امرأة تتعرض للضرب من قبل زوج أو أخ.
فكان عباس أفندي يبعث شخصاً كفؤاً مع هؤلاء المساكين ليشرح قضاياهم أمام القاضي في المحكمة، عسى أن ينالوا العدل.
واستقبل البيروني ضيوفاً آخرين، وسرعان ما اعتُبر مركزاً يستقطب الاهتمام.
فالمفتي، والحاكم، والمشايخ، والمسؤولون في المحكمة جاءوا إلى البيروني فرادى أو جماعات للاجتماع بالمولى. هنا جرت العادة على استضافتهم بقهوة لذيذة خاصة “قهوة خانگي” (قهوة بيتية). فيتبادلون، وهم يحتسون القهوة، الأحاديث حول كل الأخبار، أو ينشدون التفسيرات، أو يطلبون المشورة أو التعليق من المولى الذي صاروا يعتبرونه رجل علم حكيم تملؤه المحبة والعون العملي والنصيحة للجميع.
عندما ترفع جلسات المحكمة، كان الحاكم غالباً يأتي إلى البيروني، حيث يتحدث عن أي قضية معقدة، واثقاً من أن عباس أفندي سيجد حلاً للمشكلة مهما بلغت صعوبتها…
في بعض الأيام لم يستطع أن يلتقي بعائلته لشدة انشغاله بأمور الناس ومشاكلهم في البيروني ممن يقصده في طلب معونة ما.
أمّا المرضى العديدون، من البهائيين وغيرهم فكانوا موضع رعايته الدائمة، فمتى رغبوا في مقابلته حضر…
ولم يهمل في شيء سوى براحته وغذائه، فالفقراء كانوا دوماً في مقدمة اهتمامه ورعايته.
إن كل ما كان يُرسل إليه من حلوى وفاكهة وكعك كان يأخذه إلى البيروني ليوزعه على الأحباء والأصدقاء، ليزيد من مسرتهم…
بالنظر لعدم وجود مستشفى في عكاء، كلف المولى طبيباً اسمه نيكولاكي بيك، بمعاينة الفقراء والمعوزين وخصص له راتباً ثابتاً للقيام بذلك، وطلب منه ألاّ يعلن لأحد هوية المسؤول عنه، أي “ألاّ تعرف يسراه ما قدّمت يمناه”.
أمّا غير ذلك مما كان الفقراء يحتاجونه عندما يمرضون، وهي أشياء عديدة منوعة، فلم يخطر ببالهم سوى المولى ليتوجهوا إليه…(1)
وبقيام حضرة عبد البهاء بكل تلك الأعمال فإنه حمى والده من العالم الخارجي حتى يكرس كل وقته، بدلاً من الانشغال بشؤون جماعته، لتنزيل الكلمة الإلهية ولقاء الأحباء. واعتاد حضرة عبد البهاء أن يزور والده كلما استطاع، وبلقائه يدخل كثيراً من السرور على قلب حضرة بهاء الله.
وقد سجل الحاج ميرزا حيدر علي،([2]) ذلك العملاق الروحاني الذي خُلد بلقب “ملاك الكرمل”، ذكرياته عن إحدى لقاءاته الخالدة وتشرفه بمحضر حضرة بهاء الله. وفيها يستذكر كلمات حضرة بهاء الله([3]) بخصوص دور حضرة عبد البهاء في حمايته من ضغوط العالم الخارجي.
في أيام بغداد اعتدنا الذهاب شخصياً إلى المقهى([4]) وملاقاة الجميع هناك، كنا نعاشر مع الناس سواء من الأصحاب أو غيرهم، أو من المعارف أو الغرباء، أو الذين جاءوا من بعيد أو قريب.
وكنا نعتبر البعيد قريباً والغريب من المعارف، وخدمنا أمر الله وعززنا كلمته ورفعنا اسمه. وخلال ذلك قام الغصن الأعظم (حضرة عبد البهاء) بكل هذه الخدمات، متحملاً كل المصاعب، وصابراً على العناء والمحن إلى حد بعيد في أدرنة، ثم الآن أكثر من ذلك بكثير في عكاء، لأنه خلال فترة بغداد لم نكن في الظاهر سجيناً، كما أن أمر الله لم يكن يتمتع بالصيت والشهرة الذي هو عليه اليوم، فالذين عارضوه والأعداء الذين حاربوه كانوا قلة متباعدة.
في أدرنة كنا نلتقي ببعض الناس وأذنّا لعدد منهم بالمثول في محضرنا. لكن في السجن الأعظم لم نلتق أحداً([5]) كما أننا أغلقنا الباب تماماً أمام معاشرة الناس. والآن يتعهد المولى نفسه بالقيام بهذا العبء في سبيل راحتنا، فهو درع عظيم في مواجهة العالم وأهله، وبذلك فإنه أراحنا (من كل هذه الأعباء). حصل أولاً على قصر المزرعة لنا حيث أقمنا فيه، ومن بعده قصر البهجة. وهو مشغول في خدمة أمر الله لدرجة تمر أسابيع دون أن يجد الفرصة للقدوم إلى البهجة. فبينما نحن منشغلون بملاقاة المؤمنين وإنزال آيات الله، يكون هو منشغلاً في جهوده الشاقة ونضاله في مواجهة كل شقاء وعناء. لأن التعامل والعشرة مع هؤلاء الناس مهمة شاقة للغاية.(2)
كان لبقاء حضرة عبد البهاء في عكاء غاية أخرى أيضاً. فقد كان إخوانه، وخاصة ميرزا محمد علي([6]) ووالدته، يشعرون بغيرة وحسد شديدين تجاهه. وكان هذا الأخ، الذي أصبح الناقض الأكبر لعهد حضرة بهاء الله بعد صعوده، قد نهض بكل ما ملك من قوة ليحطم حضرة عبد البهاء والأمر الإلهي الذي سعى لترويجه. وبابتعاده عن حضرة بهاء الله، الذي أحب ابنه البكر كثيراً ومجّد مقامه بعبارات وهاجة، نجح حضرة عبد البهاء شيئاً ما بتهدئة نيران الحسد المتأججة في صدورهم. وإلى جانب هذا فقد كانت سياسة حضرة بهاء الله عبر السنوات أن يقرّب إليه، قدر الإمكان، من كان يتوقع إثارته للمشاكل أو من كان في باطنه غير مخلص لحضرته، وبذلك يسيطر على خبثهم ويكبح جماحهم. أمّا الآن وقد أتيح لحضرته شيء من الحرية، اختار حضرة بهاء الله أن يعيش مع أولئك النفر من أسرته ممن اثبتوا في النهاية خيانتهم لأمره.
في مجلد سابق([7]) شرحنا وضع أولئك الذين كانوا قريبين جداً من حضرة بهاء الله، كأخيه وأبنائه وبناته وغيرهم من أفراد عائلته، لكنهم مع ذلك صاروا من أوائل الذين تمردوا ضد أمره وأصبحوا مصدر شقاق وخلاف بين أتباعه.
لأجل أن يقدر الإنسان مغزى انتقال حضرة بهاء الله إلى قصر المزرعة، ولماذا قدر بذلك افتتاح فصل جديد في تاريخ أمر الله، يتعين أن نستذكر السنوات الشداد من ولايته قبيل حدوث هذه الخطوة التاريخية. وإذ نستعرض حياة حضرة بهاء الله الحافلة بالأحداث في هذا المنعطف الزمني، نلاحظ بأنه كان لفترة ربع قرن هدفاً رئيساً للهجمات من قبل عدو لا يلين.
وقد تعرّض قبل مولد بعثته لمعاناة شديدة من خلال ما تعرضت له جماعة البابيين من اضطهاد. مثال ذلك ما تعرض له من أذى بالفلقة الرهيبة في ولاية مازندران، أرض موطنه. ثم الظروف المهينة عندما اقتيد ماشياً مقيداً بالسلاسل حافي القدمين وعاري الرأس في حر الصيف إلى سجن سياه چال في طهران، وحبسه هناك في ذلك الدهليز المظلم تحت الأرض؛ ثم سلسلة الحديد الغليظة المعروفة باسم “قَرَه گُهَر” والتي وضعت حول عنقه واخترقت جسده وطبعت أثرها فيه مدى العمر؛ ثم ما عاناه من مصاعب خلال نفيه الأول من موطنه إلى العراق، وما تحمّله من حرمان وعناء أثناء اعتكافه وحيداً في جبال كردستان المكسوة بالثلوج؛ وما أعقب ذلك من نفي آخر إلى عاصمة الإمبراطورية العثمانية، المدينة التي وصفها بـ”كرسي الظلم“؛ ثم نفيه المهين إلى أدرنة، “السجن البعيد“، في عربات تجرها الجياد وفي طقس بالغ البرودة وتحت درجة التجمد، والبلايا التي واجهها في “أرض السر“؛ ثم الشدائد التي تعرض لها بعد ذلك والقيود التي فرضت عليه، وعلى أصحابه وأهله، خلال مرحلة نفيه إلى مدينة عكاء الموحشة؛ وحبسه الانفرادي في ظروف لا تحتمل داخل ثكنات تلك المدينة التي سماها بـ”السجن الأعظم“؛ ثم إقامته قرابة سبع سنوات بين جدران منزل صغير خال من الخضرة التي تسر النظر – كل تلك المصائب والمحن التي عاشها مظلوم العالمين وتجرّعها بمثل هذا الصبر والتسليم قد أشرفت أخيراً على نهايتها. فكانت مغادرته مدينة السجن إيذاناً بافتتاح عهد جديد من الهدوء والسلام النسبي في حياته.
لم يكن نقاء هواء الريف في المزرعة والحقول المنبسطة حولها فقط هو ما خفف قسوة الظروف التي عاشها حضرته آنذاك. بل إن العامل الرئيس الذي افتتح بتأثيره عهداً جديداً في ولايته يكمن في ابتداء تكشّف عظمته وقدرته ونفوذه للمحبين والأعداء على السواء. وقد ظهر ذلك بأجلى صورة عندما توجّه المفتي، وهو أعلى شخصية دينية رسمية في البلاد، إلى حضرة بهاء الله وركع أمامه بمحبة وتواضع ورجاه أن يترك مدينة السجن،([8]) وهي خطوة وافق عليها حاكم عكاء على الرغم من مضمون فرمان السلطان.
كما أحدث انتقال حضرته وإقامته في قصر المزرعة الصيفي، الكثير من الهياج العاطفي والسرور في قلوب أصحابه. فتحققت النبوءة التي نطق بها لدى وصوله إلى عكاء بأن أبواب السجن سوف تفتح، عندما غادر الثكنات. وبانتهاء حبسه بين جدران السجن تحققت تلك النبوءة تحققاً كاملاً.
كان حضرة بهاء الله يعشق جمال الطبيعة ويهوى الحياة في الخلاء، وبإقامته في قصر المزرعة أتيح لحضرته التمتع بمناظر الطبيعة بعد تسع سنوات من الحبس داخل جدران مدينة السجن الكئيبة. نجد في ألواحه التي أنزلها في هذه الفترة إشارات لجمال الريف. ففي لوح إلى الأفنان اللامع، آقا ميرزا آقا، الملقب نور الدين،([9]) يشير إلى المناظر الخلابة في المزرعة واصفاً بعبارات مبهجة منظر البحر من جهة والتلال من جهة أخرى، ويتحدث عن سحر الأشجار المثقلة بثمار البرتقال التي وصفها ككرات من نار!
كما شعر المؤمنون الذين جاءوا للحج آنذاك، بالفرح والانشراح أيضاً لتوفر الحرية لحضرته، وقد حضر العديد منهم وفازوا بمحضره المبارك في هذا القصر في جو مختلف تماماً عن الأيام الماضية في أدرنة أو عكاء. فالشعور السائد هنا كان شعوراً بالحرية والنصر وغلبة أمر الله مما أسرّ قلب كل مؤمن مخلص. وقد اعتاد بعض المؤمنين منذ أيام بغداد على إقامة وليمة ثم التوسل إلى حضرة بهاء الله لتشريفهم بحضوره إليها، لكن ذلك التقليد كان مشروطاً بإذنه وقبوله ولو أنه أحياناً أسعد المؤمنين بقبول دعواتهم. وحصل ذلك حتى في فترة حبسه في الثكنات حيث كان بعض المؤمنين يوفرون من مخصصات قوتهم اليومي الضئيل لكي ينتهزوا فرصة إحدى المناسبات ليدعوا حضرة بهاء الله إليها.([10]) وكما يتضح من بعض ألواح حضرته، فإن عدداً من المؤمنين في إيران كانوا يبعثون أموالاً إلى كاتب وحيه، ميرزا آقا جان، ويرجونه أن يصرفها في إقامة وليمة باسمهم من أجل حضور حضرة بهاء الله إليها.
عندما انتقل حضرة بهاء الله إلى خارج المدينة، أصبحت هذه الممارسة أسهل. بعد طلب إذنه، كان الأحباء يقيمون ولائم في بقاع مختلفة من الريف. ولا شك في أن البركة الإلهية التي حظي بها أولئك الأتباع بتمتعهم بالامتياز الفريد بوجودهم في محضر مولاهم كانت لا حصر لها. فمن غير الممكن بالنسبة لنا، نحن الذين نعيش بعد أولئك الأحباء بمائة سنة، أن نقدر تماماً، أو حتى نتصور، ما كان يختلج في قلوبهم، أولئك النفوس السكارى بمحبة الله، من لجج الحب والنشوة والتفاني والامتنان وهم يجلسون مع المظهر الكلي الإلهي في خلوة موقع جميل، أو يقفون بينما كان حضرته في وسطهم يتحدث إليهم فرادى أو جماعة، وأن يشاركهم في وليمة الطعام. أمّا لأي مستويات من الروحانية ارتقت تلك النفوس إثر لقاءات كهذه فلن يمكننا أن نعرف أبداً. لقد حاول بعض الذين فازوا بمحضره المبارك أن يصفوا شعورهم بتلك الطاقات النباضة بالحياة وهي تغمر قلوبهم حينما كان يحدثهم ولكنهم اعترفوا جميعهم بعجزهم عن القيام بذلك بنحو وافٍ، ذلك لأن حظوة ملاقاة من تجسدت في كيانه روح الله الأعظم([11]) هي تجربة لن يقدر أحد على وصفها.
تشرّف الحاج محمد طاهر المالميري([12]) بمحضر حضرة بهاء الله حوالي عام 1878–1879م. وكلما سأله الأحباء أن يصف لهم انطباعه عن الجمال المبارك ردد في جوابه جزءاً من قصيدة فارسية:
واعجباً لرؤيا في منامي رأيتها
حار اللسان الكليل في سرها فكتمتها
كيف لا وقد تحدّت الأقلام بجمالها
في عالم أصم دونه السرّ في إسماعها
وقد ترك هذا المؤمن نفسه للأجيال القادمة وصفاً لإحدى الولائم التي كان له شرف الحضور فيها. فيما يلي ما سجله في ذكرياته عنها:
في موسم الربيع اعتاد حضرة بهاء الله أن يقيم في المزرعة([13]) لبعض الوقت. تقع المزرعة على مسافة فرسخين (نحو 12 كيلومتراً) من مدينة عكاء، ومن أجل التشرف بزيارة حضرته كنت أذهب إلى المزرعة في النهار، وفي المساء أعود إلى دار المسافرين. أقام أحد الحجاج في أول يوم من أيام الهاء مأدبة غداء دعا إليها حضرة بهاء الله وجميع الأحباء في عكاء، وأنا أيضاً ذهبت إلى المزرعة. وقد نُصبت هناك خيمة كبيرة في الصباح الباكر أمام مدخل الحديقة فوق فسحة بهيجة. حضر صباح ذلك اليوم إلى المزرعة جميع المؤمنين، وكانوا قرابة مائتي شخص، بمن فيهم المقيمون في الأرض الأقدس والحجاج.
حضر الجمال المبارك من القصر قرب وقت الظهيرة ودخل الخيمة بكل جلال، وكان جميع المؤمنين واقفين أمام الخيمة. ثم رتّل ميرزا آقا جان، الذي كان واقفاً في محضر حضرة بهاء الله، دعاء سَحَر خاص بشهر الصيام أنزل في ذلك اليوم. عند انتهاء الدعاء أشار الجمال المبارك على الأحباء بالجلوس، فجلس كل شخص في المكان الذي كان يقف فيه. ثم تحدث حضرته إلينا وبعد انتهاء حديثه سأل: ‘وماذا عن الوليمة، أهي حقاً قائمة؟’ عندئذ سرع بعض المؤمنين خارج الخيمة وسرعان ما جيء بطعام الغداء. وضعت منضدة منخفضة وسط الخيمة، وجلس شخصه المبارك وجميع الأغصان([14]) حول المائدة، ولوجود فسحة شاغرة، نادى حضرته بأسماء بعض المؤمنين للانضمام إليه، وورد اسمي بينهم. تفضل قائلاً: ‘آقا طاهر، تعال واجلس.’ فتقدمت وجلست في محضره أمام المائدة. بعد فترة تفضل حضرته قائلاً: ‘لقد تعبنا من الأكل، يمكن لمن أخذ كفايته أن يغادر.’ فنهضت على الفور وغادر حضرته أيضاً. وما تبقى من طعام في صحن حضرته اقتسم بين الأحباء، ثم دخل بقية المؤمنين جماعة بعد أخرى إلى الخيمة لتناول الطعام. وهكذا نال كل واحد في تلك المناسبة حظاً من الطعام المادي والروحي. أمّا أنا فانتهزت الفرصة لاستنسخ دعاء الصوم من ميرزا آقا جان وحصلت بذلك على نسخة منه لنفسي، وفي المساء عاد جميع الأحباء إلى عكاء، لكن المولى (حضرة عبد البهاء) لم يكن موجوداً في ذلك اليوم.
بالإضافة إلى المزرعة، كان حضرة عبد البهاء قد استأجر في وقت سابق حديقة تعرف باسم النعيمين، وهي جزيرة تقع على مقربة من مدينة عكاء. قام بذلك تحسباً لإطلاق سراح حضرة بهاء الله من الحبس. وبعد الإفراج عنه كان حضرته كثيراً ما يزور هذه البقعة الجميلة، عادة في الربيع والصيف وأوائل الخريف. وسمّاها حضرته حديقة الرضوان، ويشير إليها في بعض ألواحه بعبارة “أورشليم الجديدة” و”جزيرتنا الخضراء”.
إن الذي أبقى هذه الحديقة على جمالها هو ما بذله المؤمنون الإيرانيون من تفان وعمل جاد وبإشراف وتوجيه مستمرين من قِبَل المولى. وقد أحضروا كميات كبيرة من التربة من الأماكن المجاورة وعملوا منها أحواض زهور في كل مكان، في حين ساهم الأحباء في إيران والبلدان المجاورة بجلب العديد من الشجيرات والأشجار والنباتات المزهرة، بعضها من الأنواع النادرة. واضطروا إلى عبور الجبال والصحارى لعدة أشهر وهم يعتنون بتلك الأشتال أثناء رحلاتهم لضمان وصولها نضرة وجاهزة للغرس في الحديقة. إن رعاية أولئك المؤمنين في حمل تلك النباتات والشجيرات في رحلات طويلة خطرة لهي مؤشر على إخلاص وتفان وحب لا مثيل له في تاريخ أي دين من الأديان، وتتجلى تلك الرعاية في جمال الحديقة نفسها.
كان الدافع وراء القيام بهذه المهمة غير العادية، والتي بدت مستحيلة في البداية، هو إحساس عميق من الحب لحضرة بهاء الله، حب لا يعرف الحدود. فقد رغب المؤمنون تقديم هدية دنيوية جميلة كانوا يعلمون مدى استمتاعه بها. ذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما احضروا إلى عكاء شتلاً لورد أبيض نادر الوجود كان من الأصناف التي يفضلها في طهران. وفي بعض ألواحه يشير حضرة بهاء الله إلى هذه النباتات ويعرب عن تقديره العميق لتفاني أولئك الذين أحضروها.
ولم يكن حماس البستانيين وتفانيهم في العناية بالنباتات ليلاً ونهاراً لجعل حديقة الرضوان بقعة جميلة لاستمتاع حضرة بهاء الله، بأقل إثارة للإعجاب. تقع حديقة الرضوان على جزيرة صغيرة جداً أحدثها تفرع نهر ينحدر صوب البحر إلى ساقيتين تحيطان بتلك المساحة الصغيرة من الأرض. في أيام حضرة بهاء الله زرعت تلك الجزيرة بمجموعات من الأوراد وكان فيها العديد من شجيرات الزينة وأشجار الفاكهة، كما كانت هناك نافورة توزع الماء إلى جميع أجزاء الحديقة. وأثناء تدفقها، تنحدر المياه إلى جدول واسع يترقرق فوق منصة صخرية تقع تحت شجرتي توت ضخمتين. بلغ عرض الجدول المنساب بجانب الجزيرة بين أربعة عشر إلى خمسة عشر قدماً وعمقه ثلاثة أقدام، ويمكن رؤية الأسماك تنطلق فيه بأعداد كبيرة. وكانت الحديقة محفوفة بالصفصاف الباكي، بينما عبق هواؤها بأريج الياسمين وزهر البرتقال. وما تزال معظم هذه الملامح باقية حتى الآن عدا أن الماء لم يعد يجري حول الحديقة إذ تم تحويل مجرى الجدولين في الآونة الأخيرة.
وكلما زار حضرة بهاء الله حديقة الرضوان كانت مناسبة سعيدة ليس فقط لنفسه بل للمولى وسائر الأحباء. جلب جو واحة الجمال هذه بعض الاسترخاء لحضرة بهاء الله، وهو يجلس على مقعد مستطيل وضع في ظل شجرتي التوت الكبيرتين. هناك أيضاً حظي المؤمنون بشرف الجلوس في محضره المبارك على مقاعد مماثلة.
مر أحد الأحباء بتجربة من الخشوع الرهيب وهو يحدق في طلعة حضرة بهاء الله في حديقة الرضوان، كان يعرف باسم الحاج يهودا. نشأ وترعرع في عائلة يهودية، وكان والده الحاخام الكبير في مدينة رشت والبلدات المجاورة في شمالي إيران. كان في شبابه يعمل بائعاً متجولاً يسافر إلى مختلف المدن، وفي إحدى رحلاته إلى همدان التقى ببعض البهائيين الذين تحدثوا إليه عن بعثة حضرة بهاء الله وبالتالي اعتنق أمر الله. وسافر حوالي عام 1888–1889م إلى عكاء للتشرف بمحضر حضرة بهاء الله، وكان أول لقاء بحضرته في حديقة الرضوان.
وما أن أُدخل إلى محضره وشاهد المياه المتدفقة من النافورة قرب قدمَي حضرة بهاء الله وهو جالس على الأريكة وتحف به من الجانبين مياه الجدولين، عادت إلى ذهنه رؤيا أنبياء بني إسرائيل الواردة في العهد القديم:
“نهر سواقيه تفرح مدينة الله مقدس مساكن العلي. الله في وسطها فلن تتزعزع. يعينها الله عند إقبال الصبح.”(1)
“بل هناك الرب العزيز لنا مكان أنهار وترع واسعة الشواطئ. لا يسير فيها قارب بمقذاف وسفينة عظيمة لا تجتاز فيها.”(2)
لقد أربكته هذه الرؤيا التي تكشفت له بشكل مفاجيء وواضح، فلا عجب أن نقلته تلك الصاعقة إلى عالم مختلف، فاهتز كيانه إلى الأعماق لأنه رأى نفسه واقفاً بذهول وعجب في محضر رب العهد القديم. وكانت رغبته الفورية أن يلقي بنفسه ساجداً عند قدمَي حضرة بهاء الله، وهذا ما فعله. كان أثر هذا الاجتماع الأول، واستماعه لكلمات حضرة بهاء الله في تلك المناسبة، اشتعال نار الحب والعشق التي استمرت متقدة في قلبه حتى نهاية حياته، فقد تحوّل إلى خلق جديد وكان متهللاً من الفرح لدى مغادرته الأرض الأقدس.
لدى عودته إلى إيران بدأ الحاج يهودا في تبليغ أمر الله بين أبناء طائفته، وبرز بين المبلّغين البهائيين ونجح في إدخال عدد من اليهود في ظل أمر الله، كان من بينهم أفراد بلغوا مكانة بارزة بين البهائيين الإيرانيين. كما تحمّل الحاج يهودا المشقة والمعاناة على أيدي أفراد الجالية اليهودية بسبب نجاحه في تبليغ أمر الله.(3)
وصفت طوبا خانم، ابنة حضرة عبد البهاء، ذكريات طفولتها عن حضرة بهاء الله في حديقة الرضوان:
يا لفرحة ذلك اليوم الذي توجّه فيه حضرة بهاء الله إلى حديقة الرضوان الجميلة التي تعهد بتحضيرها ورعايتها له حضرة عبد البهاء والأحباء المقيمون والحجاج!
كان قلب المولى ينشرح حقاً عند رؤية ابتهاج والده العزيز يجلس في راحة تحت شجرة التوت الكبيرة بجانب النهر الصغير الذي جُعلت فيه نافورة لإحداث خرير لدى مرور الماء فيها، فتنعش النفس بعد سنوات طويلة من الحبس داخل حصن عكاء الجزائي موبوء الهواء. ما من أحد سوى الذين عاشوا تلك الحياة كان يمكنه أن يدرك، بدرجة ما، قيمة التمتع بمنظر وفرة الأوراد بمختلف ألوانها وأشكالها وعطرها، بالمقارنة مع الحياة داخل جدران كئيبة وروائح منفرة في مدينة السجن.
وأتذكر جيداً أن أعظم أفراحنا كانت في النزهات العرضية مع حضرة بهاء الله في حديقة الرضوان.
كم كنا سعداء معه! كان بالفعل نور حياتنا خلال تلك الأوقات الصعبة.(4)
كثيرة كانت المناسبات التي أقام الأحباء فيها الولائم والاحتفالات وحظوا بتشريفها بحضور حضرة بهاء الله. وتعجز مخيلتنا عن وصف ما كانت تحدثه تلك اللقاءات من ابتهاج ونعيم عظيم واشتعال روحاني في قلوب الحاضرين، فلا عجب أن صارت الحديقة مكاناً للاحتفال والسرور فعلاً. يحدثنا بهذا الصدد ميرزا أسد الله القمي،([1]) أحد الأحباء البارزين، ذاكراً بأن حضرة بهاء الله دعا ذات مرة جميع الأحباء إلى حديقة الرضوان حيث استضافهم بالمرطبات بمناسبة الإفراج عن العديد من الأحباء المسجونين في طهران، وكان من بين أولئك ميرزا أبو الفضل، وأيادي أمر الله الحاج الملاّ علي أكبر،([2]) والسيد أسد الله نفسه. وكان حضرة بهاء الله، بعلمه اللدني المحيط بالأشياء، قد أقام تلك الوليمة وأعلن عن إطلاق سراحهم واحتفل بالمناسبة، في حين أن البرقية التي تحمل هذا الخبر وصلت عكاء بعد يوم واحد.
هناك بيت صغير في نهاية حديقة الرضوان، وأمّا الغرفة الصغيرة فيه التي استعملها حضرة بهاء الله للراحة وتناول الطعام، وأحياناً لإنزال الألواح، فقد حُفظت في شكلها الأصلي. روى الحاج ميرزا حيدر علي الشهير قصة مثيرة للاهتمام وكيف أنه كان قادراً على رؤية لون “تاج” حضرة بهاء الله للمرة الأولى حينما كان حضرته يتناول الطعام في تلك الغرفة، وقد سبق ذكر هذه القصة في مجلد سابق.([3])
أنزل حضرة بهاء الله لوحاً هناك، ويمكن اليوم رؤيته مع ترجمة له بالإنگليزية، معلقاً على جدار تلك الغرفة. يتضح لمن يتمعن بقراءة هذا اللوح مدى تمتع حضرة بهاء الله بالحديقة، وكم كان يعشق جمال الطبيعة. فيما يلي نص اللوح (والأجزاء المعربة عن الفارسية):
هو الله تعالى شأنه العظمة والاقتدار
في صباح يوم الجمعة المباركة توجّهنا من القصر إلى البستان وكانت كل شجرة تنطق بكلمةٍ وكل ورقة تترنم بذكرٍ. وصدح النخيل بذكر “انظروا إلى آثار رحمة الله” وجرى النهران بلسان فصيح بقراءة الكلمة المباركة “ومنّا كل شيء حيّ“. سبحان الله! لقد نطقوا بأسرار يتحيّر منها السامعون. ففي أي مدرسة تعلّموا وبمحضر مَنْ تربّوا؟ بلى إن المظلوم يعلم ويقول عند الله المهيمن القيوم.
وبعد الجلوس حضرت راضية عليها بهائي وفازت بشرف محضرنا نيابة عن جنابك ومدّت مائدة النعمة الإلهية واستضافت الحاضرين باسمك على أتم وجه. وفي الحقيقة إنها جاءت بما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين بل ما تريد الآذان. وتحركت الأوراق من نسيم إرادة الله ومن حركتها سُمع صوت جميل ونطقت بكلمة مباركة كأنها تدعو الغائبين إلى هذه الوليمة. وتنعّمت الأبصار بمشاهدة آثار القدرة والصنيعة الإلهية في الأزهار والأثمار والأشجار والأوراق والأنهار المحظوظة، الحمد لله الذي أيّدك وأيّدها.
وبالاختصار، بعد أن تنعّم مَنْ في البستان بالنعم البديعة اللطيفة نطقوا عند الانتهاء بحمد وشكر مولى الورى، فيا ليت حضر أولياء الله في هذا اليوم.
نسئل الله تبارك وتعالى أن ينزل عليكم في كل حين رحمة من عنده وبركة من لدنه وفضلاً من جانبه إنه هو الغفور الكريم.
نرسل سلامنا إلى أولياء الله وندعوه تعالى أن يفوز كل منهم بما هو مذكور ومقبول لدى ساحته. السلام عليكم وعلى عباد الله المخلصين والحمد لله رب العالمين.
أمّا راضية، التي ورد ذكرها في هذا اللوح، فكانت أخت حرم حضرة عبد البهاء، منيرة خانم، وكانت الوليمة قد قدّمت نيابة عن زوجها الذي لم يكن حاضراً في ذلك الوقت. وكان ابن عمها السيد علي، والابن الوحيد لميرزا هادي، من البابيين المتميزين، وزوجته اللامعة شمس الضحى.([4])
وميرزا هادي، عمّ سلطان الشهداء ومحبوب الشهداء،([5]) كان من المؤمنين المتحمسين لأمر الله في الأيام الأولى من ظهوره. وكان حاضراً في مؤتمر بدشت وتعرض للاضطهاد والهجوم في تلك المنطقة وتوفي هناك. وقد وصف حضرة عبد البهاء شمس الضحى، زوجة ميرزا هادي، والتي كانت رفيقة مقربة للطاهرة، بأنها: “أمة الله الناطقة“.
الأمانة: “الزينة الكبرى لأهل البهاء”
نزلت ألواح أخرى في هذه البقعة المقدسة. هناك فقرة شهيرة([6]) عن الأمانة يصف فيها حضرته الرؤيا التي رآها في حديقة الرضوان بهيئة حورية السماء. وتوجد هذه الفقرة في كل من “لوح الإشراقات” و”لوح الطرازات” وكذلك في لوح نزل في حق الحاج ميرزا بزرگ الأفنان،([7]) أحد المؤتمنين اللامعين على حراسة بيت حضرة الباب في شيراز. غالباً ما نجد مصطلح “حورية السماء” في ألواح حضرة بهاء الله المنزلة بلغة الرمز، وفي بعض الأحيان، كما في هذا اللوح، يستعمل حضرته هذا الرمز ليصف ظهور بعض الصفات الإلهية،([8]) لكن في ألواح أخرى قد يعبر هذا الاصطلاح عن معنى آخر لا تكشفه سوى دراسة الكتابات المقدسة بعمق.
وبهذه العبارات الجميلة يتحدث حضرة بهاء الله عن أهمية الأمانة:
“إنا نذكر لك الأمانة ومقامها عند الله ربك رب العرش العظيم. إنا قصدنا يوماً من الأيام جزيرتنا الخضراء فلما وردنا رأينا أنهارها جارية وأشجارها ملتفة وكانت الشمس تلعب في خلال الأشجار. توجهنا إلى اليمين رأينا ما لا يتحرك القلم على ذكره وذكر ما شاهدت عين مولى الورى في ذاك المقام الألطف الأشرف المبارك الأعلى. ثم أقبلنا إلى اليسار شاهدنا طلعة من طلعات الفردوس الأعلى قائمة على عمود من النور ونادت بأعلى النداء يا ملأ الأرض والسماء انظروا جمالي ونوري وظهوري وإشراقي تالله الحق أنا الأمانة وظهورها وحسنها وأجر لمن تمسك بها وعرف شأنها ومقامها وتشبث بذيلها. أنا الزينة الكبرى لأهل البهاء وطراز العز لمن في ملكوت الإنشاء. وأنا السبب الأعظم لثروة العالم وأفق الاطمئنان لأهل الإمكان.“(5)
حضّ حضرة بهاء الله أتباعه في جميع كتاباته ليزينوا أنفسهم برداء الصفات السماوية والخلق الحميد، لكنه ركز بشكل خاص على الأمانة. لا يمكننا أن نتصور مكافأة أو امتيازاً أكبر من الفوز بمحضر المظهر الكلي الإلهي، إلاّ أن حضرة بهاء الله في لوح إلى حواريه علي محمد ورقاء،([9]) يصرّح بأن تحلّي المؤمن بفضيلة الأمانة لهو أفضل بكثير عند الله من سفر المؤمن، سيراً على الأقدام، والفوز بمحضر حضرته. هذه هي كلماته:
“لو أن نفساً فازت اليوم بطراز الأمانة لكان عند الله أحبّ من عمل نفس قصدت الشطر الأقدس سيراً على الأقدام وفازت بلقاء المعبود في مقامه المحمود. إن الأمانة هي حصن مدينة الإنسانية، وعين الهيكل الإنساني. فلو حُرِمت نفس منها لاعتبرت عمياء لدى ساحة العرش ولو كانت في حدة البصر كزرقاء اليمامة.”(6)
يصرّح حضرة بهاء الله في “لوح الطرازات” بقوله:
“الطراز الرابع
في الأمانة إنها باب الاطمئنان لمن في الإمكان وآية العزة من لدى الرحمن من فاز بها فاز بكنوز الثروة والغناء. إن الأمانة هي الوسيلة العظمى لراحة الخلق واطمئنانهم. لم يزل ولا يزال قوام كل أمر من الأمور منوط بها وبها تستنير وتستضيء عوالم العزة والرفعة والثروة.”(7)
وفي “لوح الإشراقات” يُنزل لأصحابه بعضَ خيرة نصائحه:
“قل يا حزب الله زينوا هياكلكم بطراز الأمانة والديانة ثم انصروا ربكم بجنود الأعمال والأخلاق. إنا منعناكم عن الفساد والجدال في كتبي وصحفي وزبري وألواحي وما أردنا بذلك إلاّ علوكم وسموكم.”(8)
وفي موضع آخر:
“يا جليل وصِّ العباد بتقوى الله تالله هو القائد الأول في عساكر ربك وجنوده الأخلاق المرضية والأعمال الطيبة وبها فتحت في الأعصار والقرون مدائن الأفئدة والقلوب ونصبت رايات النصر والظفر على أعلى الأعلام.”(9)
في أحد ألواحه(10) المنزلة سنة 1882م، بكلمات كاتب وحيه،([10]) يورد حضرة بهاء الله تفاصيل قضية تخص اثنين من الأحباء في الإسكندرية واللذين تصرفا بمنتهى النزاهة وحظيا برضائه، وهما الحاج محمد اليزدي والسيد علي اليزدي. لم تربط بين هذين الرجلين صلة قرابة بل كانا شريكين في مؤسسة تجارية ناجحة. ومن المناسب قبل الدخول بتفاصيل اللوح الخاص بالأمانة، أن نقدم موجزاً لحياة الحاج محمد([11]) وخدماته.
كان الحاج محمد ابن الحاج عبد الرحيم قنّاد (الحلواني)، من مدينة يزد. وقد ورد في مذكرات لم تنشر للحاج محمد طاهر المالميري عن “تاريخ الأمر في مقاطعة يزد” جزء يخص سيرة حياة الحاج عبد الرحيم. فيما يلي موجز لجزء منها:
من الصعب جداً بالنسبة لي وصف سمو خلقه وروحانيته ونورانيته وعمق إيمانه وتفانيه لأمر الله. يكفي أن نقول أنه عندما شاع للجميع خبر إيمان الحاج عبد الرحيم بأمر الله، اضطرب جداً بسماعه ميرزا محمد تقي، مجتهد يزد. ونقل عنه قوله، ‘لو أن كل سكان يزد قد اعتنقوا الدعوة الجديدة، فإنني لم أكن لأهتم واضطرب كاضطرابي الآن بإيمان الحاج عبد الرحيم، لقد انقصم الآن ظهر الإسلام.’
ولمّا كانت حياته مهددة بالخطر لبعض الوقت بعد اعتناقه أمر الله، اضطر الحاج عبد الرحيم لمغادرة يزد، وأخيراً ذهب إلى الأرض الأقدس. وكان عزيزاً جداً على حضرة بهاء الله بحيث سمح له بالإقامة هناك. من بين أبنائه الأربعة كان الشيخ علي، أكبرهم، الذي أرسله حضرة بهاء الله بمهمة إلى الخرطوم حيث أسس فيها عملاً تجارياً وتوفي لاحقاً. أمّا ابنه الآخر، الحاج محمد، فكما سبق ذكره، أقام مشروعاً تجارياً مع اثنين من المؤمنين في الإسكندرية. والابن الأصغر، أحمد أفندي، أسبغ عليه حضرة عبد البهاء شرف تزويجه إلى ابنته الصغرى.
في اللوح آنف الذكر يسرد ميرزا آقا جان الأحداث التالية لوفاة الشيخ علي في الخرطوم. ويقول أنه بعد وفاته قام القنصل الإيراني بإرسال قائمة بممتلكاته إلى الملحق التجاري بسفارة إيران بالقاهرة، والذي بدوره طالب بدفع المبالغ المستحقة عن رسوم الوفاة التي ينص عليها القانون. فأكد الحاج محمد، الشقيق الأصغر للشيخ علي، رفقة أحد شركائه، السيد علي، وكلاهما حظيا بمديح حضرة بهاء الله في اللوح المذكور لأمانتهما، أكدا للسلطات بأنهما سيفيان بالتزامهما في هذا الصدد. كما قام بالوقت نفسه عدد من كبار تجار المدينة بالتأكيد للملحق التجاري الإيراني بأن البهائيين أناس أمناء وسوف يوفون بالتزاماتهم. ولقد تزامن هذا الحدث مع قصف الإسكندرية من قبل القوات البريطانية في عام 1882م، حيث دمر قسم كبير من المدينة بما فيه مقر الحاج محمد التجاري وكافة السلع فيه بنحو تام.
عاد الاثنان إلى الأرض الأقدس معدمين تقريباً، لكنهما أفلحا في الحصول على مبلغ من المال يكفي لتسديد ديونهما للسلطات. سافر السيد علي بعد ذلك إلى القاهرة، وعلى الرغم من أنه وجد أن الملحق التجاري السابق قد فصل من وظيفته، قام بتأدية المبلغ (خمسين جنيهاً) إلى خلفه. وجدير بالذكر أن كلاً من التجار والمسؤولين في السفارة اهتزت مشاعرهم من هذا التصرف. أمّا الملحق التجاري، الذي علم بما وقع من تدمير كامل لأعمال أولئك الشركاء، فقد رفض قبول المال في البداية. ونقل عنه قوله بأن مجرد القيام بذلك العمل النبيل الذي قام به البهائيون كان دليلاً كافياً على أمانتهم. إلاّ أنه قَبِل استلام المبلغ أخيراً معلقاً بالقول إن خير مكافأة برزت خلال تلك المعاملة هي أن أعداء أمر الله لم يستطيعوا إخفاء مديحهم لأتباعه والثناء على سلوكهم.
في هذا اللوح يصف حضرة بهاء الله هذا الإجراء من جانب اثنين من المؤمنين بأنه سلطان الأعمال الطيبة، ويدعو بأن يظهر أتباعه في كل أطراف الأرض روح الأمانة بين الناس.
لن تكون قصة الحاج محمد كاملة دون الإشارة إلى إحدى صفاته النبيلة، وهي إطاعته المطلقة لمركز أمر الله. في وقت من الأوقات كان للحاج محمد عمل تجاري في عكاء. حدث يوماً عندما كان جالساً في مكتبه أن جاءه المولى مع تعليمات عاجلة من حضرة بهاء الله مفادها أن على الحاج محمد التوجه فوراً إلى مدينة جدة في شبه الجزيرة العربية. فسأل حضرة عبد البهاء إذا كان يُسمح له بالتشرف بمحضر حضرة بهاء الله قبل مغادرته إلى جدة. لكن المولى أجابه بأنه لا وقت لذلك إذ إن السفينة كانت على وشك الإبحار في أي لحظة. فأغلق الحاج محمد مكتبه حالاً، ودون وداع عائلته، صعد إلى السفينة التي أبحرت على الفور تقريباً. وما أن استقر على متن السفينة حتى أدرك، نتيجة اندفاعه غير العادي، بأنه نسي سؤال المولى عن غرض رحلته إلى جدة. لكن الآن فات الأوان، ومع ذلك كان يعلم بأن حضرة بهاء الله سيوجه خطواته عندما يصل إلى تلك المدينة. هذا هو أفضل مثال على الإطاعة الفورية الدقيقة الكاملة لأوامر حضرة بهاء الله.
كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر بسبب هيجان البحر على نحو غير عادي، وخطر غرق السفينة كان في أذهان الجميع باستثناء الحاج محمد، الذي كان على يقين من إبحارها إلى وجهتها بأمان لأن الله كان قد أوكله بمهمة في جدة لم يكن يعرف طبيعتها بعد. فور نزوله من السفينة سمع شخصين يتحدثان باللغة الفارسية بين الحشود. عندما اقترب منهما سرعان ما تبين أنهما بهائيان. كانا الحاج ميرزا حيدر علي، أحد أتباع حضرة بهاء الله اللامعين، ورفيقه في السجن، حسين الشيرازي، واللذان أطلق سراحهما بعد سجن دام عشر سنوات في الخرطوم، وكانا في طريقهما إلى عكاء،([12]) وفي حاجة للمساعدة والتوجيه، إذ كانت تلك أول رحلة لهما إلى الأرض الأقدس. فأدرك الحاج محمد حينذاك بأن الهدف من مهمته في جدة هو مساعدة هذين الشخصين للذهاب إلى عكاء، فقام بأدائها باقتدار.(11)
فيما يتعلق بالأمانة، يصرح حضرة عبد البهاء في لوح إلى مؤمن مخلص من يزد، الحاج آقا محمد “علاقه بند” (منخِّل)، بأن لو نجح مؤمن في القيام بكل الأعمال الطيبة الحميدة، وقصّر في مواقف الأمانة والإخلاص، ولو بنحو ضئيل، فإن كل حسناته تصبح لاغية.
وهذه كلمات حضرته:
“لو أن شخصاً قام بجميع الأعمال الخيرية، لكنه خان في حق الأمانة والديانة ولو قيد شعرة فإن كل أعماله الخيرية تذهب هباء ويتحول تقصيره هذا إلى نار تكوي روحه. ولو أنه، من جهة أخرى قصّر في جميع الأمور ولكنه استقام على العمل بالأمانة والديانة فإن كل نقائصه تصلح في النهاية، وكل جراحه تلتئم وأسقامه تشفى. والمقصود هو أن الأمانة عند الحق هي أساس دينه وركن جميع الفضائل والمناقب. والذي حرم من هذه الخصلة فإنه محروم من كل شيء. فما ثمرة الإيمان والتقوى في غياب الأمانة؟ وما سيكون جدواهما وأثرهما؟ وأي نفع وفائدة يمكنهما أن يؤديا؟ ولذا فإن عبد البهاء ينصح الأحباء – لا بل يناشدهم بحرارة – من أجل المحافظة على حرمة أمر الله وصيانة عزتهم كأفراد حتى يُعرف أهل البهاء لدى كل الأمم ويشتهروا بسبب أمانتهم وديانتهم. وليس هناك اليوم خدمة أعظم من هذه. ومن يعمل بغير هذا فإنه يضرب بفأس على جذور أمر الله. نعوذ بالله من هذا الذنب العظيم أسأل الله بأن يحفظ أحبائه من هذا الظلم المبين.”(12)
وفي لوح آخر موجه إلى جناب ابن الأبهر،([13]) أحد أيادي أمر الله، يصرّح حضرة عبد البهاء بأن على المؤمنين التمسك بأعلى مستوى من الصدق والأمانة في تعاملهم مع بعضهم بعضاً:
“لقد كتبتَ بخصوص معاملات الأحباء مع بعضهم البعض. إن هذه المسألة من أهم الأمور وهذه القضية يجب أن تُعطى كل الاهتمام. ينبغي لأحباء الله أن يتصرفوا مع بعضهم البعض بمنتهى الأمانة والديانة، والتقصير في هذا الخصوص يعني إغفال المرء عن نصائح الجمال المبارك والوصايا الإلهية. فالشخص الذي لا يعامل أهله في بيته وأصدقاءه بأمانة وديانة تامتين، فإن معاملاته مع العالم الخارجي – رغم كل الأمانة والوفاء التي يبديها فيه – سوف لن تجديه نفعاً ولن تؤتي ثمراً. فالأولى بالمرء ترتيب وتنظيم شؤون وأحوال منزله وأسرته أولاً، ثم رعاية أحوال عمله وعلاقاته مع الناس والمجتمع. وبالتأكيد يجب ألاّ يعتذر المرء بالقول بأن المعارف والأقرباء ليسوا بحاجة إلى أن يعاملوا بمستوى عال من الرعاية والمثاليات، أو أن يقول بأنهم لا ينبغي أن يعيروا اهتماماً كبيراً ولا أن يتوقعوا الالتزام بالأمانة في معاملاتهم مع بعضهم البعض، بل إن التزاماً كهذا بالخلق القويم يكون ضرورياً فقط عند التعامل مع الغرباء. إن القول بهذا هو مجرد وهم وخيال ولا ينتهي إلاّ بالضرر والخسران. طوبى لنفس أشرقت بنور الأمانة بين العموم وكانت آية الكمال بين الجمهور.”(13)
في “سورة الملوك” يصرّح حضرة بهاء الله، مخاطباً السلطان عبد العزيز، بهذا البيان الذي يبعث على التأمل العميق:
“فاعلم وأيقن بأن الذي لن تجد عنده الديانة لم تكن عنده الأمانة والصدق وإن هذا لحق يقين. ومن خان الله يخان السلطان ولن يحترز عن شيء ولن يتقي في أمور الناس وما كان من المتقين.”(14)
قد يكون من الصعب، وخصوصاً بالنسبة لغير البهائيين، أن يقبلوا البيان القائل بأن من لا يؤمن بالله لن يكون صادقاً أو جديراً بالثقة. بالطبع هناك العديد من الذين لا يؤمنون بالله ولكنهم شرفاء. ومع ذلك، فأن الوقت المناسب للحكم على صدق الشخص هو عندما يواجه اختباراً صعباً. في الظروف العادية يتصرف كثير من الناس بصدق، ولكنهم متى واجهوا امتحانات تبدو مستعصية أو إغراءات لا تقاوم، فحينئذ يخضعون للضغوط ما لم تردعهم مخافة الله. وفي التحليل النهائي إن الإيمان بالله ورسله هو الدافع الذي يحض المرء لاتباع تعاليمه حتى في أوقات الاختبار والاستفزاز. إن مخافة الله، بموجب التعاليم البهائية، هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها للفرد الصمود أمام الهجمة الشرسة للذات والهوى في زمن الفتن. أنزل حضرة بهاء الله في أحد ألواحه قوله:
“… إن خشية الله الحفظ المبين والحصن المتين لعموم أهل العالم وهي السبب الأكبر لحفظ البشر والعلة الكبرى لصيانة الورى. نعم إن في الوجود آية تمنع الإنسان وتحرسه عمّا لا ينبغي ولا يليق. وهي المسماة بالحياء غير أنها مختصّة بعدّة مخصوصة. ولم يكن الكلّ حائزاً لهذا المقام ولن يكون.”(15)
يعتقد البعض بأن إلهاً محباً لا ينبغي أن يُخشى. وقد سبق أن بحثنا في مجلد سابق([14]) أهمية مخافة الله وأوضحنا كيف أنه بدونها فإن المؤمن لا يستطيع أن يمتلك القوة التي تساعده على قطع تعلقه بالعالم المادي وتحويل نظره إلى موطن روحه السماوي.
أبو القاسم البستاني
هناك الكثير من الحكايات عن حضرة بهاء الله في حديقة الرضوان. فيما يلي رواية ماي بولز ماكسويل([15]) التي تصف فيها بلغة جميلة انطباعاتها عن هذه الحديقة خلال فترة حجّها. كانت ماي ماكسويل من بين المجموعة الأولى من الحجاج القادمين من الغرب لزيارة المولى سنة 1898–1899م، ويمكن اعتبارها من عمالقة أمر الله الروحانيين في العالم الغربي. عندما وافتها المنية، وصفها حضرة شوقي أفندي، ولي أمر الله، بأنها “أمة عبد البهاء العزيزة وإحدى حوارييه الممتازات”، وأسبغ عليها رتبة شهيدة.
هذا ما تركته في مذكراتها:
بعد رحلة بالسيارة دامت قرابة نصف ساعة وصلنا إلى الحديقة حيث قضى حضرة بهاء الله كثيراً من وقته خلال سنوات طويلة من النفي في عكاء. مع أن هذه الحديقة صغيرة إلاّ أنها من أروع البقاع التي وقع عليها نظرنا على الإطلاق. وكثيراً ما كان حضرة بهاء الله يقول لبستانيه، أبو القاسم، “هذه أجمل حديقة في العالم”. فأشجارها المتطاولة، ووفرة أزهارها، ونوافيرها تجعلها كجوهرة فريدة محاطة بنهرين رائقين تماماً كما هو موضح في القرآن الكريم، والأجواء السائدة المفعمة بذكريات مقدسة ذات مغزى وأهمية سماوية، ثم السكون والسلام الملكوتي بحيث لن يعجب المرء بعد ذلك إذ يعلم بقصة ذلك المسافر الذي انجذب إلى تلك البقعة بينما كان يمر أمام بواباتها وحينما دخل وشاهد حضرة بهاء الله جالساً في ظل شجرة التوت همس قائلاً: ‘هذه مظلة ما صنعتها الأيدي’، فاسترجعت ذاكرته للتو مشاهد تنبأ بها القرآن الكريم وبدت عياناً أمامه فلم يسعه إلاّ الإقرار بظهور ربه وسارع إلى السجود عند قدميه.
ثم زرنا المنزل الصغير في نهاية الحديقة ووقفنا على عتبة تلك الغرفة التي كان حضرة بهاء الله يجلس فيها أحياناً في الطقس الحار، فركعنا واحداً تلو الآخر مقبّلين، بدموع الحب والحنين، الأرض التي وطئتها قدماه المباركتان. وعدنا إلى الحديقة حيث أعد أبو القاسم لنا الشاي، وروى لنا حكاية الجراد. حدث أن انتشر الجراد في أحد مواسم الصيف الحارة والتهم معظم أوراق الأشجار الموجودة في الريف المجاور. وفي أحد الأيام شاهد أبو القاسم سحابة كثيفة قادمة بسرعة نحو الحديقة، وفي لحظة غطت آلاف من الجراد الأشجار العالية التي طالما استظل تحتها حضرة بهاء الله. فأسرع أبو القاسم قاصداً حضرته في المنزل الصغير في نهاية الحديقة ودخل محضر مولاه المبارك والتمس قائلاً: ‘مولاي! لقد وصل الجراد وصار يأكل الأوراق التي تظلل ما فوق رأسك المبارك. فأتوسل بحضرتك أن تحملها على الرحيل.’ فابتسم مظهر أمر الله وتفضل قائلاً: ‘إن الجراد بحاجة إلى أن يقتات، فدعهم وشأنهم.’ لكن أبو القاسم ازداد همّاً وغمّاً برؤية ما يفعله الجراد من دمار بينما هو صامت، فعاد إلى محضره المبارك وعرض بنهاية المسكنة راجياً متوسلاً أن يرسل الجراد بعيداً. فقام الجمال المبارك ودخل الحديقة ووقف تحت الأشجار التي غطّاها الجراد، ثم تفضل قائلاً: ‘إن أبو القاسم لا يريدكم، ففي أمان الله.’ ورفع أذيال عباءته وهزّها، وفي الحال هبّ الجراد دفعة واحدة وحلّق بعيداً.
عندما انتهى من قصته، هتف أبو القاسم، وهو يلمس عينيه وبدت عليه آثار عاطفة قوية: ‘طوبى لهذه العين إذ رأت ما رأت! وطوبى لهاتين الأذنين إذ سمعت ما سمعت.’ وعندما غادرناه قدّم لنا الزهور وبدا مثل كل المؤمنين الشرقيين، غير قادر على القيام بما يكفي لإظهار محبته.(16)
إن أبو القاسم([16]) المشار إليه في هذه القصة هو أول بستاني كرّس حياته لخدمة حضرة بهاء الله في تلك الحديقة. كان من أهالي قرية منشاد بمقاطعة يزد، ومن خلال عمله الشاق بصفة رئيسة أقيمت تلك الحديقة لحضرة بهاء الله. وكان أحد إخوة أبو القاسم، محمد إبراهيم، قد خدم حضرة بهاء الله كبستاني أيضاً في البهجة وغيرها من الأماكن.
وقد روى الأستاذ علي أكبر البنّاء،([17]) من شهداء أمر الله اللامعين، في تاريخه المفصل عن الأمر الإلهي في عشق آباد، ما يلي حول هذين الأخوين:
طيلة سبع وعشرين سنة([18]) كان هذان الشقيقان، آقا أبو القاسم وآقا محمد إبراهيم يخدمان في الأرض الأقدس. فبينما كان أبو القاسم يعمل دوماً بستانياً في حدائق الرضوان، كان آقا إبراهيم يعمل بستانياً في البهجة وحدائق “الجنينة” وغيرها. وقبل سبعة عشر عاماً عندما كان لي شرف زيارة حضرة بهاء الله، قصّ عليّ آقا محمد إبراهيم، في سياق حديثنا، الرواية التالية:
‘كان الجمال المبارك ذات يوم في أحد الأماكن المقدسة… وكانت تحيطه الحشائش الجافة والقصب. حدث فجأة أن اشتعلت فيها النيران وبدأت ألسنة اللهب في الانتشار بسرعة حولنا. فالتفت شخصه المبارك نحوي وتفضل قائلاً: “يا إبراهيم، اذهب وأطفئ النار.” توجهت فوراً صوب النار دون أن أعرف كيف سأنجز هذه المهمة، ولمّا أقتربت من النار هبت ريح ودفعت النار بعيداً عني كما لو أنها تهرب مني، وأخيراً أخمدتها برش مقدار ضئيل من التراب فوقها. ولقد ذكرتني هذه الحادثة بالآية القرآنية: “قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم…”’([19])
كان الدكتور حبيب مؤيد، الذي سافر إلى عكاء في عام 1907م، قد سمح له المولى بدراسة الطب في جامعة بيروت، وخدم حضرة عبد البهاء في الأرض الأقدس لاحقاً بتفان كبير. سجل في مذكراته وصفاً موجزاً لأنشطة أبو القاسم في حديقة الرضوان. وفيما يلي ملخص لجزء من مذكراته:
خدم أبو القاسم في حديقة الرضوان لسنوات عديدة، يعمل بستانياً يرعى الأشجار والفواكه والزهور ويرحب بالأحباء في الحديقة، سواء كانوا من الحجاج أو المقيمين، ويرفّه عنهم بكل محبة ويتأكد من أنهم استمتعوا بزيارتهم. وقد ابتكر وسيلة بارعة لمنع سكان عكاء العرب من دخول الحديقة،([20]) فمتى غادر الحديقة قاصداً عكاء ابتغاء ملاقاة المولى أو لشراء المواد الغذائية أو غيرها من الضروريات، كان يقفل بوابة الحديقة تاركاً تعليماته بإبقائها مغلقة لحين عودته. وابتدع كلمتَيْ مرور إحداهما لفتح البوابة والأخرى لإبقائها مغلقة. فعند رجوعه وعدم وجود أشخاص قرب الباب ويريد الدخول عندئذ ينادي باسم وهمي هو “شكر الله”، بمعنى ‘شكراً لله لا يوجد أحد يضايقنا’، وهكذا تُفتح البوابة! ولكن إذا كان بعض الناس موجودين خارج الحديقة فكان ينادي اسم “حسّن”([21]) والذي في لفظه بالفارسية يعني “إنهم موجودون” وبذلك تبقى البوابة مغلقة! وقد ظن الناس أن “حسن” هو اسم خادم البستاني. ولكن بما أنه لا توجد أية استجابة من “حسن”، فإنهم يغادرون أخيراً منطقة الحديقة ويعودون إلى منازلهم. وبهذه الطريقة حافظ أبو القاسم على فواكه الحديقة وأزهارها من أيدي السكان.(17)
كان لأبو القاسم قامة طويلة وكتفان عريضان وجسم ضخم، وفي بعض الأحيان كان حضرة عبد البهاء يلاطفه بملاحظات مازحة حول حجم بنيته وقوته، ملاحظات تبعث في نفس أبو القاسم مشاعر السرور والامتنان.
كما ذكرنا في المجلدات السابقة، فإن كثيراً من الحجاج، ومعظمهم من إيران، كانوا قد سافروا إلى الأرض الأقدس للتشرف بمحضر حضرة بهاء الله. وكان معظم مبلّغي أمر الله المعروفين من بين هؤلاء وكذلك الحواريين وكلهم فازوا بشرف زيارتهم مرة على الأقل في حياتهم، في حين أن بعضهم فاز بهذا الفخر والامتياز عدة مرات. من هؤلاء المؤمنين كان آقا محمد القائني، الملقب بـ”النبيل الأكبر”، حيث جاء إلى عكاء حوالي عام 1290ﻫ (1873–1874م) وتشرف بمحضر حضرة بهاء الله في بيت عبّود. لكن لقاءه الأول بحضرته حدث قبل بضع سنوات في بغداد عندما اعترف بمقام حضرة بهاء الله من خلال بعض الحوادث المثيرة للاهتمام.([1]) وفي مناسبة حجه إلى عكاء وتشرفه بمحضر حضرته أنزل في حقه([2]) “لوح الحكمة”.
تكتسب جميع ألواح حضرة بهاء الله المنزلة بعد “الكتاب الأقدس” أهمية خاصة وستتم مناقشتها في وقت لاحق. وهذا اللوح الذي نزل باللغة العربية قبل انتقال حضرة بهاء الله للإقامة في المزرعة، يبرز بين كتابات حضرته بما احتواه من المصطلحات الفلسفية وإشاراته إلى فلاسفة الإغريق القدماء، وكذلك التفسيرات العميقة لتأثير كلمة الله، وأصل الخليقة وسببها، وعمليات الطبيعة الغامضة، وغير ذلك من الموضوعات عظيمة الشأن. كان النبيل الأكبر، مستلم اللوح، رجلاً واسع المعرفة والدراسة. حتى قبل إيمانه بأمر الله لم يكن متميزاً بين معاصريه في علم اللاهوت فقط، بل كان مشهوراً في كافة أنحاء إيران كفيلسوف ضليع واسع الإطلاع كسب تقدير رجال الثقافة والفكر قبل اعتناقه أمر الله.
فيما يلي كلمات حضرة عبد البهاء في تكريمه لهذا الرجل التقي العظيم:
كان آية الهدى والتقوى، فدى حياته لأمر الله، وفي موته كان فوزه ونصره. مرّ بهذه الدنيا ومتاعها مرّ الكرام، أغمض عينيه تجاه بريق الجاه والغنى، وحرّر نفسه من كل هذه القيود والسلاسل، معرضاً عن كل فكرة دنيوية. كان عالماًً وفاضلاً، وماهراً في جميع الفنون ومجتهداً فيما سبق، وفيلسوفاً ومتصوفاً وموهوباً ببصيرة كاشفة، كما كان من رجال الأدب البلغاء وخطيباً لا يضاهى. كان ذا عقل عظيم عالمي.
والحمد لله فإنه أصبح في خاتم المطاف موضع فضل إلهيّ. عليه بهاء الله الأبهى ونوّر الله مرقده بأنوار ساطعة من ملكوت الأبهى وأدخله في جنة اللقاء وأخلده في ملكوت الأبرار مستغرقاً في بحر الأنوار.(1)
ولذلك فمن غير المستغرب أن يختار حضرة بهاء الله إنزال هذا اللوح بلغة فيلسوف مفكر. وفيه يعرب عن أسفه لحالة العالم وشعوبه. وكلماته التالية تصور ملاحظاته المنذرة بسوء العاقبة:
“إنا ننصح العباد في هذه الأيام التي فيها تغبّر وجه العدل وأنارت وجنة الجهل وهتك ستر العقل وغاضت الراحة والوفاء وفاضت المحنة والبلاء وفيها نقضت العهود ونكثت العقود. لا يدري نفس ما يبصره ويعميه وما يضلّه ويهديه.”(2)
إن فساد الجنس البشري الذي يصفه هنا لم يكن واضحاً أكثر مما هو عليه في يومنا هذا. وفي العديد من ألواحه، يحذّر حضرة بهاء الله البشر بأن، ما لم يعترفوا به ويتوجهوا إليه، فإن أحوال العالم ستتدهور يوماً بعد يوم. ويتنبأ بأن النظام القديم سيطوى ويحل نظام جديد محله. وبعد أن يصف بعض العلل التي يعاني منها المجتمع البشري، ينزل حضرة بهاء الله في “لوح الحكمة” بعض صفوة نصائحه ومواعظه، والتي هي وحدها القادرة على تخليص البشرية من وهدة الإلحاد التي سقطت في أعماقها.
يحدد حضرة بهاء الله في هذا اللوح، مخاطباً شعوب العالم، بعض التعاليم التي من شأنها بعث الروحانية في كيان الجنس البشري وافتتاح عصر سيصبح فيه نبل الخلق واكتساب الفضائل السماوية هدف الفرد الرئيس في الحياة.
“قل يا قوم دعوا الرذائل وخذوا الفضائل كونوا قدوة حسنة بين الناس وصحيفة يتذكر بها الأناس. من قام لخدمة الأمر له أن يصدع بالحكمة ويسعى في إزالة الجهل عن بين البرية. قل أن اتحدوا في كلمتكم واتفقوا في رأيكم واجعلوا إشراقكم أفضل من عشيكم وغدكم أحسن من أمسكم. فضل الإنسان في الخدمة والكمال لا في الزينة والثروة والمال.”(3)
لا يمكن للفرد أن “يدع الرذائل” ويكون “قدوة حسنة” بمجرد المحاولة. فلبلوغ هذا الهدف السامي ينبغي أن يعمر قلبه بمحبة الله، وهذا غير ممكن ما لم يعترف بمظهر أمره لهذا اليوم ويوقن بأحقية رسالته. عندئذ تتوفق مساعيه لاكتساب الفضائل السماوية وتفوز بعون الله. والمفتاح هو ارتفاع إيمان الفرد إلى معارج الإيقان، كما يؤكد حضرة بهاء الله في أحد ألواحه(4) إلى إحدى إمائه فإن “القلب هو محل تجلّي أنوار وجهي ومخزن لئالئ حبي فيجب غسله بماء اليقين حتى يصبح طاهراً ومقدساً عن ذكر غيري وقابلاً لهذه الموهبة العظمى والعطية الكبرى.”
يصرّح ميرزا أبو الفضل، العلاّمة البهائي الشهير، في أحد بحوثه بأن السبيل أمام الفرد ليكتسب اليقين قد ورد ذكره في القرآن الكريم في الآية التالية:
“واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.”(5)
كما ذكرنا في مجلد سابق،([3]) فإن ميرزا أبو الفضل أصبح تجسيداً للفضائل والكمالات السماوية إلى حد جعل حضرة عبد البهاء يحث الأحباء بأن يتخذوا منه مثالاً يحتذى به. وتكفي دراسة سريعة لسيرة حياته للاستدلال على أن إنجازاته النبيلة كان مرجعها توجّهه إلى الله وانقطاعه عما سواه وهيامه بعبادته.
إن عبادة الله لا تقتصر فقط على الصلاة وغيرها من واجبات العبادة، فهناك جوانب أخرى لا تقل أهمية. فالصفات الأساسية التي يحتاجها الإنسان في تعبده هي صدق نيته وخضوعه لخالقه. فالتوجه إلى الله في جميع الأوقات بالمحبة الحقيقية، ومناجاته بالروح، واعتباره حاضراً دائماً، والثناء عليه وتمجيده وتسبيحه بالكلمة والفعل، والتضرع بحرارة لنزول تأييداته، وترويج أمره، وتنفيذ تعاليمه وخدمة البشرية – جميع هذه الأعمال تشكل الملامح الرئيسة لعبادة الله. إن الصلاة وحدها لن تحظى بمرضاة الله ما لم تتبعها خدمة أمر الله، وهذا مما يؤكده كثير من كتابات حضرة بهاء الله.
بالعودة إلى “لوح الحكمة”، نلاحظ قوله المبارك ناصحاً: “واجعلوا إشراقكم أفضل من عشيكم…” ويمكن اعتبار هذا النصح تطبيقاً لأحد قوانين الخليقة. نجد في هذه الحياة أن أي كائن حي هو إمّا في حالة نمو أو تدهور، وينطبق المبدأ نفسه على روح الإنسان. الفرق الوحيد في هذه الحالة هو أنه يتعين على الإنسان الاختيار إذا كان يريد أن يتقدم روحياً أم لا. إن جميع الصفات والفضائل التي تكتسبها الروح في هذه الحياة، جنباً إلى جنب مع الإيمان، يجب أن يُسمح لها بالنمو يوماً بعد يوم. وإلاّ فإن الفرد سيتجه إلى التدهور، وربما دون أن يدرك ذلك. لأنه ليس في خلق الله حالة “بين بين” للأشياء أو بقائها ثابتة. وعليه فإن نصيحة حضرة بهاء الله لتحسين حياتنا الروحية في كل يوم هي في الواقع مبدأ من مبادئ الخلق الأساسية. في أحد ألواحه(6) يؤكد حضرة بهاء الله على هذا المبدأ بشكل أكبر حين يصرح بأنه ينبغي على المؤمن ترتيب حياته بكيفية يتمنى مع كل نَفَس أن يصبح شخصاً جديداً ومع كل خطوة أن يصل ذروة أعلى، لعله ينشغل بهذه الطريقة وفي كل حين بتنزيه نفسه وذاته.
وفي “لوح الحكمة” ينصح حضرة بهاء الله أهل العالم بهذه الكلمات:
“اجعلوا أقوالكم مقدسة عن الزيغ والهوى وأعمالكم منزهة عن الريب والرياء. قل لا تصرفوا نقود أعماركم النفيسة في المشتهيات النفسية ولا تقتصروا الأمور على منافعكم الشخصية. أنفقوا إذا وجدتم واصبروا إذا فقدتم إن بعد كل شدة رخاء ومع كل كدر صفاء. اجتنبوا التكاهل والتكاسل وتمسّكوا بما ينتفع به العالم من الصغير والكبير والشيوخ والأرامل. قل إيّاكم أن تزرعوا زؤان الخصومة بين البرية وشوك الشكوك في القلوب الصافية المنيرة.
قل يا أحباء الله لا تعملوا ما يتكدر به صافي سلسبيل المحبة وينقطع به عرف المودة. لعمري قد خلقتم للوداد لا للضغينة والعناد. ليس الفخر لحبكم أنفسكم بل لحب أبناء جنسكم وليس الفضل لمن يحب الوطن بل لمن يحب العالم. كونوا في الطرف عفيفاً وفي اليد أميناً وفي اللسان صادقاً وفي القلب متذكراً. لا تسقطوا منزلة العلماء في البهاء ولا تصغّروا قدر من يعدل بينكم من الأمراء. اجعلوا جندكم العدل وسلاحكم العقل وشيمكم العفو والفضل وما تفرح به أفئدة المقربين.”(7)
كثيراً ما أشار حضرة بهاء الله إلى “العلماء في البهاء“، كما هو الحال في هذا اللوح، وأثنى على فضائلهم وقدرهم، وكذلك أثنى على “الأمراء في البهاء“. وأوضح حضرة شوقي أفندي، ولي أمر الله، هذين المصطلحين في الفقرة التالية، والمعربة عن اللغة الفارسية:
إن “العلماء” في هذه الدورة المباركة هم، من جهة، أيادي أمر الله، ومن جهة أخرى المبلّغون والناشرون لتعاليمه من دون الأيادي إلاّ أنهم بلغوا مكانة مرموقة في عمل التبليغ. أمّا “الأمراء” فتعني أعضاء بيوت العدل المحلية والمركزية والعالمية.(8)
وقد أشاد حضرة بهاء الله بمكانة “العلماء في البهاء” في “الكتاب الأقدس” بعبارات وهاجة. أشرنا إلى ذلك في مجلد سابق.([4])
إن الوصايا الجليلة في “لوح الحكمة” هي في تباين ملحوظ مع الطريقة التي يتّبعها أغلب البشر في العالم في يومنا هذا في إدارة شؤون حياتهم. إلاّ أن دراسة متمعنة لرسالة حضرة بهاء الله تبين بوضوح أن دينه مقدر له أن يضم الجنس البشري بأكمله، وأن هذه الوصايا، قد صيغت ليكون لها التأثير الأكبر، في تمام الوقت، في حياة الإنسان على هذا الكوكب، ولتُحدِثَ ثورة في المجتمع البشري، وتُشكّل سلوك كل فرد من أفراده وفقاً لتعاليمه السماوية.
أمّا خلال فترة ولايته، فقد تحمّل حضرة بهاء الله بصبر واصطبار الكثير من الظلم وقسوة المعاملة على يد جيل فاسد. مشيراً لنفسه بـ”الطير الإلهي“، يبث حضرة بهاء الله ما في قلبه للنبيل الأكبر قائلاً:
“ومع ما تراه كيف يقدر أن يطير الطير الإلهي في هواء المعاني بعدما انكسرت قوادمه بأحجار الظنون والبغضاء وحبس في سجن بني من الصخرة الملساء. لعمر الله إن القوم في ظلم عظيم.”(9)
في هذا اللوح يلمّح حضرة بهاء الله إلى ناصر الدين شاه حينما يتفضل قائلاً: “إنا نزّلنا لأحد من الأمراء ما عجز عنه مَنْ على الأرض”.(10) ثم بعد ذلك يشير إلى استشهاد بديع([5]) وذلك بقوله: “إنه [ناصر الدين شاه] ارتكب ما ناح به سكان مدائن العدل والإنصاف.“
يكشف “لوح الحكمة” عن بعض أسرار خلق الله. ويصرح حضرة بهاء الله في أحد ألواحه(11): “تفكروا في لوح الحكمة، في كل آية سُتر بحر من البحور“. في الإجابة عن سؤال طرحه النبيل الأكبر بخصوص بدء الخلق، أنزل حضرة بهاء الله هذه الكلمات:
“وأمّا ما ذكرتَ في بدء الخلق فهذا مقام يختلف باختلاف الأفئدة والأنظار لو تقول إنه كان ويكون هذا حق. ولو تقول كما ذكر في الكتب المقدسة إنه لا ريب فيه نزل من لدى الله رب العالمين. إنه كان كنزاً مخفياً وهذا مقام لا يعبر بعبارة ولا يشار بإشارة وفي مقام أحببتُ أن أُعرَف كان الحق والخلق في ظله من الأول الذي لا أول له. إلاّ أنه مسبوق بالأولية التي لا تُعرَف بالأولية وبالعلة التي لم يعرفها كل عالم عليم.”(12)
هناك بعض العبارات العميقة في المقتطف أعلاه، فيصف حضرة بهاء الله مفهومين معروفين بخصوص بدء الخلق. أحدهما القائل بأن الخلق كان موجوداً أزلاً، وأنه ليس له بداية ولا نهاية. والآخر يرجع إلى حديث إسلامي حيث يعلن صوت الله: “كنتُ كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرَف فخلقت الخلق لكي أُعرَف.”([6]) يفسر حضرة بهاء الله بأن هذين المفهومين في المقتطف المذكور هما في الحقيقة الشيء نفسه.
أكد حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء في العديد من ألواحهما بأن الخلق كان موجوداً من الأول الذي لا أول له. وبما أن الله أبدي وكان منذ الأزل وسيبقى موجوداً إلى الأبد الذي لا نهاية له، إذاً فإن خلقه كذلك كان موجوداً منذ الأزل. فمن المستحيل أن نتصور زمناً كان “العدم” موجوداً فيه، لأنه ليس هناك شيء مثل عدم وجود مطلق.
أمّا المفهوم الآخر بأن الله كان كنزاً مخفياً، وخلق الإنسان ليجعل نفسه معروفاً، فيبدو وكأنه يعني وجود فاصل بدون خلق. وهذا المفهوم هو بمثابة القول بأنه كان هناك وقت كان الله فيه مجرداً من أحد أهم صفاته وهو “الخالق”. في “لوح الحكمة” يرفض حضرة بهاء الله هذه النظرية، ويؤكد أنه لم يكن للخلق بداية إذ يتفضل قائلاً: “… كان الحق والخلق في ظله من الأول الذي لا أول له...”
وبعد أن رسّخ هذه الحقيقة الأساسية، يصف حضرة بهاء الله بدء الخلق بأنه “مسبوق بالأولية التي لا تُعرف بالأولية…” وبهذه الكلمات يفرّق فيما بين أزلية الله وأزلية الخلق، فبينما الأولى غير مسبوقة بِعلّة فإن الأخرى خلقت بِعلّة. لقد أوضح حضرة عبد البهاء([7]) ذلك بقوله إن الخلق وجد بفيض إرادة الله وليس بالتجسد. ويمكن تفسير الفرق بين الاثنين من خلال الأمثلة التالية: الكتاب صادر عن كاتبه، لكن لا يمكن أن يقال بأن أي جزء من الكاتب هو جزء من الكتاب، ولذلك فهو لا يجسد نفسه في صنعه. من ناحية أخرى، فإن البذرة تظهر نفسها في خلقها وهو الشجرة، وفروعها وثمارها. في هذه الحالة نلاحظ أن البذرة أصبحت جزءاً من الشجرة. مثال آخر هو الشمس وأشعتها. فالأشعة تنبثق عن الشمس، ولكن الشمس نفسها لا تنقسم لتشكّل الأشعة. والشيء نفسه ينطبق على الله والخلق. فالخلق ينبثق عن الله، ولم يتواجد من خلال التجسد لأنه لو فعل، فإن الله يجب أن يكون جزءاً من الخلق، وهذا من شأنه أن يجعله كائناً محدوداً.
بعد أن ثبت أن الخلق فيض من الله، نلاحظ وجود تشابه بين الشمس وأشعتها. وقد تحدث حضرة عبد البهاء عن هذا كما ورد في كتاب “مفاوضات عبد البهاء”:
“… كالشعاع وإن كان ملازماً للشمس دائماً ولكن الشمس قديمة وشعاعها حادث، لأن وجود الشعاع يتوقف على وجود الشمس. أمّا وجود الشمس فلا يتوقف على الشعاع فهي الفائضة وهو الفيض.”(13)
وبالمثل، فلا يمكن فصل الخلق عن الخالق، وكلاهما موجودان معاً. لكن الله سابق في وجوده وقائم بذاته، وهو منزه عن الأولية والآخرية أو الزمان، بينما الخلق مسبوق بالعلة (السبب). وهو (الخلق) “مسبوق بالأولية التي لا يمكن اعتبارها أولية ومكوّن بالسبب الذي خفي عن كل عالِم.”
ويشرح حضرة عبد البهاء العلاقة بين الله وخلقه بهذه الكلمات:
“إذاً فعالم الإمكان وإن كان موجوداً ولكنه بالنسبة إلى وجود الحق عدم وفناء. فالإنسان والتراب كلاهما موجود ولكن أين وجود الجماد من وجود الإنسان. فهو بالنسبة إليه عدم. وكذلك وجود الخلق بالنسبة إلى وجود الحق عدم.”(14)
في “لوح عبد الوهاب” المُنزل بعكاء يتحدث حضرة بهاء الله عن خلود الروح. وعن وجودها في عوالم الله الروحية يتفضل بهذه الكلمات:
“وهذا البقاء بقاءٌ زمني وليس بقاءً ذاتياً لأنه مسبوق بِعلّة. أمّا البقاء الذاتي فهو غير مسبوق وهو مخصوص بالحق جل جلاله.”(15)
وفي “لوح الحكمة” يؤكد حضرة بهاء الله بأن الخلق كان موجوداً دائماً ولكن ليس في الشكل ذاته. هذه هي كلماته:
“قد كان ما كان ولم يكن مثل ما تراه اليوم.”(16)
إن الكون بكل أجرامه السماوية غير متناه في مداه ودائم أبدي في الزمن. بيد أن التغيير أحد خصائص الوجود المادي، فكل ما يتكون من مادة مآله التحلل والتفسخ. وهكذا بينما تتفكك بعض الأجرام السماوية، فإن البعض الآخر يخرج إلى حيز الوجود. ولكن عالم الوجود ككل يظل أبدياً ودائماً.
يورد حضرة بهاء الله في البيان التالي من “لوح الحكمة”، دليلاً حيوياً عن أصل الخلق:
“وما كان تكوّن من الحرارة المحدثة من امتزاج الفاعل والمنفعل الذي هو عينه وغيره. كذلك ينبئك النبأ الأعظم من هذا البناء العظيم. إن الفاعلين والمنفعلين قد خلقت من كلمة الله المطاعة وإنها هي علة الخلق وما سواها مخلوق معلول إن ربك لهو المبيّن الحكيم.”(17)
ولنقدر الفقرة أعلاه يحتاج المرء أن يكون ضليعاً في الفلسفة اليونانية القديمة والإسلامية، إذ استخدم حضرة بهاء الله مصطلحات من الفلاسفة القدماء لشرح علة الخلق الحقيقية. إن نظرية “القوة الفاعلة” و”المنفعل” تتعلق بالعناصر الأربعة، النار والهواء والماء والتراب. وبالنسبة لأولئك الذين هم على دراية بهذه الفلسفة، فإنه من الواضح أن “الفاعل” هو”المنفعل” نفسه ومع ذلك يختلف عنه. بيد أن هذه النظرية، وهي قديمة جداً ومعقدة، لكنها تقع خارج نطاق هذا المجلد.(18) والمهم بالنسبة للقارئ العام هو كشف حضرة بهاء الله عن أن عملية الخلق قد تكونت من أثر امتزاج الفاعل والمنفعل بما أحدثاه من حرارة وأن الفاعلين والمنفعلين قد خلقوا من خلال كلمة الله.
هناك العديد من الألواح التي أوضح فيها حضرة بهاء الله عملية الخلق، لكن في جميعها يؤكد أن كلمة الله، النازلة من سماء الوحي الإلهي، هي سبب الحياة المادية والروحية على السواء. ويصرح حضرته في أحد الألواح(19) بأن حياة كل شيء تتوقف على كلمة الله.
ليست كتابات حضرة بهاء الله فقط هي خير شاهد على هذه الحقيقة، ولكن الكتب المقدسة السماوية السابقة أيضاً تؤكد ذلك. فمثلاً مدون في الأناجيل:
“في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله.”(20)
ونقرأ في سفر إشعياء:
“لأنه كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان إلى هناك بل يرويان الأرض ويجعلانها تلد وتنبت… هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح في ما أرسلتها له…”(21)
ذكر في الإسلام أنه عندما أراد الله أن يخلق، تلفّظ بكلمة واحدة “كن”([8]) فأوجد الخليقة. وقد ذكرنا الشيء الكثير عن الكتابات البهائية في مجلدات سابقة([9]) حول فاعلية كلمة الله وطاقاتها الخلاقة.
لقد كشف حضرة بهاء الله للبشرية في “لوح الحكمة” عن سر الطاقة الإبداعية الإلهية، فعرّف أصل الخلق، وهو بذلك يؤكد:
“لا بد لكل أمرٍ من مبدأٍ ولكل بناءٍ من بانٍ وإنه هذه العلة التي سبقت الكون…”(22)
وكما أن الإنسان غير قادر على معرفة جوهر الله، فهو أيضاً غير قادر على فهم العملية التي من خلالها جلبت كلمة الله هذه الخليقة إلى حيز الوجود. وعن الطبيعة المقدسة لهذه الكلمة، أنزل حضرة بهاء الله هذه الكلمات في “لوح الحكمة”:
“ثم اعلم أن كلام الله عز وجل أعلى وأجل من أن يكون مما تدركه الحواس لأنه ليس بطبيعة ولا بجوهر قد كان مقدساً عن العناصر المعروفة والإسطقسات العوالي المذكورة وإنه ظهر من غير لفظ وصوت وهو أمر الله المهيمن على العالمين. إنه ما انقطع عن العالم وهو الفيض الأعظم الذي كان علة الفيوضات وهو الكون المقدس عما كان وما يكون.”(23)
إن الله في جوهره غيب منيع ممتنع لا سبيل لمعرفته من قِبَل عباده ومظاهر أمره، فلا يمكن أن ينسب لجوهره أي صفة أو سمة مهما كانت جليلة سامية. فأوصاف مثل “العليم”، “الحكيم”، “القدير” وما شابهها لا يمكن أن تسند إلى جوهر الله. ولو أمكن ذلك فإن هذه الصفات ستفرض قيوداً على جوهره والذي هو مقدس عن أي وصف أو ثناء. فهذه الأسماء الحسنى إنما تعزى فقط لله المتجلي في إنسان وليس لجوهر الله نفسه. من صفات الله، مثلاً، “الخالق”، إلاّ أنّ حتى هذه الصفة لا يجوز نسبتها لحقيقة ذات الله. يبدو أن قوة خلاقة ما تنبع من الله وهي مصدر الوحي الإلهي وعلة الخلق. ويشار أيضاً إليها باسم المشيئة الأولية لله أو الحقيقة الكونية. يتحدث حضرة عبد البهاء عنها بالعبارات التالية:
“لهذا صدرت جميع الكائنات من الحق. يعني أن ما تتحقق به الأشياء هو الحق. والممكنات وجدت به. وأول ما صدر عن الحق هو تلك الحقيقة الكلية التي تسمى في اصطلاح الفلاسفة الأقدمين بالعقل الأول. وباصطلاح أهل البهاء المشيئة الأولى. وهذا الصدور من حيث الفعل لا يُحد في عالم الحقيقة بالزمان والمكان. لا أول له ولا آخر. فالأولية والآخرية بالنسبة إلى الحق على حد سواء. وقدم الحق قدم ذاتي لا زماني…
وليست أسبقية العقل الأول تجعله شريكاً للحق في القدم. ذلك لأن وجود الحقيقة الكلية بالنسبة إلى وجود الحق عدم صرف. وليس لها حكم الوجود حتى تكون شريكة ومماثلة في القدم. وقد سبق بيان هذه المسألة من قبل.”(24)
إن الخلق في هذه الحياة يتم من خلال آلية الطبيعة. ويمكن وصف الطبيعة بأنها مظهر “إرادة الله الأولية” في هذا الكون المادي. ويؤكد حضرة بهاء الله ذلك في “لوح الحكمة”:
“قل إن الطبيعة بكينونتها مظهر اسمي المبتعث والمكوِّن وقد تختلف ظهوراتها بسبب من الأسباب وفي اختلافها لآيات للمتفرسين. وهي الإرادة وظهورها في رتبة الإمكان بنفس الإمكان وإنها لتقدير من مقتدر عليم ولو قيل إنها لهي المشيئة الإمكانية. ليس لأحد أن يعترض عليه. وقدر فيها قدرة عجز عن إدراك كنهها العالمون. إن البصير لا يرى فيها إلاّ تجلي اسمنا المكوِّن قل هذا كون لا يدركه الفساد وتحيرت الطبيعة من ظهوره وبرهانه وإشراقه الذي أحاط العالمين.”(25)
إن موضوع الخليقة مذكور في كثير من ألواح حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء التي تلقي الكثير من الضوء على هذا الموضوع. في الحقيقة إن هذه التفسيرات ستكون عاملاً مساعداً كبيراً لتوسيع رؤية البشرية لحقائق خلق الله. وقد أثرى حضرة عبد البهاء أيضاً هذه المعرفة من خلال العديد من خطبه ومحادثاته، لعل أبرزها تلك التي جرت حول مائدة العشاء في منزله في عكاء، والتي جمعت ونشرت في كتاب “مفاوضات عبد البهاء”. كما أن هناك مصدر قيّم آخر للمعلومات والتنوير في هذا الموضوع هو مصنف لمجموعة ألواح وكتابات لحضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء بالفارسية بعنوان “أمْر وخَلْق” (المجلد الأول).
في “لوح الحكمة” يستذكر حضرة بهاء الله بأنه سبق أن شرح للنبيل الأكبر أسرار الخلق في بيت مجيد. هذا الشخص هو عبد المجيد الشيرازي الذي أشرنا بإيجاز إلى لقائه بحضرة بهاء الله في مجلد سابق.([10])
في “لوح الحكمة” يسهب حضرة بهاء الله مطولاً في عرضه لأعمال ومعتقدات قدماء فلاسفة اليونان وحكمائها. ويؤكد بأن “أس الحكمة وأصلها من الأنبياء“، ويذكر أسماء بعض فلاسفة اليونان الذين اكتسبوا الحكمة من أنبياء بني إسرائيل، ويجزم بأن الفلاسفة القدماء آمنوا بالله، ويثني على أعمال سقراط مشيراً إليه بـ”سيد الفلاسفة كلها” و”قد كان على جانب عظيم من الحكمة“، ويعطي تفاصيل أعمال العديد من حكماء اليونان وتطلعاتهم.
من الواضح أن بعض هذه التفاصيل لا يمكن العثور عليها في كتب التاريخ، وهي في الواقع تكشف للمرة الأولى من خلال علم الله ووحيه. وقد سألت إيثل روزنبرغ، إحدى أوائل المؤمنات البريطانيات، حضرة عبد البهاء عن بعض الاختلافات بين السجلات التاريخية وبيانات حضرة بهاء الله الواردة في “لوح الحكمة”. وإجابة على ذلك استلمت من حضرته لوحاً مطولاً(26) يشرح فيه كيف أن السجلات التي تشير إلى العصور القديمة قبل الإسكندر الكبير لا يمكن الاعتماد عليها لأنها جمعت في سنوات لاحقة وأُخذت بصفة رئيسة عن روايات شفهية. وعلاوة على ذلك، هناك العديد من التناقضات الرئيسة حتى فيما بين سجلات التاريخ الموثوقة. ويأتي بكتاب التوراة المقدس مثالاً على ذلك، ويصرح بأن هناك ثلاث نسخ منه بالعبرية واليونانية والسامرية. لكنها تختلف كثيراً حول بعض الأحداث التاريخية والتي يعددها في اللوح نفسه. بعد إثباته عدم موثوقية السجلات التاريخية القديمة، يصرح حضرة عبد البهاء أن السجل الحقيقي للتاريخ هو ما يلهمه الله لأنبيائه، فَهُم مُنزِلو كلمة الله وعندهم علم بأحداث الماضي والمستقبل.
يمكننا أن نجد مثالاً صارخاً على هذا في القرآن الكريم. فهناك جزء كبير من هذا الكتاب يتألف من القصص التي نجدها في العهدين القديم والجديد. وكل هذه الأمور أنزلت من جديد على محمد ﷰ، الذي لم تكن لديه إمكانية الوصول إلى الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية. في الواقع، إنها لم تترجم إلى اللغة العربية إلاّ بعد وفاة الرسول محمد ﷰ بعدة قرون من الزمن. إن أحد البراهين على صحة الكتاب المقدس هو أن القصص الواردة فيه قد جرى التصديق عليها بعد قرون بما أنزل مباشرة في القرآن الكريم. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن رواية القرآن الكريم لبعض هذه القصص تحتوي على تفاصيل لا يمكن العثور عليها في العهد القديم أو العهد الجديد. بالإضافة إلى ذلك، هناك في القرآن الكريم بعض القصص عن الأنبياء السابقين جديدة تماماً، وتعطي وصفاً أوفى تماماً لتاريخ الأديان.
هناك آية في القرآن الكريم تلقي ضوءاً على هذا الموضوع. ففي إحدى السور يتحدث صوت وحي الله عن بعض القصص المتعلقة بموسى عليه السلام وفرعون وبني إسرائيل. ثم يخاطب الوحي بعدها الرسول، وكأنما الأخير كان في شك حول صحة بعض ما أتاه من التفاصيل، بهذه الكلمات:
“فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين.”(27)
إن الله هو العليم بكل شيء، وإذا كان أحد يعتقد أنه يتجلى للإنسان من خلال مظاهر أمره، فإنه يلزم بالضرورة أن تكون كلماتهم حق وصادقة وبأن لديهم علم كل شيء. وكمثال على ذلك: من المعروف أن حضرة بهاء الله لم يقرأ معظم كتابات حضرة الباب، بما فيها “البيان”، أُمّ الكتاب في الدورة البابية، ويشهد بنفسه على تلك الحقيقة في هذه الكلمات الموجهة إلى سيء الصيت، هادي دولت آبادي([11]):
“يشهد الحق بأن هذا المظلوم لم يقرأ البيان ولم يطّلع عليه… لعمر الله إن هذا المظلوم، من كثرة معاشرته الناس، لم يقرأ تلك الكتب ولم تقع عيناه بالبصر الظاهر على كتابات النقطة الأولى.”(28)
على الرغم من هذا، فإن حضرة بهاء الله قد استشهد بغزارة، خلال أربعين عاماً من ولايته، بمقتبسات من كتابات حضرة الباب. فألواح حضرة بهاء الله تزخر بما لا يعد من فقرات كتاب “البيان” وغيره من الكتابات البابية. ولو يُنظر إليه من منظور القدرة البشرية الاعتيادية فإن هذا شيء يستحيل تحقيقه. ولكن لا يمكن المقارنة بين الله والإنسان، فمظهر أمر الله موهوب بالمعرفة الإلهية بينما الإنسان محروم منها. وأمام أبصارهم يمتد الماضي والحاضر والمستقبل لأنهم أصفياء الله الذين يمثلونه في هذا العالم. في “لوح الحكمة” يصف حضرة بهاء الله ذلك بقوله:
“وإنك تعلم أنّا ما قرأنا كتب القوم وما اطلعنا بما عندهم من العلوم كلما أردنا أن نذكر بيانات العلماء والحكماء يظهر ما ظهر في العالم وما في الكتب والزبر في لوح أمام وجه ربك نرى ونكتب إنه أحاط علمه السموات والأرضين.
هذا لوح رقم فيه من القلم المكنون علم ما كان وما يكون ولم يكن له مترجم إلاّ لساني البديع. إن قلبي من حيث هو هو قد جعله الله ممرداً عن إشارات العلماء وبيانات الحكماء. إنه لا يحكي إلاّ عن الله وحده يشهد بذلك لسان العظمة في هذا الكتاب المبين.”(29)
كان النبيل الأكبر الذي نزل في حقه “لوح الحكمة”، واحداً من أعظم مبلّغي أمر الله وعزيزاً جداً على حضرة بهاء الله. وقد كشف له في هذا اللوح سر النجاح والتأييد في تبليغ دينه. ومن خلال وصاياه في هذا الباب يبين حضرته أهم متطلبات التبليغ الأساسية. وعلى الرغم من أن هذه الوصايا موجهة إلى النبيل الأكبر فإنها تنطبق أيضاً على المؤمنين الآخرين في أعمالهم التبليغية. فيما يلي كلمات حضرة بهاء الله الموجهة إليه:
“كنّ مبلّغ أمر الله ببيان تحدث به النار في الأشجار وتنطق إنه لا إله إلاّ أنا العزيز المختار. قل إن البيان جوهر يطلب النفوذ والاعتدال. أمّا النفوذ معلق باللطافة واللطافة منوطة بالقلوب الفارغة الصافية. وأمّا الاعتدال امتزاجه بالحكمة التي نزلناها في الزبر والألواح. تفكر فيما نزل من سماء مشية ربك الفياض لتعرف ما أردناه في غياهب الآيات.”(30)
إن “لوح الحكمة” كالبحر المحيط، وقد غمر النبيل الأكبر نفسه فيه وحصل على عدد كبير من لئالئ الحكمة المخفية في أعماقه. كان مؤمناً موقراً ويُعتبَر واحداً من حواريي حضرة بهاء الله، وخدم مولاه بتفان تام حتى نهاية حياته. وبعد وفاته أنعم حضرة عبد البهاء عليه برتبة أيادي أمر الله.
في فترة إقامة حضرة بهاء الله في قصر المزرعة جاء العديد من البهائيين للحج وتشرفوا بمحضره المبارك. من أبرز أولئك كان الحاج الملاّ مهدي العطري، من أهالي يزد، برفقة اثنين من أبنائه، أكبرهم سناً، ميرزا حسين، وأصغرهم، علي محمد، الذي لقّبه حضرة بهاء الله في وقت لاحق بـ”ورقاء”. أصبح الأخير واحداً من المؤمنين اللامعين في أمر الله ومن حواريي حضرة بهاء الله وقد ضحى بحياته أخيراً في سبيله.
يذكر الحاج محمد طاهر المالميري في تاريخه غير المنشور عن “تاريخ الأمر في مقاطعة يزد” الرواية التالية:
عُرف الحاج الملاّ مهدي بالعطري لأنه كان يستخرج كميات كبيرة من ماء الورد كل عام في يزد… عقد يوماً اجتماعاً كبيراً([1]) في منزله في يزد ودعا إليه البهائيين، ومن ضمنهم أفراد عائلة الأفنان.([2]) حضر ذلك الاجتماع ما يقرب من مائتين من الأحباء، من بينهم أحد البهائيين من الدراويش يدعى مهدي ويمتاز بصوت رخيم.([3]) وقد ردد أغنيات بهائية بصوت عال جداً بينما رتل آخرون الألواح المباركة. لم يعقد مثل هذا الاجتماع في يزد منذ بداية انتشار أمر الله في تلك المدينة.
في صباح اليوم التالي قام الشيخ محمد حسن السبزواري، من كبار مجتهدي يزد، وعدو لدود لأمر الله، باستدعاء الحاج الملاّ مهدي إلى مكتبه وهناك أمر رجاله بجلده بوحشية في محضره، ثم أصدر أوامره بنفيه من يزد. وقد توارى ابناه، ميرزا حسين وميرزا علي محمد (ورقاء)، عن الأنظار أثناء اعتقال والدهما بينما هرب ابنه الآخر، ميرزا حسن، إلى مدينة مجاورة.
غادر الحاج الملاّ مهدي يزد، برفقة ابنيه ميرزا حسين وميرزا علي محمد ورقاء، متوجهين إلى الأرض الأقدس عبر بغداد سيراً على الأقدام. وبسبب التقدم في السن والتعب مرض الحاج في الطريق. وصلوا إلى المزرعة عن طريق بيروت وصيدا، إلاّ أن الحاج توفي لدى وصوله ودفن بمحاذاة الطريق المؤدي إلى عكاء. وكلما مر الجمال المبارك قرب قبره في طريقه إلى عكاء أو المزرعة، كان يتوقف عنده واضعاً قدمه المباركة عليه ومتأملاً لبضع لحظات.
ولو أن الحاج لم يتشرف بمحضر حضرة بهاء الله هذه المرة، إلاّ أنه زار بغداد في مناسبة سابقة مع ابنه الأكبر، ميرزا حسين حيث التقى بمولاه وجهاً لوجه. وكان حضرة بهاء الله قد أنزل في حقه ألواحاً لسنوات عديدة، وكلها تدل على حبه العميق وتفانيه في سبيل أمر الله. وفي الواقع تنعّم بفيوضات لا حدود لها من بركات حضرة بهاء الله. في لوح موجه إلى ورقاء يصف حضرة بهاء الله، بكلمات كاتب وحيه([4]) كيف أنه كان يوماً مع بعض أصحابه ذاهبين إلى المزرعة، فتوقف عند قبر والده وأنزل على روحه من الآيات العليا ما يعجز القلم عن ذكر عزة ورفعة المقام الذي ارتقت إليه روحه. كما أنزل له حضرته لوح زيارة مما يشير بوضوح إلى سمو مقامه في الملأ الأعلى. وقد أكد حضرة عبد البهاء بأنه بنى قبر الحاج بيديه.
فيما يلي إشادة حضرة عبد البهاء بتلك الذات النبيلة:
… توجه وولداه، حضرة الشهيد المجيد جناب ورقاء، وجناب ميرزا حسين، قاصدين أرض المحبوب (الأرض الأقدس). في كل مدينة وقرية مروا بها بلّغ أمر الله بلسان فصيح، وبسط الحجج والبراهين الواضحة، وروى الأخبار والأحاديث المباركة وفسّر الآيات البينات.([5]) لم يعرف الراحة لحظة، ونشر في كل مكان نفحات عطر محبة الله، وأوصل نفحات القدس بمشامها. عمل على تشويق الأحباء مما بعث فيهم الرغبة والحماس ليهدوا الآخرين بدورهم، ويكونوا سباقين في ميدان العرفان.
كان شخصاً جليلاً، ذا قلب منجذب ومتوجه لجمال الله. منذ نشأته الأولى في دار الدنيا كرّس كل جهوده لاكتساب البر وإعداد نفسه لليوم الذي سيعود فيه إلى النشأة([6]) الأخرى. كان نير القلب وروحاني الفكر ورباني الروح وسماوي الهمة. لقد سجن في الطريق، وفي طيه الصحارى وصعود الجبال ونزولها عانى مشقة لا متناهية. لكن مع كل ذلك كان نور الهدى يضئ من جبينه ونار الاشتياق تفور من صدره، وهكذا استطاع أن يجتاز الثغور ويعبر الحدود بكمال السرور حتى وصل بيروت. هناك أقام عدة أيام في ضجر ومرض ولم يبقَ من صبره الشيء الكثير. إلاّ أن اشتياقه ما فتئ أن عاد وازداد بحيث لم يسمح له قلقه أن يطيل انتظاره رغم مرضه وضعفه.
قام وتوجه سيراً على الأقدام صوب بيت حضرة بهاء الله. مضى في سيره رغم حاجته إلى حذاء مناسب لرحلة كتلك مما أدى إلى تقرّح قدميه وتشققهما وزاد في مرضه وألمه، فلم يكد يقوى على السير أكثر مما قطع، ومع ذلك واصل المسير إلى أن بلغ قرية المزرعة بشكل ما، وبجوار القصر صعدت روحه إلى ملكوت الله. أخيراً لاقى محبوب قلبه بعد أن عيل صبره في فراقه. إن في قصته عبرة للعشاق! ورفت روحه في طلب محبوب الآفاق. جرّعه الله كأساً دهاقاً في جنة البقاء وتلئلأ وجهه نوراً وإشراقاً في الرفيق الأعلى. وعليه بهاء الله. إن قبره المطهر في المزرعة قرب عكاء.(1)
كان الابن الأكبر، ميرزا حسين، من المؤمنين المخلصين. وكان في حجه الثالث إذ سبق له التشرف بمحضر حضرة بهاء الله مرتين في بغداد. فهو الذي حمل معه إلى يزد لأول مرة نسخة من “الكلمات المكنونة” التي حصل عليها خلال زيارته الثانية إلى بغداد. وكان هو الذي ألمح لكثير من البابيين بأن حضرة بهاء الله، وحده وليس غيره، هو “من يظهره الله”، وكان ذلك قبل دعوة حضرة بهاء الله العلنية بوقت طويل. كما أنه أعلم بعض المؤمنين بارتداد ميرزا يحيى، الذي كانت تقيم له الطائفة البابية آنذاك اعتباراً كبيراً.
أمّا الابن الثاني، ميرزا حسن، فكان أيضاً مخلصاً لأمر الله، وأنزل حضرة بهاء الله في حقه بعض الألواح وبارك روحه بفيض من تأييداته.
وأصغر الأبناء، ميرزا علي محمد، الملقب بـ”ورقاء”، هو أحد حواريي حضرة بهاء الله. كان في الثانية والعشرين من عمره تقريباً عند مغادرته مسقط رأسه في يزد. كان شاعراً من الطراز الرفيع، ضليعاً في علم الطب القديم وعلى دراية جيدة بالموضوعات الدينية، ومبلّغاً متعمقاً بليغاً في أمر الله، مدركاً مقام حضرة بهاء الله حق الإدراك، وكان ممتلئاً بمحبته بحيث أحس كل من اتصل به بقوة أمر الله وجماله اللذين يشعان منه.
في سفر حجه الأول عام 1296ﻫ (1878–1879م) حينما فقد والده، اتصلت روحه بالروح الإلهية وانجذب كلياً بالقوى المنبعثة من ظهور حضرة بهاء الله. فأصبح حقاً خلقاً جديداً وبرز بوصفه واحداً من عمالقة الروح في هذا العصر. عندما نظر إلى وجه مولاه لأول مرة تملكته الدهشة، إذ اعتقد بأنه سبق وأن رأى حضرته في مكان ما، لكنه لم يتذكر المناسبة أو المكان. ظل في حيرة من هذا إلى أن حدث يوماً، بعد عدة مرات من التشرف بمحضره المبارك، أن تفضل حضرة بهاء الله قائلاً: ‘ورقاء! احرق حجبات الأصنام والظنون.’ فحالما سمع تلك الكلمات، استرجع ورقاء ذكرى حلم قديم عندما كان طفلاً. كان في حديقة يلعب ببعض الدمى وعندئذ وصل “الله”، وأخذ منه الدمى وحرقها في النار. عندما أخبر والديه بالحلم أوضحا له بأن لا أحد يستطيع أن يرى الله. ومع ذلك فقد نسى الحلم تماماً حتى ذلك اليوم الذي أعادت كلمات حضرة بهاء الله في ذاكرته الحلم حينما أمره بحرق الأصنام، وعلم حينئذ بأنه رأى حضرة بهاء الله في منامه وهو طفل.
لقد روى ورقاء حكاية(2) أنه في إحدى المناسبات خطر بباله خاطر أثناء تأمله في طلعة حضرة بهاء الله بعشق. فقال في نفسه: ‘إني أعترف بأن حضرة بهاء الله هو المظهر الكلي الإلهي، لكني أود أن يعطيني إشارة في هذا الصدد.’ في تلك اللحظة بالذات ومضت في فكر ورقاء الآية القرآنية:
“وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج.”(3)
في تلك اللحظة بالذات، أعرب عن رغبته في قلبه أن يردد حضرة بهاء الله هذه الآية ليحقق العلامة التي كان يبحث عنها.
بعد بعض الوقت وفي سياق بياناته المباركة تلى حضرة بهاء الله تلك الآية من القرآن الكريم نفسها. وعندما تحققت رغبة ورقاء، عاد في قرارة نفسه يتساءل: ‘هل يمكن أن تكون هذه مجرد صدفة؟’ وحالما وردت تلك الفكرة بخاطره، توجه فجأة حضرة بهاء الله نحوه قائلاً: ‘ألم يكن هذا دليلاً كافياً لك.’ فصعق ورقاء واهتز كيانه، لكنه اطمأن في قلبه وأيقن بصدق هذه الكلمات من حضرة بهاء الله:
“يا أيها الغافلون
لا تحسبوا أن أسرار القلوب مستورة بل اعلموا علم اليقين أنها سطرت بالخط الجلي وأنها ظاهرة في ساحة حضرته.”(4)
ليس من حق الإنسان أن يمتحن الله. ونادراً ما استجاب حضرة بهاء الله لأولئك الذين طلبوا منه إظهار المعجزات، لكنه غالباً ما كشف عن قدر من عظمته ومجده للذين آمنوا واعترفوا به، وذلك حتى يقوي إيمانهم.([7])
لم يشك ورقاء إطلاقاً بمقام حضرة بهاء الله حينما خطرت بباله أفكار كهذه. ربما يكون هذا هو رد فعل الإنسان حينما يجد نفسه وجهاً لوجه أمام من تجلّت فيه “روح الله الأعظم”. إن الإيمان مصطلح نسبي، تختلف درجته من شخص لآخر، فالذين يُقبِلون إلى حضرة بهاء الله بإخلاص مطلق وخضوع تام، يمكنهم بلوغ ذروة الإيمان. من المؤكد أن ورقاء، نتيجة هذه التجارب وغيرها في محضر حضرة بهاء الله، قد وصل إلى أعلى مستوى من اليقين والطمأنينة، فانجذب إلى عوالم الروح بحيث لم تعد لهذه الحياة الفانية قيمة بالنسبة له. تأكيداً لذلك توسل إلى حضرة بهاء الله أن يمكنه من فداء حياته في سبيل الله، وهذا ما فعله.
رجع ورقاء إلى إيران كشعلة من النار وقلعة من القوة ومنجم من العلم والفضائل، وخدم أمر الله ببطولة وحكمة. ولكن الخوض في تفاصيل خدماته المتميزة، أو سرد قصص من حياته المضطربة، هو خارج نطاق هذا المجلد. اختار مدينة تبريز مكاناً لإقامته بشكل رئيس، لكنه في عام 1300ﻫ (1882–1883م) ذهب إلى مسقط رأسه في مدينة يزد لملاقاة أخته الوحيدة، بيبي طوبا، التي كانت تعاني من الوحدة نتيجة نفي والدها وأشقائها من يزد. إلاّ أن ورقاء قُبض عليه وسُجن هناك، وظل محبوساً حوالي سنة واحدة نقل بعدها إلى سجن إصفهان حيث استطاع أن يدخل بعض زعماء القبائل في دين حضرة بهاء الله، وعندما أفرج عنه عاد إلى تبريز.
مُنح ورقاء امتياز حج ثان إلى محضر مولاه. كان ذلك قبل صعود حضرة بهاء الله بسنة تقريباً. في هذه المرة رافقه اثنان من أبنائه، عزيز الله وروح الله، ووالد زوجته، ميرزا عبد الله النوري، المؤمن المخلص المعروف والذي كان من موظفي الحكومة البارزين في تبريز.
في هذه المرة، كما في المرة الأولى، أمطر حضرة بهاء الله على ورقاء الكثير من الثناء والتقدير لما قدمه من خدمات لأمر الله. إن البركات والعنايات التي نالها من مولاه كانت في الواقع لا حدود لها. هكذا تنعّم هو وابناه، رغم صغر سنهما، بدفء شمس محضر حضرة بهاء الله وامتلأوا بروح الغبطة واليقين، وثملوا من صهباء محضره.
ذات مرة أراد حضرة بهاء الله أن يبهج ورقاء فقال له بما أنه كان عالماً بالطب فليصف لحضرته علاجاً إذ لم يكن يشعر بصحة جيدة، وفيما بعد أخبره بأنه تناول الدواء.
سأل ورقاء مرة حضرة بهاء الله: ‘كيف ستتبنى البشرية أمر الله عالمياً؟’ تفضل حضرته بأنه في البداية ستتسلح أمم الأرض بمعدات الحرب الجهنمية، وعند اكتمال تسلحها سوف تهاجم بعضها بعضاً كالوحوش المتعطشة للدماء. نتيجة لذلك، سيكون هناك سفك دماء هائل في جميع أنحاء العالم. بعد ذلك سيجتمع الحكماء من كل الأمم معاً لتحري سبب إراقة الدماء على هذا النحو. سيصلون إلى الاستنتاج بأن التعصبات هي السبب، وأعظمها هو التعصب الديني. وعليه سيحاولون القضاء على الدين للقضاء على التعصب. وسيدركون في وقت لاحق بأن الإنسان لا يمكن أن يعيش بدون دين. وبعدئذ سيتدارسون في تعاليم كافة الأديان لمعرفة أي من الأديان تتفق مع الظروف السائدة في ذلك الوقت. عندها سيصبح أمر الله عالمياً.([8])
ذات مرة تحدث حضرة بهاء الله إلى ورقاء عن مقام حضرة عبد البهاء وأشاد بفضائله وصفاته السماوية. وقال إن في عالم الوجود هذا ظاهرة أشار لها في بعض الألواح بـ”الإكسير الأعظم”. وإن أي شخص يمتلك هذه القوة سيكون قادراً على ممارسة نفوذ هائل في العالم من خلال عمله، ويمكنه أن يفعل أي شيء يريد. وأشار إليه بتدبر أمر السيد المسيح بعد صلبه: فاليهود تجاهلوه تماماً، بل إنهم لم يذكروا اسمه في كتبهم، لكنه لمّا كان يمتلك هذه القوة، فلم يكن ممكناً أن يبقى غير معترف به، فأحدث ثورة في العالم. ومع ذلك فقد اعتاد السيد المسيح تفادي الحمقى. “والآن انظر إلى المولى. لاحظ بأي صبر وحنان يعاشر جميع أنواع الناس. إنه يملك هذه القوة، ولذلك لا يمكن قياس مدى التأثير الذي سيحدثه في عالم البشرية.”
عندما سمع ورقاء هذا البيان، امتلأ سروراً وانفعالاً وخرّ ساجداً عند قدمَي حضرة بهاء الله وتوسل إليه ليمكّنه مع أحد أبنائه من فداء حياتهما في سبيل المولى (حضرة عبد البهاء) فمنّ حضرة بهاء الله عليه بالقبول. عند عودته إلى إيران كتب ورقاء لحضرة بهاء الله مجدداً رجاءه للاستشهاد، وقد قوبل طلبه ثانية بالإيجاب. وكما سنرى لاحقاً، فإن هذا ما حدث، واستشهد خلال ولاية حضرة عبد البهاء.
من غير الممكن بالنسبة لمن لم يبلغ منّا هذا المستوى من الولاء المطلق لحضرة بهاء الله، ولم يثمل من خمر ظهوره، أن يفهم كنه الدافع لشخص راجح العقل، موهوب ومتزن تماماً، بالسعي للتضحية بحياته في سبيل أمر الله. إن أولئك الذين ابتغوا الاستشهاد لا بد وأنهم بلغوا ذروة الإيمان والاطمئنان، ولا بد أنهم رأوا ببصيرة الروح لمحة من باطن حقيقة مولاهم، وصاروا ممغنطين بعظمته ومجده. فلقد بهرت أبصارهم، وهم تلكم النفوس الشبيهة بفراش الضوء العاشقين لجمال حضرته، الوالهين بسناء طلعته لدرجة تمنوا تضحية أنفسهم في سبيله.
ولكن في معظم الحالات لم يشجع حضرة بهاء الله المؤمنين على ابتغاء الاستشهاد. بل كان في ألواحه يحث المؤمنين على حماية حياتهم بكل الوسائل الممكنة من أجل أن يتمكنوا من تبليغ أمر الله للآخرين. في الواقع إن حضرة بهاء الله قد أنعم على من يبلّغ أمر الله بالحكمة([9]) مقام الشهيد.
إن بعض الذين تشرفوا بمحضر حضرة بهاء الله كانوا يرجونه أن يقبلهم شهداء في سبيله، مع علمهم بأن ذلك يتم فقط إذا صدر عن حضرته القبول. سنرى نموذجاً نبيلاً لهذا في سيرة حياة الأخوين اللامعين من إصفهان اللذين لقبهما حضرة بهاء الله “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء”.
تشرّف طفلا ورقاء، عزيز الله وروح الله، اللذان رافقاه إلى عكاء، بمحضر حضرة بهاء الله أيضاً عدة مرات. لقد ترك اتصالهما بالمظهر الكلي الإلهي انطباعاً باقياً في روحيهما. وبالرغم من صغر سنهما إلاّ أنهما صارا مشحونين بروح الإيمان. وقد انتعش روح الله روحياً خصوصاً من تلك الأجواء القدسية، ويمكن اعتباره واحداً من المعجزات الروحية التي أوجدتها يد العناية الإلهية في هذه الدورة. ورغم أنه كان في الثامنة من عمره تقريباً عندما تشرّف بمحضر حضرة بهاء الله لكن تفهمه لأمر الله كان عميقاً جداً.
مثال واحد على ذلك: في أحد الأيام سأل حضرة بهاء الله روح الله: ‘ماذا فعلتم اليوم؟’
أجاب: ‘كنت أتلقى دروساً من … [أحد المعلمين].’
سأل حضرة بهاء الله: ‘أي موضوع كنت تتعلم؟’
‘موضوع الرجعة’ [رجعة الأنبياء]، قال روح الله.
‘هل يمكنك شرح ما يعنيه هذا؟’ سأل حضرة بهاء الله.
أجاب: ‘الرجعة تعني رجعة الحقائق والصفات.’
عاد حضرة بهاء الله يسأله المزيد قائلاً: ‘هذه هي بالضبط كلمات معلمك وأنت ترددها مثل الببغاء. أخبرني بكلماتك الخاصة ما تفهمه عن الموضوع.’
‘إنه يشبه اقتطاف زهرة من نبتة في هذه السنة’، أجاب روح الله، ‘والزهرة في السنة القادمة سوف تبدو تماماً مثل تلك الزهرة ولكنها ليست هي نفسها.’
أثنى الجمال المبارك على الطفل لإجابته الذكية وطالما دعاه “جناب المبلّغ”.
في مناسبة أخرى سأل حضرةُ بهاء الله روحَ الله كيف قضى وقته في المنزل. فأجاب: ‘نبلّغ أمر الله ونقول للناس إن الموعود قد ظهر.’ مستمتعاً بهذا الحوار بطبيعة الحال، مضى حضرته بسؤال الطفل عما سيفعله لو تبين بأن دعوة حضرة الباب لم تكن على حق وأن الموعود الحقيقي قد ظهر. ‘عندئذ سأحاول أن أبلّغه أمر الله’، كان رده الفوري.
كان لورقاء أربعة أبناء سبق أن ذكرنا أول اثنين منهم. الابن الثالث كان ولي الله، الذي عاش لعمر أطول منهم وتميز كخادم بارز لأمر الله. كان أميناً لحقوق الله،([10]) حيث عيّنه حضرة شوقي أفندي، ولي أمر الله. ثم عيّنه حضرته في وقت لاحق أحد أيادي أمر الله في سنة 1951م. صعد إلى الملكوت الأبهى عام 1955م.
أمّا الابن الرابع، بديع الله، فقد توفي في صغره، وتسلّموا جميعهم من حضرة بهاء الله، وهم أطفال، ألواحاً نزلت في حقهم، وفي كل منها أغدق عليهم من فيض مواهبه وبركاته.
بعد صعود حضرة بهاء الله، ذهب ورقاء مع ابنيه نفسهما للحج والتشرف بمحضر حضرة عبد البهاء. وكما في السابق، أبدى حضرته وأخته الورقة المباركة العليا إعجابهما ومحبتهما لروح الله، واستمتعا بالتحدث معه.
ذات يوم لاحظت الورقة المباركة العليا أن روح الله وشقيقه الأكبر عزيز الله كانا يلعبان في الحديقة فدعتهما للدخول، فجلسا في محضرها. كان هناك أيضاً بديع الله وضياء الله، ابنا حضرة بهاء الله اللذان انضما في وقت لاحق إلى ميرزا محمد علي،([11]) الناقض الأكبر لعهد حضرة بهاء الله وميثاقه. سألتهما الورقة المباركة العليا، التي غالباً ما عرفت بلقب “الخانم”، عما يقولانه للناس عند تبليغهم أمر الله.
أجاب روح الله: ‘نخبرهم بأن الله قد أظهر نفسه.’
فاستغربت الخانم من هذا التصريح وقالت لهما أنه من المؤكد لا يمكن أن يقولا للناس شيئاً كهذا مباشرة!
‘نحن لا نقول هذا لكل شخص’، أجاب روح الله، ‘نقولها فقط لمن لديهم القدرة على سماع مثل هذا البيان.’
‘كيف يمكنك أن تعرف هؤلاء الناس؟’ سألت الخانم.
‘ننظر في عيونهم ومن ثم نعلم فيما إذا كان يمكننا إبلاغهم الرسالة’، أجاب روح الله.
ضحكت الخانم بحرارة ثم أشارت على روح الله بالتقدم قريباً منها والنظر إلى عينيها للتعرف فيما إذا لديها الاستعداد لسماع كلمات كهذه. فتقدم نحوها، استجابة لطلبها، وجلس قبالة الورقة المباركة العليا وتأمل في عينيها باهتمام ثم قال: ‘أنت مؤمنة أصلاً بهذه الكلمات.’
بعد ذلك جاء دور ابنَي حضرة بهاء الله، فاقترب روح الله منهما ونظر متفحصاً في عينيهما وقال بأسف وحزن للخانم: ‘إنها لا تستحق النظر فيها!’
حقاً لم يكن روح الله طفلاً عادياً، كان ذاتاً ملهماً وتصرّف مثل عملاق روحاني. ففي سن مبكرة كتب شعراً جميلاً يدل بوضوح على عمق محبته لحضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء، وعلى معرفته الواسعة بأمر الله وعمق تفهمه للغرض الحقيقي من الحياة. وقد اعتاد التحدث عن أمر الله في مجامع علماء الدين ورجال العلم ببلاغة ومعرفة وإبراز البراهين الدامغة على أحقيّة أمر الله مما أذهل كثيرين بعد استماعهم إليه، تميزت إجاباته بالعمق مع البساطة والإقناع.
هناك بعض القصص الممتعة ذات الصلة بهذا الطفل المبلّغ لأمر الله. وكمثال على ذلك: كان في سن الثانية عشرة فقط من عمره، عندما حضر روح الله ووالده عدة اجتماعات في زنجان حضرها علماء الدين في المدينة. كان حاكم زنجان، علاء الدولة، قد أعد هذه المجالس بصفة خاصة من أجل مواجهة ورقاء مع علماء الدين للدفاع عن عقيدته. وقد كتب الحاج ميرزا حيدر علي عن ذلك في مذكراته المشهورة في كتاب “بهجة الصدور”:
كان ورقاء… مستعداً لأن يثبت، بحول الله وفضله، أحقية هذا الظهور الأعظم الذي وعدت به جميع الكتب السماوية، وأن يبرهن على صلاحية المبادئ الأساسية والأحكام الروحانية والمادية، وحتى المسائل الثانوية، التي جاء بها أمر الله مستنداً على القرآن الكريم كأساس لحججه…
وهذا ما دفع علاء الدولة، حاكم زنجان، لعقد عدة اجتماعات آمراً علماء زنجان بالحضور، وعمل ترتيباً من أجل توفير كتب وألواح بهائية في هذه المناظرات. بعد قراءة بعض منها، تم الرد على اعتراضات العلماء رداً وافياً أحياناً من قبل ورقاء وأحياناً من قبل روح الله. وكانت جميع الإجابات، التي دعمت بآيات من القرآن الكريم، مقنعة وقاطعة…
لمّا ثبت جلياً عجز العلماء في جدالهم في نظر الحاكم، الذي كان مقتدراً جسوراً، لم يجرؤ العلماء على إصدار حكم الموت بحق ورقاء باعتباره كافراً. لقد أذن الحاكم مراراً لروح الله في تلك المناظرات بمناقشة العلماء، وكان يستدل على الموضوع بوضوح وشجاعة وبمنتهى الفصاحة والبلاغة. كانت محادثاته ممتعة بحيث اعترف الحاكم بأن الأدلة التي استشهد بها الطفل كانت معجزة في نظره…(5)
حكاية أخرى تقول: مرة كان روح الله وأخوه الأكبر يسيران في المدينة. مر رجل دين مسلم راكباً على حمار ولاحظ من مظهرهما أنهما غريبان في زنجان فاقترب منهما وقال: ‘من أنتما؟’
أجاب روح الله: ‘نحن أبناء ورقاء، مواطن من يزد.’
‘ما اسمك؟’، سأل رجل الدين.
‘اسمي روح الله’، كان الجواب.
‘هذا اسم عظيم’، قال رجل الدين. ‘إن المسيح كان روح الله ولذا كان يحيي الموتى ويعيد لهم الحياة.’
‘سيدي، لو أبطأت من سرعة سير دابتك،’ هتف روح الله بحماس عظيم، ‘فأنا كذلك سوف أبعثك من الموت بحياة جديدة!’
فما كان من الرجل إلاّ أن تركهما مسرعاً وهو يقول: ‘لا بد أنكما طفلان بابيان!’([12])
إن القصة الكاملة للظروف التي أدت إلى استشهاد ورقاء وابنه روح الله ذي الاثني عشر ربيعاً، هي خارجة عن نطاق هذا المجلد. فقد تعرضا لسلسة من الاعتقالات والسجن، وكانا ينقلان من سجن إلى سجن مثقلين بالسلاسل وقد شدت أقدامهما بالأغلال. كان نتيجة ذلك أن ذاقا الكثير من المشاق والتعذيب إلى أن استشهد ورقاء أخيراً عندما أقدم حاجب الدولة، مدير سجن طهران وهو في سورة غضب، على طعنه بخنجر في بطنه فسقط أرضاً على مرأى من ابنه روح الله، الذي شاهد جسد أبيه يقطع بعد قتله. بعد ذلك بفترة قصيرة جاء دور ابنه الذي رفض إنكار عقيدته وأعلن عن رغبته بالانضمام إلى أبيه، فتم قتل ذلك الطفل النبيل البطل خنقاً. كان ذلك في شهر أيار سنة 1896م.
هكذا انتهت حياة اثنين من الأبطال الخالدين في الدورة البهائية. فكل من الأب والابن قد أثرى تاريخ أمر الله وألقى عليه بريقاً من شأنه أن يلهم أجيالاً عبر المستقبل بسيرة ومثال حياتهما وأن يدفعاها للارتقاء إلى مستويات أرفع من الخدمة في سبيل ترويج أمر الله.
هناك العديد من الألواح التي أنزلها حضرة بهاء الله في حق ورقاء إذا ما جمعت، لصارت مجلداً ضخماً. الموضوع المشترك فيها جميعاً هو فيض العناية والإفضال المنهمر عليه. يشير حضرة بهاء الله إلى ورقاء على أنه من عرف حقاً مقام مولاه السامي، ونال شرف الفوز بمحضره، ويشهد بأنه ممن انغمس في بحر كلماته وطار في سماء محبته، وشرب من كأس رحيق ذكره، وانقطع بكله إليه، وقام على خدمة أمره بإخلاص تام. ويمطره بالثناء على إخلاصه وحبه واستقامته ووفائه وصدقه وجهوده التبليغية المحمودة.
في أحد ألواحه(6) المنزلة حوالي عام 1888–1889م يخاطب حضرته ورقاء قائلاً: “طوبى لهيكلك بما اخترت له ثوب العبودية. لله الحق لعمر الله اخترتَ ما اختاره الله لك.”
ذكرنا في مجلدات سابقة([13]) بأن المقام الوحيد الذي قدره الله للإنسان في هذه الحياة هو مقام العبودية. وعندما يقدم المؤمن للأمر خدمات صادرة عن قلب خافق بالتواضع والعبودية، عندئذ فقط تتنزل عليه قوى التأييد العظمى من الملأ الأعلى. أمّا السعي إلى إعلاء النفس على الآخرين فإنه لا محالة يؤدي إلى التكبر، والانحطاط الروحي وحتى السقوط (الموت الروحاني)، لأن خدمة منبعثة عن غاية أنانية ورغبات شخصية هي غير مقبولة عند الله. “كن لي خاضعاً لأكون لك متواضعاً…“(7) هي كلمات حضرة بهاء الله في هذا المقام، ولكن ليس من الممكن للإنسان أن يكون متواضعاً ويبلغ مقام العبودية حتى يكتشف القوة الدافعة التي توجهه في طريقه.
توجد قصة جميلة في قصيدة للشاعر الفارسي المشهور سعدي، وهي قصة قطرة من المطر تسقط من الغيوم. تعرف هذه القطرة بأنها ماء الحياة، أثمن ما خلق الله من العناصر، ولذا كانت فخورة بنفسها للغاية أثناء هبوطها. وبينما هي تتباهى أثناء نزولها، رأت فجأة محيطاً في الأسفل، حينذاك أدركت قلة شأنها وهتفت: ‘إذا كان هذا موجوداً، ماذا أكون أنا؟’ وعندما سمع المحيط هذا التعبير من التواضع استقطب القطرة إليه وجعلها رفيقة لؤلؤة.
بهذا التشبيه يمكن اعتبار ظهور حضرة بهاء الله كالمحيط، والمؤمن مثل قطرة. فمتى أفلح المؤمن، من خلال جهوده الخاصة والاستعانة بالصلاة، في رؤية لمحة من عظمة حضرة بهاء الله وجلاله، فإنه يصبح، كتلك القطرة وهي تشاهد المحيط لأول مرة، تجسيداً لنكران الذات والعدم المطلق وهذا أعلى مكتسبات الإنسان، ويشكل الملامح الأساسية لخلق العملاق الروحي. إذ ما لم يعترف الإنسان بعظمة أمر الله فلن يمكنه أن يصبح متواضعاً حقاً.
إن ظهور حضرة بهاء الله قد افتتح “يوم الله”، يوم تنبأ به وأخبر عنه جميع أنبياء الله ومؤسسو أديان العالم. ومن الضروري للمؤمن الذي يبتغي مقام العبودية أن يكتسب باطراد، من خلال قراءة الكتابات المقدسة ودراسة تاريخ أمر الله، تفهماً أوضح لمقام حضرة بهاء الله ورؤية باطنية أكثر حدة لظهوره الأعظم، ظهور “أمنع أعلى ظهر فيه ما لم يظهر في أي عصر من العصور ولن يظهر شبهه.”(8) ليس هناك بهائيٌ يمكنه الادعاء بأنه قد فهم فهماً كاملاً واستوعب عظمة هذا الظهور،([14]) فهذه غاية لا نهاية لها. وبما أن الإيمان والعرفان مصطلحان نسبيان فإن جميع الناس يقفون على درجات متباينة في هذا المسار، إذ كلما أدرك الفرد عظمة أمر الله ومجده كلما زاد تواضعه.
تزخر ألواح حضرة بهاء الله إلى ورقاء بفقرات تمجد عظمة أمر الله وسموه بعبارات بليغة وتمجد شخص صاحبه، وتكشف عن بعض الأسرار والقوى الخارقة التي أطلقها في هذا العصر كما يزيح الستار عن بعض الحقائق المكنونة في كتاباته.
في لوح مطول(9) أنزل في حق ورقاء حوالي عام 1887–1888م قبل صعود حضرة بهاء الله ببضع سنوات، يمجد حضرته هذا الظهور وعظمته قائلاً: “هذا يوم البيان وهذا يوم ما شهدت عين الإبداع شبهه“، مؤكداً أن “فضل الله مشهود“، و”نعمة الله موجودة”، و”رحمة الله مسبوقة”، و”مائدة الله نازلة”، و”الآيات محيطة”، و”البينات ظاهرة”، ولآلئ الحكمة والبيان قد عرضت للجميع ليروها، وأن لسان العظمة قد ارتفع بندائه على الأمم، ومع كل هذا الفيض من فضل الله ومواهبه فقد ظل أكثر أهل العالم غافلين. بعضهم سمع نداء الله وبقي غافلاً. وقليلون فقط هم الذين شهدوا بهاء ظهوره وآمنوا بأمره.
في رثائه عمى البشرية وانحرافها في هذا العصر، يصرح حضرة بهاء الله بأن الناس قد تربّوا على الاعتقاد في تقاليدهم العتيقة التي هي في معظمها، نتاج ظنون وأوهام. وهذه التقاليد وإن لم تكن سوى قطرة، فهي بنظرهم كالبحر في حين أن بحر الظهور الإلهي، المتلاطم بأمواج المعرفة والحقيقة، يبدو كالقطرة في نظرهم. ينسب حضرته سبب هذا العمى إلى الضلال والجهل والغرور والأعمال غير اللائقة، ويسأل الله بأن يقدر لأهل العالم ما يمكنهم من إدراك حقيقة القوى الروحية الهائلة التي بثها لبعث البشرية من جديد. ويؤكد كذلك بأن أمر الله في منعة وسمو وأن التأثير الذي سيكون له على الجنس البشري لا يمكن مقاومته.
يدعو حضرة بهاء الله في هذا اللوح أتباعه قائلاً: “انصروا المظلوم بجنود الأعمال والأخلاق.” يصرح أن لسانه مشغول ليلاً ونهاراً بنصح أحبائه ليحيوا حياة فاضلة ويتحلوا بسلوك قدسي، إذ به سيتمجد أمره وتعلو كلمته. ويحث المؤمنين على تبليغ أمره، إلاّ أنه ينصحهم بتنفيذ حكمه بمنتهى الحكمة، مذكراً إيّاهم بأن الاعتدال بالكلام في هذا الشأن يكون ككوثر الحياة للروح، في حين لو يتجاوز حد الاعتدال يتولد عنه التعصب والحقد.
في لوح سابق(10) أنزل بحق ورقاء حوالي عام 1880–1881م، يصف حضرة بهاء الله حالة الإنسانية بالخطيرة. ويمكن للإنسان أن يشاهد بوضوح فقدان الاستقرار في هذه الحياة الفانية واستمرار “التغييرات والاختلافات والانقلابات” التي تجتاح العالم. وبوسعه أن يسمع في كل الأحيان “من كل شيء نداء الفناء” النهائي. لكن مع ذلك فإنه غافل تماماً عن فنائه الشخصي. في هذه الحال من الضلال والإهمال تراه هائماً على وجه الأرض مشتغلاً بما هو فان، ويعمل ما يعود عليه بالخسارة الأبدية والحرمان.
ويوضح حضرة بهاء الله بأن كل الموجودات تنطق في كل الأحيان، لكن نداءها صامت. والذين أوتوا آذاناً صاغية فقط هم قادرون على أن يسمعوها تتحدث ببلاغة عن حياتهم الزائلة. مثلاً، تروي الشمس قصتها الخاصة، فهي دائبة الشروق صباحاً والغروب مساء. ونداء التغيير والفناء النهائي يمكن أن يسمع من كل الجهات، لكن البشر الذين صُمَّت آذانهم لا يستطيعون أن يسمعوها. في لوح(11) يصف حضرة بهاء الله مجازاً مصيبة الإنسان، إذ يتفضل: “إن الدنيا تضحك على مريديها وتقول بأعلى النداء مخاطباً إيّاهم هل رأى أحد مثلكم منيّ خيراً أو وفاء سوف نرجعكم إلى التراب خائبين خاسرين كما رجعنا الأولين.”
إن السبب الرئيس لعمى الإنسان وانحرافه هو تعلقه بأشياء هذا العالم. يرد موضوع الانقطاع مراراً وتكراراً في الكتابات المباركة وقد بحثناه في مجلدات سابقة. فالإنسان ينجذب عادة إلى الأشياء المادية، والقلب هو مركز دفء الوجدان والحب، ومن خصائصه أن يهيم بحب طرف آخر، والفرد هو الذي يبحث عن ذلك الطرف ويختاره. على سبيل المثال، إذا توجه الإنسان بوجدانه إلى العالم المادي، يصبح قلبه متعلقاً بأشياء مادية بسهولة بالغة. ولكن إذا توجه إلى الله والأمور الروحية، فإن قلبه يمكن أن يولع بمحبة الله بشرط أن يستوفي المطلب الذي يشير إليه حضرة بهاء الله في “الكلمات المكنونة”:
“يا ابن الوجود
فؤادك منزلي قدّسه لنزولي…“(12)
وفي موضع آخر من “الكلمات المكنونة” يشرح:
“يا ابن التراب
لك قدرت جميع ما في السموات والأرض! إلاّ القلوب فقد جعلتها منزلاً لتجلي جمالي وإجلالي. وأنت قد تركت منزلي لغيري. فما أراد ظهور قدسي في كل زمان أن يقصد مكانه إلاّ وجد فيه غيره ورأى فيه غريباً. فأسرعَ إلى حرم المحبوب…”(13)
ويتفضل أيضاً قائلاً:
“يا حبيبي بالقول
تأمل قليلاً: أسمعت قطّ أن الحبيب والغريب يجتمعان في قلب واحد؟ إذاً فاطرد الغريب حتى يدخل الحبيب منزله.”(14)
إنها فكرة رائعة أن الله وهب الإنسان ما لا نهاية له من الأشياء وكل ما في السماء والأرض، وهذا يعني أن كل شيء في هذا الكون يعود للإنسان عدا شيء واحد هو قلبه. إن “الغريب” المذكور أعلاه ليس إلاّ تعلق الإنسان بهذا العالم، وأعظم شكل من التعلق هو حب الإنسان لذاته. ويتمثل هذا النوع من التعلق بصفة رئيسة في الزهو والافتخار بما لدى الإنسان من معارف وعلوم ومكتسبات أخرى كالمنصب والرتبة. وحب الإنسان لنفسه هو الذي يجعله متصلب الرأي، متمركز الذات، ومتكبراً أنانياً. في الحقيقة يجرده ذلك من الصفات الروحية. إن شخصاً كهذا هو فعلاً ممن آوى داخل قلبه عدواً كبيراً، ألا وهو “الغريب”.
أما وإن القلب أمانة من الله إلى الإنسان لتنزل عليه محبته وعطاياه وليس لإيواء الغرائز والرغبات الدنيوية، فهو لذلك أساس النفس لحياة الإنسان الروحية. وما أوسع الفجوة بين هذا المفهوم وذاك الذي يعتقد به غالبية الجنس البشري في هذا اليوم، والذين يعيشون حياتهم وهم غافلون عن الغرض الذي خلقوا من أجله!
ينبض القلب داخل الجسم، ومن خلال الطاقات الحيوية التي يبثها يستمد كل عضو نشاطه. فالعينان والأذنان واللسان والعقل واليدان كلها تعمل وظائفها في وئام مع القلب. بما أن القلب يفترض أن يكون مشرق محبة الله، فمن المنطقي أن تتبع هذه الأعضاء ذلك أيضاً. في الواقع أكد حضرة بهاء الله ذلك في الكثير من ألواحه: “اعلم أن الآذان خلقت لإصغاء النداء في هذا اليوم…“(15) وفي كتاب عهده يتفضل: “الحق أقول إن اللسان قد خلق لذكر الخير فلا تدنسوه بالقول السيئ.”(16) في أحد المواضع يصرّح بأن الأذن خلقت لإصغاء نغماته والعين لمشاهدة أنوار سناء طلعته واليد لأخذ ألواحه.(17)
إن هذه التعاليم سامية للغاية، وكلها تشير إلى طريقة جديدة للحياة ينبغي فيها للمؤمن أن ينتبه لئلا يسيء استعمال ما وهبه الله من قوى. وبالقدر الذي يستطيع به الفرد الالتزام بهذه المعايير في حياته اليومية، وموائمة أفكاره وأقواله وأفعاله مع إرادة خالقه، يمكن أن ينجح في بلوغ هدف التقرب إلى الله.
عوداً لموضوع البشرية المنحرفة، يعلن حضرة بهاء الله في لوح لورقاء(18) بأن العالم بأسره قد انغمس اليوم في محيط الوحي الإلهي، فهطلت الآيات من سماء الإرادة الإلهية، وأشرقت شمس الحقيقة، وتحققت كافة الدلائل والبراهين، “واستوى مكلم الطور([15]) فوق عرش الظهور”، وارتفع صرير قلمه الأعلى([16]) في كل الأرجاء. “ولكن القوم في ضلال مبين” ومحرومون من أي إدراك لاكتشاف الحقيقة.
إن آراء كهذه، بما تحتويه من ملامح حزينة تصور مدى انحراف الجنس البشري في هذا العصر، موجودة بوفرة في كتابات حضرة بهاء الله. فهو يحزن لعمى البشرية ويتوجه بالدعاء إلى القوة الإلهية لتمنح الإنسانية موهبة الرؤية الجديدة لتبصر مجد الله الذي ظهر في هذا اليوم.
في لوح آخر لورقاء(19) يشرح حضرة بهاء الله الموضوع نفسه ويصرح أنه حتى الهيكليين الألمان،([17]) الذين تحققوا عن طريق الأناجيل بأن مجيء الرب بات وشيكاً، وكانوا قد جاءوا إلى الأرض المقدسة لغاية مخصصة هي لقاؤه وجهاً لوجه، فشلوا تماماً في الاعتراف بمولاهم عندما أظهر نفسه لهم.
والآن، ورغم مرور قرابة قرن من الزمان، وانتشار أمر الله في جميع أنحاء العالم، واعتناقه من قبل العديد من الناس ينتمون لخلفيات مختلفة في اللون والدرجة، وإقامة المؤسسات الإدارية لنظمه العالمي الجنيني في جميع أنحاء الكرة الأرضية، فإن عموم البشر ورؤساءهم، الدنيويين والدينيين، لا زالوا حتى الآن غير مكترثين أو غير عالمين به.
تبحث الإنسانية في محاولة مستميتة عن حلول للمخاطر المروعة التي تواجهها اليوم، فتجرّب كل ما تجده أمامها من عقائد ومذاهب بغية إيقاف العملية الهدامة التي باتت تهدد بنحو متسارع بتدمير نسيج مجتمعها المعاصر، لكنها لم تجد حلاً حتى الآن. فالزعماء الدينيون، من ناحية أخرى، والذين يشهدون إفلاس مؤسساتهم العتيقة وعدم مواءمة المعايير القديمة للعصر الحديث، نراهم يحاولون تطبيق معايير جديدة من خلال تقديم تنازلات، لكن هذه بدورها تعمل على تقويض تلكم التعاليم الدينية التي ظلت على حالها منذ قرون. إن معايير الحقيقة الصارمة التي كانت سائدة في سابق الأزمان والمنبعثة عن التعاليم الدينية نجدها الآن، في عدة أنحاء من العالم، قد استبدلت بالرأي العام. والتنافر بين الاثنين أرغم الزعماء الدينيين على السير فوق حبل مشدود، بينما تزداد خيبة عامة الناس ونفورهم من الدين. فلا عجب أن انحاز الكثيرون في هذا القرن إلى صفوف اللاأدريين والملحدين. في حين أن بعضهم الآخر خلق طوائف ومذاهب دينية قائمة أساساً على نظريات ومفاهيم تافهة أو تهدف لإثارة الأحاسيس.
في الوقت الذي يسعى القادة الدينيون باستمرار لإيجاد مَخرج، تنضم أعداد كبيرة من الناس إلى هذه الطوائف التي تصبح زياً شائعاً لفترة ما. لكن بعدما يذوي بريقها أو ينتشر التذمر في صفوفها، أو تصبح الحركات هذه عاجزة متحللة، عندئذ يبحث الناس عن “منقذ” آخر، حركة أخرى أو مذهب آخر، وما أكثر ما يجدونه منها في أرجاء العالم. وهكذا تستمر التجربة لإيجاد السلام وطمأنينة النفس، لكن ما أقل الذين وجدوا السعادة أو الطمأنينة أو راحة البال.
من ناحية أخرى، يناضل الزعماء السياسيون ورجال الدولة في العالم فردياً وجماعياً من أجل حل المشاكل التي تواجه البشرية. وهم أيضاً مثل الزعماء الدينيين يحاولون جاهدين لاكتشاف صيغة ناجعة، لكن بما أن جهودهم مبنية على أساس النفعية الذاتية والمصالح قصيرة الأجل، فإن آفاق العالم تزداد ظلمة يوماً بعد يوم. فلا الزعماء الدينيون ولا أولئك العاملون في المجالات السياسية والاجتماعية قد اهتدوا حتى الآن إلى علاج لعلل البشرية.
وهكذا يستمر الكفاح، وستجرب الإنسانية كل شيء حتى تصل إلى مرحلة من اليأس الشديد والقنوط التام.
ينبئ حضرة بهاء الله بالمصير في هذه الكلمات:
“إن العالم متقلب ويزداد تقلبه يوماً فيوماً ويتوجه بوجهه إلى الغفلة والإلحاد، وهذا الأمر سيزداد شدة بحيث لا يقتضي ذكره. ويستمر الحال على هذا النهج أياماً طويلة. وإذا تم الميقات يظهر بغتة ما يرتعد به فرائص العالم إذاً ترتفع الأعلام وتغرد العنادل على الأفنان…”(20)
بإمكاننا أن نرى من تاريخ الأديان في الماضي أيضاً كيف تجاهلت كل أمة دينها في يوم ظهوره. على سبيل المثال، ظلت رسالة حضرة المسيح مجهولة لعدة قرون، لكن لمّا كانت رسالة من عند الله، فقد تغلغلت أخيراً إلى قلوب الناس. بين كتابات حضرة بهاء الله تصريح مثير للاهتمام بشأن مستقبل أمره، فقد أعلن دون التباس أو غموض بأن الله قد أظهر نفسه في هذا اليوم، فلا مناص للبشر إلاّ الإقبال واعتناق أمره. ولكن يبدو جلياً من الظروف العالمية السائدة الآن بأن الإنسانية لا بد أن تمر عبر الكثير من المعاناة والمحن القاسية قبل بلوغ المرحلة النهائية حينما توجّه اهتمامها لأمر حضرة بهاء الله وتدخل في سرادق اتحاد البشر الذي يشير إليه بهذه الكلمات:
“إن خيمة الأمر الإلهي عظيمة ولم تزل تبقى مظللة على جميع أحزاب العالم.”(21)
وقعت حادثة خطيرة ذات أثر عظيم في إصفهان خلال الأشهر القليلة الأخيرة من إقامة حضرة بهاء الله في قصر المزرعة. كانت تلك حادثة استشهاد اثنين من أتباع حضرته الممتازين، “النورين التوأمين النيرين”، ميرزا محمد حسن وشقيقه الأكبر ميرزا محمد حسين، الملقبين على التوالي “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء” من قبل حضرة بهاء الله. وشبيهاً باستشهاد بديع،([1]) فإن هذا الحدث المأساوي جعل القلم الأعلى ينوح لفقدهما عدة سنوات. ففي ما لا يقل عن مائة لوح يروي حضرته قصتهما ويكشف عن مقامهما ويثني على فضائلهما.
في لوح(1) لأحد الأفنان، أنزل بكلمات ميرزا آقا جان، كاتب وحيه، يصرّح حضرة بهاء الله بعبارة لا يمكن وصفها إلاّ بأنها مذهلة، إذ يذكر حضرته بأن استشهاد هذين الأخوين كان له دوي وأثر أعظم وأدمى حزناً في القلوب من استشهاد مولاهما، حضرة الباب، الذي خدماه وبجّلاه.
ولد “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء” في عائلة نبيلة في إصفهان، وعند إعلان دعوة حضرة الباب سنة 1844م كانا يبلغان تسع وعشر سنوات من العمر على التوالي.
كان عمّاهما اللامعان، ميرزا هادي وميرزا محمد علي (والد منيرة خانم، حرم حضرة عبد البهاء) قد اعتنقا دين حضرة الباب في الأيام الأولى من ظهوره، وشارك كلاهما في مؤتمر بدشت. لكن والدهما، ميرزا إبراهيم، لم يكن مؤمناً في ذلك الوقت، إلاّ أنه اعترف فيما بعد بأحقية الدعوة. كان يعمل في خدمة مير سيد محمد، إمام الجمعة([2]) في إصفهان، بصفة مدير لشؤونه المالية. عندما ذهب حضرة الباب إلى تلك المدينة أمضى جزءاً من وقته ضيفاً في منزل إمام الجمعة.
ونظراً لارتباطه الوثيق في ذلك الوقت بحضرة الباب، دعا ميرزا إبراهيم حضرته ولو لم يكن مؤمناً به، ليكون ضيفاً في منزله ليوم واحد. في تلك المناسبة تشرّف الأخوان الصغيران وعمّاهما([3]) بمحضر حضرة الباب. ترك ذلك اللقاء انطباعاً خالداً لدى الشابين اللذين أصبحا مؤمنين متحمسين بفضل جهود عمّيهما وخاصة ميرزا محمد علي الذي رافقهما فيما بعد إلى بغداد حيث تشرفوا بمحضر حضرة بهاء الله. ونتيجة للقائهم ذاك أدركوا مقام حضرته الرفيع وامتلئوا بروح الإيمان واليقين، وتنورت ذواتهم ببهاء طلعة مولاهم وعادوا لموطنهم ساطعين كالمصابيح المضيئة.
في تلك الأيام كان التجار يحتلون مكانة هامة في المجتمع. هكذا كان حال كل من “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء” اللذين فازا بتقدير عال كتاجريْن مشهوريْن بنظر أهالي إصفهان. ولو أن هذين الأخوين أفلحا بتأسيس تجارة مزدهرة جداً هناك، إلاّ أنهما لم يتعلّقا بمتاع الدنيا وممتلكاتها. ومن خلال دعمهما السخي تمكّنا من تخفيف بعض الصعوبات التي عانى منها حضرة بهاء الله وأصحابه أثناء المراحل المتعاقبة من النفي والحبس. كما أنفقا جزءاً كبيراً من ثروتهما الطائلة على الفقراء وآويا بكل محبة المنكوبين والمحتاجين في جميع الأوقات. على سبيل المثال، قاما بتوفير الغذاء والضروريات الأخرى لكثير من الناس خلال مجاعة حلّت بإصفهان. واشتهرا في تعاملهما مع الناس بالأمانة والصدق والرحمة والمحبة والكرم. كانا تجسيداً لامعاً لكل المثل العليا البهائية، وكانت محبتهما لحضرة بهاء الله لا تعرف الحدود. وقد أمطر عليهما حضرة بهاء الله بسخاء من ثنائه ومديحه مما يعد دليلاً واضحاً على رفعة مقامهما ونبل شخصيتهما ونقاء نفسيهما.
بعد وفاة مير سيد محمد، مضيف حضرة الباب، انتقل منصب إمامة الجمعة إلى أخيه، مير محمد حسين. ترك هذا الرجل، الإمام الجديد، إدارة شؤونه المالية في أيدي الأخوين اللذين كانا أكثر الأشخاص أمانة يمكن العثور عليهم.
بمرور الوقت أصبح إمام الجمعة غنياً مزدهراً بفضل العديد من المعاملات المالية التي أجريت لحسابه، وكان راضياً تماماً عن معالجة شؤونه المالية حتى علم بأنه مدين للأخوين بمبلغ كبير من المال. عندئذ برزت إلى السطح طبيعة إمام الجمعة الوحشية فركّز كل أفكاره في خطة شيطانية واحدة فقط، هي التخلص من دائنَيه نهائياً بالقضاء على حياتهما، رغم قيامهما بخدمته بمنتهى الإخلاص والأمانة. فما أصدق وصف حضرة بهاء الله له بتسمية إمام الجمعة الشرير هذا بـ”الرقشاء” وهي تتأهب للدغ من كانا تجسيداً حياً للمحبة واللطف والشفقة، لدغة لا رحمة فيها.
ولتنفيذ نواياه الشريرة، انضم بتآمره مع من لا يقل عنه شراً وخسة من رجال الدين، وهو الشيخ باقر، أبرز المجتهدين([4]) في المدينة، والذي ندد به حضرة بهاء الله لاحقاً بتسميته “الذئب”. كان كلاهما يعلم أن إزهاق حياة الأخوين لن يكون بالأمر الصعب، فكل ما على المجتهد عمله هو أن يصدر فتوى الموت على أساس أنهما كانا بهائيين. وبعد أن أدركا أن تنفيذ هذا المخطط الشرير لا يحقق فقط مطمحهما المنشود بإلحاق ضربة أليمة بجامعة الاسم الأعظم، وذلك بإطفاء اثنين من مشاعلها النيرة، بل إنه سيضع تحت تصرفهما ثروة هائلة. فقام هذان الخبيثان بالاتصال بمسعود ميرزا، ظِلّ السلطان،([5]) حاكم إصفهان، طالبين منه تنفيذ مخططهما الشرير. وطالباه بإعدام الأخوين ووعداه بحصة ضخمة من ممتلكاتهما بعد مصادرتها.
إن تفاصيل قصة إلقاء القبض عليهما وإعدامهما تتعدى نطاق هذا المجلد، ونكتفي بوصف موجز. حدث في ذكرى مولد النبي محمد ﷰ وهي مناسبة تحتفل بها الأمة بأسرها، أن ألقي القبض على ميرزا حسن، “سلطان الشهداء”، وأخيه الأكبر ميرزا حسين، “محبوب الشهداء”، وأخيهما الأصغر ميرزا إسماعيل، من قبل خدم الإمام وأوتي بهم إلى مقر الحكومة. أطلق فيما بعد سراح الأخ الأصغر، لكن جرى التحقيق مع الاثنين الآخرين عدة مرات من قبل الأمير. ويقال أن في أول اجتماع ناشد الأمير الأخوين أن يرتدا عن عقيدتهما ليطلق سراحهما، وتوسل لهما عدة مرات لكنه كان يقابل بالصمت في كل مرة. بعد ذلك غضب وطالبهما بعنف أن ينكرا العقيدة ويشتما مؤسسها. وفي رفضه الامتثال، يقال بأن ميرزا حسن علّق بقوله: ‘لو فقط كنت تعرف ما أعرف، لما كنت طلبت هذا مني أبداً.’
أثار هذا التصريح غضب الأمير بحيث همّ عدة مرات بسلّ سيفه إلاّ أنه تردد ولم يستلّه كاملاً، بل أمسك بعصاه وضرب ميرزا حسن بعنف عدة مرات في الوجه وأرسل الشقيقين إلى السجن.
في غضون ذلك، بُلِّغت هذه الأخبار إلى ناصر الدين شاه، فأرسل برقية يأمر فيها الأمير بإرسال الأخوين إلى طهران. لكن ذلك أدى إلى صراع مرير من جانب هذين الاثنين من رجال الدين اللذين كرها هذا التطور الجديد وأرادا تنفيذ الإعدام في إصفهان. وجد الأمير نفسه الآن بين مطرقتين – الملك ورجال الدين. في النهاية فاز رجال الدين، وشرعوا بتحريض الجماهير المتعصبة ضد العقيدة الجديدة، فحدثت ضجة كبيرة في أرجاء المدينة، وخرجت حشود تهتف بشعارات مناهضة للبهائيين في الطرقات. وبقيادة رجال الدين اتجهوا صوب دار الحكومة وأحاطوها مطالبين بصيحات وحشية شرسة تنفيذ أحكام الإعدام. وكانت مذكرة الإعدام قد حررت مسبقاً ووقع عليها عدد من كبار رجال الدين بالمدينة.
واستسلم الأمير تحت الضغط، ويروى أن خوفه من غضب الملك لعدم إطاعة أوامره، دفعه لسحب خدمات جلاده الرسمي. وهنا تقدم الشيخ محمد تقي،([6]) ابن الشيخ باقر (الذئب)، وقد شمر عن ذراعيه وتطوع ليكون الجلاد نفسه، وحذا حذوه أشخاص آخرون، لكن في نهاية المطاف أصدر الأمير أوامره بتنفيذ الإعدام. وقد فعل ذلك بعد مناشدته الأسيرين للمرة الأخيرة لإنكار عقيدتهما، وهي المناشدة التي رفضا الاستجابة لها.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من بين الحشود، المطالبين بتنفيذ حكم الموت بحق الأخوين، كانوا مدينين جداً لهما بما قدماه لهم سابقاً من مساعدات خيرية وإنسانية بل كثيرون كانوا مدينين لهما بحياتهم بما تلقوه منهما من عون في أوقات الشدة والضيق على مر السنين. مع هذا وقفوا اليوم، وقد أعماهم التعصب الذي أشعله فيهم الإمام وشريكه، مطالبين بموت المحسنين إليهم. حتى الجلاد نفسه، وهو رجل يدعى رمضان، كان من المستفيدين من حسنات كثيرة منهما على مدى السنين، فقد استنكر قيامه بإعدامهما وخجل أن ينظر بوجه ضحاياه النبلاء. ولما عبّر عن مقته للمهمة المسندة إليه طمأنه “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء” بعفوهما عنه وطلبا منه أن يؤدي واجبه. بل إن ميرزا حسن، “سلطان الشهداء”، نزع خاتماً ثميناً من إصبعه وأعطاه للجلاد رمضان كهدية.
في اليوم السادس من سجنهما، في 17 آذار 1879م، وتحت مراقبة كل من الرقشاء والذئب، وقف هذان الأخوان النبيلان النوران التوأمان النيران، وذراع كل منهما حول الآخر مستعدين للتضحية بحياتهما في سبيل الله. كان وجهاهما يعبران عن جمال إيمانهما وقوته بينما راحا يناجيان ربهما بسر الروح، متوسلين إليه أن يتقبل تضحيتهما بحياتهما الدنيوية وأن يدخلهما إلى عوالم التقرب إليه. وفي وقت التنفيذ صار كل منهما يرجو الآخر بأن يسبق أخاه. كان الأخ الأصغر منهما، ميرزا حسن، “سلطان الشهداء”، هو الذي حُزّ رأسه أولاً، ثم تلاه مباشرة ميرزا حسين، “محبوب الشهداء”.
بناء على أوامر المدبرين الأشرار لهذا الفعل الشنيع، ربطت أقدامهما وجسداهما بحبال وسحلوا في المدينة ليشاهدها الجميع وتركا أخيراً في أنقاض مبنى متهدم. بعد ذلك نقل أخوهما الأصغر جثمانيهما سراً ودفنهما. هكذا انتهت حياة اثنين من ألمع أتباع حضرة بهاء الله. وقد هزت قصة استشهادهما جامعة الأحباء إلى الأعماق كما سببت لحضرة بهاء الله حزناً كبيراً.
في أثناء وجود “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء” في السجن، أمر إمام الجمعة (الرقشاء) رجاله بمصادرة كل ممتلكاتهما. فلم يكتف بالاستيلاء على أصولهما المالية، بما فيها سلعهما الكثيرة، بل نهب منزليهما من كل محتوياتهما من الأثاث، ومعظمها من نوع فاخر يحتوي بعضها على أشياء لا تقدر بثمن ويندر وجودها عند أحد. وبلغ النهب حداً بحيث اقتلعت بعض الأشجار المغروسة في الحديقة. وتركت الأسرة المكلومة تسكن منزلاً خالياً محاطاً بحشد من الأعداء. كانوا فزعين في كرب شديد دون عون أو مساعدة.
أنزل حضرة بهاء الله عدة ألواح في حق كل من الأخوين. فمنذ الأيام التي تشرفا فيها بلقاء حضرته وجهاً لوجه في بغداد وأصبحا مشتعلين بنار محبته، كان القلم الأعلى ينعم عليهما من حين لآخر بألواح تفيض بألطافه وبركاته، وتنفخ في روحيهما من قوى ظهوره ومهيئة إيّاهما في الحقيقة لذلك اليوم الأكبر الذي سيفديان فيه حياتهما في سبيله. إن الإشارة لجميع هذه الألواح غير ممكنة عملياً ضمن هذا المجلد، لذا سنعرض لها بإيجاز وهذا غيض من فيض.
في لوح(2) إلى “محبوب الشهداء” يدعوه حضرة بهاء الله للاستماع لـ”نغمات الروح” من عند مولاه ولا يلتفت إلى الذين كفروا بالله وآياته، في إشارة ضمنية للبابيين الذين ظلوا غافلين عن ظهوره. ويطلب منه أن يقوم لنصرة أمره، ويأخذ بيديه “زمام الأمر لئلا يمسه أنامل الشرك”. هذا ما قدّره الله له.
يجب أن نتذكر بأن حضرة بهاء الله ركز اهتمامه الرئيس، في أوائل أيام دعوته، على أتباع حضرة الباب. ذلك لأن هؤلاء هم الذين كان حضرة الباب قد أعدّهم للاعتراف بأمر “من يظهره الله” واعتناقه، وعليه فإن مبلّغي أمره في تلك الأيام المبكرة كانوا مهتمين في المقام الأول بتبليغ البابيين. أمّا تلك الفئة من البابيين الذين أعرضوا عن حضرة بهاء الله فأشار حضرته إليهم بعبارات مثل “الشياطين” الذين “نبذوا أمر الله”، وكانوا من “الخائنين” و”المشركين” أو “أظهروا عداء وبغضاً لأحبائه”. إن مثل هذه العبارات صدرت بُعيد إعلان حضرته دعوته وغالباً ما كانت تعني فئة البابيين الذين اتّبعوا ميرزا يحيى وقاموا على معارضة حضرة بهاء الله.
في اللوح آنف الذكر، والذي يبدو أنه أنزل في أدرنة، يلمّح حضرة بهاء الله إلى قصة يوسف، عليه السلام، ويشير إلى أعمال ميرزا يحيى. ويشير إلى نفسه رمزاً على أنه الذي ألقي به في بئر سحيق نتيجة حسد أولئك الذين كانوا “من عباده الذين خلقوا بإرادة من قلمه” ولكنهم قاموا الآن على معارضة مولاهم. وبذلك يلمّح حضرته إلى ما تحمّله من البلايا من بعض البابيين الذين لم يعترفوا بأحقية أمره. ويمنح “محبوب الشهداء” السلطة ليكون “كلمة الله وسيف أمره بين العباد ليفصل به بين الذين هم آمنوا بالله وآياته عن الذين كفروا وكانوا على الأمر بغياً.”
منذ أوائل أيام أمر الله كان حضرة بهاء الله قد احتاط تجاه ناقضي عهد الله وميثاقه (في هذه الحالة أتباع ميرزا يحيى) وذلك بعزلهم وطردهم من صفوف جامعة الأحباء. وكما هو الحال في العديد من ألواحه الأخرى، ينصح حضرته المؤمنين بألاّ يعاشروا هؤلاء الناس. يصف حضرة عبد البهاء هذا الإجراء بأنه مشابه لعزل شخص مريض قد ينشر مرضه المعدي للآخرين.([7])
في مناجاة(3) محركة للمشاعر أنزلت في حق “سلطان الشهداء”، يهب حضرة بهاء الله من عطاياه لروح هذا الشهيد وروح أخيه بما يعجز القلم عن وصفه وصفاً كافياً. ويشهد بأنه كان منقطعاً “عن كل الجهات والإشارات“، وأنه “استحكم خيط عبوديته بعروة ربوبيتك”. إن هذا الوصف من حضرة بهاء الله لعلاقة العبد بمولاه، وهي روابط الفقر الحقيقي بغنى إله عزيز قدير، ليبرهن برهاناً وافياً، كما هو الحال عند دراسة ألواح حضرته الأخرى، على أن أعظم مكتسب لإنسان في هذه الحياة هو أن يفرغ نفسه من كل رغبة، ويعترف بمحوية ذاته، وأن يتبع أوامر الله التي أتى بها مظهر أمره ويصبح ممتلئاً بقدرة القدير. يشهد حضرة بهاء الله بأن “سلطان الشهداء” قد بلغ فعلاً هذا المقام العلي، فلم تحول ثروته أو ثروة أخيه بينهما وبين الله.
إن كلمات حضرة بهاء الله في “الكلمات المكنونة” تنطبق حقاً على هذين “النورين التوأمين النيرين” لأمر الله:
“أيها المغرورون بالأموال الفانية
اعلموا أن الغنى سد محكم بين الطالب والمطلوب والعاشق والمعشوق، هيهات أن يرد مقر القرب من الأغنياء أو يدخل مدينة الرضا والتسليم منهم إلاّ القليل. نعمت حال غني لا يمنعه غناه عن الملكوت الخالد، ولا يحرمه من الدولة الأبدية. قسماً بالاسم الأعظم إن نور ذلك الغني ليفيض على أهل السماء كما يفيض نور الشمس على أهل الأرض.”(4)
في لوح(5) قصير إلى “سلطان الشهداء”، يكشف حضرة بهاء الله عن حزن قلبه وهو يتحدث عن غفلة بعض أتباعه، فيصرح بأنه قد نصح الكل في أكثر ألواحه بالقيام بالأعمال الحسنة والتخلق بالأخلاق الحميدة. ومع أنهم جميعاً قرأوا هذه الألواح واطلعوا على أحكام الله، إلاّ أن بعضهم لا يزالون يتبعون أهواءهم ورغباتهم. من ذلك أنه نصحهم بالمحبة لبعضهم بعضاً والاتحاد فيما بينهم لكنهم بدل ذلك خلقوا الشقاق والفُرقة. وقد حثهم على التصرف بالحكمة، إلاّ أنهم تصرّفوا خلافاً لذلك. وكان قد نهى المؤمنين صراحة في عدة ألواح عن القدوم إلى الأرض الأقدس للتشرف بمحضره، ومع ذلك كانت جماعات من الحجاج تصل كل يوم من دون إذن حضرته. ويعرب في هذا اللوح عن استيائه من ضلالة سعي بعض أتباعه وسوء تصرّفهم. يوجّه حضرته “سلطان الشهداء” بالسعي بكل ما أوتي من قوة لتبليغ النفوس الضعيفة وتعميق فهمهم للتعاليم الإلهية، وحثهم على الوحدة والمحبة.
أما وأن بعض المؤمنين في أيام حياة حضرة بهاء الله لم يرتقوا إلى مستوى المعايير العالية للسلوك المطلوب منهم في الكتابات المقدسة، لهو أحد النواحي المؤسفة في تاريخ الجامعة البهائية. لقد سبق أن ذكرنا في مجلد سابق([8]) بأن حضرة بهاء الله أشار بشكل واضح في بعض ألواحه بأنه لو نفذ المؤمنون تعاليمه بإخلاص، وعاشوا حياتهم وفقاً للمعايير الإلهية، وانقطعوا كلياً عن الأمور الدنيوية، لاستطاعوا أن يحركوا شعوب العالم ولكانت الغالبية العظمى من الجنس البشري قد اعتنقت أمره.
في هذا اللوح إلى “سلطان الشهداء” المذكور أعلاه، هناك إشارة إلى وجود كثير من الحجاج في الأرض الأقدس. كانت الممارسة المتبعة بين الأحباء أن يستأذنوا من حضرة بهاء الله قبل الشروع بالسفر للحج، لكن كان بعضهم، إمّا بسبب الجهل أو الاندفاع بحماس شديد وشوق للتشرف بمحضر مولاهم، لا يلتزم بهذه الممارسة. في الواقع، نصّ حضرة بهاء الله، في “لوح عندليب”([9])،(6) على شروط معينة لأداء الحج. وهذه هي: أولاً أن تتوفر للمؤمن “صحة المزاج” و”صحة البدن”، وثانياً أن يكون قادراً على توفير “أسباب السفر من نقد وغيره“، و”الشرط الأعظم من كل الشروط تحصيل الإذن” قبل الانطلاق في الرحلة.
في هذا اللوح نفسه إلى عندليب يصرح حضرة بهاء الله بأن جزءاً كبيراً من بلاياه هو نتيجة “لاجتماع نفوس كثيرة حوله في السجن” تقارب ثلاثمائة نفس من “صغير وكبير وإناث وذكور“. كان بعضهم “بمثابة جبل ثابت وراسخ” على أمر الله و”بمثابة نور منير“، بينما كان آخرون من النفوس المتذبذبة ممن “يعلو مرة ويسفل أخرى“. ويصرح حضرته بأنه مع ذلك سلك “الحق” معهم جميعاً “بالعناية الكبرى”. حقاً إن الله لطيف كريم!
إن في قصة عبد المجيد المراغي، أحد المؤمنين البارزين من مقاطعة آذربيجان، مثالاً مثيراً للاهتمام في موضوع طلب الإذن للتشرف بمحضر حضرة بهاء الله. فقد دفعه شوقه العظيم للقاء حضرته إلى مغادرة موطنه والتوجه إلى شطر المحبوب، فانطلق من بلده، دون إذن، وسار مشياً على الأقدام حتى وصل إلى ديار بكر في تركيا حيث مرض واضطر إلى البقاء فيها خلال أشهر الشتاء. في هذه الفترة من إقامته استجذب كثيراً من النفوس وذاع صيته بالمدينة بحيث صار رجال الدين والعلم يترددون عليه ويجلسون عند قدميه ليتلقوا قليلاً من معرفته وحكمته. ولإظهار احترامهم له كانوا يستأذنونه قبل دخولهم غرفته منادين بالتركية: ‘يا عبد المجيد! هل لدينا إذن بالدخول؟’ كان يسمع تلك الكلمات كل يوم فأصبحت مألوفة لديه.
أخيراً رحلت برودة الشتاء وواصل عبد المجيد رحلته إلى الأرض الأقدس، وعندما اقترب من عكاء كتب رسالة إلى حضرة بهاء الله للحصول على إذن والتمس من النبيل الأعظم تقديمها لحضرته. وجاء الرد في لوح إلى النبيل يشير إلى أنه كان على عبد المجيد أن يطلب الإذن قبل مغادرته موطنه في إيران بدلاً من قطع كل الطريق ثم طلب الإذن من مدينة قريبة مثل حيفا أو بيروت. ومع ذلك يغفر له ويكرمه بتوجيه دعوة ودية، لكنه يطلب منه بأن يقنع بالبقاء لبضعة أيام فقط ثم يغادر. وأن يكون كنسمة ربيع تبعث الانتعاش والحياة في نفوس المؤمنين في كل الديار. كان ذلك بعد وقت قصير من انتقال حضرة بهاء الله إلى قصر البهجة.
إن الجزء الطريف في القصة هو أنه لدى تشرف عبد المجيد لأول مرة بمحضر حضرة بهاء الله، التفت إليه من هو العليم الذي يرى ويسمع كل ما نفعله، مردداً بالتركية وبروح دعابة، العبارة التي طالما ألف سماعها كل يوم في ديار بكر: ‘يا عبد المجيد! هل لدينا إذن بالدخول؟’
من خلال هذه الملاحظة، لم يبلغ عبد المجيد حالة اليقين المطلق فحسب، وقد شهد بنفسه مظهر أمر الله الأعظم يشرق عليه من أفق “عنده علم كل شيء”، بل كان في ذلك أيضاً تذكير ودّي غير مباشر بإهماله الحصول على إذن.
كان من المفترض أن تكون إقامة عبد المجيد لبضعة أيام فقط، لكنه توسل إلى حضرة عبد البهاء ليشفع له حتى يبقى لفترة أطول، فتكرّم حضرة بهاء الله بالموافقة، ومكث أكثر من ثلاثة أشهر. خلال تلك الفترة زاد انجذابه بمظاهر عظمة الله وقدرته وصار ثملاً من نشوة خمر محضره، فاكتسب قدراً من النورانية والانجذاب بحيث صار حتى نهاية عمره مبلّغاً ناجحاً لأمر الله وحصناً قوياً للأحباء. وحين مغادرته عكاء، وجّهه حضرة بهاء الله للذهاب إلى القوقاز، وهناك أقام عدة سنوات ونجح في هداية نفوس كثيرة إلى أمر الله.
أمّا الذين وصلوا إلى عكاء من دون إذن فإن حضرة بهاء الله استقبلهم بوافر محبته وحنانه. كان حضرته ينظر إلى الأحباء دائماً بعين العفو والإغضاء ويستر أخطاءهم وتجاوزاتهم، في حين لا يقطع عنهم فيض بركاته ومواهبه حتى لا يبقى هناك من يشعر بالتعاسة أو الاكتئاب، وذلك من مغفرة الله الذي تفوق أفضاله وعناياته الوفيرة عدله. ويشرح حضرة بهاء الله هذا الموضوع في كثير من ألواحه. فيما يلي إشارة واحدة من هذا القبيل:
“كلما سمع اسمي الرحمن أحداً من أحبائي تفوّه بحرف مغاير لرضائي رجع إلى محله مهموماً مغموماً. وكلما شاهد اسمي الستّار نفساً منشغلة بهتك حرمة أحد عاد إلى مقر القدس بحزن بليغ وانشغل بالعويل والنواح. وكلما شاهد اسمي الغفّار ذنباً من أحبائي ارتفع صياحه واندهش وارتمى على الأرض فحملته ملائكة الأمر إلى المنظر الأكبر.”(7)
أمّا إذا ارتكب أحد المؤمنين عملاً يجلب العار إلى أمر الله، أو عارض مركز أمر الله فعلياً، كما فعل ميرزا يحيى، فعندئذ فقط يستحق تطبيق العدل الإلهي. وفي حالات كهذه كان حضرة بهاء الله يدين أفعاله بل ويطرده من جامعة أحبائه، ومع ذلك كان يدعو الله دائماً عسى أن يصلح الشخص سلوكه ويتوب ويرجع إلى ربه.
في اللوح التالي أيضاً، والذي نزل في الأرض الأقدس، يؤكد حضرة بهاء الله بأن الله، رحمة من لدنه، يستر خطايا خَلقه:
“إن الحق عليم بالنفوس وما عندهم وكان حلم الحق سبباً لتجرؤ النفوس إذ إن هتك الأستار لا يحدث قبل الميقات. ولأن رحمته تسبق ظهورات غضبه لذا فإن أكثر الناس يظنون أن الحق غافل عما ارتكبوه في السر لا ونفسه العليم الخبير. فهم في مرآة علمه مشاهَدون بكل وضوح. قل لك الحمد يا ستّار عيوب الضعفاء ولك الحمد يا غفّار ذنوب الغفلاء.”(8)
أذن حضرة بهاء الله أحياناً لبعض المؤمنين بالسفر لغرض التشرف بمحضره، لكن في كثير من الحالات، خاصة خلال الأيام التي قضاها في الأرض الأقدس، لم ينصح الذين يبتغون الحج بالسفر إذ إن الظروف في عكاء كانت غير ملائمة لورود أعداد كبيرة من الحجاج في معظم الأوقات. وفي تلك الحالات كان حضرته يطمئن أولئك المؤمنين بأن الله قد كتب لهم أجر الذين فازوا بلقائه. ولطالما صرح في هذا المجال بأن بعض الذين جاءوا وتشرفوا بمحضره لفترات طويلة، لم يتمكنوا من الحصول على نصيبهم من المواهب والعنايات التي كانت تفيض بسخاء على كل من كان بمحضره. ولكن كان هناك آخرون لم يفوزوا أبداً بلقاء مولاهم وجهاً لوجه، لكنهم مع ذلك كانوا محط مجده وبهائه وكتب لهم الله أجر لقائه.
إن عُرف الاستئذان من مركز أمر الله لزيارة الأماكن البهائية المقدسة بقي مستمراً بعد صعود حضرة بهاء الله. فكان الأحباء يلتمسون حضرة عبد البهاء أو حضرة شوقي أفندي ليأذن لهم بالقدوم للحج، واليوم بيت العدل الأعظم هو الهيئة التي تتولى هذه المهمة.
هناك لوح(9) موجّه إلى “سلطان الشهداء” يحوي إشارات ذات مغزى في موضوع الاستشهاد. في هذا اللوح الذي نزل قبل استشهاده بفترة، يصرح حضرة بهاء الله بأن على الأحباء أن يتصرفوا بالحكمة والتعقل لحماية أنفسهم. لكن إذا اقتضت الحالة ينبغي أن يكونوا على استعداد للتضحية بحياتهم في “سبيل الله“. ويؤكد بأنه لمّا كان الموت محتوماً على كل إنسان، فإنه لمن المحبوب، “إذا وقع أمر ما”، “أن يتوجه” الإنسان “إلى مشهد الفداء بكمال الرضا” وهذا أفضل من الوفاة بالأسباب الطبيعية. ثم يزيد مؤكداً بأن “النفس الذي شرب من كأس العرفان زلال محبة الرحمن لن يحزنه ظلم الظالمين وسطوة الطاغين” فكيف “الخوف” أو “الاضطراب” منهم.
في هذا اللوح، كما في غيره مما نزل في حق “سلطان الشهداء” أو أخيه النبيل “محبوب الشهداء”، يؤكد حضرة بهاء الله شمولهما بفيض مواهبه وأفضاله الأكيدة. ونظراًً لاستشهادهما لاحقاً فإن هذا اللوح يكتسب أهمية خاصة في محتواه وتنبؤاته.
بعد استشهاد الأخوين اللامعين، واصل القلم الأعلى ذكرهما لعدة سنوات بعبارات مثيرة لأرقّ المشاعر في ما يقرب من مائة لوح، يشيد فيها بفضائلهما النبيلة ويكشف عن سمو مقامهما. أمّا قصة حجهما في مرحلة مبكرة لمحضر حضرة بهاء الله فموجودة في لوح موجّه إلى ورقاء(10)، يروي فيه حضرة بهاء الله، بكلمات كاتب وحيه، كيف قدما إلى العراق وفازا بمحضره في بغداد. هناك تم لقاؤهما وجهاً لوجه بمولاهما حيث “أصغيا للنداء الإلهي” وانقلبا خلقاً جديداً. يصرح أيضاً بأنهما ولو لم يكونا “معروفين بين الناس” إلاّ أن ما نزل في حقهما من لسان العظمة من المديح والثناء سبّب حيرة لدى بعض الأحباء. بعد ذلك رجعا إلى موطنهما “بأمر” من ربهما. ويؤكد حضرته بأن “يد القدرة” رفعت شأنهما بين الناس “وزينتهما بطراز العزة”، ومن “سحاب كرمه أمطر عليهما البركة”. فصارا من البهائيين المعروفين والمحبوبين من الجميع. ويشير حضرته إلى أن حتى أعداء أمر الله قد تأثروا باستقامة خلقهما وأظهروا لهما الاحترام.
في لوح(11) إلى الشيخ كاظم سمندر([10]) يصرح حضرة بهاء الله بأن “قد تجددت مصيبة محمد رسول الله في الجنة العليا ورزية البتول العذراء في المقام الأعلى وهي تصيح وتقول تبّاً لكم يا ملأ الفرقان” للجريمة المنكرة التي اقترفوها. في هذا اللوح يؤكد سبب عدم الكشف عن مقام “سلطان الشهداء” قبل أن يستشهد: “إنا سترنا شأن اسمي الحسن لضعف العباد“. “فلما ارتقى بجناحين الروح إلى الرفيق الأعلى ذكرنا بعض ما أعطاه الله بفضل من عنده…”
أشار حضرة بهاء الله في العديد من ألواحه إلى هذين “النورين النيرين” بجملة ألقاب وأوصاف من قبيل: “الأمانة الكبرى“، “الروح الذي تمثّل على هيكل البشر لخدمة الله“، “دوحة الحب“، بهم “سرت نسمة الله بين البرية“، “النجوم الساطعة“، “بحر محبة الله“، “من سدرة الوفاء الثمر الأعلى”، اللذين يشكّل استشهادهما “الفداء الأكبر والذبح الأعظم في هذا الأمر العظيم“، وبهما “ظهرت رايات النصر“، و”أنارت أفق الاستقامة“.
وقد قدر حضرة بهاء الله أجراً روحياً عظيماً للأحباء الذين يكنون في قلوبهم حباً حقيقياً لهما وللذين يزورون قبريهما ويتلون ألواح الزيارة المنزلة في حقهما.
في لوح إلى ورقاء(12) يسبغ حضرة بهاء الله على “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء” ثناء وهاجاً بما اتصفا به من خصال سامية. ويؤكد بأن “يد قدرة الحق رفعتهما بعنايات مخصوصة”، وبأنهما كانا “ما بين الخلق مزينين بطراز العزة”، “ونطق لسان المخلصين والمقربين بذكرهما وفازا بمقام لدرجة أن الأعداء شهدوا بعلوّه.” في فترة سابقة كانا قد عبّرا عن شوقهما لفداء حياتهما في سبيله. ولأجل تصوير سمو مقامهما، يصرح حضرة بهاء الله بأنه “لو يُظهر مقام خادم من خدّامهم لينصعق أهل الأرض”.
يشهد حضرة بهاء الله في لوح آخر(13) أن كثيراً من الأحباء لم يدركوا حقيقة أن هاتين الذاتين المقدستين قد احتسبا، وهما أحياء في هذه الدنيا من الشهداء. وبذلك يكونا قد فازا بمقام الشهادة مرتين. الأولى أثناء حياتهما التي كرّساها بالتضحية التامة من أجل أمر الله، والأخرى بعد صعود أرواحهما من هذا العالم. ويضيف حضرة بهاء الله بأن “أكثر الناس سيتعجبون لو ذكر بالتفصيل مقامهما”. ويشهد في لوح آخر(14) من ألواحه بأن “كل المرسلين والمخلصين والمقرّبين يطلبون ويأملون بلوغ مقامهما السامي”.
استمر قلم حضرة بهاء الله يدون بغزارة عظيمة مثل هذه المشاعر والحقائق لعدة سنوات بعد استشهاد “النورين التوأمين النيرين”. وعندما تتم ترجمة هذه الألواح ودراستها بشكل كامل، عندئذ فقط يمكن للمرء أن يحظى بلمحة من الأسرار التي أودعها الله بوفرة في ظهوره. من بينها هو أنه حينما يبلغ إنسان مرحلة المحوية الصرفة أو نكران وجوده بالنسبة لمولاه، فإن روحه ستوهب من الرفعة وسمو المقام ما يذهل العقل والخيال.
بعد وقت قصير من استشهاد “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء”، كتب حضرة بهاء الله “لوح البرهان” الموجّه للشيخ باقر (الذئب)، وفيه أدان بقوة تصرّفه الشرير. كما خاطب فيه مير محمد حسين (الرقشاء) ووبخه بشدة للدور الذي لعبه. إن اللغة القوية التي يستعملها حضرة بهاء الله في هذا اللوح تدل على مدى غضب الله النازل على هذين المثالين للشر المتجسد.
وقد وصما من قبل حضرة بهاء الله بأوصاف: “الغافل“، “المبغض العنود“، “الموهوم“، القابع “في جهل مبين”، الواقع “في حجاب غليظ“، “المشرك بالله”. أدانهما معاً لجريمتهما المنكرة التي بها ناح “الرسول” (محمد ﷰ) واحترقت “قلوب الملأ الأعلى” و”ذاب كبد البتول([1])“ و”ناح أهل الفردوس” وناح “الناموس الأكبر” و”ناحت الأشياء”، و”ارتعدت فرائص الأولياء”، و”أخذت الظلمة كل الأقطار”.
يخاطب حضرة بهاء الله الشيخ باقر (الذئب) الذي حرر فتوى القتل بما يلي:
“قد أفتيت على الذي حين إفتائك يلعنك قلمك…”(1)
ويؤكد في موضع آخر:
“إنك لو اطّلعت على ما فعلت لألقيتَ نفسك في النار أو خرجتَ من البيت متوجهاً إلى الجبال ونُحتَ إلى أن رجعتَ إلى مقام قدّر لك من لدن مقتدر قدير.”(2)
في هذا اللوح يوبخ حضرة بهاء الله الشيخ بهذه الكلمات:
“يا أيها الغافل إنك ما رأيتني وما عاشرتَ وما آنستَ معي في أقل من آن فكيف أمرتَ الناس بسبّي هل اتّبعتَ في ذلك هواك أم مولاك فأْتِ بآية إن أنت من الصادقين. نشهد أنك نبذتَ شريعة الله ورائك وأخذتَ شريعة نفسك.”(3)
في المقتطف أعلاه يتحدث حضرة بهاء الله عن السبّ من قبل الناس، إذ كانت ممارسة شائعة من قبل أعداء أمر الله أن يسبّوا مؤسسيه. عندما كان يُحكم على بهائي بالموت في سبيل عقيدته، فإنه عادة يُعطى فرصة لإنكار عقيدته. فإن أنكر سلم ونجا، ولكن في كثير من الأحيان كان مجرد الإنكار لا يعتبر كافياً. والسبب الأساسي لذلك يعود إلى أن إنكار الشخص لعقيدته لدى الشيعة كان يعتبر عملاً مشروعاً في أوقات الخطر. وكان هذا النفاق يجري على نطاق واسع بين أهالي إيران لعدة قرون (وهو ما يُعرف باسم “التقية”). ورغم كونه في الواقع إقراراً كاذباً فيما يخص إيمان الفرد ومعتقداته، إلاّ أنه لن يلام لو اضطر لفعله. وعليه كانت وسيلة مقبولة في الحياة، حتى إن بعض المؤمنين – البابيين والبهائيين– عملوا بموجبه حفاظاً على حياتهم في الأيام الأولى من نشأة أمر الله. لهذا السبب كان أعداء أمر الله في بعض الأحيان يصرّون على أن إنكار البهائي لعقيدته لم يكن دليلاً كافياً. من هنا جاء مطلبهم إضافة لإنكاره بأن يلعن البهائي حضرة بهاء الله، مؤسس الدين، عسى أن ينجو بحياته. أي أن السب كان يعتبر امتحاناً لصدق الشخص المطالب بالإنكار. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز للبهائي إخفاء دينه.
لم تقتصر ممارسة الشتم على هذه المناسبات، بل كانت أكثر انتشاراً. ففي نظر رجال الدين المسلمين في إيران كان شتم حضرة بهاء الله، وشخصيات أمر الله الأخرى، يعتبر من أعمال العبادة والتقرب إلى الله وخدمة جليلة للإسلام، وكثيراً ما فعلوا ذلك خلال خطبهم من فوق المنابر. وكم من مسلم متعصب متحمس من الشيعة تفاخر في قذفه مؤسسي أمر الله بالسباب العلني لدى مرور أحد البهائيين من أمامه. كان ذلك واحداً من أشكال الاضطهاد النفسي الشديد الذي عاناه الكثير من البهائيين يوماً بعد يوم، وفي بعض الأحيان كان يثير حوادث خطيرة قد يتأذى منها أحد الأحباء، أو ينتقل الشغب إلى منطقة أوسع تشمل الجامعة البهائية بأسرها أو جزءاً منها.
وعانى الأطفال البهائيون أيضاً من ذلك، ففي بعض المناطق كان يحيط بهؤلاء مجموعات من الأطفال من رماة الحجارة وهم يهتفون بشعارات مناهضة للبهائيين. كان لتلك العبارات المسيئة لمؤسسي أمر الله، أثر نفسي عميق لدى الأطفال البهائيين، وهنا لعب أولياء الأمور دوراً هاماً جداً في تبديد الكآبة والحزن من قلوبهم الرقيقة، وكان مفيداً للغاية بالنسبة لأولئك الأطفال في تلك الظروف أن أحد تعاليم أمر الله الذي يحث أتباع حضرة بهاء الله هو أن يرثوا لحال أعداء أمر الله لا أن يحملوا في قلوبهم الكراهية تجاههم. ولطالما علّم كل من حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء بأن الذين يهاجمون أمر الله هم أناس جهلاء. إنهم حمقى وضيعون، يملأ الحقد والعداء قلوبهم، وما يفعلونه هو عين عقابهم، إذ إن عقاب الجاهل هو جهله نفسه. وعليه فليس للبهائيين أن يبحثوا عن الانتقام بل أن ينظروا إلى هؤلاء الناس بعين الرحمة والشفقة. وقد فرض عليهم حضرة بهاء الله أن يدعوا الله عسى أن يرحم أعداءهم ويفتح أبصارهم ليتمكنوا من رؤية الحقيقة. وإلاّ فإن أعمالهم نفسها تدينهم بالحرمان الروحي والخسران الأبدي.
في “لوح البرهان” يخاطب حضرة بهاء الله الشيخ بهذه الكلمات المتحدية:
“أظننت أنّا نخاف من ظلمك فاعلم ثم أيقن إنا في أول يوم فيه ارتفع صرير القلم الأعلى بين الأرض والسماء أنفقنا أرواحنا وأجسادنا وأبناءنا وأموالنا في سبيل الله العلي العظيم. ونفتخر بذلك بين أهل الإنشاء والملأ الأعلى يشهد بذلك ما ورد علينا في هذا الصراط المستقيم.”(4)
إن قدرة حضرة بهاء الله وسطوته المستمدتان من النفوذ الكلي لروح الله الأعظم، تبدوان بجلاء في هذا اللوح، إذ يعلن مقامه صراحة وبقوة وسلطة قصوى لرجل كان وقتها يمسك بيديه زمام السلطة. فلن يقدر إنسان، مهما بلغ بإمكاناته، ومهما استعان بمعرفته وعلمه وقوته، أن ينطق بكلمات مهيمنة كهذه:
“تالله ما أعجزني البلاء وما أضعفني إعراض العلماء نطقت وأنطق أمام الوجوه قد فتح باب الفضل وأتى مطلع العدل بآيات واضحات وحجج باهرات من لدى الله المقتدر القدير. احضر بين يدي الوجه لتسمع أسرار ما سمعه ابن عمران([2]) في طُور العرفان. كذلك يأمرك مشرق ظهور ربك الرحمن من شطر سجنه العظيم.”(5)
هكذا صدر نداء رب الجنود بأيادي القدرة والاقتدار، للشيخ للحضور في محضره ويشهد ما تاق أنبياء الله لمشاهدته.
في هذا اللوح ينصح حضرة بهاء الله، رحمة ولطفاً من لدنه، هذا العدو المعاند لأمره بأن يتفكر بالمصير المأساوي الذي حل بعبد العزيز سلطان تركيا عقب تحذير حضرة بهاء الله إيّاه بسقوطه وزواله، ويذكّره أيضا بسقوط ناپليون الثالث وفق ما تنبأ له بوضوح، ثم يحضه على قراءة “كتاب الإيقان” عسى أن يفتح بصيرته لمشاهدة الحقيقة، ويحذره بهذه الكلمات:
“يا باقر لا تطمئن بعزّك واقتدارك مثلك كمثل بقية أثر الشمس على رؤس الجبال سوف يدركها الزوال من لدى الله الغني المتعال. قد أخذ عزّك وعزّ أمثالك وهذا ما حكم به مَنْ عنده أمّ الألواح.”(6)
إن الرحمة إحدى صفات الله، ويظهرها لسائر مخلوقاته، لهذا السبب نجد أن حضرة بهاء الله في ألواحه نصح حتى من كانوا مثالاً حياً للظلم لتغيير أساليبهم والتوجّه إلى الله. ويلاحظ ذلك في ألواحه التي يخاطب فيها أعداء أمر الله ممن استحقت أعمالهم إدانته الشديدة، ولكن هذه الإدانة لا تعود إلى الكراهية أو الانتقام. ونرى تأكيد هذا في “لوح البرهان” حيث يخاطب حضرة بهاء الله الشيخ بقوله “ليس في قلبي بغضك ولا بغض أحد من العباد.“(7)
أما وأن الله رحمن رحيم حتى لأعدائه فيمكن رؤيته في هذا اللوح. فبعد تنديده بالشيخ بمنتهى الشدة، وتعنيفه بما اقترفت يداه من شر، بل وحتى أعلن، خلال علمه المحيط بما كان وسيكون، زواله بوصف عزته واقتداره “كمثل بقية أثر الشمس على رؤس الجبال”، فإن حضرة بهاء الله مع ذلك يحثه على أن يفتح عينيه لاكتشاف الحقيقة، ويستغفر الله عسى أن يغفر له.
بهذه الكلمات يكشف القلم الأعلى عن مقامه المجيد للشيخ ثم يدعوه ليرجع إلى ربه:
“يا أيها الجاهل اعلم أن العالِم من اعترف بظهوري وشرب من بحر علمي وطار في هواء حبي ونبذ ما سوائي وأخذ ما نزل من ملكوت بياني البديع. إنه بمنزلة البصر للبشر وروح الحيوان لجسد الإمكان تعالى الرحمن الذي عرّفه وأقامه على خدمة أمره العزيز العظيم. يصلي عليه الملأ الأعلى وأهل سرادق الكبرياء والذين شربوا رحيقي المختوم باسمي القوي القدير. يا باقر إنك إن تكُ من أهل هذا المقام الأعلى فأْتِ بآية من لدى الله فاطر السماء وإن عرفت عجز نفسك خذ أعنّة هواك ثم ارجع إلى مولاك لعل يكفّر عنك سيئاتك التي بها احترقت أوراق السدرة وصاحت الصخرة وبكت عيون العارفين.”(8)
وكذلك قوله:
“افتح بصرك لترى المظلوم مشرقاً من أفق إرادة الله الملك الحق المبين. ثم افتح سمع فؤادك لتسمع ما تنطق به السدرة التي ارتفعت بالحق من لدى الله العزيز الجميل.”(9)
في هذا اللوح أيضاً يدين حضرة بهاء الله إمام الجمعة، “الرقشاء”، بلهجة غضب شديد. من بعض النواحي يتميز الخطاب بلهجة أشد سخطاً وغضباً مما خوطب به شريكه، “الذئب”. فيعنفه بقوله:
“أنصفي يا أيتها الرقشاء بأي جرم لدغتِ أبناء([3]) الرسول ونهبتِ أموالهم أكفرتِ بالذي خلقكِ بأمره كن فيكون. قد فعلتِ بأبناء الرسول ما لا فعلت عاد وثمود بصالح([4]) وهود ولا اليهود بروح الله مالك الوجود.”(10)
وفي تذكيره بأنه لن يتمكن من تدمير أمر الله، يخاطب حضرة بهاء الله “الرقشاء” بهذه الكلمات:
“يا أيها المبغض العنود أظننت بالشهادة ينحط شأن الأمر لا والذي جعله الله مهبط الوحي إن أنت من الذينهم يفقهون. ويل لك يا أيها المشرك بالله وللذين اتخذوك إماماً لأنفسهم من دون بينة ولا كتاب مشهود.”(11)
وأخيراً ينبئه بانخماده قائلاً:
“سوف تأخذك نفحات العذاب كما أخذت قوماً قبلك انتظر يا أيها المشرك بالله مالك الغيب والشهود.”(12)
وفي قوله أيضاً:
“قد أخذتَ الاعتساف ونبذتَ الإنصاف بذلك ناحت الأشياء وأنت من الغافلين. قد قتلتَ الكبير ونهبتَ الصغير هل تظن أنك تأكل ما جمعته بالظلم لا ونفسي كذلك يخبرك الخبير. تالله لا يغنيك ما عندك وما جمعته بالاعتساف يشهد بذلك ربك العليم. قد قمتَ على إطفاء نور الأمر سوف تنخمد نارك أمراً من عنده إنه هو المقتدر القدير.”(13)
كما سنرى، فإن العقاب الإلهي حل به في الوقت نفسه تقريباً عندما كان حضرة بهاء الله ينزل تلك الكلمات. بدأ ذلك بسلسلة من النكسات الخطيرة التي بلغت ذروتها بنفيه عن مسقط رأسه ووفاته في وقت لاحق في ظروف بائسة.
في “لوح البرهان” يخاطب حضرة بهاء الله كذلك علماء الإسلام جميعاً معلناً لهم رسالته بكلمات متحدية كهذه:
“يا معشر العلماء هذا يوم لا ينفعكم شيء من الأشياء ولا اسم من الأسماء إلاّ بهذا الاسم الذي جعله الله مظهر أمره ومطلع أسمائه الحسنى لمن في ملكوت الإنشاء نعيماً لمن وجد عرف الرحمن وكان من الراسخين. ولا يغنيكم اليوم علومكم وفنونكم ولا زخارفكم وعزّكم دعوا الكل وراءكم مقبلين إلى الكلمة العليا التي بها فصلت الزبر والصحف وهذا الكتاب المبين. يا معشر العلماء ضعوا ما ألّفتموه من قلم الظنون والأوهام تالله قد أشرقت شمس العلم من أفق اليقين.”(14)
في هذا اللوح يخاطب حضرة بهاء الله أيضاً فقهاء إيران مشيراً إلى ممارساتهم الفاسدة، وعدم كفاءتهم وحماقتهم وميلهم لتأجيج نار الحرب. وأخيراً يلقي عليهم باللائمة لتسببهم في سقوط حرمة دين الإسلام ومكانته تماماً. وهذه هي تحذيراته المنذرة بسوء العاقبة:
“يا معشر العلماء بكم انحطّ شأن الملة ونكّس علم الإسلام وثلّ عرشه العظيم.”(15)
في ظهور حضرة بهاء الله ألغيت وظيفة الكهنوت. ومنذ ذلك الحين فقد الزعماء الدينيون قوتهم وسلطتهم. فقد أعلن حضرته بأن “قبضت العزة من طائفتين: العلماء والأمراء”(16) وحذر حضرته في أحد ألواحه(17) علماء الدين قائلاً: “قل يا معشر العلماء لا ترون بعد اليوم لأنفسكم من عزٍّ لأنّا أخذناه منكم وقدّرناه للذين آمنوا بالله الواحد المقتدر العزيز المختار.”
في كتابات حضرة بهاء الله التي تخاطب رجال الدين، هناك فقرات عتاب كثيرة. فيما يلي أمثلة فقط منها:
“قل يا معشر العلماء هل تعترضون على قلم إذا ارتفع صريره استعد ملكوت البيان لإصغائه وخضع كل ذكر عند ذكره العزيز العظيم. اتقوا الله ولا تتبعوا الظنون والأوهام. اتبعوا من أتاكم بعلم مبين ويقين متين.”(18)
وكذلك:
“يا معشر العلماء لما نزلت الآيات وظهرت البينات رأيناكم خلف الحجبات إن هذا إلاّ شيء عجاب… إنا خرقنا الأحجاب إيّاكم أن تحجبوا الناس بحجاب آخر كسّروا سلاسل الأوهام باسم مالك الأنام ولا تكونن من الخادعين. إذا أقبلتم إلى الله ودخلتم هذا الأمر لا تفسدوا فيه ولا تقيسوا كتاب الله بأهوائكم هذا نصح الله من قبل ومن بعد… لو آمنتم بالله حين ظهوره ما أعرض عنه الناس وما ورد علينا ما ترونه اليوم اتقوا الله ولا تكونن من الغافلين… هذا أمر اضطرب منه ما عندكم من الأوهام والتماثيل…
يا معشر العلماء إيّاكم أن تكونوا سبب الاختلاف في الأطراف كما كنتم علة الإعراض في أول الأمر اجمعوا الناس على هذه الكلمة التي بها صاحت الحصاة الملك لله مطلع الآيات…”(19)
لا بد وأن حضرة بهاء الله أنزل “لوح البرهان” بعد استشهاد “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء” بفترة قصيرة. وقد صرح ميرزا أبو الفضل، العلاّمة البهائي العظيم، بأن المؤمنين في طهران توصلوا بنسخة من اللوح بعد استشهاد الأخوين بثمانية وثلاثين يوماً. وكان قد استنسخ بخط يده نسختين منه، بأمر من حضرة بهاء الله، أرسل واحدة لكل من الشيخ باقر (الذئب)، والإمام مير محمد حسين (الرقشاء).
استغرق الأمر بضعة أيام فقط على شهادة “النورين التوأمين النيرين” لتنشب مشاجرة خطيرة بين الأمير وإمام الجمعة (الرقشاء) على تقاسم الثروة المنهوبة. فبعد حوالي خمسة وعشرين يوماً من الاستشهاد، حشد الإمام عدداً كبيراً من أتباعه وسار بهم إلى سرايا الحكومة للضغط على الأمير للحصول على حصة أكبر بكثير مما كان متصوراً له. سرعان ما تجمّع حشد غفير وكانت هناك ضجة خارج مقر الحكومة. وازدادت الحالة سوءاً يوماً بعد يوم، ولم يمر وقت طويل قبل تدخّل الحكومة المركزية بطهران في الموقف. فأرسلت جنداً سراً وألقوا القبض على الإمام ونهبوا منزله من جميع ممتلكاته واقتادوه منفياً إلى خراسان. وفي نهاية المطاف سمح له بالعودة إلى مسقط رأسه والتقاعد في منزله حيث توفي في بؤس عظيم. كان هذا بعد مرور سنتين على استشهاد “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء”.
أمّا الشيخ محمد باقر، الذئب، فقد أبعده الأمير ذليلاً إلى مدينة النجف في العراق. وإذ مُنع من العودة إلى موطنه والتمتع بكل ما جمعه من ثروة، مات حزناً وغمّاً في بلاد نائية سنة 1883م. يصف حضرة شوقي أفندي نهاية هذين الرجلين بهذه الكلمات:
وهذا الشيخ محمد باقر الملقب بـ”الذئب”، الذي شبّهه حضرة بهاء الله في لوح البرهان الشديد اللهجة بـ”بقية أثر الشمس على رؤوس الجبال“، نراه يشهد بعينيه نفوذه وهو يتقلص باطراد، ثم يموت في بؤس شديد وندم عظيم. وهذا شريكه مير محمد حسين الملقب بـ”الرقشاء”، ذلك الذي وصفه حضرة بهاء الله بأنه “أشقى بكثير من ظالم أرض الطفّ” (كربلاء)، نراه يطرد من إصفهان حول هذا الوقت نفسه، ويهيم من قرية إلى أخرى، ويعتريه مرض يبعث من الروائح الكريهة ما يجعل زوجته وابنته تبتعدان عنه ولا تطيقان الدنو منه، ويموت وهو على غير وفاق مع السلطات المحلية، فلا يجرؤ أحد على تشييع جنازته، ويدفنه بعض اللّحادين بصورة مزرية.(20)
حسبما قيل، فإن المرض المذكور أعلاه كان سرطاناً في الحلق وسبب خراجاً ضخماً في عنقه وألماً ورائحة كريهة لا يطاقان. وقد روي بأنه عندما كان قتل “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء” موضع نقاش، تردد البعض في الموافقة على قتلهما. فغضب الإمام جداً وأعلن، واضعاً يده على رقبته قائلاً: ‘إن كان في هذا أية خطيئة فلتكن على رقبتي!’
أمّا الأمير، ظِلّ السلطان، الذي وصمه حضرة بهاء الله بـ”شجرة الزقوم”، فإنه أيضاً سقط من الاعتبار. فهذا الذي كان يوماً يحكم على ثلثي إيران، وبذل كل جهد بما في ذلك حصوله على دعم الحكومة البريطانية وتأييدها لتحقيق طموحه المنشود في أن يصبح وريثاً للعرش، والذي جمع حوله من مظاهر الأبهة والعظمة ما نافس الملك، صار يتدهور باطراد وانحطت مكانته وسلطته وخابت آماله وتطلعاته، وأخيراً أرسل منفياً إلى أوروپا ولم يرجع لموطنه إلاّ حينما اشتدت عليه المالنخوليا (السوداوية)، ومات فيما بعد مذلولاً مخزيّاً.
ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن هذا الأمير الخسيس وصلت به الصفاقة والجسارة ليبعث رسالة بخط يده إلى حضرة بهاء الله يلتمس منه بالسماح لأتباعه بأن يعينوه ويؤيدوه على الإطاحة بوالده الملك. وفي المقابل تعهد بمساعدة البهائيين إذا أصبح ملكاً. بعث هذه الرسالة بواسطة الحاج محمد علي السيّاح،([5]) وهو سياسي منافق وصمه حضرة بهاء الله بـ”الجاهل”. فردّ حضرة بهاء الله بحزم، وأخبر السيّاح أنه يتعين على الأمير أن يصلي لأجل الملك وأن يكون من محبي الخير له لا أن يتمنى الإطاحة به. ثم صرّح بأن دعوته لا تهدف للتدخل في الشؤون السياسية بل إصلاح خُلق البشر. وأخيراً أنذره بألاّ يكرر التماساً كهذا بعد ذلك من حضرته.
وقد سجل الحاج ميرزا حبيب الأفنان([6]) في مذكراته بأنه كان موجوداً عندما أشار حضرة بهاء الله إلى خطاب الأمير وتفضل قائلاً: ‘لو أرسلنا هذه الرسالة إلى ناصر الدين شاه، لسلخ جلده (الأمير) حياً، لكن الله هو الساتر، يستر أعمال عباده.’
أثناء وجوده في أوروپا، التقى الأمير بحضرة عبد البهاء بضع مرات، وخلال حديثه حاول تبرئة نفسه من الجرائم البشعة التي اقترفها، ملقياً باللوم على والده، ناصر الدين شاه، قائلاً بأنه هو الذي أمر بإعدام الأخوين (“سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء”). بهذا اعتقد أنه يستطيع إخفاء الحقيقة عن المولى، لكن حضرته المعروف بسماحته وستره ذنوب الآخرين، أبدى له لطفه المعهود.
على بعد بضعة أميال خارج عكاء يقع قصر جميل تحيط به حدائق رائعة منسقة. والمبنى الصغير الملحق به، الذي تتمركز حوله ممرات محفوفة بأوراد جميلة وشجيرات وأشجار ضمن تلك الحديقة نفسها، هو ضريح حضرة بهاء الله. هناك استقرت رفات حضرته في راحتها الأبدية، ويعتبرها البهائيون أقدس بقعة على وجه الأرض. ويأتي الحجاج البهائيون اليوم من جميع أنحاء العالم للدعاء عند هذا الضريح وزيارة القصر.
انتقل حضرة بهاء الله إلى هذا القصر في شهر أيلول عام 1879م وأقام هناك ما يقرب من ثلاثة عشر عاماً حتى عام 1892م، في نهاية حياته. لم تكن هناك حدائق رسمية في أيام حضرته بل صممت بعد صعوده. إلاّ أن القصر شيّد في بقعة من الريف مجاورة لمجموعة من أشجار الصنوبر الجميلة بعيداً عن مدينة عكاء الكئيبة بطرقاتها الضيقة القاتمة وجوّها الكئيب. كان عودي خمّار، الذي سكن حضرة بهاء الله في أحد بيوته بعكاء لعدة سنوات، هو الذي بنى هذا القصر لنفسه ولأسرته. أمّا تسميته بـ”البهجة” فهي حقاً مناسبة لهذا القصر عندما ينظر المرء إلى جمال الحقول الفسيحة حوله، وسحر البناء نفسه والمنظر البهيج لأشجار الصنوبر المجاورة والتي ما يزال بعضها قائماً في الموقع.
قرب نهاية إقامة حضرة بهاء الله في قصر المزرعة اندلع وباء في المنطقة، فذعر الناس وترك كثير منهم منازلهم ومات كثيرون. ومات عودي خمّار ودفن عند حائط قصر البهجة. بعد فترة وجيزة استأجر حضرة عبد البهاء القصر لحضرة بهاء الله. عند المدخل وضع خمّار مخطوطة بالعربية سنة 1870م لا يمكن وصفها إلاّ بأنها كانت ملهمة وتنبئ بعجائب ما سيجري داخل جدرانه. تقول المخطوطة:
قصر عليه تحية وسلام
نسرت عليه جمالَها الأيامُ
فيه العجائب الغرائب نوعت
فتحيرت في وصفها الأقلامُ
وكتب حضرة شوقي أفندي، ولي أمر الله، ما يلي:
… تم استئجار قصر عودي خمّار، وقد أنفق عودي على بنائه الأموال الطائلة أثناء سجن حضرة بهاء الله في الثكنات. إلاّ أنه هجره هو وأسرته على عجل عند تفشي أحد الأوبئة الوبيلة، وأخيراً تم شراؤه. وقد وصفه حضرة بهاء الله بـ“القصر الرفيع الذي جعله الله المنظر الأكبر للبشر.“(1)
في أحد ألواحه(2) يصف حضرة بهاء الله القصر بأنه منظره الأكبر ويؤكد بأنه بُني لأيام الله رب العالمين. ويشير إلى مشيّده، عودي خمّار، مبيّناً بأنه لم يدرِ لمن يعمّر هذا القصر الرفيع. فلما قضى نحبه فاز بما أراد في أيام حياته إنا نذكره بالخير فضلاً من عندنا… وبالنسبة لأعدائه يتفضل قائلاً: “قد أرسَلَنا الغافلون إلى السجن الأعظم وبدّله الله بهذا القصر رغماً لأنفهم ليظهر قدرتي وسلطاني على من في السموات والأرضين.” ويضيف مصرّحاً: “إن الآمر (السلطان عبد العزيز) رجع إلى النار والعامر (عودي خمّار) في رحمة الله وعنايته.”
قبل انتقاله إلى قصر البهجة، كان حضرة بهاء الله يقيم في قصر المزرعة. لكنه حين انتقاله فعلاً إلى البهجة كان يقيم في عكاء حيث توجه من المدينة صوب القصر. ويجب أن نتذكر أنه خلال فترة إقامة حضرة بهاء الله في كل من قصرَي المزرعة والبهجة، كان حضرته يذهب من حين لآخر إلى عكاء ويبقى فيها لفترات زمنية مختلفة.
لقد خلّف نور الدين زين، ابن أحد حواريي حضرة بهاء الله، زين المقربين، القصة التالية للأجيال القادمة عن تحركات حضرة بهاء الله في عكاء والمناطق المحيطة بها:
في العادة كان الجمال المبارك يقضي موسم الربيع والصيف وجزءاً من موسم الخريف في البهجة، والفترة المتبقية من السنة في مدينة عكاء. واعتاد ركوب حمار أبيض اللون، يدعى “برق” لسرعة جريه. فكلما توجّه حضرته من القصر إلى حديقة الرضوان أو المزرعة أو حديقة “الجنينة” أو عكاء، كان يركب ذلك الحمار ثم يعود إلى القصر في الطريق نفسه. أثناء تلك الرحلات كان يرافقه أحد الخدام دائماً. بعد موت “برق” جلبوا (الأحباء) لحضرته حماراً آخر من إيران… وسُمّي “رعد”.(3)
في أحد الألواح(4) يصرح حضرة بهاء الله بأنه خرج من مدينة السجن بنفوذ سلطنته بالرغم من مرسوم السلطان. وهكذا بارك بخطاه القصر وحديقة الرضوان. ولكن لأنه اعتاد على الحياة في مدينة السجن، كان يختار العودة إلى هناك من حين لآخر. في العديد من ألواحه يشير حضرة بهاء الله إلى أنه على مر السنين أصبح مولعاً بالمصائب والمعاناة. ويصرح في إحداها(5) بأنه صار يشتاق البلايا كاشتياق العاشق لمحبوبه. وفي لوح آخر(6) يؤكد هذا مصرّحاً بأن “أنس البهاء مع البلاء كأنس الرضيع إلى ثدي أمه واشتياقي به كاشتياق الظمآن إلى كوثر الحيوان والعاصي إلى رحمتك يا ربنا الرحمن.”
في لوح(7) أنزل بكلمات ميرزا آقا جان، كاتب وحيه، ذكر بأنه ليس بوسع الإنسان فهم طرق الله. على سبيل المثال، ولو أن حضرة بهاء الله عاش في القصر وقضى فترات في حديقة الرضوان، إلاّ أنه ذكر في أحد الأيام أنه يفضّل أن يكون في السجن الأعظم.
عوداً إلى قصة نقل مقر إقامة حضرة بهاء الله إلى قصر البهجة، فإن حضرة عبد البهاء هو الذي استأجر القصر وأعدّه لوصول حضرة بهاء الله. فانتقل أفراد العائلة المباركة أولاً، فيما عدا حضرة عبد البهاء ووالدته وشقيقته، الورقة المباركة العليا، الذين بقوا في عكاء. وعندما تمت كل الترتيبات انتقل حضرة بهاء الله إلى القصر، فغادر بيت عبّود عبر بوابة عكاء البرية ووصل البهجة في المساء. وكان الحاج محمد طاهر المالميري موجوداً في عكاء في ذلك الوقت، ويقيم في حجرة مجاورة لتلك التي سكنها النبيل الأعظم قرب السوق الأبيض. وعملياً تشاركا في الحجرتين معظم الوقت، وكانتا تطلان على الطريق الذي سلكه حضرة بهاء الله متجهاً إلى قصر البهجة. يصف الحاج محمد طاهر المالميري في مذكراته حدثاً مدهشاً مرتبطاً بوصول حضرة بهاء الله إلى القصر، ويمكن أن يعتبر الحدث أحد المعالم البارزة لحجّه الذي دام تسعة أشهر في محضر الجمال المبارك.
كتب يقول:
في مساء اليوم الذي كان مقرراً أن ينتقل فيه جمال القدم، جل جلاله وعز كبريائه، من عكاء إلى قصر البهجة، كان هذا العبد ما يزال مقيماً مع النبيل الأعظم في محل إقامتنا المشترك الكائن في الطابق العلوي لخان السوق الأبيض. كان للغرفة خمس نوافذ زجاجية تطل على الطريق. جلسنا عند النوافذ نترقب عبور شخصه المبارك. كان الوقت حوالي ساعتين بعد غروب الشمس حينما رأينا هيكله المبارك يمر راكباً حماراً خاصاً أبيض اللون من أمام غرفتنا، وعلى بضع خطوات خلف حضرته كان خادم الله، ميرزا آقا جان، راكباً حماراً آخر. بعد عبور حضرته اقترح النبيل أن نتبع حضرته سيراً على الأقدام إلى القصر، فوافقت على اقتراحه. هبطنا الدرجات بسرعة وسرنا خلف حضرته على بعد خمسين خطوة تقريباً. أشعل سراج نفطي في داخل القصر تلك الليلة وكان باستطاعتنا مشاهدة ضوئه من الخارج. كان سراجاً ضخماً ذا ثلاث فتائل، وهو السراج نفسه الذي كنا (الحاج محمد طاهر ومحمد خان بلوچ) قد جلبناه إلى الأرض الأقدس. وقدّمه إلى الجمال المبارك الحاج سيد ميرزا الأفنان من بومبى.
عندما ترجّل الجمال المبارك ودخل القصر، كنا نسير صوبه بغية الطواف حوله، لكننا عندما اقتربنا قليلاً شاهدنا لدهشتنا الممرات المحيطة بالقصر مكتظة بالناس، الذين كانوا واقفين. وقد احتشد الناس حول جوانب القصر الأربعة وكان يمكننا سماع همهمتهم بل وحتى صوت تنفسهم. طبعاً كنا نعلم بأنّه لم يأت أحد من عكاء ليطوف حول القصر، ونحن أنفسنا قد جئنا من دون إذن. على أية حال، ونظراً لتعذر المسير فوق الممرات، اضطررنا للتراجع قليلاً واختيار مسار للطواف على بعد حوالي ثلاثين خطوة من القصر. لذلك اضطررنا للسير عبر حقول القمح التي تم ري بعضها منذ فترة قصيرة فسرنا في أرض موحلة. بينما كنا نطوف القصر كان بإمكاننا الشعور بوجود حشود الناس حول جوانب القصر الأربعة على مسافة من مكاننا. أخيراً سجدنا على الأرض قبالة بوابة القصر، ثم رجعنا إلى عكاء. في طريق العودة هطلت أمطار غزيرة، ولدى وصولنا بوابة عكاء كان الحراس على وشك إغلاقها. كانوا عادة ما يفعلون ذلك كل ليلة بعد غروب الشمس بأربع ساعات.
عندما وصلنا إلى المنزل، اقترح النبيل أن لا ننام في تلك الليلة بل نبقى متيقظين.([1]) وقال لي ‘سوف أكتب بعض القصائد بينما تهيئ أنت الشاي.’ قمت بإعداد الشاي عدة مرات خلال الليل بينما كان النبيل مشغولاً في نظم الشعر. كان شاعراً موهوباً، وينظم الشعر ارتجالاً. في الصباح كان قد ألّف قصائد ملأت وجهَي ورقة كبيرة. فأرسلنا نسخة من قصائده مع مخروطين من السكر([2]) إلى الجمال المبارك. تناولت قصائده بصفة رئيسة تاريخ ما جرى لحضرة بهاء الله من حبس، ثم نفيه إلى دار السلام (بغداد) ثم الآستانة وأدرنة فعكاء، والشدائد والبلايا التي تعرض لها في الثكنات، ثم قصة بناء قصر عودي خمّار، واستئجار حضرة عبد البهاء لهذا القصر ليكون مسكناً للجمال المبارك.
ثم وصف أحداث ليلة انتقال حضرة بهاء الله إلى القصر وكيف تبعنا حضرته، وقصة طوافنا ومشاهدتنا أو إحساسنا بتجمع أرواح النبيين والمرسلين والملأ الأعلى والكروبين، وهم يطوفون حول القصر. كذلك ذكر النبيل في تلك القصائد بالتفصيل إحياءنا لتلك الليلة ساهرين، وانكبابه على تحرير القصائد وقيام هذا العبد بإعداد الشاي.
عندما وصلت قصائد النبيل إلى المحضر المبارك، أنزل لوحاً في حق النبيل وهذا العبد، شرفنا فيه بلطف قبوله لطوافنا حول القصر، ومكرّماً النبيل بلقب “بلبل” ومنحني لقب “بهّاج”.
إن الطواف حول الأماكن المقدسة دليل على العشق والتفاني. وهو تعبير عن إحساس المرء بتواضعه وخضوعه وعشقه للنفوس المقدسة. والطواف علامة لاعتماد الفرد التام عليهم. فالقمر التابع يدور حول الجرم ويظل مقيداً به في محوره بفعل قوة الجاذبية. فهو ناشئ عنه ويعتمد بوجوده على ذلك الجرم. فبين الاثنين علاقة خاصة: أحدهما يقوم بدور السيد بينما الآخر خادم له.
في مجلدات سابقة تحدثنا عن عظمة ظهور حضرة بهاء الله وعلو مقامه. فهو الذي بمجيئه “امتحن الله كل المرسلين والنبيين“، و”اشتاق الكليم (موسى) لمحضره”، و”صعد روح الله (المسيح) إلى السماء بحبه”، وإلى لقاء يومه توسّل وتأمّل “كل الأنبياء والمرسلين والأصفياء والمقربين.”([3])
إن صاحب ظهور بمثل هذا السمو والرفعة قد أشار في كثير من ألواحه كيف راحت أرواح رسل الله وملئه الأعلى تطوف حول عرش سلطنته. بالطبع لم يكن ذلك طوافاً جسمانياً كالذي يمكن مشاهدته في هذا العالم، بل يمكن اعتباره أحد الأسرار العديدة التي تحيط بالمظهر الكلي الإلهي. فالمؤمنون الأوائل الذين كانت لهم العطية والبركة التي لا تقدر بثمن في فوزهم بمحضره المبارك قد شهدوا من وقت لآخر أحداثاً خارقة وهبها فضلاً خاصاً من لدنه، أحداثاً طغت على نفوسهم والتي سجلت في مذكراتهم، ولكن هذه يمكن اعتبارها تجارب شخصية فقط، وهي غير صالحة للآخرين.
تندرج قصة الحاج محمد طاهر المالميري والنبيل، الواردة أعلاه، في هذه الفئة. فكلاهما شهد بالرؤيا التي تبين لهما فيها أنهما رأيا أرواح الأنبياء والملأ الأعلى طائفين حول القصر في الوقت الذي اعتلى حضرة بهاء الله عرش سلطنته في تلك البقعة المقدسة. لكن مثل هذه التجربة المثيرة للنفوس تكون صالحة فقط لهذين الشخصين اللذين مُنحا ذلك الامتياز، ولا يمكن إيرادها دليلاً قاطعاً على مقام حضرة بهاء الله. وقد سبق بحث هذا الموضوع في مجلد سابق.([4]) فالمعجزات ليست دليلاً على أحقية مظهر أمر الله، وعند حدوث معجزة أو معجزات، فإنها دليل لمن شهدها فقط. لقد شرح حضرة بهاء الله هذا مبيّناً بأن دليل الشمس هو الشمس نفسها، وبالمثل يصرح بأن دليل مظهر الله قبل أي شيء آخر هو نفسه، ومن بعد ذلك ظهوره، ولمن أراد دليلاً آخر، كلماته.
إن الذين تشرفوا بمحضر حضرة بهاء الله بقلوب صافية وبصيرة روحية قد فازوا بنعمة عرفانه من خلال نفسه هو. وباتصالهم بشخص حضرته أصبح هؤلاء المؤمنون خلقاً جديداً ومنقطعين تماماً عن أشياء هذا العالم، وسكارى بخمر محضره وطائرين إلى آفاق جديدة من عوالم الروح. فقد بلغوا في القرب من الجمال المبارك بحيث صاروا مخازن أسراره، فبعضهم شاهد قبسات من مجده الخفي واقتداره وشعروا بالرهبة من ظهور مقامه الأعلى.
مع انتقال إقامة حضرة بهاء الله إلى قصر البهجة افتتح فصل جديد يمثل آخر فترة من أشد فترات حياته سناء ومجداً. فعندها اعتلى ملك المجد، المظهر الكلي الإلهي، عرش سلطنته، البقعة التي “جعلها الله المنظر الأكبر للبشر”. وهنا تجلت عظمة حضرة بهاء الله وجلاله ظاهراً للصديق والعدو على حد سواء. كان هذا تتويجاً لأربعين سنة من الوحي. إن الآيات التي ظلت تتدفق من قلمه والألواح التي نزلت في أواخر حياته قد بثت طاقات روحية خاصة عملت على نشر تعاليم أمر الله ومبادئه بنحو أوسع بالإضافة لأحكام “الكتاب الأقدس”، وعن طريقها بات تطبيقها في بناء نظمه العالمي الجديد ظاهراً بيّناً.
إن فيض الكلمة الإلهية الضخم خلال إقامة حضرة بهاء الله في قصر البهجة يذهل الخيال. فسرعة نزول الألواح، والكيفية التي وُهب بها كاتب وحيه، ميرزا آقا جان، رغم كونه محروماً من ميزات التعليم المناسب، القدرة من قبل حضرته للتمكن من تدوين كلماته المباركة بتلك السرعة العجيبة،([5]) والحماس والاندفاع الذي شارك فيه عدد من خدام حضرته لمدة ساعات طويلة يومياً في استنساخ كتاباته، كل ذلك أدى إلى توفر ونشر ألواح تفوق العد والحصر لم يسبق في أي فترة من ولايته نزول ما يماثلها في مداها أو مضمونها. وجنباً إلى جنب مع عملية تنزيل آيات الله، والتي أطلقت طاقاتها الخلاقة داخل مجتمع الإنسانية عموماً والمجتمع البهائي خصوصاً، كانت هناك العطية التي لا تقدر بثمن والتي فاز بها عدد كبير من أتباعه المخلصين بتشرفهم بمحضره المبارك وسط جو مفعم بالحرية والابتهاج. أمّا الذين قدر لهم تماساً مع الروح الإلهية فقد استجذبتهم القوى المحيية التي كانت تشع من شخصه المبارك، فأصبح كل منهم خلقاً جديداً، ورجع إلى موطنه ببصر جديد وقدرة تمكنه من تقديم خدمات وتضحيات أجل وأسمى في سبيله.
وهذان المصدران من مصادر الفضل الرباني – شخص حضرة بهاء الله من ناحية ووحيه من جهة أخرى – وهبا جامعة البهائيين نشاطاً وحيوية لم تشهدهما من قبل. في الوقت ذاته كان للألواح الغزيرة التي نزلت في هذه الفترة الأثر العميق في إلهام المؤمنين الذين تسلموها وإبهاجهم، وجعلهم عمالقة الروح وبها أضرموا نار النشاط الروحي في أفئدة إخوانهم المؤمنين، وبالتالي ساهموا في خلق جامعة فاعلة مزدهرة في إيران. وهكذا تم لأمر الله الاستقرار، واستحكم تأسيسه في أرض مولده. أمّا فيما يخص مجهودات بعض مبلّغيه البارزين فكانت ناجحة للغاية. وسرعة نمو الجامعة، رغم الاضطهاد الواسع، كانت عجيبة، في حين بلغ تأثير ميرزا يحيى الخبيث في خلق الشقاق والشك أدنى مستوى. وفوق هذا وذاك كان نفوذ وسمعة أمر الله وصاحبه في الأرض الأقدس في علو مطرد نحو ذروتهما، بينما يُفتتح آخر وأهم وأخطر فصل في تاريخ ظهور حضرة بهاء الله.
يمكن أن يشبّه ظهور حضرة بهاء الله بشجرة أزهرت في السنوات الأولى من ولايته في بغداد والسليمانية، وبهرت بروعة إزهارها وجمالها أنظار أولئك المؤمنين العاشقين المفتونين ممن وهبوا الرؤية الروحية. فقد شعروا بالرهبة وهم يحدقون في مجدها واعين لإمكانياتها المخفية. وفي وقت لاحق، قرب نهاية فترة إقامته في أدرنة وداخل قلعة عكاء، أتت شجرة الوحي الإلهي بصفوة ثمارها. والآن خلال الجزء الأخير من ولايته حينما كان مستقراً في قصر البهجة، نضجت ثمار هذه السدرة العليا وحان وقت جمعها وتكديسها. فاقترب وقت اكتمال رسالته وبلوغ منتهى إشراق ظهوره باقتراب نهاية حياته الأرضية.
لقد استمر فيض وحي حضرة بهاء الله، منذ إشراقه في سياه چال بطهران، دافقاً في فترات مختلفة. ولم تكن هذه الفترة الأخيرة من ولايته إلاّ تتويجاً للعطايا التي لا تثمن والتي اختار الله أن يهبها للبشرية في هذا الدور. في الحقيقة إن الله قد أنزل كل ما تحتاج البشرية إليه في هذا العصر.
في لوح(8) نزل في حق أمين حقوق الله، الحاج أبو الحسن أمين،([6]) يصرّح حضرة بهاء الله بأن فضل الله قد أحاط أهل العالم بحيث لم يدع معاني أو بواطن معاني كل كلمة ومقال وسر جاء به إلاّ وكشفه.
ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن حضرة بهاء الله، لأسباب بيّنها بنفسه،([7]) لم يشأ الكشف عن أحكام دورته في أوائل أيام ولايته، بل في الواقع لم يكشف عن أحكام “الكتاب الأقدس” إلاّ في منتصف تلك الفترة. وحتى في ذلك الحين أمسك عن نشرها بين أتباعه لبعض الوقت. إلاّ أن صياغة أحكام “الكتاب الأقدس” يسرت لحضرته، في أواخر فترة ولايته، وضع اللبنات الأخيرة لهيكل ظهوره الشامل وذلك بإنزال عدة ألواح هامة. فيما يلي كلمات حضرة شوقي أفندي في وصف هذه العملية:
وبعد أن صاغ حضرة بهاء الله شرائع دورته الأساسية في كتابه الأقدس أعلن بعض المبادئ والأفكار التي تقع في الصميم من دينه وكانت رسالته تقترب من نهايتها. من ذلك أنه نبّه من جديد على الحقائق التي أعلنها من قبل. وهذّب ووضّح بعض الأحكام التي صاغها من قبل، وكشف عن نبوءات وإنذارات أخرى، وسنّ بعض الشرائع الفرعية استكمالاً لمطالب الأقدس. وهذا ما حملته ألواح تجلّ عن الحصر والعدّ ظلّ ينزلها حتى أواخر أيامه على هذه الأرض، من أهمها “الإشراقات” و”البشارات”، و”الطرازات”، و”التجليات”، و”الكلمات الفردوسية”، و”اللوح الأقدس”، و”لوح الدنيا”، و”لوح المقصود”. وكانت هذه الألواح هي آخر الفيوضات التي فاضت من قلمه الدائب الذي لا يكلّ. وهي تحتل مكانتها بين أطيب ما أنتجته عقليته من ثمار، وتشير إلى كمال ولايته التي دامت أربعين عاماً.(9)
نزل “لوح التجليات”([1]) في حق الأستاذ علي أكبر البنّاء([2]) بعد “الكتاب الأقدس”، حوالي عام 1303ﻫ (1885–1886م)، وهو من مؤمني يزد ومعروف بقوة إيمانه وإخلاصه والذي فدى بنفسه أخيراً مستشهداً في سبيل مولاه. كان مقاول بناء ذائع الصيت، يحظى باحترام كبير في الأوساط الحكومية، وغالباً ما اشتغل بأعمال إنشائية لحساب حاكم يزد ومسؤولين على مستوى رفيع.
حينما آمن الأستاذ علي أكبر بأمر الله تشرّب وجوده بروح الإيمان، فاستنارت روحه بحبه الشديد لحضرة بهاء الله، وأصبح نجماً لامعاً بين أفراد جامعة الأحباء في يزد، فأثار تفانيه في خدمة أمر الله وحماسه في تبليغه عواطف رجال الدين المتعصبين وغضبهم مما حملهم على إصدار فتوى قتله. كان ذلك عام 1295ﻫ (1878م) حينما كان النبيل الأكبر([3]) قد ذهب في زيارة إلى يزد. ونظراً للعلاقة الودّية التي كانت تربط الحاكم بالأستاذ علي أكبر، فإنه نصح الرجلين بمغادرة المدينة فوراً حفاظاً على سلامتهما، فذهبا إلى إصفهان وبقيا بضعة أيام في منزل “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء”، وتوجّه الأستاذ علي أكبر بعدها إلى طهران وبقي النبيل الأكبر في إصفهان.
كان الأستاذ علي أكبر متفانياً لأمر الله بحيث لم يقدر أن يمسك نفسه عن تبليغه. فعلى الرغم من أنه كان غريباً في طهران، فقد نجح في تبليغ بعض النفوس وتمكنوا من اعتناق أمر الله. مكث في العاصمة تسعة أشهر ثم عاد بعدها إلى مسقط رأسه في يزد. لدى عودته بدأ أعداء أمر الله بتحريض السلطات على أمل القضاء عليه. فأصدر رجال الدين مرة أخرى فتوى قتله وسلموها إلى الحاكم لتنفيذها، ولكن سيرة الرجل، سواء في مجال إخلاصه وكفاءته في عمله وخدماته أو حسن أخلاقه ولطفه، قد قربته إلى قلوب رجال السلطة وكبار المسؤولين الذين سارعوا إلى حمايته. مع ذلك فإن حياته ظلت في خطر حيث إن الأعداء، بعد فشلهم في حمل السلطة على قتله، استمروا في تآمرهم بجد لاغتياله. ولعدة سنوات كان هدفاً لكثير من المؤامرات، إلاّ أن الله حفظه ليقوم بمهام أجل وأعظم في مستقبل الأيام، وفعلاً تمكّن خلال هذه الفترة من هداية نفوس كثيرة لأمر الله.
يجب أن نتذكر هنا بأن كل المؤمنين، خلال العصر البطولي من تاريخ أمر الله، قد عاشوا وكافحوا في ظروف خطيرة للغاية، وكان الخطر يهدد الرجال منهم أكثر من النساء إذ إن المجتمع آنذاك لم يكن يشجع خروج المرأة من البيت الذي كان عادة مجال حياتها الطبيعي، أو الظهور في المجتمع. وعليه لم يكن أي بهائي يضمن عند خروجه صباحاً من منزله، بأنه سيعود حياً مساءً. وكان ذلك ينطبق أكثر على أولئك المؤمنين المتعلمين والمعروفين بنشاطهم في مجال التبليغ، وكان الأستاذ علي أكبر بالتأكيد واحداً من هؤلاء. خلال السنوات القليلة التي عاشها في يزد وقعت له عدة حوادث محفوفة بالمخاطر. أخيراً، بعد مشورة الأفنان،([4]) تقرر أن يذهب الأستاذ علي أكبر إلى عشق آباد، فوصل إلى هناك في سنة 1301ﻫ (1883–1884م).
كان بعض أفراد عائلة الأفنان قد أبدوا اهتمامهم لفترة من الوقت بمدينة عشق آباد. فقام الحاج ميرزا محمد علي، ابن خال حضرة الباب، بشراء بعض الممتلكات في تلك المدينة بناء على نصيحة من أخيه الأصغر الحاج ميرزا محمد تقي([5]) الذي كان آنذاك مقيماً في يزد. عندما علم حضرة بهاء الله بمعاملة شراء ذلك الملك أمر بشراء قطعة معينة من الأرض هناك من شخص يدعى “أعظم” وتخصيصها لغرض إقامة مشرق أذكار في عشق آباد. فتم ذلك فعلاً حيث شيد في وقت لاحق أول مشرق أذكار في العالم البهائي على ذلك الموقع.([6])
انشغل الأستاذ علي أكبر لمدة عامين تقريباً في بناء محلات تجارية وفندق ومنازل للأفنان. بعدها وصله إذن من حضرة بهاء الله للتوجه إلى عكاء للحج، فتشرّف بمحضره في سنة 1303ﻫ (1885–1886م). وكانت زيارته لمحضر مظهر أمر الله الأعظم قد تركت انطباعاً باقياً في قلب هذا المؤمن المنقطع. فزاد لهيب حبه لحضرة بهاء الله وتأجج شعلة هائلة. عاد بعد ذلك إلى عشق آباد ليضئ بنور الإيمان كل الذين التقى بهم. بهذه الكلمات يخاطب حضرة بهاء الله الأستاذ علي أكبر في “لوح التجليات”:
“نشهد أنك أقبلت وقطعت السبيل إلى أن وردت وحضرت وسمعت نداء المظلوم الذي سجن بما اكتسبت أيدي الذين كفروا بآيات الله وبرهانه وأنكروا هذا الفضل الذي به أنارت الآفاق. طوبى لوجهك بما توجّه ولأذنك بما سمعت وللسانك بما نطق بثناء الله رب الأرباب. نسأل الله أن يجعلك عَلَماً لنصرة أمره ويقرّبك إليه في كل الأحوال.”(1)
في عشق آباد قام الحاج ميرزا محمد علي، ابن خال حضرة الباب، بتمويل إنشاء مبنى من طابقين في ركن من أركان قطعة الأرض التي اشتراها من “أعظم” وحفظها بموجب أمر حضرة بهاء الله لتكون موقعاً لبناء مشرق أذكار في المستقبل. قام الأستاذ علي أكبر أولاً بإقامة بناء خصص ليكون مركزاً بهائياً سنة 1305ﻫ (1887–1888م). في هذا المبنى كانت تقام كل الاجتماعات وحفلات الاستقبال لحين بناء مشرق الأذكار فيما بعد بفضل ما قدّمه الحاج ميرزا تقي، ابن الخال الأصغر لحضرة الباب، من جهود مخلصة وتضحيات.
ذهب الأستاذ علي أكبر للحج في الأرض الأقدس مرة أخرى خلال ولاية حضرة عبد البهاء سنة 1311ﻫ (1893–1894م). وفي تلك المناسبة قام، وفق توجيهات من حضرة عبد البهاء الذي ابتكر تصميماً لبناء ذي تسعة جوانب، بوضع مخطط عام لملامح بيت العبادة الذي حظي بموافقة المولى. في آخر لوح إلى الأستاذ علي أكبر، يؤكد حضرة عبد البهاء على أن هذا المخطط كان قد رسم أثناء وجود الأستاذ في الأرض الأقدس، ويطلب منه أن يرسل بضع نسخ منه إلى أحد أيادي أمر الله في إيران. إلاّ أن مهندساً معمارياً روسياً هو الذي صمم تفاصيل البناء ونفذها، وقد شرع به عام 1902م عندما وضع حجر الأساس في احتفال مهيب بحضور ممثل القيصر، الجنرال كروپاتكن، حاكم تركستان العام. يكتب حضرة شوقي أفندي، ولي أمر الله، ما يلي في دلالة بيت العبادة هذا وأهميته التاريخية:
وأظهر من كل هذه الأعمال([7]) تشييد أول “مشرق الأذكار” في العالم البهائي بمدينة عشق آباد وهي مركز أمري أنشئ في أيام حضرة بهاء الله، كما أخذت التدابير الأولى الممهدة لتشييده في أيامه أيضاً. وبدئ العمل فيه حول نهاية العقد الأول من ولاية حضرة عبد البهاء (1902م) ورعاه في كل مرحلة من مراحل تقدمه، وأشرف عليه الحاج ميرزا محمد تقي وكيل الدولة الجليل، وهو ابن من أبناء خؤولة حضرة الباب وهب كل موارده لتشييد مشرق الأذكار، ورفاته ترقد الآن بسفح الكرمل في ظل قبر قريبه المحبوب، ونفذت خطة مشرق الأذكار هذا انقياداً لتوجيهات مركز الميثاق نفسه، فقام شاهداً على إخلاص أحباء الشرق وإنكارهم لذواتهم حين عزموا على تنفيذ أوامر حضرة بهاء الله كما نزلت في الكتاب الأقدس، ولذلك يجب ألاّ يتبوّأ هذا العمل مكانة أول عمل عظيم قامت به جهود أتباعه المتضافرة في عصر البطولة المجيد لهذا الدين فقط بل أن يحتل مكانة عمل من أروع وأخلد الأعمال التي تمّت في تاريخ القرن البهائي الأول.(2)
تولى الأستاذ علي أكبر دوراً قيادياً في تشييد بيت العبادة بعشق آباد، إلاّ أن إرادة الله كانت لها خطط أخرى له. فما كادت تمضي ستة أشهر على وضع حجر الأساس حتى تشرّف بلوح من حضرة عبد البهاء يحثه على الذهاب إلى يزد في الربيع، ونصحه بعدم التردد أو تأجيل سفره. فشرع الأستاذ علي أكبر حالاً بترتيب أموره في ربيع عام 1903م، وهكذا بعد عشرين عاماً من الغياب، وصل إلى مسقط رأسه. وتزامن وصوله مع فترة من النشاط غير عادية من أحباء يزد. فما بين ذهاب وإياب لبعض مشاهير المبلّغين، وازدياد نشاط الأحباء وحماسهم في تبليغ أمر الله، أثار وصول علي أكبر ضجة بين غير البهائيين، الذين نشروا إشاعات بأنه على وشك بناء بيت العبادة البهائي في يزد. أمّا سكان الأحياء المجاورة لبيته فقد أثار ذلك غضبهم بصفة خاصة، لأنه فيما مضى كان قد أفلح في إقناع نفوس كثيرة باعتناق أمر الله في تلك المنطقة.
في غضون ذلك أرسل حضرة عبد البهاء جناب ابن الأبهر، أحد أيادي أمر الله، إلى يزد في مهمة خاصة. فعقدت اجتماعات كبيرة حفزت الأحباء ورفعتهم إلى آفاق عليا من الروحانية وأعدتهم على الخصوص للاستشهاد إذا تطلب الأمر. وبالتالي تأهب عدد كبير منهم للتضحية بحياتهم في سبيل الله. كان هذا في صيف 1903م، بعد وصول الأستاذ علي أكبر ببضعة أشهر. عندها غادر ابن الأبهر يزد، وما كاد يصل إلى البلدة المجاورة حتى ثار في المدينة فجأة هيجان ضد البهائيين، وسرعان ما امتد إلى العديد من القرى المحيطة بيزد. كان هذا أعظم اضطراب يحدث في إيران خلال ولايتَي حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء منذ حمام دم طهران عقب محاولة الاعتداء على حياة ناصر الدين شاه عام 1852م.
دام الاضطراب داخل مدينة يزد بضعة أيام، وكل بهائي وجد خلالها استشهد قتلاً. راح عدد كبير جداً من الأحباء ضحايا تلك المذبحة في سبيل أمر الله في ظروف مؤثرة جداً. في كتاب “تاريخ شهداء يزد” الذي نشر في القاهرة، وصف مسهب لاستشهاد هذه النفوس. وإنها لحقيقة معروفة أن قلة من الناس نجحوا في قراءة ذلك الكتاب بكامله، فما يحتويه من قصص تدمي القلب ألماً، لا يدع معظم قرائه للمضي في قراءة أكثر من بضع صفحات.
كان الأستاذ علي أكبر من بين الذين استشهدوا، عندما سددت إليه الطلقة القاتلة الأولى بيد أحد أقرب أقربائه. عندما سقط على الأرض صرخ: ‘يا بهاء الأبهى!’ بعد ذلك هاجمته حشود من الناس وهشموا رأسه بفأس، ثم ربطوا قدميه بحبل وسحبوا جثمانه في طرقات المدينة حيث شارك مئات من الناس في قذفه بالحجارة وضربه. بعد ذلك أنزل جسده المشوه في بئر عميق مهجور على مشارف المدينة وألقيت فيه جثامين شهداء آخرين.
وهكذا انتهت حياة مؤمن خدم أمر الله بتفان مثالي وتضحية بالنفس. وعلى الرغم من أنه لم يتلقَ غير تعليم ابتدائي، لكنه ألف بعض القصائد الجميلة وكتاباً استدلالياً عن أمر الله (لم ينشر). كما أنه كتب وصفاً مفصّلاً عن الأيام الأولى لدخول أمر الله إلى عشق آباد ونموه فيها والذي لم ينشر بعد. أمّا إنجازاته في ميدان التبليغ فكانت متميزة حقاً. وفقاً لشهادته الخطية قبل استشهاده بحوالي سنتين، كان واسطة مباشرة لاعتناق ثلاثمائة نفس أمر الله بفضل جهوده التبليغية. كان الأستاذ علي أكبر بلا شك أحد النفوس المقربة إلى الله، ولقد أنزل حضرة بهاء الله في حقه سبعة وعشرين لوحاً. كما أن حضرة عبد البهاء شرّفه بعدّة ألواح.
عندما استلم الأستاذ “لوح التجليات” كان مبهوراً به بنحو خاص إذ وجد أن حضرة بهاء الله قد أرسل إليه كذلك صفحات من نموذج من “الخط النزولي” برفقة اللوح المذكور. عند تنزيل الألواح كان ميرزا آقا جان، كاتب وحي حضرة بهاء الله، عادة يسجلها بيده حين النزول. لكن نظراً لسرعة نزول الآيات كان يكتبها بما عرف بالخط النزولي والذي كان عملياً غير مقروء. وسبق أن ناقشنا هذا الموضوع بتفصيل أكبر في مجلد سابق.([8])
في “لوح التجليات” يكشف حضرة بهاء الله عن لمحة من سناء ظهوره الأعلى، وفي بضع فقرات يمجد بعثة صاحب هذا الظهور بكيفية قد يجد بعض القراء صعوبة في تقديرها. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن حضرة بهاء الله كثيراً ما يكرر في كتاباته موضوعاً معيناً، ولكن في كل مرة ينزله من جديد ويعبر عنه بطريقة مختلفة. إلاّ أن موضوعاً واحداً يظهر أكثر من سواه في كتاباته: لا يكاد المرء يجد لوحاً يخلو من تبيان عظمة ظهوره والإشارة لمقام صاحبه الأسمى.
وهذا الموضوع المتكرر هو حجر الزاوية لرسالة حضرة بهاء الله للبشرية، فهو يعلن باستمرار بأنه جاء ليعلن مجيء يوم الله. فيما يلي نماذج مختارة عشوائياً من بياناته، تكشف عن هذه الميزة البارزة لظهوره الأسمى. وهذه الفقرات ذات الأهمية الفائقة هي سبب نشوة أحبائه وبهجتهم الذين أدركوا مقامه حقاً. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يساء فهمها من قبل الذين لم يوهبوا الفهم الحقيقي، أو الذين يدفعهم الحقد، وما أكثر أعدائه الذين فعلاً اتهموه بالباطل على أنه ينسب نفسه إلى الحق الغيب المنيع، ذات الألوهية نفسه.
“الحق أقول، لا أحد يعلم أصل هذا الأمر”. “في هذا اليوم على الجميع أن ينظروا بالعين الإلهية ويسمعوا بالأذن الرحمانية. من ينظرني بعين غيري لن يعرفني أبداً. لا يعلم أحد من المظاهر السابقين طبيعة هذا الظهور بأكمله إلاّ على قدر معلوم.“(3)
“إن هذا اليوم يوم عظيم. وهو مذكور ومسطور في الكتب والصحف المقدسة بيوم الله. ومن هذا البيان عظمة هذا اليوم ظاهرة ومشهودة. لقد فدى الأنبياء والرسل بأرواحهم وأنفسهم شوقاً لهذا اليوم المبارك، وتحسّرت لوصاله الملل والأقوام الماضية.”(4)
“تالله الحق تلك أيام فيها امتحن الله كل النبيين والمرسلين ثم الذين هم كانوا خلف سرادق العصمة وفسطاط العظمة وخباء العزة.”(5)
“هذا يوم فيه فازت الآذان بإصغاء ما سمع الكليم في الطور والحبيب في المعراج والروح إذ صعد إلى الله المهيمن القيوم.”(6)
“هذا يوم فيه يقول اللاهوت طوبى لك يا ناسوت بما جُعلتَ موطئ قدم الله ومقر عرشه العظيم.”(7)
“أنصفوا يا أهل العالم، أيليق بكم أن تعترضوا على الذي اشتاق الكليم (موسى) لمحضره، وحنّ الحبيب (محمد) لمشاهدة جماله، وصعد روح الله (المسيح) إلى السماء بحبه، وأنفق النقطة الأولى روحه في سبيله؟”(8)
“إنه هو([9]) الذي سمي في التوراة بيهوه وفي الإنجيل بروح الحق وفي الفرقان بالنبأ العظيم… لولاه ما أُرسلت الرسل وما نُزّلت الكتب يشهد بذلك كل الأشياء.”(9)
في “لوح التجليات” يقر حضرة بهاء الله بأن مجرد ذكر مقامه قد يضطرب له الناس ويملأهم رعباً. ثم يلوح لصاحب اللوح بأن حضرته ما كان ليكشف عن طبيعة مقامه الأعلى لو أن حضرة الباب لم يعلنها مراراً في كتاباته. فيما يلي كلمات حضرة بهاء الله المقتطفة من “لوح التجليات”:
“لعمر الله لو لم يكن ما ذكره المبشر لما تكلّم قط هذا المظلوم بما هو سبب اضطراب الجهال وهلاكهم. يتفضل في أول البيان في ذكر من يظهره الله جل ظهوره قائلاً: الذي ينطق في كل شأن إنني أنا الله لا إله إلاّ أنا رب كل شيء وإن ما دوني خلقي. أن يا خلقي إيّاي فاعبدون. وكذلك يتفضل في مقام آخر عند ذكر من يظهر قائلاً: إنني أنا أول العابدين. والآن يجب التفكّر في العابد والمعبود، لعل عباد الأرض يفوزون بقطرة من بحر العرفان ويدركون مقام الظهور. إنه ظهر ونطق بالحق. طوبى لمن أقر واعترف وويل لكل منكر بعيد.“(10)
من الواضح أن الغالبية العظمى من الناس في هذه الفترة من التاريخ لن يتمكنوا من قبول بيانات حضرة بهاء الله بشأن هذا المقام الأعلى. ففي الفقرة أعلاه يؤكد بأن دعوته صارت “سبب اضطراب الجهال”، حتى أن بعض أتباعه ممن لمست أفئدتهم محبته، لكن لم تتوفر لهم فرصة تعميق أنفسهم في حقائق دينه واكتشاف بواطن معاني وحيه، قد يجدون أنفسهم في امتحان شديد كلما مروا على بيانات كهذه لحضرة بهاء الله تكشف بعض ملامح ظهوره المتعالي التي تبعث على الرهبة والخشوع. وقد يُمتحنون بكيفية مماثلة حينما يقرؤون بيان حضرة الباب، وهو نفسه مظهر إلهي، بأنه يكون “أول العابدين” لحضرة بهاء الله. إن العقل ليتحير عند التأمل بـ”العابد”، حضرة الباب، وهو مظهر إلهي، “النقطة الأولى”، “سلطان الرسل”، “من تطوف حوله حقائق النبيين والمرسلين”، والتأمل بـ”المعبود”، حضرة بهاء الله. وقد لوحظ في الفقرة أعلاه كيف أن حضرة الباب يصفه بأنه: “الذي ينطق في كل شأن إنني أنا الله لا إله إلاّ أنا رب كل شيء وإن ما دوني خلقي. أن يا خلقي إيّاي فاعبدون.” في كتابات حضرة الباب إشارات غزيرة كهذه.([10]) في أحد ألواحه(11) يدلي حضرة بهاء الله نفسه ببيان باهر حينما يشهد “إن الأمر عظيم على شأن كلما يرقم ذكر عظمته يضطرب القلم وينصعق“.
لقد سبق بحث هذا الموضوع – عظمة ظهور حضرة بهاء الله – مراراً وتكراراً في مجلدات سابقة، لكن في كل مرة كان من وجهة نظر مختلفة قليلاً. دعنا في هذه المناسبة نفحص العقبات الرئيسة التي قد تحجب الباحث عن الحقيقة من أن يقدر الطبيعة المتسامية لظهور حضرة بهاء الله ومقامه الرفيع. تبدو هذه العقبات ناشئة عن سوء فهم شيئين. أولهما نسبة حضرة بهاء الله إلى الألوهية. والآخر، التناقض في الظاهر بين الاعتقاد بأن جميع مظاهر الله هم ذات واحدة والقول بأن حضرة بهاء الله هو المظهر الكلي الإلهي.
فيما يخص المسألة الأولى، ليس هناك أفضل من إيراد شرح حضرة شوقي أفندي حيث يكتب:
ولكن، كلمة تحذير تبدو في هذا المقام جديرة بالذكر لكل من عساه أن يقرأ هذه الصفحات قبل أن أتوسع في شرح ما أنا بصدده. إذ أنه لا يجوز لأي فرد، وهو يتدبر أمر بهاء الله على ضوء ما أوردناه أن يسيء فهم حقيقته أو يؤول ويشوه مقصده. فمظهر الألوهية المنعوت به ذلك الكائن العظيم، وكامل الأسماء والصفات الظاهرة في شخصيته الجليلة يجب أن لا يساء فهمها، ولا أن تحرف عن حقيقتها بأي حال من الأحوال. لأنه إذا كنا مخلصين لديننا فيجب علينا أن نعرف بأن الهيكل الإنساني الذي جُعل واسطة لحمل هذه الأمانة الثقيلة يظل دائماً في مقام هو غير مقام (روح الأرواح) و(جوهر الجواهر) بمعنى أن الله الذي لا يُدرَك ولا يُرى والذي مهما أطلقنا ألسنتنا في ذكر ألوهية مظاهره على الأرض لا يمكن بأي حال أن تتجسد ذاته المنزهة، وأن الغيب البحت المنيع الذي لا يُدرَك لا يمكن أن يحد في حيز كائن فانٍ. ويقيناً أن الله الذي يكون على هذه الصورة من التجسد يجب على ضوء تعاليم بهاء الله أن لا يظل في الحال إلهاً، وأنه لمن السخف والوهم الواضح القول بتجسد الألوهية الذي يغاير ويتنافر مع مبدأ العقيدة البهائية. ولا يقل القول بهذا وهماً عن القول بمبدأ ألوهية الكون غير المقبول. وهذان المبدآن – التجسد وألوهية الكون – قد أدحضتهما بيانات بهاء الله وبينت فسادهما وبطلانهما.(12)
من الضروري التمييز بين “جوهر الله” – والذي يشير إليه حضرة شوقي أفندي بعبارتي “روح الأرواح” و”جوهر الجواهر” – وبين “ظهور الله” بين البشر. فالأول غيب لا يُعرف، بينما الآخر يمكن للإنسان عرفانه وإدراكه. ونلاحظ في كتابات حضرة بهاء الله بأن المظاهر الإلهية أنفسهم ليس لديهم أية معرفة عن جوهر الله. فيمكن للمرء أن يفهم من هو نظير له أو أقل منه شأناً، لكن يستحيل عليه معرفة كائن من رتبة أعلى. إذاً، لو كان بمقدور المظاهر الإلهية فهم جوهر الله لوجب أن يكونوا مساوين له، وهذا هو الكفر.
في أحد ألواحه يدلي حضرة بهاء الله ببيان قاطع على أن المظاهر الإلهية ليس لهم من سبيل لإدراك جوهر الله، الحقيقة الغيبية. وهذه هي كلماته:
“من الأزل الذي لا يُعرف كان الله محتجباً في حقيقة ذاته العليا، وإنه لا يزال مخفياً يكون إلى الأبد في سر جوهره الذي لا يُعرَف… فقد انصعق عشرات الآلاف من الأنبياء كلٌ كان موسى في سيناء البحث عن صوت الله الناهي ‘إنك لن تراني’، بينما في ربوات المرسلين كلٌ كان كالمسيح في عظمته قاموا على عروشهم المقدسة مرتاعين لصوت المنع ‘إن كينونتي لن تعرفها’.”(13)
وشهد حضرة بهاء الله نفسه في العديد من ألواحه بأنه أيضاً لا يعلم أو يفهم حقيقة كينونة الله. يشهد في واحد منها بقوله:
“ما أعظم حيرتي وأنا لست شيئا مذكوراً، كلما أحاول أن أسبر عمق علمك تذهب جهودي عبثاً عند تصور بدائع صنعك وقدرتك!”(14)
يشير حضرة بهاء الله في إحدى مناجاته الشهيرة إلى نفسه بأنه مشرق آيات الله ومطلع بيناته. ويشهد أيضاً بواسع وعظمة حكمته ورفعة علمه. مع ذلك فإن صاحب مثل هذا المقام العالي يؤكد عجزه عن عرفان جوهر الله. هذه فقرة من مناجاته مع الله:
“وجمالك يا سلطان القدم والمستوي على العرش الأعظم إن مطلع آياتك ومظهر شئوناتك مع بحر علمه وسماء عرفانه اعترف بعجزه عن عرفان أدنى آية من آياتك التي تنسب إلى قلمك الأعلى فكيف ذاتك الأبهى وكينونتك العليا.”(15)
نستخلص من هذه وغيرها من كتابات حضرة بهاء الله النتيجة التالية وهي أنه لا يمكن وجود طريق مباشر أو علاقة مباشرة بين من هو جوهر الألوهية وما سواه، بمن فيهم مظاهر أمره، أي ليس هناك باب يؤدي بعباده إلى عرفان مكمن حقيقته. وفي الصلاة الكبيرة المفروضة نتلو أنه أسمى من أن تصله صلوات العباد:
“سبحانك من أن تصعد إلى سماء قربك أذكار المقربين أو أن تصل إلى فناء بابك طيور أفئدة المخلصين. أشهد أنك كنت مقدساً عن الصفات ومنزهاً عن الأسماء لا إله إلاّ أنت العلي الأبهى.”(16)
نلاحظ أن الله “مقدس عن الصفات”، فيشهد حضرة بهاء الله في كثير من ألواحه ومناجاته بأن لا يمكن لأحد أن ينسب إلى ذات الحق أية صفة أو صفات تليق حقاً به. ويمكن فهم وقبول ذلك بسهولة، إذ إن كل وصف ينسب لذاته سيكون له أثر تحديدي، وبالتالي ينتفي كونه الله، والذين درسوا الرياضيات وعرفوا مصطلح “اللانهاية” يعلمون استحالة تقييمها بأي عدد، مهما كان كبيراً. ذلك لأنها ستنتفي “لا نهايتها” فور نسبتها إلى أي صيغة أو شيء سواها.
والله هو الذات اللامحدود. وما يوصف به مثل “العليم” و”الحكيم” و”الفريد” وغيرها لا يمكن نسبتها إلى جوهر حقيقة الله وذاته.
يصرح حضرة عبد البهاء في لوح(17) بأن عدداً كبيراً من الناس أسراء أوهامهم، فهم يقرون بأنهم يعبدون الله، ولو سئلوا أي إله تعبدون لكان الجواب ‘الله الذي أتصوره’. ثم يشرح حضرة عبد البهاء في هذا اللوح بأن كل ما يتصوره الإنسان بعقله عن الله هو مجرد نسيج خياله، وليس الله. ويمضي مؤكداً على أن السبيل الوحيد أمام عقل الإنسان لكي يتصور أو يعقل شيئاً عن مفهوم الله هو بتوجهه إلى مظاهر أمر الله. ويمكن إيجاز شروح حضرة عبد البهاء بالقول أن عقل الإنسان المحدود لا يمكنه أبداً أن يدرك ويحيط بالله اللامحدود.
في لوح آخر(18) يصرح حضرة عبد البهاء بأنه حينما نصف الله ببعض الصفات فإننا نفعل ذلك لا في سبيل الرغبة لإثبات أهلية الله واتصافه بهذه النعوت العليا – نعوت تتجاوز عرفاننا – بل لنفي افتقاره لها. ففي لوحه إلى الدكتور فوريل، يصرح حضرة عبد البهاء بقوله:
“أمّا عن الصفات والكمالات مثل الإرادة والعلم والقدرة ودونها من الصفات القديمة التي ننسبها إلى حقيقة الألوهية، فإنها مقتضيات مشاهدة آثار الوجود في حيز الشهود وليس الكمالات الحقيقية لذات الله نفسه والذي لا يمكن إدراكه وفهمه. فمثلاً، عندما ننظر في الكائنات نلاحظ هناك كمالات لا متناهية في صنعها وفي منتهى الانتظام والكمال فنستنتج أن القدرة القديمة التي تعتمد عليها هذه المخلوقات في وجودها لا يمكن أن تكون جاهلة، لذا نقول بأن الله “عليم”. كذلك من المؤكد أن ليس بعاجز، بل يجب أن يكون قديراً، وليس بفقير، فيجب بالبداهة أن يكون غنياً، ولا يمكن أن يكون معدوماً، فينبغي أن يكون موجوداً. والمقصود من كل هذا هو تبيان أن هذه النعوت والكمالات التي نعددها أو ننسبها لتلك الحقيقة الكلية إنما هي في الواقع لسلب النقائص عنه، لا لتثبيت كمالاته التي لا طاقة لعقل الإنسان بتصورها. بناء عليه نقول إنه مجهول النعت.(19)
والله المنزه عن الصفات في ملكوت ذاتيته، يتجلى في ملكوت أمره وظهوره. في هذا الملكوت تظهر جميع صفات الله، كما أن من هذا الملكوت تُبعث جميع المظاهر الإلهية. فهذه الذوات القدسية، مظاهر الله، هم حملة صفات الله. وبهذه الواسطة تظهر للبشر كل الصفات الفائقة مثل “المقتدر والقاهر فوق كل شيء” و”العليم” و”المجيد” وغيرها من الصفات مما تنسب لله المتجلي للإنسان. وقد يُلاحظ بأن في جميع الكتب السماوية وفي الكتابات البهائية، أن مظاهر أمر الله، مؤسسي الأديان العالمية، كانوا جميعاً مهابط الروح القدس، وبواسطة فيوضات الروح القدس قاموا في كل عصر على إظهار الصفات الإلهية لعالم الإنسان.
ومنذ أيام بعثة حضرة بهاء الله الأولى وهو في سجن سياه چال صرح حضرته بشكل قاطع أن “روح الله الأعظم” تجلى له. ويتضح من دراسة كتاباته بأن تلك الروح لم تفارقه، بل كانت في كل أيام ولايته مصدر حيويته وإلهاماته. يؤكد في “سورة الهيكل”([11]) بأن الروح القدس المنكشف للمرسلين من قبل قد خُلق بواسطة هذا “الروح الأعظم”. وهذه هي كلماته:
“قل لا يُرى في هيكلي إلاّ هيكل الله ولا في جمالي إلاّ جماله ولا في كينونتي إلاّ كينونته ولا في ذاتي إلاّ ذاته ولا في حركتي إلاّ حركته ولا في سكوني إلاّ سكونه ولا في قلمي إلاّ قلمه العزيز المحمود، قل لم يكن في نفسي إلاّ الحق ولا يُرى في ذاتي إلاّ الله… قل إن روح القدس قد خلق بحرف مما نزل من هذا الروح الأعظم إن كنتم تفقهون.”(20)
إذاً فالروح الأعظم هو موجد روح القدس والمجلّي بصفات الله بين البشر، وبه نزلت كل الظهورات وخلقت الموجودات. وهذا الروح الأعظم، الذي كان موجوداً أزلاً ويبقى موجوداً دائماً، لم يتجلَ للبشرية مباشرة من قبل. فإن الله قد انتظر ملايين السنين حتى يبلغ الإنسان في تطوره الروحي والعقلي إلى مقام يؤهله لقبول هذا الظهور الأعظم. وقد أعلن حضرة بهاء الله بأن هذا كان حقاً قصد الله في خلق الإنسان، وأنزل في أحد الألواح:
“الهدف من الخليقة هو ظهور هذا اليوم الأمنع الأقدس المعروف بيوم الله في الكتب والصحف والزبر الإلهية. يوم كان رجاء وأمل الأنبياء والمرسلين والأصفياء والأولياء المقربين.”(21)
في الدورات السابقة كان وحي الله يتجلى بنحو غير مباشر بوساطة الروح القدس. لكن في هذه الدورة كشف الروح الإلهي الأعظم وتجلى للمرة الأولى إلى حضرة بهاء الله مباشرة مفتتحاً بذلك يوم الله. إن النقطة الأكثر أهمية التي يمكن أن تساعد على توضيح أي سوء فهم حول مقام حضرة بهاء الله هي التمييز بين هيكله البشري والروح الأعظم الذي تجلى فيه. عندما نشير إلى حضرة بهاء الله فإننا لا نشير إلى وجوده البشري بل الروح الأعظم المتجلي فيه، وحينما ينطق فالكلمات ليست كلماته، بل تصدر عن وحي الروح الأعظم الذي يتكلم بلغة الإنسان من خلال شخص حضرة بهاء الله. وغالباً ما تطالعنا كلمات حضرة بهاء الله في قوله “إنني أنا الله”. وفي عدة مواضع نجده يصرح بأن كل الوجود قد خلق بكلمة من عنده، أو يعلن بأنه هو الذي أرسل جميع الرسل في الماضي. والفقرة التالية مثال نموذجي على ذلك:
“لولاه [حضرة بهاء الله] ما أُرسلت الرسل.”(22)
ما من واحد من هذه البيانات قد صدر عن شخص حضرة بهاء الله، بل إنها تمثل صوت الله الذي يخاطبنا من خلال هيكل إنسان. وقد عبّر حضرة بهاء الله نفسه عن هذه الظاهرة بهذه الكلمات:
“يا إلهي إذا أنظر إلى نسبتي إليك أحب بأن أقول في كل شيء بأنني أنا الله وإذا أنظر إلى نفسي أشاهدها أحقر من الطين.”(23)
من كل هذه التفسيرات يجوز للمرء أن يستنتج ان عظمة ظهور حضرة بهاء الله ومجده الرفيع يرجع أصلاً لتجلي الروح الأعظم مباشرة له. فلم يسبق أبداً أن بعث الله مظهر روحه الأعظم لبني الإنسان، مظهره الكلي، أو المظهر العالمي الذي ظهر باسمه الأعظم، بهاء.([12])
وأفاد حضرة شوقي أفندي، ولي أمر الله، عن طريق سكرتيره، بالشرح التالي:
“يُقصد بالاسم الأعظم أن حضرة بهاء الله قد ظهر باسم الله الأعظم، أي بعبارة أخرى أنه مظهر الله الأعظم… وليس هناك، حتى الآن، من الأنبياء من هم بمرتبة حضرة بهاء الله نفسها، إذ إنه يجلس على ذروة دورة (رسولية) عظمى ابتدأت بآدم.”(24)
على الرغم من وجوب التمييز بين الروح الذي تجلى لحضرة بهاء الله وبين شخصه نفسه، مع الحذر لئلا تُنسب عظمة ظهوره لهيكله البشري، إلاّ أنه من الواضح بأنه لا يمكن إهمال شخصيته الإنسانية كلياً. بل على العكس من ذلك، فإن الهيكل الإنساني الذي أصبح مهبطاً لروح بهذه العظمة، يتحرك ويتصرف وفق جلال الله وسلطنته. لأن إشعاع قدرة الله وإرادته المهيمنة تكون قد نفذت في كل ذرة من ذاته بحيث تنعكس في كل حركة وتصرف عنه آثار قدرة الله. والذين أوتوا بصيرة روحية يمكنهم أن يروا في كل حركة تصدر عن مظهر الله صفات الله بنحو واضح، فتكون أفكاره وكلماته وأعماله جميعاً مستوحاة لا من نفسه البشرية بل من الروح الإلهية.
فيما يلي كلمات الحاج ميرزا حيدر علي، الذي وردت بشأنه إشارات عديدة في هذا المجلد والمجلدات السابقة، يصف فيها ملاحظاته الشخصية عن حضرة بهاء الله:
“ولو أن شخصه المبارك كان بهيئة إنسان، لكن نفس حركاته وتصرفه وكيفية جلوسه ووقوفه، أكله وشربه، بل حتى نومه ويقظته، كل منها معجزة بالنسبة لي. ذلك لأن ما رأيت فيه من كمالات وخلق رفيع وجمال وعظمة وأرفع الألقاب وأسنى الصفات كان قد كشف لي بأنه لا شبه ولا ند له. بل كان بلا مثيل ولا شريك له… رأيت شخصاً كان كأي إنسان آخر من الناحية البشرية. لكن لو استطعنا جمع حب كل الناس في العالم ورحمتهم وشفقتهم لكانت مثل قطرة بالمقارنة مع محيط رقيق رحمته وألطافه. بل أستغفر الله بهذه المقارنة. كذلك لو أمكن جمع كل المعارف والعلوم والصنائع والفلسفة والتاريخ الطبيعي واللاهوت لدى كل البشر جميعهم، فإنها ستبدو، بالمقارنة مع علمه وإدراكه، كذرّة مقارنة بالشمس. كذلك لو أمكن حصر عزة الملوك والحكام والأنبياء والرسل وقوتهم جميعهم مقابل قدرته وسيادته وعظمته وجلاله وملكه ومجده، فإنها تبدو بصغر قطرة تجاه مياه البحر… وكلما راقبت كل واحدة من صفاته، أدركت عجزي عن تقليدها، وتيقنت بأن كل أهل العالم لن يقدروا أبداً بلوغ كمالاته.”(25)
إن السبب الآخر في سوء فهم مقام حضرة بهاء الله يكمن في التناقض الظاهري بين كونه “المظهر الكلي”، ومبدأ مساواة جميع المظاهر الإلهية ووحدتهم. ولأجل أن يقدّر القارئ هذه النقطة يُنصح بدراسة “كتاب الإيقان”، الذي يوضح فيه حضرة بهاء الله الفرق بين مظاهر الله على أنه في شدة سطوع نور رسالتهم ووحيهم. وسبق أيضاً أن ناقشنا هذه المسألة بالتفصيل في مجلد سابق.([13])
أنزل حضرة بهاء الله في “لوح التجليات” ما يلي:
“شهد الله أنه لا إله إلاّ هو والذي أتى إنه هو السر المكنون والرمز المخزون والكتاب الأعظم للأمم وسماء الكرم للعالم. وهو الآية الكبرى بين الورى ومطلع الصفات العليا في ناسوت الإنشاء. به ظهر ما كان مخزوناً في أزل الآزال ومستوراً عن أولي الأبصار. إنه هو الذي بشرت بظهوره كتب الله من قبل ومن بعد. من أقر به وبآياته وبيناته إنه أقر بما نطق به لسان العظمة قبل خلق الأرض والسماء وقبل أن يظهر ملكوت الأسماء. به ماج بحر العلم بين الأنام وجرى فرات الحكمة من لدى الله مالك الأيام.”(26)
لقد وهب ظهور حضرة بهاء الله الجنس البشري قدرات جديدة وأسبغ عليها إمكانات ضخمة، ففي الفقرة أعلاه يقرر حضرة بهاء الله بأن به قد ظهر ما كان مخزوناً في أزل الآزال ومستوراً عن أولي الأبصار. عندما ننظر إلى الوراء ونلاحظ تقدم البشرية على مر العصور يمكننا أن نرى بوضوح أن مجيء كل مظهر إلهي تزامن مع انتهاء([14]) الدورة السابقة التي يسدل عليها الظلام. ولكن دورة حضرة بهاء الله تختلف من حيث أنها استخرجت كل ما كان مخفياً عن الإنسان بسبب افتقاره للإمكانات في الماضي.
تزامن فجر هذا العصر الجديد مع ظهور حضرة الباب وحضرة بهاء الله. وهذه الظاهرة مماثلة لانبلاج الفجر الذي يمحو ظلمة الليل. فأثناء الليل لا يمكن لأحد أن يرى ويكون الجميع نياماً، لكن بطلوع النهار تبصر الأعين وتتضح الأشياء. وهكذا كان الحال مع فجر هذا العصر الجديد، الذي وقع في منتصف القرن التاسع عشر واستنارت به عقول الناس وأفئدتهم. وبينما اعتادت جماهير الناس في سالف الأزمان السير وراء قادتها بشكل أعمى تقريباً، صاروا الآن يرون الأمور بأنفسهم ويفكرون بشكل مستقل، فقد ولّى الليل وبزغ نور الصباح. وباستمرار عملية التنوير هذه صار الناس ينظرون للحياة وكل ما يتصل بها بعين ناقدة. بطبيعة الحال تمخض عن ذلك تعدد الأفكار وتصادم بين الآراء المتباينة، وانقسمت الأديان إلى مئات من الطوائف بينما ترك الكثيرون الدين كلية وانضموا إلى صفوف المنكرين والملحدين المتزايدة. بالوقت نفسه نشأت عدة أنظمة سياسية واجتماعية متضاربة وظهرت فلسفات كثيرة مثيرة للجدل وترسخت في جميع أنحاء العالم.
إن هذه التطورات الباعثة على الانقسام في مجالات الدين والسياسة والشؤون الاجتماعية تهدد بإغراق الجنس البشري في هاوية سحيقة وخطيرة. من ناحية أخرى، حدث هناك تفجر في ميدانَيْ الفنون والعلوم في هذا العصر الجديد مما يبشر بمولد عهد تتضافر فيه القوى الروحية والمادية لخلق حضارة جديدة حسنة الاتزان وعالمية الشمول. إن هذه المظاهر من الأنشطة البشرية، على ما ترتب عليها من تبعات بناءة أو هدامة، لم تشهد مثلها عصور الماضي وترجع أصلاً لإشراق شمس الحقيقة في هذا العصر الجديد.
لكن عموم أهل العالم، رغم هذا الإشراق، لم يهتدوا بعد لمصدر هذه الإضاءة. نعود هنا لمثل الليل المظلم وظهور الفجر، ويمكننا رؤية التشابه الكبير بين محنة الإنسانية اليوم، ومصير أولئك المنزوين في غرفهم إذ طلع الفجر وأنار. فهم يشهدون آثار النور فيما حولهم لكنهم قد لا يهتدون لرؤية الشمس بسبب الأبواب المغلقة والستائر المسدلة. أمّا الحجبات التي تحول بين الناس ورؤية شمس الحقيقة فكثيرة ومتنوعة. فهناك حجاب المعرفة والفخر والخيلاء، والتقاليد الموروثة التي تستعبد الناس عادة، وكذلك الأشكال المختلفة من التعصبات، والتلقين الديني وغيرها الكثير – كل هذه الحجبات تعمل بمثابة عوائق تمنع الإنسان من الإقرار والاعتراف بأن ظهور حضرة بهاء الله هو مصدر ما يجري من تطورات في عالم البشرية في هذا العصر. وما لم يرفع المرء هذه الحجب وما لم يبذل سعياً جاداً للبحث عن الحقيقة، لا يمكنه أن يوقن بقرارة قلبه بأن حضرة بهاء الله، وليس أحد سواه، هو الذي ابتدأ هذه العملية من التغيير الجذري في العالم كما يشهد هو نفسه في “الكتاب الأقدس” بهذه الكلمات:
“قد اضطرب النظم من هذا النظم الأعظم واختلف الترتيب بهذا البديع الذي ما شهدت عين الإبداع شبهه.”(27)
يصرح حضرة بهاء الله في “لوح التجليات” بأنه لا يمكن لأحد أن يعرف الله إلاّ بواسطة حضرته. في كثير من كتاباته توجد تصريحات مماثلة، هذه هي كلماته في هذا اللوح:
“التجلي الأول الذي أشرق من شمس الحقيقة هو معرفة الله جل جلاله. ولا تتحقق معرفة سلطان القدم إلاّ بمعرفة الاسم الأعظم. إنه مكلم الطور الساكن والمستوي على عرش الظهور وإنه هو الغيب المكنون والسر المخزون. بذكره تزينت الكتب الإلهية من قبل ومن بعد وبثنائه نطقت. به نصب عَلَمُ العِلم في العالَم وارتفعت راية التوحيد بين الأمم. لا يتحقق لقاء الله إلاّ بلقائه. به ظهر ما كان مستوراً ومخفياً من أزل الآزال. إنه ظهر بالحق ونطق بكلمة انصعق بها من في السموات والأرض إلاّ من شاء الله. لا يكون الإيمان بالله وعرفانه كاملاً إلاّ بتصديق ما ظهر منه وكذلك العمل بما أمر به وبما نزل في الكتاب من القلم الأعلى.”(28)
إن عبارات “الاسم الأعظم” و”مكلم الطور” و”الغيب المكنون” و”السر المخزون” الواردة في الفقرة أعلاه تشير جميعها إلى حضرة بهاء الله. من تعاليم حضرته الأساسية هو أنه لا يمكن للإنسان أن يعرف الله مباشرة، والسبيل الوحيد المتاح أمامه لعرفانه جل جلاله هو بمعرفة مظاهره. في “كتاب الإيقان” أسهب حضرة بهاء الله الشرح وتبيان هذا الموضوع وقد أشرنا إليه في مجلد سابق.([15]) كذلك تم بحث موضوع “لقاء الله” من قبل([16]) حيث شرحه حضرة بهاء الله مؤكداً بأنه يتحقق بالفوز بمحضره ولقائه.
ومن المثير للاهتمام ملاحظة عبارة حضرة بهاء الله: “إنه ظهر بالحق ونطق بكلمة انصعق بها من في السموات والأرض“. في لوح آخر يورد عبارة مماثلة ويكشف بأن تلك الكلمة المعنية هي استبدال كلمة “هو” بـ”أنا”. وقد تمت أيضاً الإشارة لذلك وشرحه في مجلد سابق.([17])
موضوع آخر يوليه حضرة بهاء الله أهمية كبرى في كتاباته هو الاستقامة على أمر الله. وهذه هي كلماته في “لوح التجليات”:
“التجلي الثاني هو الاستقامة على أمر الله وحبه جل جلاله. وهذا لا يتحقق إلاّ بالمعرفة الكاملة ولا تتحقق المعرفة الكاملة إلاّ بالإقرار بكلمة يفعل ما يشاء المباركة. كل نفس تمسّك بهذه الكلمة العليا وشرب من كوثر البيان المودع فيها شاهد نفسه مستقيماً على شأن لا تمنعه كتب العالم عن أم الكتاب. حبّذا هذا المقام الأعلى والرتبة العليا والغاية القصوى.”(29)
ينمو أمر الله بشكل مطرد منذ ظهوره. في الوقت نفسه، كان وما زال يواجه معارضة مستمرة واضطهاداً شنيعاً. أما وأنه قد بقي حياً، بل ازدهر في الواقع، على الرغم من مواجهة الاضطرابات الخطيرة في مسار تاريخه، فيعزى ذلك جزئياً للحماية الإلهية التي شملته، وأيضاً لصمود أتباعه. إن روح التضحية بالنفس البطولية التي أظهرها الآلاف من شهدائه والنفوس المقدسة من أتباعه وعلمائه ومبلّغيه وإدارييه، إنما تدلل على إيمان لا يتزعزع ويقين لم يسبق له مثيل في تاريخ الأديان. فلولا صمود أتباع حضرة الباب وحضرة بهاء الله في مواجهة الاعتداءات الوحشية والاضطهاد، لما تمكنت الجامعة البهائية من تحقيق انتصارات مدهشة كهذه في غضون فترة زمنية قصيرة جداً.
إن استقامة المؤمن تعتمد على مدى اعترافه بمقام حضرة بهاء الله، والذين بلغوا حقاً قمة الإيمان واليقين فإنهم يصبحون مستقيمين في أمر الله بحيث تتحقق فيهم شروطها الواردة في “لوح أحمد”([18]):
“وكن مستقيماً في حبي بحيث لن يحول قلبك ولو تُضرب بسيوف الأعداء ويمنعك كل من في السموات والأرضين.”
ومن المثير للاهتمام ملاحظة أن حضرة بهاء الله يعد في هذا اللوح نفسه بما يلي:
“فوالله من كان في شدة أو حزن ويقرأ هذا اللوح بصدق مبين يرفع الله حزنه ويكشف ضره ويفرج كربه.”
كثيراً ما يتساءل الناس عن كيفية تلاوة هذا اللوح بصدق مبين. ويمكن القول أن الصدق المبين في تلاوته يحصل حينما يكون القارئ قد وصل حقاً إلى مستوى من الإيمان واليقين بحيث لن يحول قلبه ولو يضرب بسيوف الأعداء. في أحد ألواحه(30) يصرح حضرة بهاء الله بأن المرء سوف يصبح مستقيماً على أمر الله عندما يوقن في قلبه أن لا حاجة له للإقبال إلى أي دين سوى هذا الظهور الأعظم.
إن أحد تعاليم حضرة بهاء الله هو تحري الحقيقة بشكل مستقل. لكن هناك من يسيئون فهم هذا المبدأ الهام على أنه يعني الاستمرار في البحث عن الحقيقة حتى بعد اكتشافها في ظهور حضرة بهاء الله والاعتراف به مظهراً إلهياً، عسى أن يجدها من مصدر آخر. إن موقفاً كهذا ليشير إشارة واضحة إلى أن هذا الشخص لم يكتشف الحقيقة في المقام الأول، وأنه لم يصل إلى مرحلة من الاطمئنان في إيمانه. من ناحية أخرى، فإن الذي وجد الحقيقة لم يبلغ نهاية رحلته، فطالما يستمر الإنسان في حياته هناك مجال لتحقيق فهم أفضل وأعمق للحقيقة التي عثر عليها.
يصف حضرة بهاء الله في “الوديان السبعة” كيف ينتقل ابن السبيل من مرحلة إلى أخرى. وهي تبدأ بوادي البحث حيث يجتهد المرء في بحثه للعثور على الحقيقة. عندما يجد مبتغاه يقصد ودياناً أخرى، مثل وادي العشق والمعرفة وبقية الوديان. أمّا أن يظلّ في وادي البحث فهو علامة واضحة على فشله في العثور على الحقيقة، فالاعتراف بمظهر أمر الله يجب أن يعقبه الثبات على عهده وميثاقه، أي يعني ببساطة إطاعة([19]) مركز عهد أمر الله والعمل بما نزل من أحكام وتعاليم.
عندما ندرس الطبيعة البشرية فإننا نلاحظ أن هناك قوّتين داخل الإنسان تعملان دوماً عكس بعضهما. إحداهما هي قوة الطبيعة الحيوانية والتي تميل إلى جرّه إلى أسفل في المملكة الحيوانية، والأخرى هي قوة الطبيعة الروحية التي تسمو به إلى التقرب من الله. لعل الإنسان في ذلك أشبه بالطائرة التي تخضع هي أيضاً إلى تأثير قوّتين متعارضتين. الأولى هي قوة الجاذبية التي تميل إلى جذب الطائرة نحو الأرض، والثانية قوة محرك الطائرة التي تعمل على رفعها إلى الأعلى. في حين تعمل الأولى باستمرار ودون جهد على سحب الطائرة إلى الأسفل، نجد الثانية تعمل فقط عندما يكون محرك الطائرة في وضع التشغيل. فطالما بقي المحرك دائراً تبقى الطائرة محلقة في الجو. وبمجرد أن يتوقف، تبدأ قوة الجاذبية بسحب الطائرة إلى أسفل.
هناك تماثل مدهش بين الطائرة وأداء الإنسان، فالطبيعة الحيوانية مماثلة لقوة الجاذبية، وهي موجودة دائماً ويمكنها أن تحط، بسرعة ويسر، من شأن الفرد ومقامه إلى رتبة الحيوان وما أدنى منها. أمّا الطبيعة الروحية، لو سمح بممارسة نفوذها، فبإمكانها أن ترفعه إلى آفاق روحانية عظيمة مثلما يفعل محرك الطائرة برفعها عن الأرض. يحدث هذا الرقي والنمو الروحي عندما يعترف الفرد بمظهر أمر الله ويكتسب الإيمان والاطمئنان.
ولو أن الإيمان بحضرة بهاء الله يرقى بالنفس روحياً، إلاّ أنه لن يكون كافياً بالنسبة للفرد للتغلب على العديد من الاختبارات والتجارب التي يواجهها في الحياة. بل هناك خطوة هامة أخرى يجب اتخاذها بعد الاعتراف بمقام حضرة بهاء الله واعتناق دينه. ولتوضيح هذه النقطة قد نستخدم مَثَل الطائرة مرة أخرى، إذ بإمكانه إلقاء مزيد من الضوء على هذا الموضوع. إن المحرك القوي لن يضمن بالضرورة هبوطها بسلام عند نهاية رحلتها. إن أجهزة الملاحة التي تستلم باستمرار إشارات من مصدر إرسال مركزي هي التي توجه الطيار لقيادتها خلال الرحلة. وعليه فإن سلامة الطائرة وهبوطها في وجهتها يعتمدان على الطيار الذي يجب عليه إطاعة الإشارات التي تصله من مركز التحكم دون تردد.
وثمة حالة مماثلة تواجه المؤمن بحضرة بهاء الله . فالإيمان وحده بمظهر أمر الله ليس كافياً، وما هو مطلوب بالإضافة إلى ذلك هو الاستقامة على العهد والميثاق، وهي عبارة يتلخص معناها بالتوجه إلى مركز أمر الله وإطاعة هدايته. في أيام حضرة بهاء الله كان هو مركز أمر الله الذي يتوجه إليه الأحباء، ومن بعده توجهوا إلى حضرة عبد البهاء مركز عهده وميثاقه، ثم إلى حضرة شوقي أفندي، ولي أمر الله، واليوم إلى بيت العدل الأعظم. إن التوجه إلى مركز أمر الله، باعتباره مصدر هداية معصوم، يمكّن المؤمن من حماية نفسه من كثير من العثرات في حياته، ومثل الطيار في التشبيه أعلاه وإطاعته لإرشادات مركز الملاحة، وبلوغ مقره الروحي في عوالم الغيب المنيع.
في “لوح التجليات” يفرض حضرة بهاء الله على كل واحد اكتساب الفنون والعلوم، لكنه يستثني منها تلك التي تبدأ بالكلام وتنتهي بالكلام. ويؤكد حضرته ذلك مراراً في ألواحه وسنبحثه لاحقاً.([20])
أنزل “لوح الإشراقات”([1]) موجهاً إلى جليل الخوئي، وهو صفّار عاش في مقاطعة آذربيجان وكان مؤمناً معروفاً. كان اللوح جواباً عن أسئلة منه، وبالخصوص ما يتعلق بموضوع العصمة الكبرى. ونتيجة للامتياز الذي لا يُثمّن والذي ناله بتشرفه بلقاء حضرة بهاء الله فقد حظي بمواهب وألطاف عديدة.
لكن جليل حرم نفسه من كل البركات التي هطلت عليه، وهلك روحياً. بعد صعود حضرة بهاء الله، نقض العهد وانضم إلى محمد علي([2]) الناقض الأكبر لعهد حضرة بهاء الله. وكان قد خضع لتأثير جمال البروجردي، الذي كان من أبرز الناقضين في إيران وكان يطمح لأن يصبح زعيماً بلا منازع للطائفة في تلك البلاد. سبق أن عرضنا وصفاً موجزاً لسيرته الشائنة، وسقوطه السريع ثم اندثاره في نهاية المطاف.([3]) فبعد صعود حضرة بهاء الله بأربع سنوات تقريباً ذهب جمال إلى آذربيجان، وعيّن جليل وكيلاً عنه هناك وأوصاه بالاتصال سراً بالمؤمنين وبذْر سموم النقض بينهم. ومما شجع جليل أكثر في موقفه، وصول سلسلة من رسائل محمد علي إلى آذربيجان ضد مركز العهد.
في أثناء ذلك بعث المولى (حضرة عبد البهاء ) بابن الأبهر، أحد أيادي أمر الله، إلى تلك المقاطعة ليشد من أزر المؤمنين في الاستقامة على العهد. وقد فشل جليل في تحقيق مسعاه الهدام بدرجة ملحوظة حيث ثبت مؤمنو آذربيجان والتفوا حول حضرة عبد البهاء مدافعين عن أمر الله دفاعاً بطولياً ضد هجوم الخائنين.
في سنة 1315ﻫ (1897–1898م) أرسل حضرة عبد البهاء لوحاً مطولاً، عُرف باسم “لوح الألف بيت”، إلى جليل. في هذا اللوح الشهير يغمره بكثير من اللطف والعناية، ويحضه على الوفاء لأمر الله، ويسهب في تبيان مصداقية عهد حضرة بهاء الله وميثاقه، مدعماً حجته ببراهين مقنعة مما يجعل مضمون هذا اللوح واحداً من أهم المراجع الكشفية في موضوع العهد عموماً. هذا وقد أشرنا في مجلد سابق([4]) لهذا اللوح وبحثنا موضوعاً هاماً فيه. ونظراً للوضع المضطرب الخطير الذي كان يسود الأرض الأقدس، واحتراساً من تأجيج نار أضرمها ناقضو العهد والميثاق، والتي كانت تهدد جامعة الأحباء بأسرها، فقد بعث المولى أحد خادمي أمر الله الموثوقين، ميرزا محمود الزرقاني، إلى تبريز، عاصمة مقاطعة آذربيجان، موصياً إيّاه بأن يتلو اللوح كاملاً بصوت عال على مسامع جليل ولكن دون تزويده بنسخة منه. استمع جليل لمضمون اللوح الوافي، لكن شهوة الرئاسة، للأسف، أعمت عينيه وأصمّت أذنيه. فيما بعد شهد خيبة مساعيه وخسرانه ثم توفي ذليلاً.
يحتوي “لوح الإشراقات”، النازل من قلم حضرة بهاء الله في حقه، بعض خيرة ثمار وحيه. ففي أواخر اللوح يعدد حضرة بهاء الله بعض تعاليمه الأساسية ومبادئه تحت تسعة عناوين، سمى كلاً منها “إشراقاً”. إن الفقرات القليلة الأولى نزلت بلغة الرمز والسرّ، ويعتمد فهمها وكشفها جزئياً على فهم عميق بالمصطلحات الإسلامية الفقهية واللغة العربية، وجزئياً على المعاني الباطنية لكلمات حضرة بهاء الله. لهذه الأسباب واحترازاً لئلا ننزلق في تفسيرات غير موثقة للكتابات المباركة، فإننا نمتنع عن بحثها. إلاّ أن هناك لوحاً(1) من قلم حضرة عبد البهاء (باللغة الفارسية) قد يعين القارئ على تقدير أهمية بعض بيانات حضرة بهاء الله.
في “لوح الإشراقات” يشير حضرة بهاء الله إلى حضرة الباب بـ”النقطة” و”المنادي باسمه والمبشر بظهوره الأعظم”، ويؤكد بأن الله قد جعله “بحر النور للمخلصين من عباده وكرة النار للمعرضين من خلقه.”
إن مجيء كل مظهر إلهي يخلق الوضع نفسه حيث يفرق بظهوره بين فئتي المؤمنين والمنكرين، وهذا مشابه لإجراء الامتحانات المدرسية. فعند دخول التلاميذ قاعة الامتحانات لا يمكن تمييز الفرق بينهم، لكن عند خروجهم يكون التمييز قد بدأ فعلاً، فمنهم الذي اجتاز ومنهم من فشل. بالكيفية نفسها يكون ظهور مظهر أمر الله بمثابة بشير ونذير بافتتان وامتحان عالمي. فقبيل مجيئه يكون الناس عموماً في مستوى واحد، لكن حالما يكشف عن هويته ويعلنها يجد بعض الناس أنهم ارتفعوا مقاماً بإيمانهم بأمره بينما بقي الآخرون خلفهم.
عندما ظهر حضرة الباب أعلن بشارة قرب مجيء “من يظهره الله”، أي حضرة بهاء الله. فأعدّ أتباعه وهيأهم لظهوره جاعلاً منهم خلقاً جديداً مستحقاً للاعتراف بمظهر أمر الله الأعظم. لكن حينما أظهر حضرة بهاء الله نفسه لعموم البشر ولملأ البيان خاصة، حان وقت امتحان عالمي لإيمان الناس من جديد. وعندما كشف حضرة بهاء الله عن مقامه حدث الفصل بين الطائفة البابية حيث اعتنق أغلبهم أمره في حين حرمت أقلية منهم نفسها من الدخول في ظله. وبهذا صار ظهور حضرة بهاء الله سبباً ومصدراً للنعيم والبركة لبعض الناس، وللذين حرموا أنفسهم وهدة الشقاء والبعد. وتأكيداً لهذه العملية يصرح حضرة بهاء الله في “لوح الإشراقات” بقوله:
“هذا يوم جعله الله نعمة للأبرار ونقمة للأشرار ورحمة للمقبلين وغضباً للمنكرين والمعرضين. إنه ظهر بسلطان من عنده وأنزل ما لا يعادله شيء في أرضه وسمائه.”(2)
في هذا اللوح يؤنب حضرة بهاء الله أهل البيان، أي أتباع حضرة الباب، على ضلالهم وعماهم اللذين منعاهم عن الاعتراف بظهوره الأعظم. لكنه بالوقت نفسه ينصحهم بأن يدعوا الظنون والأوهام ويتوجهوا إليه بقلوب نقية طاهرة. هذه بعض كلماته مخاطباً إيّاهم:
“اتقوا الله دعوا الظنون لمظاهرها والأوهام لمطالعها والشكوك لمشارقها. ثم أقبلوا بوجوه نوراء وصدور بيضاء إلى أفق أشرقت منه شمس الإيقان أمراً من لدى الله مالك الأديان.”(3)
في سياق نصائحه يشير حضرة بهاء الله إلى ما عاناه خلال حبسه، مرتين في أرض الطاء (طهران) ومرة في أرض الميم (مازندران).([5]) كان أول حبس لحضرة بهاء الله في طهران بعد إعلان حضرة الباب دعوته بأربع سنوات تقريباً. والحبس الثاني، الذي تعرض فيه للضرب على قدميه، كان بعد ذلك ببضعة أشهر في آمُل من إقليم مازندران. أمّا ثالث حبس وأشدهم جميعاً فكان في سياه چال بطهران([6]) في شهر آب سنة 1852م.
كان جليل، الذي أنزل حضرة بهاء الله “لوح الإشراقات” في حقه، قد سأل حضرته عن معنى “العصمة الكبرى”. فأنزل في سياق جوابه هذه الكلمات الشاحذة للفكر:
“… في ذكر العصمة الكبرى والآية العظمى التي سألتها عن المظلوم ليكشف لك قناعها وغطاءها ويذكر سرها وأمرها ومقامها ومقرها وشأنها وعلوها وسموها. لعمر الله لو نظهر لئالىء البرهان المكنونة في أصداف بحر العلم والإيقان ونخرج طلعات المعاني المستورة في غرفات البيان في جنة العرفان لترتفع ضوضاء العلماء من كل الجهات وترى حزب الله بين أنياب الذئاب الذين كفروا بالله في المبدأ والمآب… إن لطيور ممالك ملكوتي وحمامات رياض حكمتي تغردات ونغمات ما اطلع عليها إلاّ الله مالك الملك والجبروت. ولو يظهر أقل من سم الإبرة ليقول الظالمون ما لا قاله الأولون ويرتكبون ما لا ارتكبه أحد في الأعصار والقرون.”(4)
يبين حضرة بهاء الله في هذا اللوح بعض جوانب العصمة ويميز بين “العصمة الموهوبة” و”العصمة الكبرى”. فالأولى تستمد سلطتها من الأخرى. وقد ناقشنا هذا الموضوع في مجلد سابق([7]) حيث ذكرنا بأن حضرة بهاء الله يمتلك العصمة الكبرى، بينما أنعم بالعصمة على كل من حضرة عبد البهاء وحضرة شوقي أفندي وبيت العدل الأعظم. وهذه كلماته في “لوح الإشراقات”:
“فاعلم للعصمة معان شتى ومقامات شتى. إن الذي عصمه الله من الزلل يصدق عليه هذا الاسم في مقام وكذلك من عصمه الله من الخطأ والعصيان ومن الإعراض والكفر ومن الشرك وأمثالها يطلق على كل واحد من هؤلاء اسم العصمة. وأمّا العصمة الكبرى لمن كان مقامه مقدساً عن الأوامر والنواهي ومنزهاً عن الخطأ والنسيان. إنه نور لا تعقبه الظلمة وصواب لا يعتريه الخطأ. لو يحكم على الماء حكم الخمر وعلى السماء حكم الأرض وعلى النور حكم النار حق لا ريب فيه وليس لأحد أن يعترض عليه أو يقول لِمَ وبِمَ.”(5)
في كثير من ألواحه يدلي حضرة بهاء الله بتصريحات مشابهة لتلك التي في هذا اللوح، فيذكر أنه لو أطلق القلم بتبيان بواطن معاني كلماته، أو كشف علوّ مقام شخصه أو عظمة ظهوره، فإن الذين حرموا من الفهم الحقيقي سيصابون بالصدمة والغضب بحيث يقومون بالمعارضة الشديدة لأمره وأحبائه. ذلك لأن زعماء الدين المسلمين، وكذلك بعض أتباع حضرة الباب الذين لم يوهبوا الفهم الحقيقي، كانوا يتذرعون ببعض عبارات حضرته، التي تشير إلى عظمة أمره، من أجل إدانته أو تشويه حقيقته. في وقت لاحق، انضم إلى أولئك آخرون في كل من الشرق والغرب، مستهدفين معارضة أمره من خلال تحريف كتاباته. فهناك عدد لا يحصى من الفقرات في كتاباته التي تمجد طبيعة ظهوره السامية.([8]) فجسامة ادعاءاته تذهل المؤمنين من أتباعه وتؤجج خصومة أعدائه. من الواضح بشكل متزايد أن السواد الأعظم من البشر يبتعدون عن مفهوم الروحانية والحقيقة الدينية. إضافة لهذا فإن قدرة الإنسان الفكرية لفهم الله ومظاهر أمره محدودة. وهناك أيضاً حواجز أخرى في طريقه مثل التحيز والتحامل بجميع أنواعه والأوهام والخرافات وغيرها الكثير. فإنه ليس من المستغرب، إذاً، أن حضرة بهاء الله، الذي ظهر في مجتمع فقير في الإدراك الروحي، يضطر لإيقاف قلمه عن كشف الطبيعة العليا لقدرة الله وعظمته التي وهبت له. في الواقع، إن عدم جدارة الإنسان هو الذي دفع حضرة بهاء الله، أيام إقامته في العراق، أن يأمر كاتب وحيه بإتلاف جزء كبير من ألواحه المكتوبة بخط يده وذلك بقذفها في النهر أثناء فترة نفيه في العراق.
يروي ميرزا أبو الفضل،([9]) العلاّمة البهائي العظيم، حادثة مثيرة للاهتمام وقعت أثناء إقامته في القاهرة، وهي الحادثة التي تلقي مزيداً من الضوء على الموضوع المذكور أعلاه. برز ميرزا أبو الفضل في أوساط القاهرة العلمية والثقافية كمرجع وحجة عليا في تاريخ الأديان وتعاليمها، فكان يقصده الكثير من الأساتذة وتلامذة جامعة الأزهر، إلى جانب العديد من رجال الدين والثقافة، ويزدحمون جالسين عند قدميه ابتغاء ما يمكن أن ينالوه من معرفته الواسعة وبصيرته في الأمور الروحية. وهذه هي القصة كما يرويها بنفسه:
‘عندما نشر رؤساء الجمعية البروتستانتية كتاب “مقالة في الإسلام” اقترح بعض كبار العلماء (المسلمين) في هذه الديار، من بينهم الفاضل الجليل الشيخ محمد بدر الدين الغزّي… وغيره من أهل العلم والفضل، اقترحوا على هذا العبد أن من اللائق أن يقوم، نظراً لسعة إطلاعه بحقائق الكتب المقدسة والأديان السابقة والذي أنعم به عليه الحق جلّ جلاله… أن يقوم بتحرير رد كافٍ وافٍ على المقالة المذكورة لكشف مغالطاتها وتحريفاتها التاريخية لئلا يضل ضعفاء الناس بما ورد فيها من أخطاء، ويجد الشك إلى عقولهم سبيلاً.
فقلت: عفوا أيها السادة، لأن هناك صعوبات يتعذر جداً التغلب عليها في هذا السبيل. فقد اعتادت آذان المسلمين لسنوات كثيرة وقرون عديدة على سماع زخرف القول([10]) وتشبّعت ألبابهم بسطحيات المفهوم الظاهري (لكلام الله). والآن لو يُكشف الغطاء عن الحقائق القرآنية، وبذلك تفنّد كل اعتراضات أرباب الشبهات (وهي التي نحن بصددها في هذا المقال)، فإن هؤلاء الناس أنفسهم من المتسمين بالإسلام اسماً فقط سيقومون على الإعراض وإثارة البغضاء والعداء. بل إنهم سيقنعون ويرضون برؤية هذه الاعتراضات والمآخذ التي يروجها هؤلاء (المبشرون) دون تبرئة القرآن منها، بل إبقائها إلى الأبد. بل إنهم قد يرضون أن يروا راية الإسلام تداس من قبل الضالين على أن يسمحوا لفيوضات القلم الأعلى (حضرة بهاء الله) أن يخرج حور([11]) المعاني الحقيقية من قصور الآيات… عسى أن تُرَدّ الاعتراضات وتُبدّد سحب الانتقادات الكثيفة وتنقشع.’(6)
هذه الحجة التي طرحها ميرزا أبو الفضل بشأن الإسلام صالحة للأديان الأخرى أيضاً. على سبيل المثال، المسيحية كما تمارس اليوم بعيدة كل البعد عن تعاليم السيد المسيح النقية بحيث لو أمكن لمؤسسها العودة بنفسه، لن يكون قادراً على التوفيق بين دينه وبين كل ما صنعه الإنسان من العقائد والطقوس والكثير من الكنائس المنقسمة. وقد شرح حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء في كتاباتهما واقع السيد المسيح، وحقيقة رسالته والمعنى الحقيقي للكلمات الواردة في الأناجيل. لكن إذا ما عرضنا صورة المسيحية كما عرضها حضرة بهاء الله في “كتاب الإيقان”، أو تناولنا بعض الموضوعات المسيحية كما وردت في شروحات حضرة عبد البهاء في كتاب “مفاوضات عبد البهاء” فإننا سوف نقابل بلا شك بمعارضة قوية من قبل كثير من المسيحيين اليوم. في الواقع إنه لأصعب كثيراً شرح حقيقة المسيحية لشخص مسيحي متمسك بدينه من أن نفعل ذلك مع شخص محايد من خلفية مختلفة. لقد وضع أتباع الأديان أنفسهم في وضع خطير حقاً. فبضلالهم عن الطريق الصحيح الذي أتاهم به مظاهر أمر الله، منعوا أنفسهم من القدرة على الاعتراف بأحقية ظهور حضرة بهاء الله. وبشأن قوم كهؤلاء أنزل القلم الأعلى هذه الكلمات اليائسة في “لوح الإشراقات”:
“قد أنكروا فضل الله وبرهانه وحجة الله وآياته. ضلوا وأضلوا الناس ولا يشعرون. يعبدون الأوهام ولا يعرفون. قد اتخذوا الظنون لأنفسهم أرباباً من دون الله ولا يفقهون. نبذوا البحر الأعظم مسرعين إلى الغدير ولا يعلمون. يتبعون أهواءهم معرضين عن الله المهيمن القيوم.”(7)
في “لوح الإشراقات” يقتبس حضرة بهاء الله من لوح نزل سابقاً([12]) يعدد فيه بعض النبوءات الإسلامية بشأن مجيء يوم الله. فيستخدم أسلوب حوار بين صوت الحق والذين جردوا من الفهم الحقيقي وأنكروا أمره. هناك العديد من الفقرات كهذه في هذا اللوح:
“هل الآيات نُزّلت قل إي ورب السموات… وقال هل الطامة تمت قل إي ورب الأرباب. وهل القيامة قامت بل القيوم بملكوت الآيات. هل ترى الناس صرعى بلى وربي العلي الأبهى. هل انقعرت الأعجاز بل نسفت الجبال ومالك الصفات. قال أين الجنة والنار قل الأولى لقائي والأخرى نفسك يا أيها المشرك المرتاب. قال إنا ما نرى الميزان قل إي وربي الرحمن لا يراه إلاّ أولو الأبصار. قال هل سقطت النجوم قل إي إذ كان القيوم في أرض السر فاعتبروا يا أولي الأنظار!”(8)
إن سقوط النجوم إشارة إلى نبوءة معروفة في الإنجيل متعلقة برجعة السيد المسيح، وأرض السر تسمية حضرة بهاء الله لمدينة أدرنة. في مجلد سابق([13]) ورد بحث تساقط النجوم ودلالته.
من أجل تقييم المعاني الباطنة للنبوءات المقتبسة في هذا اللوح بشأن مجيء الرب، يحتاج المرء لدراسة “كتاب الإيقان”. هذا الكتاب الذي شرح فيه معنى الأسرار المكنونة في الكتب السماوية للأديان السابقة، وكشف أهمية النبوءات الواردة فيها. فقبل نزول “كتاب الإيقان” كان غرض الكلمات ومعناها مخفياً، وبمجيء حضرة بهاء الله تحققت نبوءة دانيال بشأن “وقت النهاية”:
“وأنا سمعت وما فهمت. فقلت يا سيدي ما آخر هذه. فقال اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية.”(9)
لقد فض “كتاب الإيقان” أختام الكتب السماوية الماضية. وكما تستنير العين بالرؤية مع إشراق شمس الصباح، فإنه – ”كتاب الإيقان” – أنار العقول والأفئدة بضياء العرفان والفهم، ومنذ ذلك الحين استطاع العديد من الباحثين والمبلّغين البهائيين كتابة مجلدات في تفسير نبوءات الأنبياء السابقين.
نجد تحت العناوين التسعة في “لوح الإشراقات” أن حضرة بهاء الله يوضح بعض تعاليمه المنزلة خصيصاً “لأمراء الأرض ووزرائها”، تعاليم تهدف إلى “ما يضمن الحفظ والحراسة والأمن والأمان للعباد”. في “الإشراق الأول” يعلّق أهمية كبرى على الدين بوصفه “النور المبين والحصن المتين لحفظ أهل العالم وراحتهم”. ثم يتنبأ زيادة على ذلك قائلاً: “فلو احتجب سراج الدين لتطرق الهرج والمرج وامتنع نير العدل والإنصاف عن الإشراق وشمس الأمن والاطمئنان عن الإنوار”. وهذا ما يحدث بالفعل.
والمبدأ الأساسي الذي ينطبق على جميع الأديان هو أن هناك علاقة خاصة بين دين والدين الذي يعقبه مباشرة. فحينما يأتي مظهر إلهي تكون روح الإيمان قد انطفأت في الدين السابق، ونفخت في الوقت نفسه في الدين الجديد. على سبيل المثال، مع مجيء حضرة المسيح كان الدين اليهودي قد فقد نشاطه وحيويته، وهذه غُرست في الدين المسيحي. ورد في القرآن الكريم ما يلي:
“ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.”(10)
هذا يعني أن لكل دورة رسولية بداية ونهاية، وعند ظهور الدورة البهائية التي ابتدأها حضرة الباب، كانت جميع الأديان الرئيسة في العالم قد فقدت قدراً عظيماً من قوتها الروحية. فالنفوذ الذي كانت تمارسه وتستجيب له أفئدة الناس كان يقل ويتلاشى مع مرور كل يوم. ومن العوامل المساهمة في هذه العملية، عجز القادة الدينيين عن التمسك بالحقائق الأساسية المنصوص عليها في كل دين. فبدلاً من فهم جوهر دينهم، وتوضيح الحقائق العقائدية لأتباعهم، قاموا، بسبب جهلهم، بعرض العديد من المعتقدات والتفاسير التي وضعها الإنسان بحيث حجبت نور الدين الحقيقي. وبالتالي فإن كثيراً من الناس الأذكياء الصادقين تخلوا عن الدين نهائياً وانضموا إلى صفوف اللاأدريين والملحدين. فلا أحد يمكنه أن يلوم شخصاً وُهِب الحس السليم، الذي يرفض إدعاء بعض الزعماء الدينيين بأن جسد السيد المسيح ارتفع في الفضاء، أو أن النجوم ستتساقط يوماً ما على الأرض!
ومنذ مجيء حضرة بهاء الله فقط، ومن خلال كتاباته، صارت الفقرات الغامضة في الكتب المقدسة للأديان السابقة واضحة في شرحها وتفسيرها بحيث لم تبق منها عبارة واحدة تبدو مناقضة للمنطق والحس السليم. في الواقع، إن أحد تعاليم حضرة بهاء الله يؤكد أن الحقيقة الدينية والنظريات العلمية يجب أن يكونا في وئام. لكن للأسف فإن الفجوة بين الدين والعلم قد اتسعت بسبب عجز الزعماء الدينيين عن فهم التعاليم الدينية الحقيقية. واليوم صارت كلمة “الدين” ترتبط عموماً بالجهل وضيق الأفق والأوهام من جانب عدد كبير من الناس المستنيرين. من ناحية أخرى، جعل بعض الناس من الدين سخرية عن طريق خلق الطوائف التي أثبتت أنها ليست إلاّ أوكاراً للفساد والتربح. إن قدسية العديد من الأعمال الدينية، والتي كانت الدعامة الأساسية للمجتمعات المحلية في الأزمنة القديمة، قد باتت الآن إمّا مهملة تماماً أو تالفة، وتتحول على وجه السرعة إلى أنشطة سياسية أو تجارية. ولهذا السبب يتعين على أتباع حضرة بهاء الله أن يوضّحوا للناس، أثناء مجهوداتهم لتعريف الدين البهائي للعموم، بأن كلمة “الديانة” بمفهومها الشائع بين الناس لا تنطبق على الدين البهائي، فهو دين بهيئته النقية متحرر من الفساد أو الغش. وهذه إحدى الملامح المميزة لدين حضرة بهاء الله.
وبتلاشي نور الدين في هذا اليوم، تكون نبوءة حضرة بهاء الله في “الإشراق” الأول قد تحققت. فالهرج والمرج قد وقعا فعلاً، وامتنع نير العدل والإنصاف والأمن والإطمئنان عن الإشراق. وسوف تستمر هذه العملية وتزداد ظلمة آفاق العالم شدة حتى تتحق تحذيرات حضرة بهاء الله التي صدرت منذ أكثر من مائة عام مضت. لقد اقتبسنا هذه الفقرة من قبل:
إن العالم متقلب ويزداد تقلبه يوماً فيوماً ويتوجّه بوجهه إلى الغفلة والإلحاد، وهذا الأمر سيزداد شدة بحيث لا يقتضي ذكره. ويستمر الحال على هذا النهج لأيام طويلة. وإذا تمّ الميقات يظهر بغتة ما يرتعد به فرائص العالم إذاً ترتفع الأعلام وتغرد العنادل على الأفنان…(11)
تؤذن كلمات حضرة بهاء الله هذه بأن معاناة كبيرة تنتظر البشرية. من المهم هنا أن ندرك بأن حدوث هذه المعاناة ليس من قبيل الانتقام الإلهي، بل على العكس من ذلك، فهي كلها من صنع الإنسان والنتائج المترتبة على أعماله، ذلك لأن الله قد خلق الإنسان على صورته، مما يعني أنه أسبغ عليه صفاته، ومنحه أيضاً الإرادة الحرة، ووضع القوانين التي تحكم العلاقة بين كل الأشياء –السبب والنتيجة، الفعل ورد الفعل، الثواب والعقاب. هذه القوانين هي جزء من خلق الله، فحيثما يعيش الناس ويعملون متحدين، تكون النتيجة هي السلام والوئام، وحيثما يتجاهلون هذا المبدأ الأساسي وتقوم مجموعات من الناس ضد بعضها البعض، فالنتيجة هي الدمار والمعاناة. فلا يسرّ الله أن تموت الملايين في الحروب أو تهلك بالمجاعات. وكل هذه الأحداث المأساوية هي نتاج عصيان الإنسان لأحكام الله وتعاليمه التي أنزلت في هذا العصر.
وقد أكد حضرة بهاء الله في كثير من ألواحه بأن جزءاً كبيراً من المعاناة البشرية هي من صنع الإنسان. فيصرح في أحد الألواح(12) بأن أهل العالم محاطون بالعقاب بما اكتسبوا بعملهم، وفي كل فترة يتخذ هذا الجزاء شكلاً مختلفاً. في لوح آخر(13) يصرح حضرته بأن الله خلق كل الناس لعرفان ظهوره العظيم في هذا اليوم، لكن فشلهم في الاعتراف بأمره هو في حد ذاته جزاء لأعمالهم. إن الثواب والعقاب هما الدعامة الأساسية للمجتمع الإنساني، وهذه سُنة الخلق ولا يمكن تغييرها.
في لوح آخر(14) يعلن حضرة بهاء الله: “لمّا وجدنا الناس عبدة الظنون والأوهام من دون الله لذا اشتغلناهم بهم جزاء([14]) أعمالهم لعل يتنبهن بذلك خلق آخرين.”
ويصرح في لوح آخر:
“… ولو كان لها [الدنيا] عنده من قدر لم يؤتها على أعدائه قدر خردل ولكن اشتغالكم بها بما اكتسبت أيداكم في أمره وهذا عذاب لأنفسكم بأنفسكم على أنفسكم إن أنتم من الشاعرين. هل تفرحون بما أوتيتم بما لا قدر له عند الله وبه يمتحن عباده المتوهمين.”(15)
ولكن الغاية الرئيسة من ظهور حضرة بهاء الله هي أن تعمر أفئدة الناس بقدر من محبة الله وتوهب لنفوسهم روح الإيمان. وفقط عندما يحدث ذلك على نطاق عالمي، فإن المعاناة والمصائب التي صنعها الإنسان ستزول ويحل محلها السلام والصلح الأعظم الدائم. وعندما تبلغ الإنسانية هذه المرحلة العليا والتي تنمحي فيها أسباب الاختلاف والفرقة فإن البلايا والمحن سوف تقتصر على تلك التي قدّرها الله لكل فرد. إن المعاناة التي تأتي من الله لا غنى عنها للتنمية الروحية لنفس الإنسان، في حين أن المصاعب التي صنعها الإنسان أصبحت اليوم لا تطاق، فإن البلايا المقدرة من الله لا تفرض على نفس إلاّ في حدود طاقتها.
عديدة هي النصائح من حضرة بهاء الله لأتباعه في “لوح الإشراقات” يحثهم على اتباع تعاليم الله وأحكامه. والفقرة التالية منه، والتي توجد أيضاً في “لوح البشارات”، توضح طبيعة سمو هذه النصائح:
“يا أهل البهاء كنتم ولا زلتم مشارق محبة الله ومطالع عنايته فلا تدنسوا ألسنتكم بسب أحد ولعنه وغضّوا أبصاركم عما لا يليق بها. أظهروا ما عندكم فإن قبل فالمقصود حاصل وإلاّ فالتعرض باطل. ذروه بنفسه مقبلين إلى الله المهيمن القيوم. ولاتكونوا سبباً لحزن أحد فضلاً عن الفساد والنزاع عسى أن تتربّوا في ظل سدرة العناية الإلهية وتعملوا بما أراده الله كلكم أوراق شجرة واحدة وقطرات بحر واحد.”(16)
في كل “إشراق” من “لوح الإشراقات” أنزل حضرة بهاء الله بعض نصائحه عظيمة الشأن للبشر بصفة عامة، ولأتباعه بصفة خاصة. فيفرض على البشرية جمعاء إرساء الصلح الأصغر،([15]) ويحث أتباعه على العمل بما أراد الله، ويذكّرهم بأن نصرة أمر الله تتأتى من خلال “الأعمال والأخلاق المرضية”، ويوجّه وصايا خاصة لبيت العدل العمومي (الهيئة العليا التي سنّها حضرة بهاء الله وظهرت إلى حيز الوجود في عام 1963م)، ويؤكد على أن “أمور الملة معلقة ومنوطة برجال بيت العدل”، وإحالة كل “الأمور السياسية” إليه، وينص أن يُعتبر هذا التوجيه جزءاً “من الكتاب الأقدس”. وعلاوة على ذلك يؤكد أن العدل يقوم على “عمادين: المجازاة والمكافاة”. و”يوصي الكل بتعليم الأطفال وتربيتهم”، معلناً بأن دين الله قد نزل “لمحض اتحاد أهل العالم واتفاقهم”، ويمنع أتباعه من جعل الدين “سبب الاختلاف والنفاق”، ويدعو إلى استعمال لغة عالمية مساعدة، ويوكل أمرها إلى أمناء بيت العدل إمّا “أن يختاروا لساناً من الألسن الموجودة أو يبتدعوا لساناً”.
ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن حضرة بهاء الله أمر حكومات العالم في “لوح البشارات” باعتماد اللغة العالمية. ويمكن اعتبار هذين التصريحين، اللذين يبدوان متناقضين، على أنهما مرحلتان مختلفتان في عملية اعتماد اللغة العالمية المساعدة. ففي المرحلة الأولى سيتم تبني اللغة العالمية من قبل الحكومات، في حين أن المرحلة الثانية تؤجل إلى الوقت الذي يبرز فيه بيت العدل الأعظم كهيئة عليا لنظم حضرة بهاء الله العالمي ويُعترف بسلطته، عندئذ فقط يمكن أن تعيد النظر في اختيار اللغة إمّا بإبقاء ما اتفقت عليه الحكومات أو تغييرها كلياً.
في أحد ألواحه(17) المنزلة في عكاء، يشدد حضرة بهاء الله على أهمية اعتماد لغة عالمية مساعدة كما نصّ عليها في “الكتاب الأقدس”. ويذكر أن تنفيذ هذا الأمر سيوفر وسيلة للحفاظ على وحدة الجنس البشري، وسوف يسهل الاتصال والتفاهم بين شعوب العالم. وفي هذا اللوح نفسه يمتدح اللغة العربية مبرزاً ميزاتها وثراءها في التعبير والبلاغة، إذ ليس هناك لغة أخرى تضارعها بإمكاناتها الواسعة. ويذكر كذلك أن الله سيكون سعيداً إذا تكلمت كل شعوب العالم باللغة العربية، إلاّ أنه لا يفرض على الإنسانية اعتمادها لغة عالمية بالضرورة، بل يترك الخيار للمؤسسات المناسبة.
لم يتيسر حتى الآن التعرف على الشخص الذي أنزل في حقه “لوح البشارات”،([1]) لكن هناك دلالات تشير إلى أن اللوح في أغلب الاحتمال لم يكن موجهاً لشخص معين بل يخاطب فيه حضرة بهاء الله، بعد الديباجة، شعوب العالم. إن لهجة خطابه في جميع اللوح تشير إلى أن من المحتمل أنه كان موجهاً إلى البشرية جمعاء وليس لفرد بعينه.
يحتوي هذا اللوح على خمسة عشر بشارة. إن كثيراً من مواضيعه تتصل بالمعتقدات القائمة والممارسات المتداولة لدى أتباع الديانات السابقة، وأول هذه البشارات رفع حكم الجهاد الموجود في الإسلام. إن تعاليم حضرة بهاء الله، والتي تتمحور حول مبدأ المحبة والاتحاد بين شعوب العالم، تتعارض تماماً مع أي شكل من أشكال الحرب. ففي معظم ألواحه يصرح حضرة بهاء الله بأن أي عمل يسبب برودة بين الناس أو الحزن لهم، هو أمر غير مقبول في نظر الله في هذا اليوم.
في أحد الألواح(1) يبين خصال المؤمن الحقيقي وميزاته بقوله: “طوبى لنفس ورد فراشه ليلاً وكان قلبه مطهراً من الضغينة والبغضاء ويطلب الخير من الحق لمن في العالَم. إنه من أهل البهاء…” أمّا أتباع الديانات السابقة فهناك الكثير منهم ممن يجتنبون المنتمين للأديان الأخرى، إلاّ أن حضرة بهاء الله أوجب العكس، فيعلن في “لوح البشارات”:
“عاشروا يا قوم مع الأديان كلها بالروح والريحان.”(2)
في هذا اللوح يدعو حضرة بهاء الله إلى اعتماد لغة عالمية، وينصح ملوك العالم أو وزراءهم([2]) بأن يختاروا لغة جديدة أو إحدى اللغات المتداولة لهذا الغرض، ويؤكد حتمية إرساء الصلح الأصغر،([3]) ويحض أتباعه على الأمانة والصدق تجاه حكومات العالم، ويوصي بتفضيل النظام الملكي الدستوري على الرئاسي،([4]) ويأذن بدراسة “العلوم النافعة التي هي العلة والسبب في رقي العباد.” أما أن حضرة بهاء الله “يأذن” هنا فإن ذلك يرجع لحقيقة أن رجال الدين المسلمين، في تعصبهم، حرّموا دراسة العلوم الحديثة، وزعموا أن هذه العلوم شيطانية لأنها صدرت من أولئك الذين لا يؤمنون بالإسلام.
إن إحدى البشارات المتعلقة ببعض واجبات بيت العدل الأعظم موجودة أيضاً في “لوح الإشراقات”. في بعض كتاباته كان حضرة بهاء الله أحياناً يورد فقرات من ألواح نزلت سابقاً، لكن غالباً مع تغييرات طفيفة.([5])
ومن النعم العظيمة في هذه الدورة تحريم البطالة والكسالة باسم الدين. هناك كثيرون يعتقدون بأن الشخص الروحاني هو من ينقطع عن الدنيا ويعيش حياة زهد وانعزال. إن هذه الممارسات هي ضد تعاليم حضرة بهاء الله، فقد صرح في كثير من ألواحه بأن حياة التنسك لا تؤدي بالضرورة إلى الروحانية، بل لها تأثير عكسي. كما أن هناك فئة من الناس، من بينهم الزعماء الدينيون، الذين يقضون ساعات طويلة كل يوم في قراءة الكتب المقدسة أو الانغماس في أعمال مختلفة من العبادة. يصرح حضرة بهاء الله في أحد ألواحه(3) بأنه “لو انشغل نفسٌ كل عمره بالعبادة وبقي محروماً من الصفات التي يرتفع بها أمر الله فإن تلك العبادة لا فائدة منها ولن ينتج عنها أي ثمر.” لذا فإن تعاليم حضرة بهاء الله بهذا الخصوص تدعو كل إنسان للاهتمام الفاعل بهذه الحياة، والعمل على تحسين شؤون البشر والسعي دوماً لخدمة بني جنسه. بل إن حضرته في الواقع قد رفع منزلة العمل الذي يؤدى بروح خدمة الإنسانية، إلى درجة العبادة. هذه هي كلماته العليا في “لوح البشارات”:
“أنه ولو كانت أعمال حضرات الرهبان والقسيسين من ملة حضرة الروح([6]) عليه سلام الله وبهاؤه مقبولة عند الله إلاّ أنه يجب اليوم أن يخرجوا من الإنزواء إلى سعة الفضاء ويشتغلوا بما ينفعهم وينتفع به العباد وأذنا الكل بالتزوج. ليظهر منهم من يذكر الله رب ما يُرى وما لا يُرى ورب الكرسي الرفيع.”(4)
وكذلك قوله:
“قد وجب على كل واحد منكم الاشتغال بأمر من الأمور من الصنائع والاقتراف وأمثالها. وجعلنا اشتغالكم بها نفس العبادة لله الحق. تفكروا يا قوم في رحمة الله وألطافه ثم اشكروه في العشي والإشراق. لا تضيعوا أوقاتكم بالبطالة والكسالة واشتغلوا بما تنتفع به أنفسكم وأنفس غيركم كذلك قضي الأمر في هذا اللوح الذي لاحت من أفقه شمس الحكمة والبيان.
أبغض الناس عند الله من يقعد ويطلب، تمسكوا بحبل الأسباب متوكلين على الله مسبب الأسباب. فكل من يشتغل بصنعة أو احتراف ويعمل بها يُعدّ عمله عند الله نفس العبادة. إن هذا إلاّ من فضله العظيم العميم.”(5)
من الممارسات الأخرى التي أبطلها حضرة بهاء الله هي الاعتراف بالخطايا والذي يمارس في بعض الكنائس. هذه هي كلماته الخاصة النازلة في “لوح البشارات”:
“يجب على العاصي أن يطلب العفو والمغفرة حينما يجد نفسه منقطعاً عمّا سوى الله. ولا يجوز الاعتراف بالخطايا والمعاصي عند العباد لأن ذلك لم يكن ولن يكون سبباً للغفران أو العفو الإلهي بل الاعتراف لدى الخلق سبب للذلة والهوان. ولا يحب الحق جل جلاله ذلة عباده. إنه هو المشفق الكريم. ينبغي للعاصي أن يطلب الرحمة من بحر الرحمة فيما بينه وبين الله ويسأل المغفرة من سماء الكرم…”(6)
تقليد آخر لا يوافق حضرة بهاء الله عليه هو القيام برحلات طويلة لزيارة مراقد الموتى. إن أغلب المسلمين يعتقدون أن هذه الممارسة تفضي لمغفرة الخطايا ويعتبرونها وسيلة لكسب مرضاة الله، فهم يتوسلون بالميت لكي يتوسط لهم تحقيقاً لرغباتهم في هذه الحياة. وفي الأيام الخوالي كانت هناك حركة كبيرة في مختلف المدن حيث توجد مراقد القديسين. كان هناك فقراء بين المسافرين وغالباً ما يضطرون إلى السير مسافات طويلة تغطي مئات الأميال. يصرح حضرة بهاء الله: “فإن دفع أولو السعة والقدرة مصاريف ذلك إلى بيت العدل فهو مقبول ومحبوب عند الله، نعيماً للعاملين.”
إن عدم رضاء حضرة بهاء الله عن الرحلات الخاصة لزيارة مراقد الموتى لا يعني أنه لا توجد أي قيمة روحية في الدعاء عند هذه الأماكن. بل على العكس من ذلك، فإن تعاليم حضرة بهاء الله لتؤكد على النعم العظيمة التي قد تنزل على المرء من خلال تأثير الأرواح الراحلة المقدسة. في أحد ألواحه(7) يصرح حضرة عبد البهاء بأنه “لو قام نفس بالدعاء عند مراقد أحباء الله المقربين لدى ساحة الكبرياء فإنه سيصبح مهبطاً لتأييدات الاسم الأعظم [حضرة بهاء الله] وذلك نظراً للعنايات الإلهية تجاه أولئك الأحباء.” وفي لوح آخر(8) يصرح بأن “البقاع المقدسة مستحقة للتعظيم والتكريم لأنها منتسبة إلى شخص جليل، ولكن هذا التعظيم والتكريم لا يعود للجسد الترابي بل للروح الطاهرة، فهي مقدسة عن جميع الأشياء المادية. ولكن لمّا كانت الروح مرتبطة بالجسم الترابي في وقت من الأوقات، فمن الطبيعي وجوب احترام رفات المقدسين… إلاّ أنه ليس من الجائز طلب العون والعناية والحفظ والصيانة من أي مصدر سوى الجمال المبارك.”
يفسر حضرة عبد البهاء في لوح (9) الفرق بين السفر من بلد إلى آخر مع نية محددة لزيارة القبور (وهو تقليد لا يجيزه حضرة بهاء الله) وبين زيارة من هم دفنوا قريباً في بلد الشخص الزائر أو تصادف مروره بها في مكان آخر، وهي النوع من الزيارة التي تشجعها التعاليم البهائية. على سبيل المثال، زيارة قبور الشهداء وعظماء مبلّغي أمر الله من شأنها جذب البركات السماوية. في الواقع، إن كلاً من حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء قد أنزلا ألواح زيارة خاصة لإفراد محددين بعد وفاتهم، ويقصد تلاوتها عند زيارة قبورهم. وفي بعض الحالات كان حضرة عبد البهاء يبعث أحد البهائيين لزيارة قبر مؤمن مخلص وتلاوة لوح زيارة خاص نيابة عن حضرته.
إن نهي حضرة بهاء الله عن شد الرحال خصيصاً لزيارة أضرحة الموتى لا تعني بأي حال الحج إلى المقامات البهائية المقدسة، الذي يتطلب عادة قيام الشخص الزائر بالسفر مسافات طويلة. على العكس من ذلك، فإن حضرة بهاء الله قد فرض على من يستطيع من المؤمنين حج بيت حضرة الباب في شيراز وبيته (الأعظم) في بغداد،([7]) وفق شعائر أمر بإجرائها خلال الحج. لكن زيارة مرقدَي حضرة بهاء الله وحضرة الباب ليس فيها شعائر معينة وهي تعتبر من أعظم البركات التي تفوز بها نفس على هذه الأرض.
ومن الأحكام الأخرى التي نسخها حضرة بهاء الله في “لوح البشارات” هو محو الكتب. في ذلك إشارة إلى نصيحة حضرة الباب في “البيان” داعية أتباعه لإتلاف كتب القبل، استناداً إلى أن الظهور الجديد يشتمل على كل ما سبقه من ناحية وأن كتب الدورات السابقة قد نسخت وبطلت بنزول الوحي الجديد. هذا علماً بأن بعض أحكام حضرة الباب كانت شديدة وقاسية، وذلك نظراً لطبيعة رسالته، والتي استلزمت إطلاق الطاقات الروحية الهائلة على مدى دورة قصيرة بنحو غير عادي، كانت أشبه بشحنة من قوة جبارة توجه إلى جسم بضربة واحدة سريعة. فقد أثبت تأثير ظهور حضرة الباب في إيران على كونه من شدة الحيوية والأثر الانقلابي مما اهتزت له البلاد بأسرها من أعماقها، إذ نسخت أحكام القرآن الكريم دفعة واحدة. فدورة النبوءات التي جاءت خلالها عدة مظاهر إلهية قد انتهت الآن وآن الوقت لفرض أحكام جديدة، كان بعضها شديداً، ولكن في الوقت نفسه صدر وعد الإشراق الوشيك ليوم الله بعبارات بينات لا لبس فيها، وبالتالي خلق في أتباعه المخلصين اهتياجاً عظيماً وملأ قلوبهم بإحساس عميق بالرهبة والخشوع والعجب. لكن في الواقع إن كثيراً من تلك الأحكام لم تنفذ، ويعود ذلك إلى انتهاء الدورة في ظرف فترة قصيرة جداً من الزمن. لقد ترك نسخ الأحكام القديمة إضافة لشدة الأحكام الجديدة، وقعاً عميقاً في نفوس البابيين كان من شأنه أن حفزهم للعمل وفي الوقت نفسه مهد الطريق لمجيء “من يظهره الله”.
كتب حضرة شوقي أفندي التعليق التالي بخصوص شدة بعض أحكام حضرة الباب:
“…إن الأحكام والفرائض الشديدة التي أتى بها حضرة الباب يمكن تقييمها وفهمها بنحو صحيح فقط عندما تفسر وفق تصريحاته بشأن طبيعة وغاية وخصوصية دعوته وظهوره نفسه. وكما تكشف هذه التصريحات بوضوح، فإن الدورة البابية كانت في طبيعتها ثورة دينية واجتماعية حقاً، وعليه تحتم أن تكون ذات عمر قصير ولكن حافلة بالأحداث المأساوية والإصلاحات المتطرفة الجارفة. وهذه الإجراءات العنيفة التي طبقها حضرة الباب وأتباعه اتُخِذَت بهدف تقويض أسس الشيعة الأصولية وبذلك يتمهد الطريق لمجيء حضرة بهاء الله. وإثباتاً لاستقلال الشريعة الجديدة من جهة، واستعداداً للظهور الوشيك لحضرة بهاء الله من جهة أخرى تعيّن على حضرة الباب إنزال أحكام شديدة، ولو أن معظمها لم يُعمل بها. لكن مجرد حقيقة إنزاله إيّاها لهو دليل قائم على طبيعة دورته المستقلة، وكان ذلك كافياً لخلق مثل ذلك الهياج، واستثارة مثل تلك المعارضة لدى رجال الدين مما أدى بهم إلى التسبب باستشهاده أخيراً.”(10)
إن في ملاحظات حضرة بهاء الله الختامية في “لوح البشارات” دلالة على أهمية هذا اللوح وغيره من الألواح المشابهة النازلة بعد “الكتاب الأقدس”، تلك الألواح التي تحدد التعاليم والمبادئ الأساسية لدينه.
“ولمّا كان من المحقق الثابت في المذاهب السابقة حكم الجهاد ومحو الكتب والنهي عن معاشرة الملل ومصاحبتهم والنهي عن قراءة بعض الكتب نظراً لمقتضيات ذلك الوقت لذا أحاطت مواهب الله وألطافه في هذا الظهور الأعظم والنبأ العظيم ونزل الأمر المبرم من أفق إرادة مالك القدم بنسخ ما سبق ذكره من هذه الأحكام. نحمد الله تبارك وتعالى على ما أنزله في هذا اليوم المبارك العزيز البديع. فلو كان لكل فرد من جميع البشر مائة ألف لسان وينطق بالشكر والحمد إلى اليوم الذي لا آخر له لا يعادل جميع ذلك بحق عناية من العنايات المذكورة في هذه الورقة. يشهد بذلك كل عارف بصير وكل عالم خبير.“(11)
نزل “لوح الطرازت”([1]) في حق أحد المؤمنين ممن لم تعرف هويته بعد. في هذا اللوح، كما هو شأن وأسلوب الألواح آنفة الذكر، أي “الإشراقات” و”البشارات” و”التجليات”، أنزل حضرة بهاء الله بعض خيرة تعاليمه ومواعظه. إن ألواح حضرة بهاء الله زاخرة دوماً بالدلالات. فكل سطر وكل كلمة من كتاباته طافحة بالمعاني،([2]) بعضها يمكن فهمها بسهولة بينما البعض الآخر تنجلي للمؤمن عن طريق الصلاة والتأمل والانقطاع عن كل الأمور الدنيوية.([3]) إن الفقرات الاستهلالية لهذا اللوح تنطوي على مستويات عدة من المعاني.
بسمي المهيمن على الأسماء
“حمداً وثناء يليق وينبغي لمالك الأسماء وفاطر السماء الذي ظهر وتموج بحر ظهوره أمام العالم ولم تحتجب شمس أمره ولم يتطرق المحو إلى ثبوت كلمته ولم تمنعه عما أراد مقاومة الجبابرة ولا ظلم الفراعنة جل سلطانه وعظم اقتداره.
سبحان الله لا يزال العباد مشاهدين في جهل وغفلة بل معرضين. مع أن الآيات قد أحاطت الآفاق وظهرت الحجة ولاح البرهان كالنور الساطع من كل الجهات. وياليتهم اكتفوا بالإعراض بل إنهم تشاوروا في كل حين ولا يزالون يتشاورون على قطع السدرة المباركة. ومن ابتداء الأمر بذل الذين اتبعوا النفس والهوى جهدهم على إطفاء النور الإلهي بالظلم والاعتساف. ولكن الله منعهم وأظهر النور بسلطانه وحفظه بقدرته إلى أن أشرقت الأرض والسماء بضيائه وإشراقه. له الحمد في كل الأحوال.“(1)
إن التمعن بقراءة هذه البيانات يوضح الفرق الشاسع بين رؤية حضرة بهاء الله ورؤية البشر. فبينما كان في الظاهر منفياً يعيش حياة تقشفية، مسجوناً في إحدى أخرب مدن الدنيا ويعارضه طاغيان قويان من ملوك العالم الإسلامي، بينما يرزح أتباعه تحت اضطهاد شديد، وهو نفسه هدفاً لهجمات الأعداء من الخارج والداخل، وأمر دعوته في مغمورية تامة كما كان شخصه مجهولاً لدى عموم أمم العالم وشعوبه، لكن مع كل ذلك نجد أن رؤية حضرة بهاء الله لأمره كانت من الرفعة والمجد بحيث أشار في الفقرة أعلاه إلى أن بحر ظهوره يتموج “أمام العالم”.
بحكم عرفانه حقيقة بعثته ولكونه نيّر الظهور الإلهي، فإنه كان يرى النهاية في البداية. وبينما الآخرون لا يستطعيون ملاحظة شيء غير الظلمات المحيطة بالعالم، كان حضرته يشهد أنوار شمس الحقيقة تغمر الأرض. وفي إعلان هذه البشارات، فإنه يصرح بغلبة أمره بهذه الكلمات: “ولكن الله منعهم وأظهر النور بسلطانه وحفظه بقدرته إلى أن أشرقت الأرض والسماء بضيائه وإشراقه.”
وقد يعزى هذا التباين إلى حقيقة أنه في نظر الله لا يوجد ماضٍ وحاضر ومستقبل، فالثلاثة شيء واحد بالنسبة له. وقد نقدّر هذا إذا درسنا العلاقة بين الشمس وكوكب الأرض. فبالنسبة لأولئك الذين يعيشون على الأرض هناك مفهوم للزمن بالنسبة للشمس. لكن لو أمكن للمرء أن يعيش على الشمس فإنه لن يكون هناك أي مرور للوقت كما هو معروف على وجه الأرض. بالنسبة لمظهر أمر الله ومعرفته بالمستقبل فإنه أشبه بالمزارع الخبير إذ يرى ويعلم ببصيرة عقله أن في البذرة الصغيرة شجرة ضخمة محملة بالثمار، فهو يعلم أنه حالما يزرعها فإن تلك البذرة ستبدأ بالنمو لتتحول إلى شجرة.
هناك الكثير من القصص المنسوبة لكل من حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء وحضرة شوقي أفندي التي توضح هذه النقطة. على سبيل المثال، ما خلّفه الدكتور حبيب مؤيد للأجيال التالية في مذكراته، والتي يصف فيها بعبارات جلية رؤية حضرة عبد البهاء حول مستقبل جبل الكرمل وضريح حضرة الباب. عندما نطق حضرة عبد البهاء بهذه الكلمات، كان جبل الكرمل كومة من الحجارة وغير مأهول، واليوم تحقق الكثير من رؤياه.
في إحدى المناسبات عندما كان حضرة عبد البهاء يتجول في الحدائق المجاورة للمقام الأعلى (مقام حضرة الباب) صار يركز بصره عبر البحر صوب عكاء لبرهة من الزمن. وبعد لحظات قليلة من الصمت تفضل قائلاً: ‘لقد شاهدت أماكن كثيرة في العالم، لكن لا يوجد في أي مكان من صفاء الهواء وجمال المناظر ما هو موجود حول المقام الأعلى.([4]) لن يمضي من الوقت كثير قبل أن يصبح هذا الجبل آهلاً بالسكان. ستقام عليه عدة مبان أنيقة. والمقام الأعلى سيشيد بأجمل طراز وسيبدو بغاية الجمال والروعة. وسوف تبنى شرفات على الجبل من أسفله إلى قمته. تسع شرفات ما بين أسفله والمقام، تليها تسع شرفات بين المقام والقمة. وستقام حدائق تزينها أزهار زاهية الألوان في كل من تلك الشرفات. وسوف يعبّد طريق منفرد محفوف بمفارش أزهار يربط شاطئ البحر بالمقام. أمّا الحجاج القادمون بالسفن فسيمكنهم مشاهدة قبة المقام الأعلى على مسافة بعيدة من الساحل. وسوف يفد ملوك الأرض والملكات، ويصعدون عراة الرؤوس سيراً فوق هذا الطريق حاملين باقات الزهور. وعند المقام سوف يطأطئون الرؤوس ويسجدون لدى العتبة المقدسة…([5])’(2)
ويذكر الراوي نفسه عن حضرة عبد البهاء قوله في مناسبة أخرى، حول الموضوع ذاته، لمجموعة من الأحباء في الأرض الأقدس:
“… إن مستقبل جبل الكرمل مشرق جداً. يمكنني الآن رؤيته مغموراً في هالة من الأنوار، ويمكنني رؤية سفن كثيرة راسية في ميناء حيفا، وأرى ملوك الأرض وفي أيديهم الأزهار والورود وهم يسيرون خاشعين صوب مقامَي حضرة بهاء الله وحضرة الباب بنهاية الخلوص وفي حالة تعبد وضراعة. وحينما وضعوا على رأس المسيح تاجاً من الشوك، كان حضرته يرى ملوك الأرض ينحنون أمامه، ولكن الآخرين لم يستطيعوا رؤية ذلك.
ويمكنني الآن أن أرى ليس فقط المصابيح القوية التي تغمر بنورها الساطع هذا الجبل، بل أيضاً بيوت العبادة والمستشفيات والمدارس وملاجئ العجزة وسائر المؤسسات الإنسانية وقد شيدت على جبل الكرمل([6]).”(3)
إن هذه النبوءات، التي تحقق الكثير منها، تبين بوضوح أن أصفياء الله يرون الماضي والمستقبل في الحاضر، وكل ما يمكن لجيل غافل أن يكيل لحضرته من اضطهادات لن تردعه عن تنفيذ هدفه. فهو يتكلم ويتصرف بسلطان وثقة لأنه يرى النصر في لحظات الانكسار، والعزة والمجد في حالات المذلة والهوان. وبوجود مؤمن واحد في بلد يمكنه أن يرى غالبية سكانه وقد اعتنقوا أمر الله، وفي النهاية تتحقق كافة رؤاه ونبوءاته، ويتوج هو وأمره بإكليل النصر والظفر بينما يشيع أمره بين الكثير من الأمم.
هذه هي قصة كافة المظاهر الإلهية. في هذا اليوم نجد أن دين حضرة بهاء الله، رغم معارضة أعدائه ومقاومتهم، قد انتشر في ربوع الأرض. وقد شجع حضرة شوقي أفندي، ولي أمر الله، المؤمنين على الهجرة إلى الأقاليم البكر – غير المفتوحة لأمر الله – من العالم. وبوصول كل مهاجر إلى مقره هناك كان يشيد بذلك الحدث التاريخي معتبراً إيّاه الفتح الروحاني لذلك القطر، ومسمياً المهاجر البهائي فاتحه. وكان يرى في وجود المؤمن في موقع الهجرة اعتناق البلد برمته لأمر الله. بعبارة أخرى كان البستاني الروحاني الخبير والملهم من حضرة بهاء الله. قام بزرع بذور أمر الله في عدة بقاع، ومن البداية كان يرى اكتمال نموها في النهاية في شجرة عظيمة.
هناك جملة في الفقرة الافتتاحية من “لوح الطرازات” ذات مغزى في مضامينها:
“… ولم تحتجب شمس أمره ولم يتطرق المحو إلى ثبوت كلمته…”(4)
إن كل شيء مستمد من ظهور حضرة بهاء الله، سواء كانت كلماته أو تعاليمه أو أحكامه أو عهده وميثاقه، قد نزل بالإيجاب. بينما كل ما يأتي من أعداء أمر الله وناقضي عهده وميثاقه فهو سلبي. وفي “لوح سلمان” يبين حضرة بهاء الله كيف أن في الدورة الإسلامية تغلب حرف النفي على الإثبات وسبقه. كانت النتيجة أن أولئك الذين اتبعوا محمداً ﷰ ولكن لم يقبلوا تنفيذ رغبته ونصحه بشأن تعيين خليفة له – بعد صعوده من هذا العالم – كانوا قد تسلطوا على بقية المؤمنين وحكموهم قروناً عديدة. وفي ذلك اللوح نفسه يبين حضرة بهاء الله أسباب ذلك مؤكداً بشكل قاطع بأنه في هذه الدورة قد أزال حرف النفي واستبدله بحرف الإثبات، أي أنه قد ضمن عدم استطاعة أعداء أمر الله، وعلى الخصوص ناقضي عهده وميثاقه، من التسلط والحكم على جامعة الاسم الأعظم. لأن هذا “يوم لن يعقبه الليل”، كما أكد حضرة بهاء الله هذا الوعد.
إن موضوع “الإثبات” و”النفي” عميق وشيّق، لكن بحثه زيادة عن هذا يعتبر تكراراً لما ورد في مجلد سابق.([7])
في الفقرة الافتتاحية نفسها يشير حضرة بهاء الله إلى “مقاومة الجبابرة” و”ظلم الفراعنة”. وغالباً ما ترد هذه المصطلحات في كتاباته. في أحد ألواحه(5) النازلة سنة 1882–1883م، يصرح بشكل قاطع أن ما يوجد في كتاباته من مصطلحات مثل “الحجبات والسبحات” و”الفراعنة” و”الجبابرة” و”مظاهر الظلم” وكل كلمة أخرى يُشتمّ منها “نفحة القهر”، إنما يقصد بها علماء الأرض([8]) (رجال الدين) في العالم أجمع، والذين “يشاهَدون وهم محرومون من الصراط المستقيم”.
إن كثيراً من الموضوعات الواردة في “لوح الطرازات” قد بحثت في الفصول السابقة، وتشمل هذه الفقرةَ الشهيرة عن الأمانة،([9]) ونصائح حضرة بهاء الله لأتباعه بمعاشرة جميع قبائل الأرض وشعوبها، والأمر بدراسة الفنون والعلوم. في هذا اللوح يقرر حضرة بهاء الله: “لأن اليوم كل ما يقلل من العمى ويزيد في البصيرة هو اللائق بالالتفات.”(6) ويصرح كذلك: “ووعي العقل عند أصحاب الحكمة إنما هو من العين البصيرة.” ينصح أتباعه بالعمل بما يليق بمكارم الأخلاق قائلاً: “طوبى لنفس تزينت بصفات الملأ الأعلى وبأخلاقهم. عليكم بمراعاة العدل والإنصاف في جميع الأحوال.” ويعظهم بألاّ ينكروا فضل أحد واستحقاقه، وأن يحترموا أرباب الفنون والصنائع من أهل الغرب ويقدروا النعمة حق قدرها، كما ينهاهم عن تدنيس ألسنتهم “ببذيء الكلام”.
في هذا اللوح أيضاً يلاحظ حضرة بهاء الله بأسف أن “الاستقامة والصدق في هذه الأيام واقعين تحت مخالب الكذب، والعدل معذّب بسياط الظلم.” وأن “أحاط العالم دخان الفساد بحيث لا يرى من الجهات إلاّ الصفوف ولا يسمع من الأرجاء إلاّ صليل السيوف.” ويعلق على ظهور الصحف السيارة واصفاً إيّاها بـ”مرآة العالم”، وموجِّهاً لمحرريها قواعد أدبية خلقية ليلتزموا بها في أداء مهمتهم بقوله: “ولكن ينبغي لمحررها أن يكون مقدساً عن أغراض النفس والهوى ومزيناً بطراز العدل والإنصاف ويتحرى الأمور بقدر مقدور حتى يطلع على حقائقها ثم ينشرها.” وما أعظم الفرق بين هذه المبادئ التوجيهية والنظام السائد في الوقت الحاضر!
ونحو نهاية اللوح يوجه حضرة بهاء الله انتباهه، كما يفعل في ألواح أخرى شتى، إلى أهل البيان الذين اتبعوا أهواءهم وأعرضوا عن أمر حضرة بهاء الله الذي أشار إليه حضرة الباب بـ”من يظهره الله”. يخاطب حضرة بهاء الله في هذا اللوح بصفة خاصة هادي دولت آبادي، الذي كان آنذاك وكيلاً عن ميرزا يحيى في إيران وأصبح خليفته فيما بعد. وقبل ذلك كان من رجال الدين المسلمين في إصفهان واعتنق أمر حضرة الباب في الأيام الأولى للدعوة ثم اتبع ميرزا يحيى عندما ادعى الأخير أنه خليفة حضرة الباب. استطاع هادي، بما كان عليه من نفس طموحة فاسدة، أن يضلل عدداً من البابيين لاتّباع ميرزا يحيى. فقد بث في عقول مؤيديه كثيراً من الافتراءات عن حضرة بهاء الله وأمره. ورغم قلة عدد الذين غرر بهم واتبعوا ميرزا يحيى، إلاّ أن حضرة بهاء الله لم يحرمهم من فيض عناياته واستمر يدعوهم في صفحات ألواح لا حصر لها وبمحبة خالصة لكي يحيدوا عن طريق الخطأ والزلل ويقبلوا إلى أمر الله. كذلك يتوجه بالخطاب في عدة ألواح، كما في هذا اللوح، إلى هادي داعياً إيّاه ليفتح عينيه لمعرفة الحقيقة. لكن تحذيرات حضرة بهاء الله لم تلق آذاناً صاغية.
في “لوح الطرازات” يخاطب حضرة بهاء الله أتباع ميرزا يحيى، بهذه الكلمات:
“يا أهل البيان إن المانع والحاجب كانوا نفوساً مثل هادي دولت آبادي من أرباب العمائم والعصي غرّوا الناس المساكين وابتلوهم بالأوهام حتى أنهم ينتظرون إلى الآن ظهور شخص موهوم من مكان موهوم. فاعتبروا يا أولي الألباب.”(7)
في هذه الفقرة يحذر حضرة بهاء الله أهل “البيان” من أن هادي يسعى لتضليلهم كما أضلّ رجالُ الدين المسلمون ملّةَ الإسلام. فأوهموا أهل الشيعة بالاعتقاد أن القائم الموعود لبث حياً أزيد من ألف سنة في مدينة تحت الأرض لا سبيل لأحد في الوصول إليها. ويعد رجال الدين أتباعهم بأن هذا الشخص الوهمي سيخرج من هذا المكان الموهوم في يوم من الأيام ويحكم على المؤمنين.
ويذكّر حضرة بهاء الله في هذا اللوح هادي بفعلته المخزية عندما ارتد عن عقيدته. ويشير حضرته لهذا بتأنيبه لكونه ذا وجهين. وهذه هي كلماته:
“يا هادي كن في سبيل الله ذا وجه واحد فلا تكن عند المشركين مشركاً وعند الموحدين موحِّداً. تفكّر في الذين أنفقوا أرواحهم وأموالهم في تلك الأرض لعلك تعتبر وتنتبه من رقدتك. إن الذي يحفظ جسده وروحه وما عنده خير أم الذي أنفق كلها في سبيل الله أنصف ولا تكن من الظالمين. تمسّك بالعدل وتشبّث بالإنصاف عسى أن لا تجعل الدين شركاً للاصطياد ولا تغمض عينيك عن الحق ابتغاء الدينار.”(8)
في عام 1306ﻫ (1888م) كان أحد المؤمنين المعروفين، واسمه ميرزا أشرف،([10]) قد استشهد في إصفهان. بعد فترة وجيزة طالبَ مجتهد المدينة، الشيخ محمد تقي، الذي عُرف بـ”ابن الذئب”، بموت هادي، والذي سرعان ما صعد إلى منبر جامع في إصفهان وأنكر اعتقاده – بالبابية – علناً. بل أتبع إنكاره هذا بسلسلة من القذف واللعن، بأرذل العبارات، موجهة لكل من حضرة الباب وحضرة بهاء الله. عندئذ رضي عنه الشيخ محمد تقي وأسقط عنه تهمة الانتساب إلى البابية. وقد أشيعت ونشرت أخبار ارتداده في أرجاء المدينة وبلغت أسماع البعيد والقريب.
وفي اللوح المعروف بـ”الكلمات الفردوسية”([11]) يشير حضرة بهاء الله إلى هادي بهذه الكلمات:
“يشاهَد المعرضون من أهل البيان بمثابة حزب الشيعة. ويمشون على قدمهم. ذروهم في أوهامهم وظنونهم إنهم من الأخسرين في كتاب الله العليم الحكيم. فجميع علماء الشيعة مشتغلون الآن على المنابر بسبّ الحق ولعنه فسبحان الله إن دولت آبادي أصبح أيضاً متابعاً لهؤلاء فارتقى على المنبر وتكلّم بما صاح به اللوح وناح القلم. تفكّروا في عمله وعمل أشرف عليه بهائي وعنايتي. وكذلك تفكّروا في الأولياء الذين قصدوا بهذا الاسم مقر الفداء وأنفقوا أرواحهم في سبيل مقصود العالمين.”(9)
وعلى الرغم من تصرفه المخزي هذا، والذي نوقش على نطاق واسع في مختلف الدوائر في البلاد، استمر هادي في قيادته للأزليين، أتباع ميرزا يحيى في إيران. ولعدة سنوات استمر قلم حضرة بهاء الله بتوجيه النصح إلى هادي حاضاً إيّاه على تغيير أساليبه، وهذه بضعة أسطر مقتبسة من فقرات مسهبة في “لوح الطرازات” تعظه باتّباع طريق الحق:
“يا هادي اسمع نداء الناصح الأمين وتوجّه من الشمال إلى اليمين ومن الظن إلى اليقين ولا تكن سبباً للإضلال. فالنور مشرق والأمر ظاهر والآيات قد أحاطت الآفاق. ولِّ وجهك شطر الله المهيمن القيوم. دع الرئاسة لوجه الله واترك الناس وشأنهم لأنك غير خبير ولا مطّلع على أصل الأمر.”(10)
وسرعان ما انتقل هادي دولت آبادي إلى عالم من الخزي والانقراض. ومع أن نفوذه فشل فشلاً ذريعاً في تقويض أساس أمر الله، إلاّ أنه عمل على تلطيخ سجلات تاريخ الدين وسلّح ثلة ضئيلة من النفوس الضالة ممن قاموا على معارضة مظهر الله الأعظم. ويشبه هذا العمل تحدي الظلام للشمس.
منذ الأيام الأولى لمولد أمر الله قام عدد من المؤمنين البارزين بالتبليغ الجوال في ربوع إيران. وفي وقت ورود حضرة بهاء الله مدينة عكاء، كانت دعوته قد نفذت في بلدان مجاورة قليلة وأنار قلوب بعض سكانها بضيائه. وقرابة نهاية ولاية حضرة بهاء الله كان أمر الله قد دخل إلى أراضي خمسة عشر قطراً من الأقطار الإسلامية بصفة رئيسة والممتدة بين تركمانستان شرقاً ومصر والسودان غرباً. من بين مبلّغي أمر الله الذين سافروا خلال هذه الأصقاع، عدد من البهائيين البارزين مثل النبيل الأكبر وميرزا أبو الفضل.
إلى شبه القارة الهندية الشاسعة، التي يتألف معظم سكانها من غير المسلمين، بعث حضرة بهاء الله المبلّغ المتجول المشتعل سليمان خان التُنُكاباني الذي لقّبه حضرته بـ”جمال الدين” ويشار إليه عادة باسم جمال أفندي. جاء من إقليم مازندران في شمال إيران، وكان نشاطه البهائي قد بدأ في طهران حين انتقل إليها سعياً للحصول على وظيفة هامة في الأوساط الحكومية، وهناك تعرّف على أمر الله وأصبح مؤمناً متحمساً. ونفذ حب حضرة بهاء الله إلى شغاف قلبه وصار شعلة وضاءة بالإيمان، وهكذا تبدلت كل خططه وآماله تبدلاً تاماً. وأول ما فعله ارتداؤه زي الدراويش،([1]) وهو أنسب زي لشخص يريد الطواف بحُرية ويسر في البلاد. كان سليمان خان يشعر بدافع قوي للتوجه إلى عكاء والفوز بلقاء مولاه. فشرع بالسفر صوب الأرض الأقدس عن طريق تبريز. وأخيراً نال مقصده وحقق أمنية قلبه حيث استمتع بدفء أنوار محضر حضرة بهاء الله.
عند انتهاء فترة زيارته لم يعد إلى إيران، بل طفق يطوف في أرجاء الممالك العثمانية لوقت طويل. فهدفه، وهو رجل متحضر متعلم ويرتدي زي الدراويش، أن يصبح واسطة انجذاب نفوس كثيرة في تلك الأصقاع الشاسعة عسى أن يتمكن من تبليغ أمر الله بينهم.
يصرح الشيخ كاظم سمندر([2]) بأنه التقى بسليمان خان في إسطنبول عام 1291ﻫ (1874م) حينما كان الأخير يطوف البلاد عقب تشرفه بمحضر حضرة بهاء الله. ويكتب سمندر عن ذلك:
كانت نيته [أي سليمان خان] من وراء زي الدراويش الذي تقمص به هو أن يتمكن من نشر النفحات الإلهية وتبليغ أمر رب الآيات في تلك الأطراف. لكنه أدرك تدريجاً، بمخالطته مع عامة الناس، بأنهم لم يكونوا آنذاك مستعدين لقبول أمر الله. كما أن نشاطاته لم تنسجم ومتطلبات الحكمة. وعليه عاد إلى عكاء وحظي بمحضر الجمال المبارك. ومن ثم توجه إلى الهند…(1)
قبل هذا الحدث ببضع سنوات كان بعض أفراد أسرة الأفنان قد أسسوا شركة تجارية وفيما بعد مطبعة تحمل علامة تجارية باسم “ناصري” في مدينة بومبى بالهند. كانت هذه أول دار نشر بهائية في العالم البهائي تباشر بطبع مجلدات من الكتابات البهائية. نتيجة لهذا المشروع أصبحت بومبى مكاناً يلتقي فيه البهائيون سيما الحجاج الإيرانيون القاصدون عكاء، والعائدون منها. ولما وجد الأفنان استعداداً لدى الهنود للإقبال إلى أمر الله، التمسوا من حضرة بهاء الله إرسال مبلّغ بهائي مطّلع وخبير إلى الهند، مبدين استعدادهم لتقديم العون المالي دعماً لهذا العمل الممدوح.
تصادف وصول التماسهم في فترة وجود سليمان خان في عكاء، فاختاره حضرة بهاء الله لهذا الهدف وأشار عليه بالذهاب إلى الهند لتبليغ أمر الله في شبه القارة الشاسعة تلك. بقلب مسرور ووجه نيّر انطلق هذا الرجل التقي الكهل إلى الهند بزي الدراويش، وقد أضاف على مظهره الخارجي هيبة بارتداء عباءة طويلة ونوع خاص من العمامة تعرّفه فوراً على أنه من رجال العلم وقادة الفكر. اصطحب معه أحد أقربائه، ميرزا حسين، رفيقاً له، ووصل بومبى سنة 1878م، قرب فترة انتقال حضرة بهاء الله إلى المزرعة، ومن هناك ابتدأ نشاطاته التبليغية. جاب أنحاء واسعة من الهند، ثم ذهب إلى سيلان حيث واجه معارضة شديدة من قبل زعماء البوذيين، وفي سيلان توفي قريبه. بعد ذلك توجه إلى بورما في زيارة قصيرة ومضى في تبليغه السيار لأكثر من عشر سنوات. خلال هذه الفترة تمكن من ملاقاة العديد من قادة الفكر والمثقفين من مختلف المشارب والملل. عاش خلال أسفاره مع الناس بروح من الصداقة والود الخالص، فضلاً عن خلقه اللطيف وحسن معاملته وأحاديثه الجذابة واستماعه الوقور لمحدثيه، كل ذلك ساهم في نجاحه بمهمته في ميدان التبليغ.
كان يقصده أناس من كل مدارج الحياة، وقد عرفوه باسم جمال أفندي والذي صار لهم مصدر استنارة وبركة روحانية. قام بنشر “الوديان السبعة” بالفارسية ووزعها لأشخاص معينين. وقد نجح في اجتذاب نفوس كثيرة إلى أمر الله، صار بعضهم من المؤمنين المتحمسين، بينما ظل آخرون مجرد معجبين بأمر الله طوال حياتهم. وقد وجه إليه حضرة بهاء الله عدة ألواح تشجيعية، مباركاً عمله ومطمئناً إيّاه برضائه عنه. كما وجّه حضرته أيضاً بعض الألواح لمن آمن بأمر الله في الهند.
في مدينة مدراس تعرّف سليمان خان على السيد مصطفى الرومي الذي كان شاباً في العشرين من عمره تقريباً ومن والدَين عراقيين. كان من بين المسلمين الملتزمين والمواظبين على شعائر الدين. تأثر هذا الشاب وانجذب كثيراً بشخص سليمان خان الذي تركت ميزاته الشخصية وروحانيته النيرة انطباعاً دائماً في نفسه. فكان السيد مصطفى يستمع باهتمام بالغ لشروحات سليمان خان في الدين عموماً والدين البهائي خاصة. بعد ذلك أصبح من المنجذبين لشخص حضرة بهاء الله وهو يستمع جالساً مشغوفاً ببيانات أستاذه الذي تعرّف عليه حديثاً. وسرعان ما اعترف السيد مصطفى بأحقية أمر الله ودبّ فيه الحماس والهياج الروحي لمعرفته بأن مظهر الله الأعظم قد أظهر نفسه أخيراً للبشرية. فلا عجب أن صار من ألمع النفوس التي آمنت بأمر الله بواسطة جمال أفندي في شبه القارة الهندية. قام على خدمة أمر الله بنحو متميز من الإخلاص والتضحية، في بورما بصفة رئيسة، وضمه حضرة شوقي أفندي، ولي أمر الله، بعد وفاته إلى أيادي أمر الله. ومما ورد في برقية العزاء والثناء التي بعث بها حضرة شوقي أفندي إلى العالم البهائي إثر وفاته أنه: ‘كان من المهاجرين الممتازين في سبيل دين حضرة بهاء الله، ومن النفوس الصامدة المخلصة ذات الهمة والمبادئ العالية، والذي ينبغي لجامعة المؤمنين البورميين أن تفتخر بما قدّمه من خدمات رائعة في ميدانَي التبليغ والإدارة الأمرية مما أضفى لمعاناً على عصرَي البطولة والتكوين للدورة البهائية، وأن يعتبر مرقده أشرف مقام لدى هذه الجامعة.’
دام تجوال سليمان خان عشر سنوات في أرجاء الهند، توجه بعدها صوب الأرض الأقدس للتشرف بمحضر حضرة بهاء الله. ذهب بصحبة اثنين من المؤمنين اللذين اعتنقا أمر الله على يده. كما اصطحب معه فتى صغيراً بغية المعاونة كخادم في البيت المبارك. أخيراً فاز للمرة الثالثة بمحضر حضرة بهاء الله لكن زيارته لم تدم طويلاً إذ اقتطعت إقامته في الأرض الأقدس بعد فترة قصيرة لأن حضرة بهاء الله وجّهه للعودة إلى الهند والاستمرار بنشاطاته التبليغية في ذلك البلد الشاسع. فاصطحب هذه المرة أيضاً أحد المؤمنين في رحلاته، حيث وصل عائداً إلى الهند عشية نوروز([3]) سنة 1888م.
لقد ذكر السيد مصطفى الرومي في بعض رسائله عدداً من البلدان والأقاليم التي زارها سليمان خان. وفي كل مكان زاره زرع بذور رسالة حضرة بهاء الله في قلوب عدد من سكانها. من ضمن هذه البلدان: سيلان، الپنجاب، بورما، الملايو، سيام، جاوا، وجزائر سيليبيز وبالي. في إحدى رحلاته، التي دامت عاماً ونصف، زار لاهور، پُنْچ، يرقند، كشمير، لَدّاخ، التيبت، بَلْخ وبَدَخْشان. فيما يلي ترجمة لموجز مما كتبه السيد مصطفى عن هذه الرحلة:
استناداً لرواية جمال أفندي نفسه، فإن قدميه قد أصيبتا بقضمة الصقيع بنحو من الشدة نتيجة البرد القارس بحيث لزم الفراش قرابة ستة شهور في يرقند. عندما شفي قصد بلخ وبدخشان (كلتاهما في أفغانستان) ولكن قدميه ما زالتا متحجرتين ولم يتمكن من السير إلاّ بمشقة. وما زاد الأمر صعوبة وعورة الطريق ما بين كشمير والتيبت حيث يتحتم على المسافر تسلق جبال شاهقة وهو أمر جابهه بغاية الصعوبة. في أثناء ذلك السفر فقد كل أمتعته التي ضمت بينها عدة مجلدات بهائية وألواحاً كانت محمولة على ظهر الدواب، حيث سقطت في النهر ولم يكن بالمستطاع استرجاعها.
ما بين كشمير والتيبت، كان على جمال أفندي أن يلتقي بعدد كبير من أصحاب المذهب الإسماعيلي، أتباع آقا خان المحلاتي. كان أغلب أولئك الناس متوحشين متعطشين للدماء. فلا عجب أن يجد نفسه مضطراً، وقد اغتم قلبه بالخيبة والأسى، لأن يتوجه إلى بلخ وبدخشان في أفغانستان. وهناك أيضاً أساء الناس معاملته كثيراً… مما حمله على الرجوع إلى كشمير سنة 1889م. من هناك عاود رحلاته المعتادة إلى مختلف أرجاء الهند ثم ذهب لاحقاً إلى بورما…(2)
بعد صعود حضرة بهاء الله، أشار حضرة عبد البهاء على سليمان خان بالبقاء في شبه القارة الهندية والاستمرار بنشاطاته الحميدة. وقد تجلت للعيان مكتسباته بمرور السنين، كما أن الأسس التي وضعها في تلك البلدان والجزر ظلت راسخة تتحدى مرور الزمن. فمن خلال تبليغه السيّار انجذبت نفوس كثيرة إلى أمر الله، لا سيما في جزر جاوا حيث تأثر بعض الحكام وكبار الشخصيات بفضل جهوده التبليغية. لكن النجاح الذي حققه في بورما كان أعظم. ففي مدينة مَنْدلاي يروى أن ما لا يقل عن ستة آلاف من المسلمين اعتنقوا أمر الله. لكنه لم يكشف لهم بأن حضرة بهاء الله كان صاحب دورة جديدة وأتى بأحكام وتعاليم جديدة، لأنهم لم يكونوا مستعدين لذلك في حينه. واستناداً لشهادة بعض المؤمنين المحليين، فإن هؤلاء كانوا قد أقروا بأحقية دعوة حضرة بهاء الله ورسالته ولكنهم في الوقت نفسه كانوا يطبقون أحكام الإسلام وشعائره.
في أوائل أيام ولايته، وبعد فترة من انتهاء خدمات سليمان خان في شبه القارة الهندية ورجوعه إلى الأرض الأقدس، أرسل حضرة عبد البهاء ميرزا مَحْرَم، وهو مبلّغ بهائي، إلى مندلاي مع تعليمات واضحة للقيام بإعلان استقلال الدين البهائي لدى هؤلاء المؤمنين وإعلامهم بأحكام وسنن الدورة الجديدة ونسخ أحكام الإسلام، فأدى ميرزا محرم مهمته بأمانة وإخلاص. لكن ما كادوا يطلعون على مدى الانحرافات البعيدة عن شريعة الإسلام، حتى ارتد قرابة ثلثي تلك الجماعة عن أمر حضرة بهاء الله غاضبين بل تجمع فيما بعد عدد منهم وعزموا على قتل ميرزا محرم. حدث ذلك عندما اجتمع يوماً عدد كبير منهم خارج منزله ولولا تدخل ضابط بريطاني من الشرطة، لنجحوا في قتله. ويروى أن ذلك الضابط البريطاني، الذي كان مسيحياً، سأل ميرزا محرم: ‘ماذا قلت لهؤلاء الناس بحيث همّوا مجتمعين على قتلك؟’ أجاب ميرزا محرم: ‘قلت لهم ما قاله المسيح في يومه.’ لكن ميرزا محرم تمكن رغم كل ذلك من البقاء لفترة في مندلاي قام خلالها بتعميق معلومات من بقي من الجامعة راسخاً في إيمانه وساعدهم على التمسك كاملاً بأمر الله وتطبيق أحكامه وتعاليمه في حياتهم اليومية.
أمّا فيما يخص سليمان خان، فقد قضى ما مجموعه حوالي عشرين عاماً متواصلة في تبليغ أمر الله في الهند والبلدان المجاورة لها. أفلح خلالها في هداية نفوس كثيرة من مختلف الأديان لأمر الله. من بينهم كان المسلمون من مذهبَي السنة والشيعة، ومن الإسماعيليين والهندوس والبوذيين. إلاّ أن الصعاب التي واجهها أثناء تلك الأعوام في أسفاره تحت ظروف من الطقس شديد الحرارة والبرودة، وركوب الدواب من ثيران وفيلة، واجتياز عدة مناطق موحشة مقفرة ثم المعاملة العدائية واللاإنسانية التي قوبل بها في بعض تلك المناطق، كل ذلك تكالب عليه آنذاك مما اضطره إلى العودة إلى عكاء. حصل ذلك بعد صعود حضرة بهاء الله بحوالي خمسة أعوام.
وبعد فترة من مكوثه في الأرض الأقدس، أرسله حضرة عبد البهاء بمأمورية هامة إلى إيران. تعود بدايات هذه القصة إلى أيام ولاية حضرة بهاء الله عندما وضع في سجن قزوين، لمدة عامين تقريباً،([4]) اثنان من كبار المؤمنين هما أيادي أمر الله علي أكبر، المعروف بالحاج آخوند، والحاج أبو الحسن، المعروف باسم الحاج أمين، أمين حقوق حضرة بهاء الله، وذلك سنة 1891م. كان رئيس الوزراء آنذاك علي أصغر خان، أمين السلطان، وكان متعاطفاً مع قضيتهما، ومدركاً بأنهما سجنا ظلماً، ونطق بتعليقات ودية بخصوصهما. وقد سر حضرة بهاء الله لذلك وأعرب عن رغبته بأن يرسل حضرة عبد البهاء رسالة له. يروي حضرة عبد البهاء القصة بقوله:
قبل صعود الجمال المبارك بفترة غير طويلة، تفضل حضرته: ‘إذا تيسر ذهاب شخص إلى إيران فبوسعه إيصال هذه الرسالة إلى أمين السلطان: “لقد قمتَ باتخاذ خطوات لمساعدة الأسيرين، وكانت تلك خدمة لائقة منحتَها لهما من حسن ذاتك، وهذه الخدمة سوف لن تُنسى. وتيقّن أنها سوف تكون سبباً للعزة والبركة في كل شؤونك. يا أمين السلطان! ما من بيت شُيّد إلاّ وسيكون أنقاضاً يوماً ما، إلاّ بيت الله، وهذا يزداد متانة واستحكاماً يوماً بعد يوم. فاخدم ساحة الله بكل جهدك عسى أن تجد السبيل إلى بيت في الجنة، وتقيم صرحاً باقياً أبداً.” ’(3)
بعد ذلك بقليل وقع صعود حضرة بهاء الله. استطاع بعدها حضرة عبد البهاء أن يحقق رغبة حضرة بهاء الله بوقت قصير عقب حدوث الحادثة التالية في إيران. في أوائل عهد حضرة عبد البهاء كان السيد أسد الله القمي،([5]) مقيماً في عكاء، وقد رأى مناماً شاهد فيه حضرة بهاء الله يضع بعض الألواح في مغلفات وكتب عليها بحبر أحمر ثم سلّم المغلفات إلى السيد أسد الله مشيراً عليه بالتوجه إلى إيران. في الصباح التالي أخبر حضرة عبد البهاء بما رآه في المنام واستأذنه بالسفر إلى إيران. فأنذره حضرة عبد البهاء بأنه خلال سفره سيتعرض إلى اضطهاد شديد من نوع خاص. وقد تحققت هذه النبوءة حينما وصل السيد أسد الله مدينة أردبيل في إقليم آذربيجان. حدث ذلك عندما اطلع بعض رجال الدين على نشاطاته التبليغية بالمدينة وتآمروا على قتله. فاقتيد في أحد الأيام إلى مكان حيث أحاط به شرذمة من الرجال انهالوا عليه ضرباً مبرحاً حتى ظنوا أنه مات. فسحلوا جسده وألقوه في إسطبل مهجور. لكنه بعد فترة من الوقت عاد لوعيه إلاّ أنه أخذ إلى السجن بناء على أوامر الحاكم. بعد ذلك نقل إلى سجن تبريز حيث بقي بضعة أيام. أخيراً وصلت أوامر بإرساله إلى طهران تحت الحراسة، لكن بدلاً من أن يؤخذ إلى السجن هناك، أمر رئيس الوزراء بجلب ذاك السيد إلى منزله هو، حيث استقبله بالعطف والتقدير.
في طريقه إلى طهران، برفقة ثلة من الجند، استرجع السيد أسد الله في ذاكرته كلمات حضرة بهاء الله قبل بضع سنوات خلت أثناء تشرفه بمحضره المبارك في المزرعة عام 1306ﻫ (1888–1889م). حيث خاطبه حضرته قائلاً: ‘يا أسد الله! أريد أن أرسلك لزيارة ناصر الدين شاه، لكن تذكر بأنه لم يعد يقتل البهائيين. فهل ترغب بالذهاب؟’([6]) فأومأ السيد أسد الله بانحناءة من رأسه إشارة لخضوعه لمولاه. والآن وجد نفسه ماضياً في طريقه إلى العاصمة وهو يعلم بأنه بكيفية ما سيلتقي بالسلطان:
لقد مدّ أمين السلطان يد العون للسجين، وأجار جناب آقا سيد أسد الله في مكتبه. وحدث يوماً حينما مرض رئيس الوزراء أن جاء ناصر الدين شاه ليعوده. فشرح الوزير حالة السجين مكرماً إيّاه بمديح وافر لدرجة أن الشاه حين خروجه أبدى مشاعر عطف عظيم لآقا سيد أسد الله ونطق بكلمات ملاطفة ومواساة. هذا علماً لو حصل ذلك في وقت سابق لكان مصير هذا السجين الربط بحبل على شجرة ثم قتله بالرصاص.(4)
إن عطف رئيس الوزراء على السيد أسد الله وإيواءه شجع حضرة عبد البهاء على تحقيق رغبات حضرة بهاء الله وذلك بإرسال رسالة له، وكان سليمان خان هو الشخص الذي كلفه حضرة عبد البهاء بالقيام بهذه المهمة.
“بعد فترة من الزمن فقد أمين السلطان حظوة الشاه. فنفي مبغَضاً منكوباً إلى مدينة قم. بناء عليه قام هذا العبد بإرسال سليمان خان حاملاً مناجاة وخطاباً حررتُهما لهذا الغرض. أمّا المناجاة والدعاء فمن أجل التماس العون والعناية الإلهية للوزير المطرود ورجاء الصون والحماية له عسى أن يرتفع من ركن الخمول إلى أوج القبول. ذكرنا في الرسالة أمراً جلياً: ‘استعد وتهيأ للعودة إلى طهران. عما قريب سينزل عليك التأييد الإلهي وعنايته، وستتبوأ مركز الصدارة بتمام الاستقلال. وهذه مكافأتك لقاء ما بذلت من خدمة من أجل رجل مظلوم.’ إن هذا الدعاء والخطاب لا يزالان بحوزة أسرة أمين السلطان.
رحل سليمان خان من طهران إلى قم، وبموجب ما لديه من تعليمات قصد إحدى غرف مقام المعصومة([7]) ليقيم فيها. كان أقرباء أمين السلطان يأتون هناك لمراسيم الزيارة والدعاء، فانتهز الفرصة سليمان خان وصار يستفسر عن الوزير المُقال وأعرب عن رغبته بملاقاته. ولما اطلع الوزير بذلك بعث يطلب لقاءه. قام سليمان خان وأسرع متوجهاً إلى منزل الوزير حيث انفرد بلقاء خاص معه وسلمه رسالة حضرة عبد البهاء فنهض الوزير عن مقعده، واستلم الخطاب بمنتهى الاحترام. ثم خاطب الخان قائلاً: ‘كنت يائساً. ولو تحقق رجائي ومناي فسأقوم بالخدمة عاملاً على حماية وصيانة أحباء الله.’ ثم أضاف عبارات امتنانه وإقراره بالشكر والسرور قائلاً: ‘الحمد لله إذ انبعث فيّ الأمل والرجاء، وأشعر أن بعونه تعالى سوف يتحقق حلمي.’
وباختصار فإن الوزير عاهد نفسه على خدمة الأحباء، وانصرف سليمان خان مودّعاً إيّاه. لكن قبل مغادرته أحب الوزير أن يمنحه مبلغاً من المال لقاء مصاريف السفر، إلاّ أن سليمان خان اعتذر عن قبوله رغم إصرار الوزير وإلحاحه. وفعلاً ما كاد سليمان خان يصل إلى الأرض الأقدس عائداً من إيران، حتى تم استدعاء أمين السلطان من منفاه ليتقلد فوراً رئاسة الوزارة مجدداً وهكذا عاد لتسلم كامل سلطاته، وفي بادئ الأمر عاون في الحقيقة المؤمنين، لكنه في النهاية، ولا سيما في قضية اضطهادات يزد([8]) وشهدائها، أهمل ذلك. فلم يساعد أو يحمي المضطهدين بأي كيفية بل ولم يعط أذناً صاغية لملتمسهم، حتى قتلوا جميعهم. وبناء على ذلك نال نفسه مصيره العادل إذ طرد من منصبه وعاد رجلاً محطماً. فانعكست الراية التي رفرفت فوقه بذاك الفخر، وأحاطت الخيبة بذاك القلب الآمل.”(5)
وقبل قيام سليمان خان بمأموريته كان حضرة عبد البهاء قد نصحه بألاّ يفصح لأحد عن طبيعة المهمة التي كلف بها. أمّا أمين السلطان فلم يستغرق إرجاعه إلى منصب رئاسة الوزارة أكثر من شهر بعد استلامه لوح حضرة عبد البهاء وبذلك تحققت نبوءة حضرته. لكن بعد حدوث ذلك سرعان ما أخطأ سليمان خان حيث استسلم لحماسه بالموضوع فأباح بكل القصة إلى جمال البروجردي،([9]) ذلك المبّلغ البهائي الممعن بالغرور والأنانية، والخائن ذائع الصيت والذي لم يلبث أن أصبح ناقضاً للعهد والميثاق بعدها بقليل. فعندما سمع جمال بنجاح المهمة والتبجيل والإجلال الذي أظهره أمين السلطان للوح حضرة عبد البهاء، اشتعلت في قلبه نار الغيرة وحفزته على الاتصال برئيس الوزراء سعياً لنيل فخر لنفسه. فقام بالاستعدادات ثم لم يلبث أن عُقد اجتماع بين الاثنين. أمّا التأثير الشيطاني الذي كان لجمال البروجردي على رئيس الوزراء فقد كان مهلكاً مميتاً حقاً.
ذلك لأن ليس هناك ما هو أشد ضرراً لنفس من ملاقاة ومعاشرة من ابتلي بداء نقض العهد والميثاق. فقد صرح حضرة عبد البهاء(6) بأن سبب تراجع أمين السلطان عن وعده بتأييد أمر الله كان يعود لعاملين. أولهما كان التأثير السلبي لملاقاة جمال البروجردي، والثاني غروره بمنصبه وسلطاته العليا.
أمّا سليمان خان، فقد رجع إلى الأرض الأقدس، ولم يمض زمن طويل قبل أن يصعد إلى عوالم الآخرة. كان ذلك سنة 1316ﻫ. وقد دفن في عكاء، حائزاً على شهرة خالدة بكونه الفاتح الروحاني لشبه القارة الهندية وبورما.
لقد أودع حضرة بهاء الله كنز حبه الذي لا يثمّن في قلب كل مؤمن، وبالتالي فإن السمة المميزة التي يعرف بها البهائي الحقيقي هي حبه لحضرة بهاء الله، وعلى هذا القياس فإن حضرته قد قدر أيضاً الوحدة والاتحاد كإحدى الخصائص الرئيسة للجامعة البهائية.
إن حب حضرة بهاء الله في قلب الفرد، والوحدة الروحية في جامعة الأحباء، التي هي وليدة المحبة لحضرته، مرتبطان ارتباطاً وثيقاً جداً معاً. فالوحدة بين المؤمنين ليست مجرد إقرار بما يسود بينهم من معتقدات وممارسات مشتركة. فهي تتجاوز الحدودات البشرية وتظهر بأعلى وأجل أشكالها حينما يبدو المؤمنون كروح واحدة في أجساد متعددة. عندئذ يصل الفرد إلى أوج هذه الوحدة الروحية بحيث يرفع مقام المؤمنين الآخرين فوق مقامه.
في إحدى رسائله للأحباء الإيرانيين،(1) يذكر حضرة شوقي أفندي، ولي أمر الله، أن المحبة والرحمة كانتا من نصائح الدورات الإلهية السابقة. وفي هذا اليوم فإن النصيحة الموجهة إلى أهل البهاء أن يضحّوا بكل ما لديهم في سبيل بعضهم بعضاً. ولا ينبغي اعتبار كلمات حضرة شوقي أفندي هذه على أنها مجرد تصورات وآمال مثالية بعيدة المنال. على العكس من ذلك، فإن تاريخ أمر الله يبين بوضوح أن بعض أتباعه قد بلغوا فعلاً هذا المقام الرفيع. يكمن في وحدة الجامعة البهائية واتحادها مجدُ المستقبل الموعود، فهي تضمن وحدة الجنس البشري على المستوى الروحي والاجتماعي. إنها أنموذج بإمكانه، كلما ازداد قوة وتطوراً نحو البلوغ، أن يصبح مصدر إلهام للأجيال التي لم تولد بعد، للدخول في خيمة وحدته المحيطة بالعالم والتي نصبتها يد إرادة الله في هذا اليوم.
في هذا اللوح، وهو من الألواح التي أنزلها حضرة بهاء الله في عكاء، يصف فيه ملامح مختلفة من الاتحاد. وهذا اللوح موجّه إلى السيد أسد الله، من أحباء مدينة رشت، إجابة عن سؤاله عن معنى الاتحاد. وكان أحد خمسة أشقاء لقّبهم حضرة بهاء الله بـ”السادات الخمسة”. كانوا جميعهم مؤمنين. وفي وقت ما كان أسد الله يعيش في مدينة قزوين، المدينة التي عرفت نشاطاً من قبل أتباع ميرزا يحيى استهدف تشويه صورة أمر حضرة بهاء الله. ونجح هؤلاء الناس في تسميم عقل أسد الله بحيث اضطرب إيمانه في عقيدته. إلاّ أن تلك الحالة لم تدم طويلاً. ذلك لأنه سرعان ما تمكن، بفضل صفاء قلبه وجهود مخلصة من قبل الشيخ كاظم سمندر، من إزالة تلفيقات الأزليين جميعها واستعادة إيمانه الثابت. بعدها سافر إلى عكاء للحج وتشرّف بمحضر حضرة بهاء الله. هناك شاهد بأم عينيه بهاء ربه وصار موضع عطاياه وأفضاله. كما حظي شقيقه الأصغر السيد نصر الله بالشرف العظيم في المثول في محضر حضرة بهاء الله في عكاء. وقد قدم هذان الشقيقان الباقيان من الخمسة خدمات عظمى لأمر الله دامت حتى نهاية حياتهما.
في “لوح الاتحاد” يصف حضرة بهاء الله، بشيء من التفصيل، ميزات متعددة للاتحاد. فيصرح بأن الاتحاد في المقام الأول هو وحدة الدين، ويعني وجوب اتحاد الناس في اتباع دين واحد هو الدين الذي أتى به حضرته في هذا اليوم. ويعلن بأنه حينما تعتنق الغالبية العظمى من الناس في بلدٍ ما أمره، فسيكون ممكناً بالنسبة للحكومة تنفيذ تعاليمه ووصاياه. كما يقرر بأن مثل هذا الاتحاد كان في السابق سبباً لنصرة دين الله.
وفي شرحه لمقام آخر من الاتحاد، هو التعبير عن الرأي، يقدم حضرة بهاء الله مثلاً لاثنين من الأحباء قد يناقض كل منهما الآخر في موضوع ما. في مثل هذه الحالة سيصبحا سبباً لحرمان نفسيهما والآخرين الذين يسمعون حديثهما، من نعمة الاتحاد. ثم يبين حضرته كيف أن خطاباً عن أمر الله لو ألقي باعتدال فسوف يجذب الفضل الرباني، لكن إذا طبع بطابع التطرف فقد يؤدي إلى هلاك النفوس. ويضيف ناصحاً الأحباء بأن يبلّغوا الناس باللطف والاعتدال حتى يكون لكلماتهم تأثير كتأثير الحليب في الرضيع. في العديد من ألواحه يكرر حضرة بهاء الله هذه النصيحة نفسها في تبليغ أمره. مثال على ذلك هو المقتبس التالي من “لوح الحكمة”:
“قل إن البيان جوهر يطلب النفوذ والاعتدال. أمّا النفوذ معلق باللطافة واللطافة منوطة بالقلوب الفارغة الصافية. وأمّا الاعتدال امتزاجه بالحكمة التي نزّلناها في الزبر والألواح. تَفكّر فيما نزل من سماء مشية ربك الفياض لتعرف ما أردناه في غياهب الآيات.”(2)
وقد حذر أتباعه بألاّ يرهقوا المستمع بالكثير من المعلومات في مراحل مبكرة، ويشبّه مثل هذا العمل بإعطاء وجبة كبيرة لطفل رضيع والتي، بدلاً من إعطائه الحياة، يمكن أن تقضي عليه.
ويضيف حضرة بهاء الله بأن وحدة الأعمال ينبغي أن تتبع وحدة الأقوال، فعندما ينفّذ الأحباء تعاليمه ويزينون أنفسهم بالفضائل الإلهية، فإنهم سيصبحون متحدين في أعمالهم. ويشجب حضرته الانقسامات التي حدثت في الدورات السابقة، ويردّ ذلك إلى الشقاق بين أتباعها، ويصرح بأن أساس دين الله في الأدوار السابقة قد تصدّع نتيجة لهذه الاختلافات.
جانب آخر من جوانب الاتحاد التي يستعرضها حضرة بهاء الله تخص مقامات المؤمنين. فوحدة مقامهم ستكون سبباً لإعلاء أمر الله بين الناس. ويعزي سبب خطورة وضع العالم إلى أن بعض الناس اعتبروا أنفسهم متفوقين على الآخرين، ويصرح بأنه ينبغي للأحباء الذين شربوا من بحر وحيه وتوجهوا بحق إلى أفقه الأعلى، أن يروا أنفسهم على صعيد ومستوى واحد، شاغلين مقاماً متساوياً ورتبة واحدة. ويتنبأ بأنه لو حدث هذا لأصبح عالم الإنسان جنة. كذلك يعلن حضرته وهو يلقي المزيد من الضوء على هذا الموضوع، بأنه ولو أن الإنسان مخلوق مجيد وُهِبَ صفات سماوية، لكن استعلاء نفس على الآخرين هو تجاوز خطير وخطأ فادح.
ولو يُعمل بهذا المبدأ من تعاليم حضرة بهاء الله، لخُلق في كل قلب إحساس بالتواضع ونكران الذات، وإلاّ فسيطغى الفخر والصلف ويميل بالإنسان فيصبح أسير أنانيته وهواه. وليس له في هذا الحال من منقذ سوى المظهر الإلهي.
لذا فإن النفس، باعترافها بحضرة بهاء الله على أنه لسان وحي كلمة الله لهذا اليوم والعمل بإخلاص بما جاء به من وصايا وأحكام، تصبح طليقة متحررة من أغلال هواها وعلائقها المادية، حينئذ يكون باستطاعة الفرد فهم الهدف من الحياة، ومن ثم يمكنه بلوغ الاتحاد الحقيقي مع زملائه المؤمنين.
إن إحدى المواهب العظيمة لظهور حضرة بهاء الله هي إلغاؤه مؤسسة الكهنوت. وربما كان لهذه المؤسسة، رغم إساءة استعمالها إلى حد كبير، وكونها الآن غير فاعلة ومشلولة تقريباً، دور ضروري ومفيد في العصور الماضية حين كانت الغالبية العظمى من الناس من الأميين ولا بد لهم من رعاة يقودونهم، ولكنها اليوم غير ضرورية على الإطلاق. في “لوح الاتحاد” يصرح حضرة بهاء الله بأنه لو لم يعتبر الزعماء والعلماء الدينيون في إيران أنفسهم مخلوقات متفوقة، لما وقف أتباعهم ذاك الموقف المعارض المرير من أمره ودعوته. ويصف كبرياءهم وصلفهم بمثابة النار التي التهمت الأمة بأسرها.
لم يخلّص أمر حضرة بهاء الله نفسه فقط من مؤسسة الكهنوت، التي تولد الفرقة والفساد، ولكن جوهره لا يؤوي شخصيات أنانية داخل مؤسساته المشرّعة إلهياً. والسمة المميزة لتلك المؤسسات هي العبودية لله، والتي تعني في الواقع خدمة بني الإنسان. فأولئك الذين يعملون في المؤسسات البهائية يمكنهم أن يلمسوا بالخبرة والتجربة معنى الوحدة في العمل لأنه لا يوجد مجال لأحد لتعزيز طموحاته الشخصية أو إظهار مواهب متفوقة داخل هذه المؤسسات. في الواقع، لو حاول عضو تمجيد نفسه فوق الآخرين، فسوف تتآكل فاعليته بنحو كبير. وحينما تختل الوحدة داخل مؤسسة من مؤسسات أمر الله بفعل موقف أناني من طرف أحد أعضائها، فإن عاقبة ذلك ستكون امتحانات وفتناً كبرى. وإذا حدث هذا فإن أعضاء تلك المؤسسة سيعانون من ضغوط كبيرة ومعاناة عظيمة وينتهي أمر ذلك المحفل، حسب بيان حضرة عبد البهاء، إلى الخسران والانعدام.
يبين حضرة بهاء الله في “لوح الاتحاد” بأنه لو أراد المضي في تبيان مختلف مقامات التوحيد في كل الأشياء، لما انقطع قلمه عن صفحات الألواح لعدة سنوات. ولمّا كان ذلك غير عملي، فإنه يخلص إلى القول في ختام بيانه بوصف جانب آخر للاتحاد ألا وهو وحدة الشعوب. فيصرح بأن وحدة الشعوب يمكن بلوغها عن طريق محبة الله وتأثير كلمة الله. فمتى توجّه الناس إلى الكلمة الإلهية وتمسكوا بها، فإنهم سيصبحون متحدين.
لقد حقق أتباع حضرة بهاء الله فعلاً اتحاد القلوب في جامعاتهم، إذ على الرغم من انتمائهم إلى خلفيات متنوعة وكثيرة ويتحدثون بلغات مختلفة، إلاّ أنهم مدفوعون برابطة حب قوية تشدهم روحياً ببعضهم البعض. وهذا الحب ليس مصطنعاً ولا هو نتيجة مواهب استثنائية يمتاز بها المؤمنون، بل إنها عطية تتنزل، دونما جهد من جانب المؤمن سوى توجّهه لحضرة بهاء الله، من العلياء على قلوب المؤمنين. إنه الحب المتولد عن تأثير ظهور حضرة بهاء الله، وهو أشبه بسريان تيار الكهرباء في شبكة أسلاك واسعة، حيث تمد طاقتها كل دائرة من الدوائر المرتبطة بها. إن مجرد الإيمان بأن حضرة بهاء الله هو حامل رسالة الله لهذا العصر كفيل بفتح أبواب الفضل والنعم، فيجد المؤمن نفسه قادراً على إخلاء قلبه من التعصبات الموروثة ويصبح بدوره مشعاً بمحبة الله. وهذا الحب بدوره يتجلى بين جامعة المؤمنين كأعظم مصدر للقوة في الجامعة البهائية، فيوحد قلوبهم على شأن يمكّن المؤمن الحق أن يرى أثراً من محبة حضرة بهاء الله في وجوه المؤمنين الآخرين، وهكذا يمتنع تماماً عن الخوض بنقائص زميله. هناك ما لا يحصى من الفقرات في كتابات حضرة بهاء الله حول قوة الاتحاد والآثار الهدامة للفرقة والخلاف. في أحد ألواحه(3) يصرح حضرته بأنه لو استطاع أحباء الله تحقيق الاتحاد في كل إقليم، لاستضاء كل العالم بنوره، وأنه يحزن لوجود خلاف بين المؤمنين في بعض النواحي، ويعلن بأن ذلك يجلب الذل والعار لأمر الله. ويزيد موضحاً في هذا اللوح بأنه لو قام كل أهل العالم ضد أمر الله فلن يضره ذلك في شيء، بل إن معارضتهم ستكون سبباً لإعلاء شأنه، لكن الذي يؤذي سمعة أمر الله هو اختلاف أحباء الله فيما بينهم، وينتج عنه أيضاً عرقلة تقدمه وإلحاق عذاب وألم لا يمكن تصوره بمؤسسه.
في لوح آخر(4) يوصي حضرة بهاء الله أتباعه أن “يحترزوا من أي كلمة تكون سبب الاختلاف ولو يظهر من الذين طافوا العرش في العشي والإشراق“. وفي لوح آخر(5) يشبّه الاختلاف بالنار الحارقة التي ينبغي إخمادها بماء الحكمة والبيان. في أحد ألواحه(6) يصرح حضرة عبد البهاء بأن من يكون سبباً في الاختلاف في أمر الله لن يرى السعادة في حياته.
فيما يتعلق بالاتحاد في الممتلكات الدنيوية، يصرح حضرة بهاء الله في “لوح الاتحاد” بأن هناك مقامين من الوحدة. أحدهما يختص بالكرم حينما لا يمنع المرء عن غيره من البشر ما رزقه الله به، فيهبهم شيئاً من ثرواته الدنيوية ويدعو حضرته هذه الخصلة بحالة “المساواة”، وهي حالة المرء الذي يعطي لغيره كما لنفسه. والمقام الآخر هو “المواساة”، والتي فيها يكون المرء مستعداً للتضحية باحتياجاته الخاصة من أجل الآخرين مفضلاً إيّاهم على نفسه. ويعتبر حضرة بهاء الله هذا الموقف من أعلى خصال الإنسان وأنبلها. ولكنه يشدد على أن الإيثار هذا، يخص فقط نواحي الممتلكات الدنيوية ولا ينطبق على أي شيء آخر.
في اللوح المعروف بـ”الكلمات الفردوسية”([1]) يعلن حضرة بهاء الله ما يمكن اعتباره أرقى بيان عن القاعدة الذهبية:
“يا ابن الإنسان لو تكون ناظراً إلى الفضل ضع ما ينفعك وخذ ما ينتفع به العباد وإن تكن ناظراً إلى العدل اختر لدونك ما تختاره لنفسك.”(7)
إن الغاية الرئيسة من ظهور حضرة بهاء الله هي تأسيس الاتحاد بين شعوب العالم. فيتفضل حضرته قائلاً: “إن نور الاتفاق ينير آفاق العالم ويضيئها.”(8) لكن اليوم صار المجتمع يعاني من آثار الخلاف والشقاق بدرجة أن كلاً من حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء صرح في أكثر من مناسبة بأنه إذا أصبح الدين علة الاختلاف والتنافر فمن الأفضل التخلي عنه. وعليه رفع حضرة بهاء الله نداء الوحدة والاتحاد في هذا اليوم، ولم تدع قوة كلمة الله الخلاقة أمام البشرية خياراً سوى تأسيس قاعدة سليمة لا تتزعزع لاتحاد جميع شعوب الأرض وقبائلها. إن الكلمات العاليات التالية من قلم حضرة بهاء الله أحدثت نقلة نوعية في توازن المجتمع البشري على نطاق عالمي:
“أيها الأحباء قد ارتفعت خيمة الاتحاد لا ينظر بعضكم إلى بعض كنظرة غريب إلى غريب. كلكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد.”(9)
في هذا اليوم هناك عدد كبير من بين شعوب العالم ينادون بالسلام، فالخوف من وقوع الدمار والفناء على نطاق واسع قد دفع الناس صوب فكرة السلام ومحو الحروب. وسعياً وراء تحقيق هذا الحلم إلى حقيقة واقعة، هناك نشاط كبير في العديد من الأوساط والدوائر، بدءاً من إلقاء المحاضرات في الجمعيات، وإجراء المناقشات حول الشؤون المتعلقة بالموضوع، وتنظيم المظاهرات السلمية، والحملات الدعائية، ومسيرات الاحتجاج بل وحتى العنف واسع النطاق. لكن السلم لا يمكن أن يتأسس بهذه الأنشطة والوسائل، فهو ليس بهدف منعزل قائم بذاته، بل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسلوك البشري، ويعتمد على موقف الإنسان تجاه أخيه الإنسان. وما لم تكن هناك وحدة بين الناس فلا يمكن أن يكون هناك سلام. ولا يمكن أن تنتج الوحدة بشكل مصطنع عن طريق إتخاذ تدابير سطحية. وطالما تحاول البشرية تسوية شؤونها من خلال التنازل عن المبادئ، بدلاً من ابتغاء الحقيقة ومن ثم اتّباعها، فلن يكون هناك سبيل لتحقيق صفاء النية فيما بين أمم العالم. واليوم حيثما يحدث خلاف أو انقسام، فسوف تشمل المعاناة والمحن جميع المعنيين. وقد ذكر حضرة بهاء الله في كتاباته بوضوح أن الإنسانية لن تجد السلام والهدوء ما لم ترسّخ وحدة شعوب العالم ودوله:
“لا يمكن إصلاح العالم وتحقيق راحة الأمم إلاّ بالاتحاد والاتفاق، ولن يتحققا ما لم يأخذ العالم بنصائح القلم الأعلى.”(10)
وفي لوح آخر أنزل حضرة بهاء الله هذه الكلمات السامية بخصوص الاتحاد:
“أيها الأحزاب المختلفة توجهوا إلى الاتحاد وأنيروا الآفاق بنوره. واجتمعوا في مقر معين لوجه الله وأزيلوا ما بينكم من أسباب الاختلاف حتى يفوز جميع العالم بأنوار النير الأعظم ويردون في مدينة واحدة ويجلسون على عرش واحد. لم يكن مقصود هذا المظلوم من أول أيامه إلى هذا الحين سوى ما ذُكر ولن يكون له أي غاية أخرى، ولا شك أن جميع الأحزاب متوجهون إلى الأفق الأعلى وعاملون بأمر الحق، ولكن نظراً لمقتضيات العصر اختلفت الأوامر والأحكام ولكن كلٌ من عند الله وجميعها نزلت من عنده سوى ما ظهر بسبب عناد بعض النفوس. قوموا بعضد الإيقان وكسّروا أصنام الأوهام والاختلاف وتمسكوا بالاتحاد والاتفاق. هذه كلمة عليا نزلت من أم الكتاب يشهد بذلك لسان العظمة في مقامه الرفيع…”(11)
إن الإقرار بوحدة العالم الإنساني لهو أهم المتطلبات الأساسية للسلام العالمي. ومع ذلك، فإن إنشاء وحدة على أي مستوى ستشكل بدورها ركناً من السلام في المستوى نفسه. على سبيل المثال، إن تأسيس الوحدة السياسية بين جميع أمم العالم سوف يحقق سلماً سياسياً على نطاق عالمي، وهو ما يشار إليه في كتابات حضرة بهاء الله بـ”الصلح الأصغر”.([2]) وفي المستقبل البعيد، عندما يكون عامة البشر قد اعترفوا بمقام حضرة بهاء الله بكونه الناطق بلسان الله على الأرض ومخلص البشرية جمعاء، ويكون فيض وحيه قد نفذ إلى قلوب الناس، وربط فيما بين شعوب الأرض وقبائلها عروة من الاتحاد الروحي، فإن الجنس البشري سيشهد تأسيس “الصلح الأكبر” الذي وعد به حضرة بهاء الله بكونه إحدى أنبل ثمرات ظهوره.
وينبغي أن لا يخلط بين وحدة الجنس البشري والتماثل، الذي يتعارض مع قوانين الخليقة الأساسية. تؤكد تعاليم حضرة بهاء الله على مبدأ الوحدة والاتحاد في التعدد والتنوع. في خلق الله هناك فقط واحد من كل شيء، أي لا يوجد اثنان متماثلان من الخلق نفسه. وأفضل وسيلة لتقييم السبب وراء هذا الإبداع والتفرد في الخلق هي دراسة الكتابات البهائية وملاحظة عالم الطبيعة. ونحن نفهم من كتابات حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء بأن كل كائن مخلوق، سواء كان في عالم الجماد أو النبات أو الحيوان، تظهر فيه بعض صفات الله، والاختلافات بين هذه الممالك هي نتيجة للدرجات المتفاوتة في ظهور هذه الصفات فيها. على سبيل المثال، هناك عدد أقل من صفات الله في مملكة الجماد مما في النبات، ويصح الشيء نفسه بالنسبة لما بين النبات والحيوان. فكثير مما لدى الأخير من صفات لا تتوفر في الأول، أمّا الإنسان فأودعت فيه صفات الله جميعها.
إلاّ أن هناك بعض الصفات المشتركة التي تظهرها كل الموجودات لكن بدرجات متفاوتة من الشدة في كل من هذه الممالك. من بين هذه الصفات المحبة، والتي هي علة الخلق الأولى، وتظهر هذه في مملكة الجماد بهيئة قوة التماسك والجذب (بين الذرات والجزيئات المكونة لها). وفي النبات، إلى جانب قوة التماسك الموجودة أيضاً فيه، نجد أن مظهراً من مظاهر الحب يبلغ فيه بعداً أعلى – مما في الجماد – حينما تتفتح الشجرة وتنشر أغصانها وأفنانها باتجاه الشمس لاستلام أشعتها كما يمد الحبيب ذراعيه شوقاً لمحبوبه. في عالم الحيوان يتمثل هذا الحب ويظهر بنحو أكبر. مثال ذلك حب الأم لصغارها. وفي عالم الإنسان تُظهر صفات المحبة نفسها فِي أشد درجاتها.
صفة أخرى من صفات الله التي تظهر في كافة الخلائق هي اسم الله المتفرد الذي لا نظير له ولا قرين، وتتمثل هذه الصفة في كل كائن مخلوق، ولذا فإن كل شيء فريد من نوعه (في كيانه وشكله وخصائصه). فيما يلي كلمات حضرة بهاء الله في أحد ألواحه:
وكذلك لاحظ في تجلي شمس اسم الله الأحد الذي يشرق على كل الأشياء ويظهر في كل منها آية توحيد الله، كلّ يدلّ على الحق وسلطنته وأحديته وقدرته. وهذا التجلي هو رحمته التي سبقت كل شيء.”(12)
وكما إن ليس من شيئين متماثلين، كذلك ليست هناك مساواة مطلقة في العالم الإنساني، فكل إنسان هو خلق فريد من الله، والمساواة التي يتردد ذكرها في الكتابات المباركة إنما هي المساواة في الحقوق والامتيازات وإلاّ فإن كل شخص يختلف عن كل إنسان آخر في مواهبه وقدراته وشخصيته وكل الفضائل الأخرى.
من تعاليم حضرة بهاء الله الأساسية مساواة الرجل والمرأة. ومنذ ابتداء تاريخ الإنسان المدون وحتى الماضي القريب امتاز الرجل بالسيطرة والتفوق على المرأة في كل ميدان تقريباً. خلال تلك الفترة كانت البشرية تمر بمراحل الطفولة والمراهقة، كما إن الظروف الاجتماعية كانت في وضع بحيث لم يكن ممكناً لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة أن يرد في الكتب المقدسة للأديان الماضية. على العكس من ذلك، فإن الرجل كان يعتبر نظرياً الجنس الأقوى بما وهب من قدرات فائقة تبرر هيمنته على المرأة التي ينبغي خضوعها له. حتى إن نص القرآن الكريم يقرر ذلك بقوله العزيز: “الرجال قوامون على النساء…”(13)
لكن حضرة بهاء الله، ولأول مرة في تاريخ الأديان، أعلن بحزم مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. وكما هو حال غيره من التعاليم النازلة من القلم الأعلى، فإن هذا المبدأ بالذات قد أطلق قوى روحية هائلة لا يمكن مقاومتها، وأحدثت ثورة في المجتمع الإنساني في هذا الصدد. وبالتالي، هناك حركة من أجل تحقيق هذه المساواة في هذه الأيام في كل مكان في العالم. في كثير من ألواحه يشير حضرة بهاء الله لهذا الموضوع مؤكداً بجلاء على المساواة بين الجنسين.
“تعالى تعالى من رفع الفرق ووضع الاتفاق. تباهى تباهى من أخذ الاختلاف وحكم بالاثبات والائتلاف. لله الحمد أن القلم الأعلى رفع الفرق ما بين العباد والإماء ووهب الكل بعنايته الكاملة ورحمته المنبسطة مقام العطاء على حد سواء. قد قصم ظهر الظنون بسيف البيان ومحا أخطار الأوهام بقدرته الغالبة القوية.”(14)
وفي لوح آخر يصرح:
“في هذا اليوم رفعت يد العناية الفرق بين الناس ويُشاهد العباد والإماء في صقع واحد. طوبى لعبد فاز بما أمره الله وطوبى لورقة حركتها أرياح الإرادة الإلهية. إن العناية عظيمة والمقام كبير. إن فضله وعطاءه في كل حين ظاهريَن باهريَن من يقدر أن يشكره على عطاياه المتواترة وعناياته المتوالية؟”(15)
إن كلمة “الورقة” تسمية يشير بها حضرة بهاء الله للمرأة المؤمنة.
أنزل حضرة بهاء الله هذه الكلمات في وقت كان العالم الإسلامي، الذي ظهر حضرته في وسطه، يعتبر بصورة طبيعية أن المرأة مخلوق أدنى منزلة. كانت هناك بعض مدارس الفكر من بين رجال الدين المسلمين والتي تستخدم لإجراء مناقشات بشأن ما إذا كان للمرأة روح أم لا! لقد استندت القوانين داخل المجتمع الإسلامي على أساس تعدد الزوجات. حيث بإمكان الرجل قانوناً التزوج بأربعة نساء وأي عدد من الخليلات. أمّا المرأة فلم يكن لها الخيار في من تتزوج، وكانت في الغالب جاهلة أمية، وعموماً لم يسمح لها بدور في الشؤون العامة. وعليه كانت في أغلب الأحوال رهينة منزل والدها قبل زواجها، ومنزل زوجها بعد ذلك، أي كانت في الواقع أشبه بقطعة من الأثاث.
وكان العرف في ذلك الوقت يقضي للشاب الراغب في الزواج أن تقوم قريباته الأناث، كأمه أو أخته، باختيار شريكة حياته المقبلة. ولم يكن يسمح له حتى بالنظر إلى وجه عروسه، والتي تتوارى خلف حجاب غليظ، إلاّ بعد إنتهاء مراسم الزواج. في نظام اجتماعي كهذا لم يكن ميسوراً للمرأة أن تعلم شيئاً عما يحدث في العالم من حولها، وعدد قليل جداً من الآباء وفّروا لبناتهم التربية والتعليم، وحتى في هذه الأحوال لم تكن أمامهن فرصة للاستفادة من مواهبهن في الأماكن العامة.
من الأنشطة العامة القليلة التي كان يسمح فيها بمشاركة النساء في المجتمع الإسلامي الشيعي، ما يعرف بـ”روضة خاني” في ذكرى استشهاد الإمام الحسين. في هذه المناسبات كن يجلسن في زاوية منعزلة وحينما يشرع الراوي، وهو عادة أحد رجال الدين، بسرد وقائع الاستشهاد بانفعال وحماس عظيمين، وهو بذلك يدفع بجمهور الحاضرين لأقصى حدود العواطف والأسى، عندئذ تبدأ النساء بالعويل بحيث يطغى صريخهن ونواحهن على صوت المتكلم تماماً ويهز مشاعر أهالي الحي كله بصراخهن الجنوني!
وسط مجتمع كهذا أعلن حضرة بهاء الله، قبل أزيد من مائة سنة، منح حقوق متساوية للرجال والنساء. تأكيداً لهذا وجّه حضرته عدداً من الألواح بحق بعض أتباعه من النساء، شاملاً إيّاهن بفيض عطائه وفضله، ممتدحاً أعمالهن ومطمئناً إيّاهن بما يريده الله لهن من المساواة بالرجال في هذا اليوم، وحاضّاً إيّاهن على نشر أمر الله وتبليغه بين بنات جنسهن بالحكمة، وناصحاً إيّاهن بعيش حياتهن وفق تعاليمه. والكلمات التالية لحضرة بهاء الله مقتبسة من أحد ألواحه إلى امرأة بهائية:
“لعمري إن أسماء الإماء القانتات مرقومة ومسطورة في الصحيفة الحمراء من القلم الأعلى. وهنّ يسبقن الرجال عند الله فكم من الأبطال وفوارس المضمار محرومون من الحق وليس لهم نصيب من عرفانه بينما فزتِ أنت ورزقتِ به.”(16)
هناك ألواح لا حصر لها منزلة من قلم حضرة بهاء الله في حق بهائيات. فيما يلي مقتبس لإحداها:
“هو الشاهد من أفق سماء العلم. يا أمتي يا ورقتي قد شهد لك القلم الأعلى بإقبالك وحبّك وتوجّهك إلى وجه القدم إذ أعرض عنه العالم إلاّ من شاء الله العليّ العظيم. طوبى لك بما تزيّنْتِ بطراز محبة الله وفزتِ بذكره وثنائه. إن الفضل كله في قبضة قدرة الحق جل جلاله يعطيه لمن يشاء بإرادته. كم من الرجال اعتبروا أنفسهم أصحاب الأسرار والعلماء الأعلام وعند هبوب أرق نسيم من الامتحان قاموا على الإعراض والاعتراض على شأن شغل أهل الملأ الأعلى بالنواح والندبة. وإنكِ بالفضل الإلهي والعناية اللامتناهية فزتِ بعرفان السر المكنون والكنز المخزون. فاحفظي هذا المقام العظيم باسم الحق جل جلاله واستريه عن عيون الخائنين. البهاء المشرق من أفق ملكوتي عليك وعلى كل أمة فازت بأنوار عرشي العظيم.”(17)
في هذا الصدد أفاض حضرة عبد البهاء أيضاً، سواء في ألواحه العديدة أو خلال محادثاته، واعتبر مساواة الرجل والمرأة من المتطلبات الأساسية لإقامة مجتمع متوازن وصحي، وتحتوي كتاباته على إشارات لا تحصى إلى هذا الموضوع. فيما يلي جزء من أحد ألواحه مثالاً على ذلك:
“ومن جملة تعاليم حضرة بهاء الله وحدة النساء والرجال لأن العالم الإنساني بمثابة طير بجناحين أحدهما الرجال والثاني النساء. وما لم يتساوَ الجناحان لا يتمكن الطائر من الطيران وإذا كان أحد الجناحين ضعيفاً فالطيران محال. وما لم يتساوَ عالم النساء مع عالم الرجال في تحصيل الفضائل والكمالات فإن تحقيق الفلاح والنجاح كما ينبغي ممتنع ومحال.”(18)
إن أحد جوانب المساواة بين الجنسين هو في الحقوق والامتيازات. لكن تماثل وظائفهما – وهو ما يسعى إليه الكثير من الناس اليوم – ليس ممكناً دائماً. في حين أن الرجال والنساء يمكنهم القيام بوظائف معينة بنحو متساوٍ من الأداء، ولكن هناك بعض الأعمال تتفوق فيها المرأة على الرجل وفي أعمال أخرى يكون الرجل أكثر كفاءة واستعداداً لها، بينما هناك نواحٍ أخرى يستحيل فيها على أحد الجنسين أخذ دور الآخر.
وأهم جانب من جوانب المساواة، والذي فات عن انتباه العديد من علماء الاجتماع المعاصرين، ممن يروجون مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، هو المساواة في عالم الروح. فالمساواة بين الجنسين، التي أعلنها حضرة بهاء الله بشكل قاطع، تنبع أصلاً من فعل الخلق نفسه. فعلى الرغم من أن الله خلق الرجل والمرأة مختلفين في بعض النواحي الجسمانية، إلاّ أنهما متساويان روحياً. فليس هناك فرق بين روح رجل وروح امرأة. فكلاهما يمتلكان الصفات الإلهية نفسها والقدرات والمواهب نفسها. يبين حضرة عبد البهاء في أحد ألواحه:
“ثم اعلمي يا أمة الله أن النساء عند البهاء حكمهن حكم الرجال فالكل خلق لله خلقهم على صورته ومثاله أي مظاهر أسمائه وصفاته فلا فرق بينهم وبينهن من حيث الروحانيات الأقرب فهو الأقرب سواء كان رجالاً أو نساءً وكم من امرأة منجذبة فاقت الرجال في ظل البهاء وسبقت مشاهير الآفاق.”(19)
لما كانت الروح هي الحقيقة العليا في الكائن البشري، وتفوق هيكله الفاني بدرجة كبيرة، وهي أقدس أمانة من عند الله في كل شخص، إذاً يتبين أن السبب الأساسي والأجدى لمساواة الرجال بالنساء يرجع إلى حقيقة مساواة كيانهما الروحي. وهذا الجانب الأهم من جوانب المساواة غالباً ما يتم تجاهله، بالطريقة نفسها وللسبب نفسه، الذي تهمل البشرية موضوع الروح بصفة عامة.
في لوح معروف بـ”سورة وفا”([1]) يلمّح حضرة بهاء الله إلى عوالم الروح الشاسعة والتي لا حدود لها. أنزل هذا اللوح في حق واحد من مؤمني شيراز المخلصين الذي عاش في نيريز، هو الشيخ محمد حسين الملقب بـ”وفا” من قبل حضرة بهاء الله، أحد الناجين من ملحمة نيريز. كان والده الملاّ باقر إمام الجمعة في تلك المدينة، وعندما وصل وحيد إلى نيريز آمن الملاّ باقر وعدد كبير من سكان المدينة بالدعوة البابية، لكن ذُبح معظمهم في تلك الملحمة.([2]) كان الملاّ باقر وأبناؤه، بمن فيهم “وفا” من بين أولئك الذين اعتنقوا أمر حضرة الباب. ولكن نظراً لمكانته الدينية الرفيعة وصلاته الوثيقة بإمام الجمعة في شيراز، الذي كان رجلاً ذا نفوذ كبير، فقد سلم هو وأولاده من الاضطهاد وقدر لهم النجاة من ذلك النضال البطولي.
إلى جانب كونه شاعراً موهوباً، كان “وفا” محترماً من قبل سكان نيريز لصفاته النبيلة فضلاً عن علمه ومعرفته، وصار من أتباع حضرة بهاء الله المخلصين، وواحداً ممن فاض قلبه بمحبته. أنزلت “سورة وفا” في عكاء جواباً عن بعض أسئلته.
وفيما يخص عوالم الله الروحية أنزل حضرة بهاء الله هذه الكلمات:
“وأمّا ما سئلت من العوالم فاعلم بأن لله عوالم لا نهاية بما لا نهاية لها وما أحاط أحد بها إلاّ نفسه العليم الحكيم. تفكر في النوم وإنه آية الأعظم بين الناس لو يكونن من المتفكرين. مثلاً إنك ترى في نومك أمراً في ليل وتجده بعينه بعد سنة أو سنتين أو أزيد من ذلك أو أقل ولو يكون العالم الذي أنت رأيت فيه ما رأيت هذا العالم الذي تكون فيه فيلزم ما رأيت في نومك يكون موجوداً في هذا العالم في حين الذي تراه في النوم وتكون من الشاهدين. مع إنك ترى أمراً لم يكن موجوداً في العالم ويظهر من بعد. إذاً حقق بأن عالم الذي أنت رأيت فيه ما رأيت يكون عالماً آخر الذي لا له أول ولا آخر. وإنك إن تقول هذا العالم في نفسك ومستوي فيها بأمر من لدن عزيز قدير لحق. ولو تقول بأن الروح لمّا تجرّد عن العلائق في النوم سيّره الله في عالم الذي يكون مستوراً في سر هذا العالم لحق. وإن لله عالم بعد عالم وخلق بعد خلق وقُدر في كل عالم ما لا يحصيه أحد إلاّ نفسه المحصي العليم.”(1)
يثني حضرة بهاء الله على “وفا”، المقصود بهذا اللوح، ثناء كبيراً بما ثبت وأخلص في ميثاق الله. في الوقت نفسه، وبنحو مماثل، يدين المعرضين – من أهل البيان، البابيين – الذين أخفقوا في الاعتراف بمقامه. ويقول عنهم:
“لأن أكثرهم قد ضلّوا وأضلّوا ونسوا عهد الله وميثاقه وأشركوا بالله الواحد الفرد الخبير. وما عرفوا نقطة البيان لأنهم لو عرفوه بنفسه ما كفروا بظهوره في هذا الهيكل المشرق المنير. وإنهم لمّا كانوا ناظراً إلى الأسماء فلما بدّل اسمه الأعلى بالأبهى عمت عيونهم وما عرفوه في تلك الأيام وكانوا من الخاسرين.”(2)
إن “نقطة البيان” الواردة في الفقرة أعلاه هي إشارة لحضرة الباب. ولاسمه “علي” يرجع أحد ألقابه بـ”الرب الأعلى”. وعليه فإن بهذا الاسم يتميز صاحب الظهور البابي. وهكذا تشير كلمة “الأبهى” إلى اسم الله الأعظم،([3]) ويتميز بها ظهور حضرة بهاء الله وتشير هذه الكلمة إلى شخصه. وكما يتضح من الفقرة أعلاه فإن حضرته يصرح بأن مجرد استبدال الاسم واللقب قد حرم بعض البابيين من عرفان ظهوره. وفي موضع آخر من هذا اللوح يصرح حضرة بهاء الله مشيراً إلى شخصه:
“تالله إن هذا لنقطة الأولى قد ظهر في قميصه الأخرى باسمه الأبهى…
قل تالله قد نزل هيكل الموعود على غمام الحمراء وعن يمينه جنود الوحي وعن يساره ملائكة الإلهام وقضي الأمر من لدى الله المقتدر القدير.”(3)
يبين حضرة بهاء الله في هذا اللوح معنى الرجعة في يوم القيامة، وهو يوم مجيء مظهر أمر الله. إنه يوم قيام “الأموات” من قبورهم. يشرح حضرة بهاء الله في “كتاب الإيقان” بأن هذه العملية تحدث عند ظهور مظهر أمر الله وذلك بالنسبة للنفوس الميتة روحياً حينما يؤمنون به فيبعثون أحياء من خلال روح الإيمان([4]).
في “سورة وفا” يضيف حضرة بهاء الله في بيانه قوله:
“ثم اعلم بأن يوم الظهور يعود كل الأشياء عمّا سوى الله وكلها في صقع واحد ولو كان من أعلاها أو أدناها وهذ لعود لن يعرفه أحد إلاّ بعد أمر الله وإنه لهو الآمر فيما يريد. وبعد إلقاء كلمة الله على الممكنات من سمع وأجاب إنه من أعلى الخلق ولو يكون من الذين يحملون الرماد. ومن أعرض هو من أدنى العباد ولو يكون عند الناس ولياً ويكون عنده كتب السموات والأرضين.”(4)
ويشرح حضرة بهاء الله جانباً آخر في موضوع الرجعة قائلاً بأن الله سبحانه وتعالى لقادر من خلال قوته النافذة وسلطانه المطلق بأن يُظهِر في شخص ما رجعةَ صفات إنسان آخر. ويضرب حضرته مثلاً لذلك ما حصل في هذا الظهور إذ شبّه حضرة الباب الملاّ حسين – أول من آمن به – بأنه رجعة الرسول محمد ﷰ. فيما يلي كلمات حضرة بهاء الله المنزلة في “سورة وفا”:
“فاشهد في ظهور نقطة البيان جلّ كبريائه إنه حكم لأول من آمن([5]) بأنه محمد رسول الله هل ينبغي لأحد أن يعترض ويقول هذا عجمي وهو عربي أو هذا سمّي بالحسين وهو كان محمداً في الاسم؟ لا فونفس الله العلي العظيم. وإن فطن البصير لن ينظر إلى الحدود والأسماء بل ينظر بما كان محمد عليه وهو أمر الله وكذلك ينظر في الحسين على ما كان عليه من أمر الله المقتدر المتعالي العليم الحكيم.”(5)
إن ظهور حضرة الباب، كونه بشيراً ومنادياً بمجيء يوم الله، قد وُهِبَ امتيازاً خاصاً وإمكانات هائلة. وكالبذرة التي تكمن في باطنها إمكانات الشجرة الناشئة عنها، فقد تمخض أمره عن ظهور أعظم من ظهوره. وقد مجّد حضرةُ بهاء الله حضرةَ الباب مشيراً إليه بعبارات مثل: “النقطة التي تدور حولها أرواح النبيين والمرسلين“، “الذي قدره أعظم من كل الأنبياء”، “سلطان الرسل“، و”جوهر الجواهر“.
إن صاحب مثل هذا الظهور، والذي افتتح عند يوم إعلان دعوته للملاّ حسين الدورة البهائية المقدر لها أمداً لا يقل عن خمسة آلاف قرن من الزمن، قد ضم من بين الرعيل الأول من أتباعه نفوساً صدق في حقهم رجعة([6]) حقائق أنبياء الله وأصفيائه. على سبيل المثال، أسبغ حضرة الباب على الملاّ علي البسطامي، رابع حروف الحي، مقام الإمام علي بن أبي طالب، الذي يعتبره الشيعة الخليفة الشرعي لحضرة محمد ﷰ. كان ذلك حينما أرسل حضرته الملاّ علي لتسليم خطاب منه إلى الشيخ محمد حسن النجفي، أحد أقطاب الزعماء الدينيين في العراق. ففي مضمون تلك الرسالة صرح حضرة الباب جلياً بأن حامل الخطاب المذكور كان رجعة حقيقة الإمام علي.
وصف حضرة بهاء الله مقام الملاّ حسين، أول حروف الحي، بأنه “لولاه ما استوى الله على عرش رحمانيته وما استقر على كرسي صمدانيته.”(6) وكان هو نفسه الذي اعتلى جواده، في السنة الأخيرة من حياته، متوّجاً رأسه بعمامة خضراء من عمامات حضرة الباب التي أرسلها إليه مولاه، ناشراً الراية السوداء، مغادراً مدينة مشهد في خراسان متبوعاً بمائتين واثنين من رفاقه البابيين صوب مازندران حيث استشهد معظمهم على مذبح الفداء ولاء لمولاهم ومحبوبهم.([7]) فعلى شخص كهذا أسبغ حضرة الباب مقام نبي الإسلام.
أمّا القدوس، آخر حرف من حروف الحي، لكن أرفع تلاميذ حضرة الباب مقاماً، فقد أسبغ حضرته عليه مقاماً أسمى بكثير من مقام الملاّ حسين. ففي فترة حبس حضرة الباب في جبال آذربيجان، أدرك البابيون سمو مقام القدوس وتوجهوا إليه بالدرجة نفسها من التفاني والمحبة والطاعة التي أسدوها لمولاهم. وأبرز من فعل ذلك بينهم هو الملاّ حسين، فقد أظهر للقدوس من التواضع والخضوع ما كان يبديه لحضرة الباب نفسه. أمّا كيفية اعترافه بمقام القدوس فقد حدث بطريقة غامضة تشبه تجربته الخالدة حين التقى بحضرة الباب لأول مرة منذ بضع سنوات خلت.
وقد سجل النبيل هذه القصة المثيرة، والتي يكشف التمعن في قراءتها عن مشهد رائع تُرى فيه يد إرادة الله وهي توجّه كل فصل من الرواية التي قامت بأدوارها عصبة من رجال سما مقامهم إلى مقام أنبياء الله ورسله.(7)
إن أحد ألقاب حضرة الباب هو “النقطة الأولى”. وقد منح حضرةُ بهاء الله القدوسَ اللقب السامي “النقطة الأخرى” وصرح بأنه كان في عداد “أولي العزم من الرسل” الذين كُذِّبوا والمذكورين في القرآن الكريم، وقد رفع مقامه بحيث يلي مقام حضرة الباب. ربما يكون التأمل في هذه المسائل محيراً لبعض الناس. فقد يذهل العقل أمام فكرة ارتفاع مقام نفر قليل من أوائل أتباع ظهور إلهي إلى مقام رسل الله نتيجة عظمة هذا الظهور الإلهي الموعود. في “سورة وفا” يبين حضرة بهاء الله هذه النقطة مصرحاً بأن الله “يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد” وليس لأحد أن يعترض. فيما يلي نص كلماته في هذه السورة:
“وإنه لو يعيد كل الأسماء في اسم واحد وكل النفوس في نفس ليقدر وإنه لهو المقتدر القدير…
مثلاً إنه لو يأخذ كفاً من الطين ويقول هذا لهو الذي اتبعتموه من قبل هذا لحقّ بمثل وجوده وليس لأحد أن يعترض عليه لأنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وإنك لا تنظر في هذا المقام إلى الحدود والإشارات بل فانظر بما حقق به الأمر وكن من المتفرسين…
ثم اعلم بأنه في يوم الظهور لو يحكم على ورقة([8]) من الأوراق كل الأسماء من أسمائه الحسنى ليس لأحد أن يقول لِمَ وبِمَ ومن قال فقد كفر بالله وكان من المنكرين.”(8)
في “سورة وفا” يشرح حضرة بهاء الله، معنى الجنة والنار. فالجنة ليست بمكان، إنما هي القرب من الله، والنار هي البعد عنه. ويبين في هذا اللوح بأن الجنة “هي اليوم في هذا العالم حبي ورضائي.” ويقرر أيضاً بأن “لكل عمل جزاء عند ربك ويشهد بذلك نفس أمر الله.”(9) وفي الواقع، إن كل عمل ينطوي بداخله ثوابه أو عقابه، فعقاب الجاهل هو جهله، ومكافأة المتعلم هي معرفته.
في هذا اللوح موضوع آخر يخص ميرزا يحيى. فيلمّح حضرة بهاء الله إليه ولمن أيده عندما يشير إلى السامري والعِجْل.(10) وفي هذا إشارة لآيات القرآن الكريم([9]) التي تتحدث عن قصة السامري. واستناداً لذلك الكتاب كان هو الذي صنع العجل الذهبي ليعبده بنو إسرائيل أثناء غياب موسى عليه السلام.
في “سورة وفا” فقرة يمكن اعتبارها من أرفع ما نزل من القلم الأعلى من نصائح مفيدة، ففيها من المواعظ التي إذا ما نُفذت، يمكن أن تؤدي إلى فهم أفضل لحقائق أمر الله.
“وإنك يا عبد نبّيء عباد الله بأن لا ينكروا ما لا يعقلوه قل فاسئلوا الله بأن يفتح على قلوبكم أبواب المعاني لتعرفوا ما لا عرفه أحد وإنه لهو المعطي الغفور الرحيم.”(11)
عندما يعترف شخص بأن حضرة بهاء الله هو المظهر الإلهي لهذا العصر، ويعتنق دينه، فإنه يعلم بأن الكلمات التي نطق بها هي كلمات الله، وبالتالي فإن كل التعاليم والأحكام والأوامر تستند إلى أحقية الظهور الإلهي. كذلك فإن المعرفة المستمدة من كلماته هي المعيار الذي يجب أن تقاس به كل المفاهيم والمعارف البشرية. ففي “الكتاب الأقدس” ينصح حضرة بهاء الله رؤساء الأديان بقوله:
“قل يا معشر العلماء لا تزِنوا كتاب الله بما عندكم من القواعد والعلوم إنه لقسطاس الحقّ بين الخلق قد يوزن ما عند الأمم بهذا القسطاس الأعظم وإنه بنفسه لو أنتم تعلمون.”(12)
إنه أمر طبيعي لبعض الأحباء ألاّ يفهموا الحكمة وراء بعض تعاليم أمر الله، أو أن يجدوا صعوبة في تكييف آرائهم حول قضية ما مع تعاليم الدين. في مثل هذه الحالات فإن الطريقة من أجل تسوية الخلاف هي بزيادة التعمق بدراسة الكتابات المقدسة وكذلك مناقشة المشكلة مع الأحباء المتعمقين. لكن إذا فشلت كل المحاولات، ولم ينجح الشخص في التوفيق بين وجهات نظره وتعاليم أمر الله، فإن السبيل الوحيد الأكيد لإدخال الطمأنينة والقناعة إلى روحه يكمن في تنفيذ نصح حضرة بهاء الله الوارد في الفقرة أعلاه في “سورة وفا”. وبموجب ذلك يستلزم على الشخص القيام بخطوتين. أولاهما هي ألاّ يعترض على ما لا يفهمه من التعاليم. ويمكن عمل هذا عن طريق الإيمان بأن كلمة الله حق لا ريب فيها، واتخاذ موقف التواضع أمام الله. في الواقع، إذا اعترف المؤمن في ذاته بأن الإنسان غير معصوم عن الخطأ، بينما تعاليم الله نابعة ومستندة إلى الحق والصواب، فإنه يؤيَّد بقوة سماوية. والذي يصر على صواب رأيه إنما يضع حاجزاً بينه وبين الله. إن مجرد الإقرار بنقائصه وعجزه هو نقطة الانطلاق لتسوية صراعه الفكري والتوصل إلى الحقيقة.
الخطوة الثانية هي التوجه بالدعاء بحرارة عسى الله أن يفتح للمؤمن الطالب “أبواب المعاني“. هذه هي المرحلة التي يستنير فيها قلب المؤمن بنور العرفان الباطني “فيعرف” الأشياء التي لم يستطع إدراكها من قبل. يتحقق عرفان الله والفهم الحقيقي لتعاليمه عندما يتوجه المؤمن إلى الله بروح من التواضع والخضوع المطلق، ويفتح قلبه تماماً لفيوضات وحيه. عندئذ فقط ستجد أمطار غمام ربيع الفضل الرحماني الذي لا ينضب، طريقها لإسقاء شجرة العرفان والحكمة وإنمائها في الفؤاد حيث تؤتي ثمارها من الفهم والمعرفة في تمام الوقت. عند بلوغ هذا المقام، سيكون في متناول الفرد استيعاب كلمة الله وفهمها، واكتشاف الأسرار العديدة الكامنة في الظهور الإلهي. إن معرفة الحقيقة الروحية تتأتى عن طريق قلب الإنسان. هناك حديث في الإسلام، يؤكده حضرة بهاء الله في “كتاب الإيقان”، ينص بأن “العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء”. وهذه هي المعرفة التي تنبع من فؤاد المؤمن وهي مستقلة عن التعليم المكتسب.
من الألواح الأخرى التي أعلن فيها حضرة بهاء الله بعض تعاليمه الأساسية هو لوح “الكلمات الفردوسية”.([1]) أنزل هذا اللوح قبل صعود حضرته من هذا العالم بعامين تقريباً وذلك في حق حواريه الأمين الحاج ميرزا حيدر علي. إن نصائح حضرة بهاء الله ووصاياه في هذا اللوح لا تقل في أهميتها وتحريكها للأرواح عما سبق عرضه من ألواح أخرى في هذا المجلد.
في هذا اللوح يدعو حضرة بهاء الله أهل البهاء “أن ينصروا الرب ببيانهم ويعظوا الناس بأعمالهم وأخلاقهم“. ويصرح بأن “الإنسان يرتفع بأمانته وعفته وعقله وأخلاقه“، ويعتبر “خشية الله الحفظ المبين والحصن المتين لعموم أهل العالم”،([2]) ويوصي الملوك والسلاطين والرؤساء والأمراء والعلماء والعرفاء بالتمسك بالدين إذ إنه “السبب الأعظم لنظم العالم واطمئنان من في الإمكان”، ويعظم من شأن أمره ومقامه ويومه،([3]) وينصح أتباعه بالتمسك الشديد بالاتحاد والاتفاق، ويحضهم على الاشتغال بنصرة أمر الله، وينصح علماء الأمم بأن “غضوا الأعين عن التجانب والابتعاد وانظروا إلى التقارب والاتحاد وتمسكوا بالأسباب التي توجب الراحة والاطمئنان لعموم أهل الإمكان”، ويصرح بأن “وجه الأرض عبارة عن شبر واحد ووطن واحد ومقام واحد”، ويقرر بأن “نظام العالم يستقر ويستحكم على أساسين هما الوعد والوعيد” أي المجازاة والمكافاة،([4]) ويحذر بأن “إصلاح مفاسد العالم القوية القاهرة مستحيل إلاّ باتحاد أحزاب العالم في الأمور أو مذهب من المذاهب”، ويوصي “إن دار التعليم في الابتداء يجب عليها أن تعلّم الأطفال شرائط الدين”،([5]) ويحث على اتخاذ لغة عالمية، ويصرح بأن “المحبوب في كل أمر من الأمور هو الاعتدال.” ويزيد موضحاً بأن التجاوز فيها يصير “سبب الإضرار”.
كذلك يلفت حضرة بهاء الله الانتباه في “الكلمات الفردوسية” إلى أن “الانزواء والرياضات الشاقة غير فائزة بعز القبول”،([6]) مبيّناً أن هذه الممارسات والأمور نشأت “من أصلاب الظنون وتولدت من بطون الأوهام، ولم تَلِقْ لأهل العالم ولن تليق”. ويشير أيضاً للمتصوفين([7]) بقوله إن سلوك بعضهم كان “سبب الخمود والانزواء”. ويشجب حضرته أسلوب حياتهم الذي “يحط من مقامهم ويزيد في غرورهم”، وينصح بقوله “لا بد أن يظهر من الإنسان ثمر لأن الإنسان الخالي من الثمر كما نطق به حضرة الروح بمثابة الشجر بلا ثمر. والشجر بلا ثمر لائق للنار.”
إن أكثر التعاليم المقتبسة من “الكلمات الفردوسية” قد جاء ذكرها في ألواح أخرى ونقلت بتفصيل أكثر في هذا المجلد.
في هذا اللوح يوجه حضرته أمناء بيت العدل الأعظم للتشاور فيما لم ينزل من أحكام منصوصة في “الكتاب الأقدس” وإجراء ما يستحسنونه ويأمرهم “بحفظ العباد وصيانة الإماء والأطفال”.
لقد أنزل حضرة بهاء الله حدود هذه الدورة وأحكامها التي قدر لها أن تدوم لا أقل من ألف سنة. ووصفت هذه الأحكام بأنها لحمة وسداة نظمه العالمي، وستبقى نافذة ولا يمكن أن ينقضها أو ينسخها أحد سوى مظهر الله التالي. إلاّ أن هناك بعضاً من الأحكام ارتأت حكمة حضرة بهاء الله عدم وضعها، لأن بعضها ذات طبيعة مؤقتة قد تتبدل بمرور الزمن. في نطاق هذه الأحكام منح بيت العدل الأعظم السلطة لإجرائها. ولبيت العدل أيضاً أن يبتّ في أي أمر من الأمور غير المنصوصة أو المفصلة في الكتابات المقدسة، إلى جانب الحكم في تطبيق ما أنزل حضرة بهاء الله من أحكام وحدود ووضعها موضع التنفيذ.([8])
وتبياناً لعظمة ظهوره، أنزل حضرة بهاء الله في “الكلمات الفردوسية” هذه الكلمات التي تبعث على التفكر والتأمل:
“يا حزب الله إن اليوم عظيم والنداء مرتفع. وفي لوح من الألواح نزلت هذه الكلمة العليا من سماء المشية ولو بُدلت قوة الروح بتمامها بالقوة السامعة لأمكن أن يقال إنها لائقة لإصغاء هذا النداء المرتفع من الأفق الأعلى. وإلاّ فهذه الآذان المدنسة لم تكن لائقة لإصغائها ولن تكون. طوبى للسامعين وويل للغافلين.“(1)
تشير هذه الكلمات المباركة جلياً بأن ليس في عالمنا هذا من هو لائق حقاً لاعتناق هذا الأمر الإلهي. وما أعظم الفرق بين ضخامة “عالم الروح عند تحويله بتمامه إلى القوة السامعة” وبين ضعف الكائن البشري! وما أوسع الفرق بين مجد ظهور الله وبين تعلق الإنسان بالأمور الدنيوية! أما أن هناك من اعترف بمقام حضرة بهاء الله واعتنق دينه، فيرجع ذلك إلى فضل الله وَجُوده وليس لجدارة الإنسان. إن الخليقة أوجدت من فيض الله وعطيته، لا من عدله، وهكذا الحال بالنسبة لوحيه وظهوره. فالإنسان بذاتيته المحدودة، لا يستحق مثل هذا العطاء المجيد من خالقه. ويشهد بذلك المؤمن البهائي ويعترف كل يوم وهو يؤدي إحدى الصلوات المفروضة بقوله:
“إلهي إلهي عفوك شجعني ورحمتك قوّتني وندائك أيقظني وفضلك أقامني وهداني إليك وإلاّ مالي وشأني لأقوم لدى باب مدين قربك أو أتوجّه إلى الأنوار المشرقة من أفق سماء إرادتك. أي رب ترى المسكين يقرع باب فضلك والفاني يريد كوثر البقاء من أيادي جودك لك الأمر في كل الأحوال يا مولى الأسماء ولي التسليم والرضاء يا فاطر السماء.”(2)
ولو أن الإنسان غير لائق، لكن يمكنه أن يبلغ مقاماً تنعكس فيه السجايا الملكوتية وذلك إذا ارتدى قميص الإيمان. لأن عن طريق الإيمان والتصديق بمظهر الله لهذا العصر يصبح الشخص مهبط العون والمدد السماوي من الملأ الأعلى.
نقل عن حضرة عبد البهاء بأنه نطق بالكلمات التالية في سياق خطابه في وداع أول مجموعة من الحجاج الغربيين الذين تشرفوا بزيارته في عكاء سنة 1899م:
“والآن هاكم وصية ستكون عهداً بينكم وبيني. ذلك بأن تؤمنوا، وأن يكون إيمانكم ثابتاً راسخاً كالصخرة التي لا تهزها العواصف ولا شيء يزعزعه، بل يظل باقياً حتى النهاية، بحيث حتى لو سمعتم أن مولاكم قد صلب فإن إيمانكم لن يتزعزع، فإنني دوماً معكم حياً كنت أو ميتاً، إنني معكم حتى النهاية. وعلى قدر إيمانكم سيكون حظكم من القدرة والبركات. هذا هو الميزان. هذا هو الميزان. هذا هو الميزان.”(3)
في “الكلمات الفردوسية” وجّه حضرة بهاء الله هذه الكلمات المتحدية إلى رجال الدين:
“قل يا معشر العلماء هل تعترضون على قلم إذا ارتفع صريره استعد ملكوت البيان لإصغائه وخضع كل ذكر عند ذكره العزيز العظيم. اتّقوا الله ولا تتّبعوا الظنون والأوهام. اتّبعوا من أتاكم بعلم مبين ويقين متين.”(4)
لقد ارتفع صرير قلم حضرة بهاء الله وسط شعوب العالم، لكن القليل منهم استيقظوا على ندائه وهو يعلن للبشرية جمعاء مجيء يوم الله. وقد سبق شرح معنى “صرير القلم” وأهميته بإيجاز في مجلد سابق،([9]) حيث يرد استعمال هذه العبارة باستمرار في الكتابات المباركة. كذلك تظهر عبارة “ملكوت البيان” في كثير من كتابات حضرة بهاء الله. ويستعمل حضرة بهاء الله كلمة “الملكوت” في نطاق مفهومها المعتاد تعبيراً عن عوالم الله الروحية التي لا يمكن لإنسان فهمها. فهناك مثلاً “ملكوت الأمر”، “ملكوت الخلق”، “ملكوت القدرة والاقتدار”، “ملكوت الأرض والسماء”، “ملكوت المجد”، “ملكوت الأسماء”، وغيرها كثير. أما أن يكون “ملكوت البيان” قد “استعد لإصغاء” “صرير قلمه” الأعلى إذا ما ارتفع فإنه تصريح عجيب مذهل، وإن دل على شيء فإنما يدل على مدى عظمة ظهور حضرة بهاء الله. ويضيف مُنزلاً هذه الكلمات:
“بحر البيان ينادي ويقول يا أهل الأرض انظروا إلى أمواجي وما ظهر مني من لئالىء الحكمة والبيان اتقوا الله ولا تكونوا من الغافلين.
لقد قام اليوم عيد عظيم في الملأ الأعلى إذ ظهر كل ما وُعد به في الكتب الإلهية. وهو يوم الفرح الأكبر. يجب على الكل أن يقصدوا بساط القرب بكمال الفرح والنشاط والسرور والانبساط وينجوا أنفسهم من نار البعد.”(5)
يصرح حضرة بهاء الله في سياق لوح(6) أنزله بحق الحاج محمد “علاقه بند”، أحد أتباعه المخلصين في يزد، سنة 1887–1888م، بأنه: “لعمر الله حين النزول حضر أهل الفردوس الأعلى والجنة العليا لإصغاء النداء الذي ارتفع بين الأرض والسماء.” وفي لوح آخر يشهد أنه لو أمكن لرجال الدين والعلم الورود في محضره([10]) حين نزول كلمة الله، لما بقي أمامهم اختيار سوى الإقرار بأحقية أمره. ولمؤمن آخر يلمّح حضرة بهاء الله في لوح(7) بأنه “لو كان حاضراً حين النزول لأخذك جذب الوحي على شأن وجدت ذاتك طائراً إلى مقام تخطف منه الأبصار.”
وفي أحد ألواحه(8) يكشف حضرة بهاء الله عن مدى غزارة نزول آيات الله في هذه الدورة. يتبين من لهجة هذا اللوح أنه أنزل قرب نهاية حياته الأرضية، ويذكر فيه كيف كان كاتب وحيه، ميرزا آقا جان، منهمكاً بتحرير آيات الله الهاطلة من غيث سماء الوحي باستمرار “من العشي إلى الإشراق ومن الإشراق يجري قلمه على الألواح إلى الأصيل“. ويصف أيضاً كيف كانت في الأيام السالفة “تنزل الآيات من الإشراق إلى الإشراق ومن الأصيل إلى الأصيل ولا يتوقف لسان الله في أقل من آن إلاّ لأمر آخر.” يؤكد هنا بأن لسان العظمة “في تلك الأيام من الضعف الذي أخذني لا يرتفع الصوت من فم القِدم…” يضيف مبيّناً بأنه حين نزول ذلك اللوح “لو أنطق في ساعةٍ يمنعني الضعف في ساعةٍ أخرى.” ولكن متى عاود فإن “حين النزول ياخذني الشوق على شأن تهتز جوارحي من حب الله العزيز المحبوب.” وينسب حضرة بهاء الله ضعف جسده هذا إلى ما “اكتسبت أيدي الذين يظلمون ولا يشعرون“. فقد تسببوا في منع “نغمات الله” عن الورى. لكنه يطمئن صاحب اللوح قائلاً: “ادعُ الناس من قلمي كما دعوتهم بلساني ولا أتوقّف فيما أُمرت به إلى أن يصعد الروح إلى مقر العظمة والكبرياء.”
في “الكلمات الفردوسية”، كما في ألواحه الأخرى، يوبخ حضرة بهاء الله أهل “البيان”، أتباع ميرزا يحيى، لضلالهم وجهلهم. فيخاطبهم قائلاً:
“سبحان الله إن المعرضين من أهل البيان لم يُعلم بأي حجة وبرهان أعرضوا عن سيد الإمكان. فإن مقام هذا الأمر فوق مقام ما ظهر ويظهر.”(9)
ثم ينطق بهذا البيان الذي لا يمكن إلاّ أن يوصف بالمذهل:
“ولو حضر اليوم نقطة البيان([11]) وتوقف في التصديق – والعياذ بالله – لكان مصداقاً للكلمة المباركة التي نُزلت من مطلع بيانه حيث قال وقوله الحق: حقّ لمن يظهره الله أن يردّ من لم يكن أعلى منه فوق الأرض. قل أيها الجهلاء إن حضرته ينطق اليوم بأنني أنا أول العابدين. فبضاعة عرفان الناس مُزجاة وقوة إدراكهم ضعيفة. شهد القلم الأعلى بفقرهم وغناء الله رب العالمين.“(10)
ويخاطب أيضاً ميرزا يحيى، أخاه الخائن، بهذه العبارات المتحدية مذكراً إيّاه بالأيام التي طالما أملى فيها عليه من فيوضات الوحي وكان يكتبها بنفسه ثم يسمح لأخيه أن ينشرها باسمه، بصفته زعيم البابيين:
“قل يا يحيى فأت بآية إن كنت ذا علم رشيد. هذا ما نطق به مبشري من قبل. وفي هذا الحين يقول إنني أنا أول العابدين. أنصف يا أخي هل كنتَ ذا بيان عند أمواج بحر بياني وهل كنتَ ذا نداء لدى صرير قلمي وهل كنتَ ذا قدرة عند ظهورات قدرتي. أنصف بالله ثم اذكر إذ كنتَ قائماً لدى المظلوم ونلقي عليك آيات الله المهيمن القيوم إيّاك أن يمنعك مطلع الكذب عن هذا الصدق المبين.”(11)
كما يوبخ حضرة بهاء الله في هذا اللوح شخصاً آخر، من المسلمين، هو الحاج الملاّ هادي السبزواري، من فلاسفة ذلك الوقت المشهورين والشعراء المعروفين، والذي توفي سنة 1873م. كتب عدة كتب في الفلسفة الإلهية، وكتاباته متوفرة في أسلوبَي الشعر والنثر. في إحدى قصائده يتفاخر الملاّ هادي بإدراكه الروحي. يُعتقد أن موسى، عليه السلام، سمع صوت الله من الشجرة المحترقة، ويصرح الملاّ هادي في قصيدته بأن موسى ليس موجوداً في هذا اليوم وأن النداء “إني أنا الله”، يمكن أن يُسمع من كل شجرة. ونظراً لهذا الادعاء فإن حضرة بهاء الله في عدة ألواح فضح جهل هذا الرجل وكذبه في ادعائه المذكور من حيث كونه قد فشل في الاستماع لنداء حضرته في يوم الله العظيم. ويشير إليه في “الكلمات الفردوسية” قائلاً:
“قال الحكيم السبزواري لم توجد آذان واعية وإلاّ فزمزمة سدرة الطور موجودة في كل شجرة. وقد خاطبنا ذلك الحكيم المذكور المشهور في لوح أحد الحكماء السائل عن بسيط الحقيقة بأنه إذا كانت هذه الكلمة في الحقيقة صدرت منك فَلِمَ لَمْ تسمع نداء سدرة الإنسان المرتفع من أعلى مقام العالم. وإن كنت سمعت ومنعك عن الجواب الخوف والمحافظة على روحك فمثل هذا الشخص لم يكن ولن يكون لائقاً للذكر وإن لم تسمع فإنك محروم عن السمع. وبالجملة إنهم في القول فخر العالم وفي العمل عار الأمم.
إنا نفخنا في الصور وهو قلمي الأعلى وانصعق منه العباد إلاّ من حفظه الله فضلاً من عنده وهو الفضال القديم.”(12)
والرجل الذي ذُكر في “الكلمات الفردوسية” بالود والعطف هو ميرزا أبو القاسم الفراهاني، الملقب بـ”القائم مقام”. ولو أنه لم يُذكر بالاسم، لكن أشير إليه في اللوح بعبارة “سيد مدينة الإنشاء والتدبير”. كان هذا الرجل معاصراً لوالد حضرة بهاء الله وصديقاً وفياً له، وشخصاً مكرماً مبجلاً لدى بلاط فتح علي شاه([12]) نظراً لحكمته واستقامته وكرمه وشجاعته ووقاره إلى جانب علمه ومعرفته. كان كاتباً ذا موهبة عالية واعتبرت مؤلفاته من أفضل ما عُرف في مجال الأدب. وكرجل سياسة كان قديراً جداً، وقد وصفه حضرة عبد البهاء بأنه في مقدمة رجالات إيران قاطبة. أصبح رئيساً للوزارة سنة 1821م واستمر في هذا المنصب حتى عهد محمد شاه (1834–1848م). في بلاد عمّت فيها المظالم والفساد، كان ملتزماً بمعايير العدل والأمانة والصدق. تآمر عليه أعداؤه عن طريق تسميم عقل الشاه وجعله يعتقد بأن رئيس وزرائه يوشك على الإطاحة به. وفعلاً استولت هذه المفتريات على عقل محمد شاه وملأته ذعراً. وفي عام 1835م تم إعدام القائم مقام في طهران بأمر من الشاه.
يصعب أن نجد في كتابات حضرة بهاء الله كلمة ثناء موجهة لأية سلطة حكومية في إيران. لكن الثناء الذي اختص به القائم مقام لهو شيء فريد ويدل على عظمة هذا الرجل. وبهذا الخصوص يصرح حضرة بهاء الله بأن من أشنع كبائر محمد شاه خلال حكمه هي نفي حضرة الباب إلى قلعة ماه كو، وقتل القائم مقام.
ولكن الله يكافئ عباده المخلصين بطرق غامضة. فأحد أحفاد القائم مقام، ميرزا آقا خان، الملقب “قائم مقامي” قد ورث عن جده كل صفاته البارزة. فقد كان مثالاً للوقار والكرم والشجاعة، ورجل ثقافة وإطلاع واسع. نشأ في بيت أسرته الفاخر في “أراك”. وفي إحدى جولاته التبليغية وصل السيد أسد الله القمي، وكان من مبلّغي أمر الله المشهورين،([13]) إلى “أراك”. فدعاه والد ميرزا آقا خان، الذي كان شخصاً متحرراً واسع الأفق، إلى منزله مع علمه بأن ضيفه من المبلّغين البهائيين. في حينه كان ميرزا آقا خان ما يزال شاباً مسلماً متحمساً لدينه. فشعر بسخط شديد لسماح والده باستضافة بهائي في المنزل، وصمم على وضع حد لذلك. فهمّ بمهاجمة السيد أسد الله، اعتقاداً منه بأن قتله بهائياً سيكسبه مرضاة الله، لكن سرعان ما هدّأ الضيف هيجانه بلطافته وسحر شخصيته الودودة. وسرعان ما وُجد ميرزا آقا خان في ذلك المنزل وقد انقلب مزاجه بحيث جلس مسحوراً عند قدمَي السيد أسد الله يصغي لحديثه وما يطرحه من براهين تثبت أحقية مقام حضرة بهاء الله. وقد بلغ تأثره وقناعته بقوة الحجج هذه، إضافة لما شهده من نورانية روحه، أن أصبح كل من ميرزا آقا خان وابن عمه من المؤمنين المتحمسين.
مع مرور الوقت أصبح ميرزا آقا خان من البهائيين البارزين حقاً، فقد جمع الآن إلى نبل خلقه وشهامته قوة الإيمان. فقام على خدمة أمر الله بحماسة وإخلاص قلّما وجد في معاصريه مثيلها. تمكّن في البداية من كسب قوته وأصبح مستقلاً عن ثروة أبيه، لكنه سرعان ما واجه مصاعب مالية خطيرة. بعد ذلك رأى حلماً شاهد فيه حضرة بهاء الله يشير عليه بالتوجه إلى تلة قريبة ووجّهه لحفر موضع معين على جانب التلة واستخراج مكنوزات ثمينة مدفونة فيها. فقام ميرزا آقا خان الذي لم يراوده شك في صحة منامه، بالحفر ووجد كمية كبيرة من تحف ومجوهرات لا تقدر بثمن، وبذلك أصبح من أغنى رجال “أراك” وأكثر سكانها نفوذاً. خلال حياته الطويلة استعمل ثروته الهائلة ونفوذه لدعم مصالح أمر الله الذي أحبه وأجاد في خدمته، ورغم غناه عاش حياة بسيطة جداً، لكنه كان درعاً قوياً للمؤمنين وهادياً وملجأً للمضطهدين والمحتاجين. وقد أكسبته صفات الكرم والنبل والشهامة ورعاية رفاه الناس، ودّهم واحترامهم عموماً والبهائيين خصوصاً.
في لوح من حضرة عبد البهاء موجّه له(13) يصرح بأن جده، القائم مقام، ينعم في الملكوت الأبهى، إذ قد يسر الله لحفيده بأن يكون آية الهدى للناس، وحامل راية الملكوت ومظهر المواهب السماوية.
كما أشير سابقاً فإن “الكلمات الفردوسية” قد أنزلت قبل صعود حضرة بهاء الله بعامين تقريباً. مع هذا ورد في طياتها هذه النبوءة التي سرعان ما كشفت حقيقتها بعد عقود قلائل من الزمن عندما اكتشفت الطاقة النووية:
“إن في الأرض أسباباً عجيبة غريبة. ولكنها مستورة عن الأفئدة والعقول. وتلك الأسباب قادرة على تبديل هواء الأرض كلها. وسمّيّتها سبب للهلاك.”(14)
من الجدير بالذكر أن حضرة عبد البهاء، نطق بهذه الكلمات في باريس في عام 1911، خلال حوار جرى بينه وبين سفير اليابان لدى إسبانيا، الفيكونت أرواكا:
“إن المكتشفات العلمية قد طورت ورفعت من شأن المدنية المادية. وتوجد هناك قوة جبارة هائلة لم يكتشفها الإنسان، لحسن الحظ، حتى الآن. ولنصلي متضرعين إلى الله المحبوب عسى ألاّ يكتشفها العلم إلى أن تهيمن المدنية الروحانية على العقل البشري. وإذا تيسرت هذه الطاقة والقوة بأيدي رجال ذوي طبيعة مادية دنيا، فيمكنها تدمير الأرض بكاملها.”(15)
في مجلد سابق([14]) وردت إشارة إلى كلمات من حضرة بهاء الله بخصوص اكتشاف “الخيمياء” أو الكيمياء القديمة، لتحويل العناصر، والتي يربطها حضرته بوقوع كارثة عظمى في العالم أجمع. ومن المعلوم الآن أن عملية تحويل العناصر ممكنة من خلال عمليات نووية معينة.
إن الفقرة التالية من “الكلمات الفردوسية” بحاجة إلى بعض التفسير. يلاحظ في كثير من ألواح حضرة بهاء الله النازلة في أواخر فترة عهده أنه كشف لبعض تلاميذه المخلصين عن كرب فؤاده بسبب سوء تصرف عدد قليل ممن يدعون بالمؤمنين الذين تحالفوا مع أنصار ميرزا يحيى في الآستانة سعياً منهم إلى تلطيخ السمعة الطيبة لأمر الله وصاحبه. وقد سببت تلك الحادثة المؤلمة حزناً عظيماً لحضرة بهاء الله قرب نهاية حياته الأرضية.
“يا أيها الناظر إلى الوجه. قد ورد في هذه الأيام ما كان سبباً للحزن الأكبر. ظهر من بعض الظالمين الذين ينسبون أنفسهم إلى الحق ما ارتعدت به فرائص الصدق والأمانة والعدل والإنصاف. ومع ظهور كمال العناية في حق ذلك الشخص المعلوم وإجراء العطاء له فعل ما بكت به عين الله ولقد ذكرنا من قبل ما يوجب التذكر والانتباه وسترنا سنين لعله ينتبه ويرجع فلم يظهر لذلك أثر. وقام أخيراً بتضييع أمر الله أمام وجوه الخلق وهتك ستر الإنصاف ولم يرحم نفسه ولا أمر الله. والآن قد غلب حزن أعمال بعض الآخرين على حزن أعماله. أطلبُ من الحق أن يؤيد النفوس الغافلة على الرجوع والإنابة إنه هو الغفار وهو الفضال الكريم.”(16)
إن “الشخص المعلوم” الوارد ذكره أعلاه هو محمد علي الإصفهاني، وينبغي عدم الخلط بينه وبين السيد محمد الإصفهاني، دجال دورة حضرة بهاء الله. في الفصل 25 من هذا المجلد سرد موجز لهذه الواقعة.
إن الألواح التي تدفقت من القلم الأعلى بعد نزول “الكتاب الأقدس” لا تعد ولا تحصى.
وقد صدرت مجموعة من هذه الألواح بعضها بلغتها العربية الأصلية وبعضها الآخر مترجماً عن الفارسية في “مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله النازلة” (نزّلت بعد الكتاب الأقدس).
نزل هذا اللوح([1]) باللغة العربية ووجّه لمؤمن بهائي من أصل مسيحي. ويُعتقد أن الشخص المعني هنا هو فارس أفندي السوري، والذي وردت في مجلد سابق([2]) الظروف العجيبة لقصة اعتناقه أمر الله، لكن ليس هناك حتى الآن أي دليل دامغ لإثبات ذلك. كل ما يمكننا قوله هو أنه ربما كان مستلم هذا اللوح. وكان حضرة بهاء الله قد سبق أن أنزل قبل هذا اللوح بعض الألواح لمسيحيين،([3]) لكن “اللوح الأقدس” يبدو أنه أول لوح هام لشخص مؤمن من أصل مسيحي.
في هذا اللوح يعلن حضرة بهاء الله رسالته للمسيحيين خصوصاً. فيصرح لهم، بعبارات واضحة لا لبس فيها، بأنه أتى بمقام الأب الذي بشر به المسيح، الابن، ووعد بمجيئه، وبه قد ظهر روح الحق للبشر. وبهذه الكلمات يصف ظهوره الأعظم للمسيحيين الذين دعاهم بـ”ملأ الابن”.
“قد اتّصل نهر الأردن بالبحر الأعظم والابن في الوادي المقدس ينادي لبيك اللهم لبيك والطور يطوف حول البيت والشجر ينادي قد أتى المقصود بمجده المنيع. قل قد جاء الأب وكمل ما وعدتم به في ملكوت الله هذه كلمة التي سترها الابن إذ قال لمن حوله أنتم اليوم لا تحملونها فلما تم الميقات وأتى الوقت أشرقت الكلمة من أفق المشيّة إيّاكم يا ملأ الابن أن تدعوها عن ورائكم تمسكوا بها هذا خير لكم عمّا عندكم…”(1)
في فقرة أخرى من اللوح يلوم المسيحيين لعدم اعترافهم به، مشبّهاً إيّاهم باليهود وقت مجيء السيد المسيح:
“قل يا ملأ الابن ءإحتجبتم باسمي عن نفسي ما لكم لا تتفكرون. كنتم ناديتم ربكم المختار بالليل والنهار فلمّا أتى من سماء القدم بمجده الأعظم ما أقبلتم وكنتم من الغافلين.
فانظروا في الذين أعرضوا عن الروح([4]) إذ أتاهم بسلطان مبين. كم من الفريسيين اعتكفوا في الهياكل باسمه وكانوا أن يتضرعوا لفراقه فلمّا فتح باب الوصال وأشرق النور من مشرق الجمال كفروا بالله العلي العظيم وما فازوا بلقائه بعد الذي وعدوا به في كتاب إشعيا وعن ورائه في كتب النبيين والمرسلين. وما أقبل منهم إلى مشرق الفضل إلاّ الذين لم يكن لهم عزّ بين الناس واليوم يفتخر باسمه كل ذي عزّ مبين واذكروا إذ أفتى على قتله من كان أعلم علماء مصره في عصره وآمن به من كان يصطاد الحوت فاعتبر وكن من المتذكرين.
كذلك فانظر في هذا الزمان كم من الرهبان اعتكفوا في الكنائس ويدعون الروح فلمّا أتى بالحقّ ما تقرّبوا إليه وكانوا من المبعدين.”(2)
في هذا اللوح يخاطب حضرة بهاء الله رجال الدين المسيحيين من رهبان وأساقف وقسيسين، ويعلن لهم بشائر ظهوره:
“قل يا ملأ الأساقف أنتم أنجم سماء علمي، فضلي لا يحب أن تتساقطوا على وجه الأرض ولكن عدلي يقول هذا ما قضي من لدى الابن ولا يتغير ما خرج من فمه الطاهر الصادق الأمين.”(3)
في هذا إشارة إلى فقرة في الأناجيل بخصوص سقوط النجوم الذي يشير إلى مجيء الرب. ولقد شرح حضرة بهاء الله في ألواحه بأن المقصود من “النجوم” هنا رجال الدين الذين كانوا نجوم الهداية في الدورة المسيحية ولكنهم الآن سقطوا لعدم اعترافهم بحضرته في هذا اليوم حين مجيئه بمجد الآب. إن هذا الموضوع، إلى جانب سقوط الشهب عام 1866م، قد تم بحثهما بتفصيل أكبر في مجلد سابق.([5])
ويخاطب حضرة بهاء الله في ألواح أخرى بتصريحات مماثلة، أرستقراطية الكنيسة، ناصحاً ومنبهاً إيّاهم بهذه الكلمات المتحدية:
“قل يا معشر المطارنة قد ظهر مولى البرية إنه في برّ الهدى يدعو الورى وأنتم من الميّتين. طوبى لمن تحرّك من نسمة الله وقام عن بين الأموات بهذا الاسم المبين. قل يا ملأ الأساقفة قد أخذت الزلازل كل القبائل والرب الأبدي ينادي بأعلى النداء بين الأرض والسماء طوبى لأذن سمعت ولعين رأت ولقلب أقبل إلى قبلة من في السموات والأرضين.”(4)
“يا معشر القسّيسين قد ظهر يوم الدين وفيه أتى من كان في السماء وإنه لهو الذي وعدتم به في كتب الله المقدس العزيز الحميد. إلى متى تركضون في بيداء الغفلة والأوهام توجّهوا بالقلوب إلى شطر ربكم الغفور الكريم.”(5)
وفي “اللوح الأقدس” أيضاً يخاطب حضرة بهاء الله قساوسة المسيحية. وهنا جزء من خطابه:
“قل يا ملأ القسيسين دعوا النواقيس ثم اخرجوا من الكنائس ينبغي لكم اليوم بأن تصيحوا بين الأمم بهذا الاسم الأعظم أتختارون الصمت بعد الذي كل حجر وشجر يصيح بأعلى النداء قد أتى الربّ ذو المجد الكبير.”(6)
بهذه الكلمات الآمرة دعا حضرة بهاء الله رجال الدين المسيحي لكي يخرجوا من كنائسهم ويعلنوا ظهور أمره للبشرية جمعاء. لكن نداءه في أغلب الحالات أصاب آذاناً صماء. فعدد قليل جداً بين قادة الكنيسة المسيحية أبدى حتى الآن اهتماماً بنداء حضرة بهاء الله المدوي والمعلن مجيء يوم الله.
ومن أبرز تلك الفئة القليلة من رجال الكنيسة الذين اعترفوا بمقامه وقاموا على خدمة أمره، كان الإيرلندي جورج تاونزند، الذي شغل لفترة منصب كاهن في كاتدرائية القديس پاتريك في دبلن، ورئيس الشمامسة في كلونفيرت. كان رجلاً فذاً، من العمالقة الروحيين، وكاتباً وعلاّمة بارزاً كرس حوالي أربعين سنة من عمره في خدمة دين حضرة بهاء الله ودعمه، وفي أواخر فترة حياته عيّنه ولي أمر الله، حضرة شوقي أفندي، بين أيادي أمر الله. ولد جورج تاونزند في إيرلندا قرب وقت نزول “اللوح الأقدس”. كان أول سماعه بمجيء حضرة بهاء الله في أواخر عام 1916م خلال ولاية حضرة عبد البهاء. وبعد أن اجتاز وادي البحث ودخل مدينة الإيقان، أعلن إيمانه عبر أبيات قصيدة شعرية وجهها لحضرة عبد البهاء، وهي قصيدة تدل على عمق إيمانه وفهمه:
مرحباً بسليل البهاء، الذي أفاض ببيانه على العالم سرور العرفان الإلهي وإشراق يوم هو أعظم الأيام.
تحية وإقراراً بجميلك وثنائك يا شاعر الغيب والأسرار والمغرد الولهان بأوصاف جمال الرحمن.
تحية من طفل كان هائماً في الظلام حالماً بطلوع الأنوار،
حتى بُهتَ بمشاهدة سنائك ساطعاً في الآفاق،
ناثراً البهجة والبهاء وماحياً آثار الظلام.
ولم أشاهد من نجم آخر سواك.
شممت شذى كلماتك فإذا بها عطر مسك الجنة،
وشعاع من مشكاة مضيء من علياء عالم أقدس.
وسهام من نار ثاقب تبطش اللويثان وهي تلقى في وسط ديجورنا.
يا سيف الأب! ما من أحد غيرك يقدر أن يهتك ظلمة حجاب بصيرتي.
وما من أحد غيرك يستطيع بسيف قدرة الله،
أن يجتث الخطايا عن أركاني ويمنحني القوة على القيام والإقبال للنور الأكمل،
انظر! فإنك بنفخة أنعشت أحزاني بحلاوة الرجاء والإيمان،
وصدحت بمناجاة الغبطة والحبور في شغاف القلب سيتردد أبداً صداها.
والسبيل لعرفان الله حقاً صار يومض أمامي وينجلي دليلاً يقي قدمي العثرات والزلل.
فتقبّل مديحاً وثناء غير لائق يخرج من صدر طير خافق،
ينشد وحيداً أنشودته صوب سماء لاهبة لا نهاية لها،
وهكذا دعني أرفع إليك في أوج عليائك من عمق سحيق هذه صرخة الإنسان الكسير.(7)
في “اللوح الأقدس” يصرح حضرة بهاء الله قائلاً:
“قل إنه قد أشرق من جهة الشرق وظهر في الغرب آثاره.“(8)
ومنذ أوائل أيام ظهوره، تنبأ حضرة بهاء الله بأن أمره سوف يصل إلى الغرب ومن هناك تنتشر أنواره إلى كل الجهات. وعندما كان في الآستانة قبل إعلان دعوته، كتب في “المثنوي”([6]) الذي أنزله داعياً نفسه للكشف عن مجده للبشرية لكي تشرق شمس ظهوره من الغرب.
وقد صرح حضرة عبد البهاء أيضاً:
“منذ بدء الزمن وحتى الوقت الحاضر، كانت أنوار الظهور الإلهي تطلع من الشرق وتلقي ضياءها على الغرب. إلاّ أن هذا النور المنعكس اكتسب سطوعاً باهراً. تدبروا مثلاً الدين الذي جاء به يسوع المسيح. ولو أنه ظهر في الشرق، إلاّ أن قدراته الكامنة لم تظهر كاملة إلاّ بعد وصولها إلى الغرب.”
“وهكذا سيأتي اليوم الذي ترون فيه الغرب، بفضل عظمة وسناء دين حضرة بهاء الله، يحل محل الشرق في إشعاع نور هداية السماء.”
“وقد وردت في كتب الأنبياء بعض البشارات وهي دون ريب صحيحة. فالشرق كان دوماً مطلع شمس الحقيقة. ومن الشرق ظهر جميع أنبياء الله… والغرب استنار من نور الشرق ولو أنه من بعض النواحي كان انعكاس نوره أشد في الغرب. وقد صحّ ذلك بصفة خاصة في المسيحية.”(9)
في أيام حياة حضرة بهاء الله اقتصرت رسالته في البداية على بعض بلدان آسيا، وفي وقت لاحق انتشرت إلى قارات أخرى. فوصلت أولاً إلى أوروپا إبان نفيه إلى أدرنة، بعدها بلغت أفريقيا ثم خلال عهد حضرة عبد البهاء وصلت إلى أمريكا وبعدها أستراليشيا. وحين صعود حضرة عبد البهاء، كان أمر الله قد وصل إلى خمسة وثلاثين بلداً.
اختتم العصر البطولي لأمر الله بصعود حضرة عبد البهاء، وابتدأ عصر التكوين بولاية حضرة شوقي أفندي، ولي أمر الله. وكان أثناء ولايته أن جرت رعاية المؤسسات الناهضة لنظام الأمر الإداري وتدعيمها بالتدريج، وهي القنوات التي تجري من خلالها قوى الحياة المنبعثة من ظهور حضرة بهاء الله. وبفضل الأولوية الممنوحة للجامعة البهائية في أمريكا الشمالية، أنشأ حضرته نمط النظام الإداري داخل تلك الجامعة التي وصف أعضاءها بأنهم “البُناة الأبطال لنظم ستهتف له الأجيال القادمة بكونه نذير حضارة ستُعتبر أطيب ثمرة لظهور حضرة بهاء الله”(10) وكما أن إيران هي مهد ظهور أمر الله، فإن أمريكا الشمالية هي مهد نظامه الإداري. إن كلمات حضرة بهاء الله بأن علامات سلطنته قد ظهرت في الغرب قد تحققت، وإن مؤسسات أمره قد أحاطت الآن بالأرض وهي تعمل بوظائفها في كل من الشرق والغرب.
يختتم حضرة بهاء الله “اللوح الأقدس” بهذه الكلمات المثيرة للمشاعر والتي تكمن فِيها علامات فضل الله الذي منحه للجنس البشري، فضل لكل إنسان، ويُسبَغ عليه متى اعترف بمقام حضرة بهاء الله وتوجه إليه بالتواضع والخشوع:
“قل طوبى لراقد انتبه من نسماتي، طوبى لميت حيّ من نفحاتي، طوبى لعين قرّت بجمالي، طوبى لقاصد قصد خباء عظمتي وكبريائي، طوبى لخائف هرب إلى ظل قبابي، طوبى لعطشان سرع إلى سلسبيل عنايتي، طوبى لجائع هرع عن الهوى لهوائي وحضر على المائدة التي نزّلتها من سماء فضلي لأصفيائي، طوبى لذليل تمسك بحبل عزّي ولفقير استظل في سرادق غَنائي، طوبى لجاهل أراد كوثر علمي ولغافل تمسّك بحبل ذكري، طوبى لروح بعث من نفحتي ودخل ملكوتي، طوبى لنفس هزتها رائحة وصلي واجتذبتها إلى مشرق أمري، طوبى لأذن سمعت وللسان شهدت ولعين رأت وعرفت نفس الرب ذي المجد والملكوت وذي العظمة والجبروت طوبى للفائزين، طوبى لمن استضاء من شمس كلمتي، طوبى لمن زين رأسه بإكليل حبي، طوبى لمن سمع كربي وقام لنصرتي بين شعبي، طوبى لمن فدى نفسه في سبيلي وحمل الشدائد لاسمي. طوبى لمن اطمأنّ بكلمتي وقام بين الأموات لذكري، طوبى لمن انجذب من نغماتي وخرق السبحات بقدرتي، طوبى لمن وفّى بعهدي وما منعته الدنيا عن الورود في بساط قدسي، طوبى لمن انقطع عن سوائي وطار في هواء حبي ودخل ملكوتي وشاهد ممالك عزّي وشرب كوثر فضلي وسلسبيل عنايتي واطلع بأمري وما سترته في خزائن كلماتي، وطلع من أفق المعاني بذكري وثنائي إنه مني عليه رحمتي وعنايتي ومكرمتي وبهائي.”(11)
من جملة الألواح البارزة الأخيرة هذه “لوح مقصود”([7]) والذي نزل بحق مؤمن، ميرزا مقصود، كان يقيم في سوريا في ذلك الوقت.
إن معظم بيانات حضرة بهاء الله في هذا اللوح قد أنزلت بكلمات كاتب وحيه.([8]) في هذا اللوح يصف الإنسان بأنه “الطلسم الأعظم”، ويبين أن “عدم التربية حرمه مما فيه”، ويشبّه الإنسان بمعدن “يحوي أحجاراً كريمة”، و”تخرج بالتربية جواهره”، ويصرح بأن “الإنسان اليوم هو الذي قام على خدمة جميع من على الأرض”، ويصرح أيضاً بأن “ليس الفخر لمن يحب الوطن بل لمن يحب العالم“. وينصح العباد بالسعي “لإصلاح العالم وراحة الأمم”، ويعلن: “أيها الأحباء قد ارتفعت خيمة الاتحاد لا ينظر بعضكم إلى بعض كنظرة غريب إلى غريب”، مشبّهاً البشر جميعاً “بأثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد”، ويشاهد “آثار الهرج والمرج” قريبة الحدوث داخل المجتمع البشري، ويذكّر قائلاً: “لاحظوا كم من السنين مضت ولم تهدأ فيها الأرض ولا أهلها. إنهم مشغولون بالحرب تارة ومعذبون بالبلايا المفاجئة تارة أخرى وقد أحاطت الأرض البأساء والضراء.” ويدعو لتشكيل “هيئة عظمى يتفاوض الملوك والسلاطين في تلك الهيئة بشأن الصلح الأكبر”، ويتنبأ بأنه نتيجة لتوافق حكومات الأرض سوف “لا يحتاج العالم قط إلى المهمات الحربية والصفوف العسكرية إلاّ على قدر يحفظون به ممالكهم وبلدانهم.”
كما يوصي حضرة بهاء الله علماء العصر في هذا اللوح “أن يأمروا الناس بتحصيل العلوم النافعة كي ينتفعوا منها بأنفسهم وينتفع منه أهل العالم”، ويعلن بأن “العلوم التي تبدأ بالكلام وتنتهي بالكلام” لا فائدة منها. ويضرب لذلك مثلاً إذ يتفضل: “إن معظم حكماء إيران يصرفون أعمارهم في دراسة الحكمة ولكن الحاصل لهم في العاقبة ليست إلاّ ألفاظاً”. ويوصي “الرؤساء أن يكونوا ناظرين إلى الاعتدال في جميع الأمور”، ويصرح قائلاً: “إن سماء الحكمة الإلهية مستضيئة ومستنيرة بنيرين: المشورة([9]) والشفقة.” ويعلن أن: “سماء العقل مضيئة بشمس الحلم والتقوى”، ويصرح بأن “خباء نظم العالم يقوم ويرتفع على عمودين: المجازاة والمكافاة.”([10])
يحتوي “لوح مقصود” على العديد من النصائح والمواعظ، ولعل الكلمات التالية تعتبر خلاصة لها:
“يقول لسان العقل من لا يملكني لا يملك شيئاً. انبذوا كل شيء وابحثوا عني.”(12)
وجّه هذا اللوح([11]) إلى السيد مهدي الدهجي الذي كان واحداً من أبرز مبلّغي أمر الله خلال ولاية حضرة بهاء الله. لكنه كان رجلاً معتداً بنفسه لدرجة الغرور بحيث أدى طموحه ولهفته للرئاسة إلى سقوطه بعد صعود حضرة بهاء الله. فقد انضم إلى ميرزا محمد علي، الناقض الأكبر لعهد حضرة بهاء الله وميثاقه، وقام على معارضة حضرة عبد البهاء ومعاداته، وبذلك أحبط بنفسه كل أعماله وخدماته السابقة لأمر الله. وقد وردت في مجلد سابق([12]) سيرة حياته وقصة نقضه للميثاق.
تسلّم السيد مهدي عدة ألواح من حضرة بهاء الله. في هذا اللوح يسبغ عليه حضرته أمطار عناياته، ويثني عليه لجولانه في البلاد لتبليغ أمر الله عملاً وفق أحد أوامره الأساسية إذ يصرح قائلاً: “قل إن نصري هو تبليغ أمري…” وعلاوة على ذلك ينصح العباد بتقوى الله وألاّ يفسدوا في الأرض، ويحذّر: “إن الذين يرتكبون ما يحدث به الفتنة بين البرية إنهم بعدوا عن نصر الله وأمره…”
هناك العديد من النصائح في هذا اللوح، بعضها موجهة للسيد مهدي نفسه، وأخرى إلى جامعة الاسم الأعظم. سنختار من بينها فقط ما يخص التوصية بتبليغ أمره. يكرر حضرة بهاء الله في هذا اللوح بعض نصائحه التي سبق أن نزلت في “لوح الحكمة” الموجه لآقا محمد القائني حيث يبين شروط التبليغ الفاعل لأمر الله، ويبين تلك الخصائص الضرورية التي من شأنها التأثير على الناس من خلال قوة بيان المؤمن.([13]) إضافة لذلك فإن حضرته يوجه نصحاً قيماً بشأن ما لكلمة الوحي السماوي من قوة وأثر في مجال تبليغ أمر الله، وهو نصح عمل بموجبه ونفّذه كثير من كبار مبلّغي أمر الله وبواسطته دخلت أعداد كثيرة من النفوس في ظل أمر الله. فيما يلي نص كلمات حضرة بهاء الله الباعثة على الاطمئنان:
“وعلى النفوس المقدسة أن يتفكروا ويتدبروا في كيفية أمر التبليغ ويحفظوا لكل مقام آيات وكلمات من الكتب الإلهية البديعة عن ظهر قلب حتى ينطقوا بتلك الآيات الإلهية عند البيان مراعين مقتضيات الزمان والمكان. لأنها هي الإكسير الأعظم والطلسم الأكبر الأفخم بحيث لا يبقى مجال للمستمع أن يتردد. لعمري لقد ظهر هذا الأمر على شأن ليكون مغناطيساً لجميع الملل والشعوب.”(13)
والقصة التالية للحاج ميرزا حيدر علي تؤكد قوة الكلمة الإلهية المنزلة، فقد تعرّف الحاج على شخص كان معارضاً لأمر الله وقد وجد من الصعب جداً عليه الاقتناع بأحقيته. فيما يلي موجز لقصته:
حدث أن رجلاً زاهداً متعبداً (مسلماً) قُدّم ليتعرّف عليّ. ولم تنفع معه جهودي رغم كل ما قلته ونقلت إليه وظل مصرّاً على استحالة قبوله واعترافه بأمر الله ما لم يشاهد معجزة. أخيراً عجزت عن إقناعه بأحقية أمر الله، لكنني مع ذلك بادرت بالقول: ‘لا شك أن في باطن كل إنسان حس فطري يمكنه من التمييز بين كلمات الله وكلمات الخلق.’ فوافق وأقر بذلك. بعد هذا قلت له: ‘سوف أتلو عليك بعض الكلمات فانصت بسمع الفطرة واحكم بنفسك من عسى أن يكون قائلها.’ فرتلت لوحاً بالفارسية بدت في كلماته الهيمنة والجلال بنحو جلي ظاهر. لم يمض على استماعه سوى بضع آيات حتى أحنى رأسه وشكر الله وسجد على الأرض قائلاً: ‘هذا بيان الحق المتعال وما بعد الحق إلاّ الضلال. وفي كل كلمة منه كُنزت مائة ألف معجزة. فأشهد أن هذه الكلمات تنادي وتبشر بأعلى النداء بظهور يوم الله…’
بعد ذلك أمضى معنا الليلة بكاملها، أتيح له خلالها الإلمام بتعاليم الدورة الإلهية الجديدة وأحكامها. وأصبح هذا الرجل منجذباً مشتعلاً بنار محبة الله…(14)
لم تظهر دلائل ارتفاع هيبة أمر الله أكثر وضوحاً مما هو في الأرض الأقدس نفسها، حيث ظلّت شمس البهاء تسطع في عزّ جلال إشراقها وبهائها. كذلك صار أفراد جامعة الاسم الأعظم في تلك الديار يتمتعون بقدر من مزايا الحرية والهيبة لم يسبق لها مثيل في الأزمنة السابقة. ففي هذه الفترة بلغ حضرة عبد البهاء، في شخصه كمولى المؤمنين، ودليل وملجأ للصديق والعدو على حد سواء، و”مرآة نوره اللامعة” و”المثل الكامل لتعاليمه”، قمة إعجاب السكان المحليين وإجلالهم. وقد كتب حضرة شوقي أفندي، ولي أمر الله، في هذا الصدد ما يلي:
… أن حضرة عبد البهاء زار بيروت في تلك الآونة تلبية لدعوة مدحت باشا، وهو أحد كبار وزراء تركيا. وهناك اتصل برجالات الدولة والدين، والتقى مرات عديدة مع الشيخ محمد عبده الشهير في جلسات طويلة. ولقد ثار الحسد في صدور الذين كانوا، منذ عهد قريب، يعاملونه هو وإخوانه في المنفى معاملة تختلط فيها مشاعر الترفع والتفضيل بالاحتقار والازدراء. وكان سبب هذا الحسد الأكّال الحفاوة البالغة التي استقبله بها الفقيه الأجلّ الشيخ يوسف مفتي الناصرة وكان الشيخ يوسف يستضيف وقتها ولاة بيروت فأرسل علية القوم من بينهم أخوه ومفتي عكاء ليستقبلوا هذا الضيف الكريم القادم على مسافة بضعة أميال خارج المدينة. ثم ثار الحسد مرة أخرى بسبب الحفاوة البالغة التي استقبل بها حضرة عبد البهاء الشيخ يوسف عندما زاره في عكاء.(1)
كانت زيارة حضرة عبد البهاء لبيروت عام 1879م بدعوة من حاكم إقليم سوريا حدثاً هاماً. فقد دللت بوضوح على أن مرسوم السلطان الذي أدان حضرة بهاء الله وأصحابه بالسجن مدى الحياة داخل قلعة عكاء قد أصبح غير ذي موضوع. كما أنها يسرت لبعض الشخصيات البارزة مثل الشيخ محمد عبده، الذي أصبح فيما بعد مفتي الديار المصرية، الاتصال بشخصية حضرة عبد البهاء الجذابة، وأن يصبح واحداً من المعجبين المتحمسين له. بلغ افتتان هذا الرجل العظيم بصفات المولى وفضائله السماوية أن أراد السفر معه إلى عكاء، وهو القرار الذي كان حضرة عبد البهاء قادراً على إلغائه.
وكان بمناسبة هذه الزيارة لبيروت أن أنزل حضرة بهاء الله “لوح أرض الباء”. فيما يلي النص الكامل لهذا اللوح المجيد الذي يفيض بالثناء العاطر لمقام المولى، مركز عهد حضرة بهاء الله وميثاقه.
“حمداً لمن تشرف أرض الباء بقدوم من طاف حوله الأسماء. بذلك بشّرت الذرات كل الممكنات بما طلع ولاح وظهر وأشرق وخرج من باب السجن وأفقه شمسُ جمال غصن الله الأعظم العظيم وسر الله الأقوم القديم متوجّهاً إلى مقام آخر. بذلك تكدرت أرض السجن وفرحت أخرى. تعالى تعالى ربنا فاطر السماء وخالق الأشياء الذي بسلطانه فتح باب السجن ليظهر ما أنزله في الألواح من قبل إنه لهو المقتدر على ما يشاء وفي قبضته ملكوت الإنشاء وهو المقتدر العليم الحكيم.
طوبى ثم طوبى لأرض فازت بقدومه. ولعين قرّت بجماله. ولسمع تشرف بإصغاء ندائه. ولقلب ذاق حلاوة حبه. ولصدر رحب بذكره. ولقلم تحرك على ثنائه. وللوح حمل آثاره. نسأل الله تبارك وتعالى بأن يشرفنا بلقائه قريباً. إنه هو السامع المقتدر المجيب.”(2)
إن التقدير السامي والتبجيل اللذين أُسديا لحضرة عبد البهاء في جميع أنحاء الأرض الأقدس خلال هذه الفترة إنما كان انعكاساً لعظمة حضرة بهاء الله الذي بات سكانها ينظرون إليه باعتباره شخصاً ذا قوى خارقة ويشيرون إليه بـ”الزعيم الجليل”. وبشأن تأثير حضرته على أهالي فلسطين والشواهد على سلطته الروحية، يكتب حضرة شوقي أفندي:
وبالرغم من أن فرمان السلطان عبد العزيز الصارم لم يلغ بصفة رسمية إلاّ أنه أصبح آنذاك في خبر كان. ذلك لأن حضرة بهاء الله وإن كان سجيناً بالاسم فقط إلاّ أن “أبواب العزة والجلال وسلطان الحق قد تفتحت على مصاريعها” كما يقول حضرة عبد البهاء الذي كتب مرة أخرى في ذلك يقول: “كان حكام فلسطين يحسدونه على نفاذ تأثيره وقوة سلطانه وكان الحكام والمتصرفون والقوّاد والموظفون المحليون يلتمسون شرف المثول بين يديه. ولكنه قلّما كان يأذن لهم”…
ويروي أحد المنفيين أن حضرة بهاء الله قال: “أخرَجَنا السلطان عبد العزيز إلى هذا الإقليم في هوان عظيم. ولمّا كان غرضه أن يذلّنا ويدمّرنا فإننا لم نرفض وسائل الراحة والرفاه حين توفرت.” وقال مرة أخرى ما رواه النبيل في تاريخه: “الحمد لله! لقد بلغت بنا الحال أن أهل هذه النواحي يظهرون لنا الاحترام والإجلال.” وقال مرة أخرى ما سجله النبيل أيضاً: “قام سلطان آل عثمان على ظلمنا بلا ذنب ولا جريرة، وأرسلنا إلى حصن عكاء. وقضى فرمانه السلطاني ألاّ يختلط بنا أحد، وشدد في أن نصبح غرضاً لبغضاء المبغضين من الخاص والعام. لهذا عجلت يد القدرة الربانية بالانتقام. وعصفت رياح الفناء، أول الأمر، بسميريه ووزيريه المقربَيْن، عالي وفؤاد، ثم امتدت يد القدرة لطيّ بساط عزّة العزيز، وأخذه أخذ عزيز مقتدر.”
وإلى هذا يشير حضرة عبد البهاء فيقول: “أراد أعداؤه أن يحطم السجن الأمر المبارك تحطيماً كاملاً ويقضي عليه قضاء مبرماً. ولكن هذا السجن كان في الحقيقة أكبر عون، وأصبح وسيلة لتقدمه.” وأكد ذلك مرة أخرى فقال: “… رفع هذا الشخص الجليل أمره في السجن الأعظم ومنه سطع نوره الباهر، وطبق صيته الخافقَيْن، وبلغ صوت عظمته الشرق والغرب”، “كان نوره في بادئ الأمر نجماً فأصبح شمساً ساطعة.” وقال مرة أخرى: “إلى يومنا هذا لم يحدث مثل هذا الأمر في عالم الوجود.”
فلا عجب أن رقم حضرة بهاء الله تلك الكلمات العظيمة، وهو يتأمل التغير الملحوظ في الظروف التي لابست أربعة وعشرين عاماً هي مدة نفيه في عكاء: “إن الله العلي القدير… قد حوّل هذا السجن إلى الجنة العليا قطب الجنان.”(3)
وخلال إقامته في قصر البهجة، كان حضرة بهاء الله كثيراً ما يقوم بزيارة عكاء، وأحياناً قراها المجاورة. في سائر تلك المناسبات كان الناس ينحنون عفوياً أمامه بتمام الخشوع كلما ظهر في الأماكن العامة.([1]) خلال زياراته لعكاء كان عادة يقيم في بيت عبّود، وأحياناً في منزلَي أخويه، ميرزا موسى، الملقب آقا كليم، وميرزا محمد قلي. ويصرح حضرة بهاء الله في أحد ألواحه(4) الذي نزل في بيت آقا كليم الواقع بجوار السوق الأبيض، بأنه أقام هناك “ثمانية أيام بلياليها وأتممناها بليل آخر فضلاً من لدنا وفيه فتحنا أبواب اللقاء على وجه الأحباب وسقينا الكل من بحر وصالك ومناهل قربك ورضائك بحيث قد حضر من أراد في كل يوم لدى عرش رحمانيتك وفي كل ليل تلقاء وجهك وأشرقت عليهم في كل الأحيان أنوار وجهك وشموس عظمتك واقتدارك. أي رب اجعل هذا اللقاء كوثر الاستقامة لأنفسهم ورحيق الاطمينان لذواتهم. أي رب نوّر قلوبهم وقدّس نفوسهم وثبّت أقدامهم لأن صراطك دقيق دقيق بل أرق من كل رقيق. أسئلك يا فالق الأصباح ومسخّر الأرياح باسمك الذي به أشرق نيّر الفلاح لأهل مملكتك بأن تجعلهم منقطعين عن سوائك ولائذين بحضرتك ومتشبثين بأذيال رحمتك. ثم وفّقهم يا إلهي على القيام على خدمتك. أي رب عرّفهم فضيلة أيامك لئلا يمنعهم شيء عما قدر لهم في ملكوتك وجبروتك ثم أنزل عليهم بركة من عندك ونعماً من سماء عطائك… أنت تعلم يا إلهي بأن الكليم قد قام في هذه الأيام التي نوّرت بيته بأنوار شمس وجهك على خدمتك والطواف حول عرشك. أي رب قدّر له وللذين معه ما ينبغي لفضلك وألطافك وجودك وعنايتك…”
وصف الحاج محمد طاهر المالميري الحادثة التالية في مذكراته:
في إحدى الأمسيات عندما كان الجمال المبارك مقيماً في منزل جناب كليم، تصادف أن حضرته كان يذرع فناء المنزل ذهاباً وإياباً بينما كنت أقوم بسقي الحديقة الصغيرة بمرش. فاقترب جمال القدم مني ومدّ يده وأمسك بشالي([2]) الذي كان مربوطاً بشكل فضفاض حول خصري، وتفضل قائلاً: ‘إن شالك فضفاض، والبابي ينبغي له أن يشد إزاره!’ ثم وقف بجانبي لفترة قصيرة وتلفظ بكلمات العطف الودود في حقي.
إن هذا مثال يبين مدى عناية حضرة بهاء الله ودأبه دوماً في جعل أحبائه الموجودين في محضره يشعرون بالارتياح.
عندما يكون حضرة بهاء الله في زيارة إلى عكاء، كان أحياناً يزور منازل أصحابه، وكان ذلك شرفاً عظيماً يسبغه على أحبائه. وقد سجل الحاج محمد طاهر نفسه القصة التالية:
كانت غرفتي، مثل غرفة النبيل الأعظم، قريبة من منزل آقا كليم في السوق الأبيض. ولمّا كنت معتاداً على الاستعانة بالمسبحة،([3]) اختطف النبيل يوماً مسبحتي وعلّقها عالياً في السقف حتى لا أتمكن من الوصول إليها. وحدث أني في ذلك اليوم كنت أقيم في غرفته ضيفاً عليه عندما شرّفنا قدوم الجمال المبارك. فسأل حضرتُه النبيلَ في لهجة ظريفة: ‘مسبحة مَنْ هذه التي حبستها هنا؟’ فأجاب النبيل: ‘إنها تعود لآقا طاهر…’
إن تعليقات كهذه حول أمور بسيطة كانت تساعد المؤمنين دائماً على الارتياح في محضره. وإلاّ فإن ما من أحد كان يستطيع النطق بكلمة حينما يقف وجهاً لوجه مع من كان يعلم أنه المظهر الكلي الإلهي. كان حضرة بهاء الله يستأنس بالظُرف، وفي الواقع إن إحدى صفات الله هي “البهّاج” وكان حضرته أحياناً يبهج أصحابه ببعض التعليقات الظريفة، وكان لبعضهم المقدرة والاستعداد للاستجابة بالمقابل على قدرهم المتواضع. من أبرز أصحابه الذين تمتعوا بمزاج الظرف والفكاهة كان زين المقربين ومشكين قلم،([4]) وميرزا جعفر اليزدي.
لحسين آشجي([5]) روايات كثيرة عن محاورات ظريفة بين حضرة بهاء الله وميرزا جعفر الذي كان يعمل خادماً لعائلة حضرته. هذا علماً بأنه كان من علماء يزد الدينيين ذوي الإطلاع والمعرفة الواسعة، كما كان من مجتهديها البارزين. لكنه بعد إيمانه بأمر حضرة بهاء الله تخلى عن منصبه الرفيع، وذهب إلى بغداد حيث خلع رداء رجل الدين وأصبح خادماً في منزل حضرة بهاء الله، ثم رافق حضرته في المنفى وبقي مخلصاً في خدمته حتى نهاية حياته.([6]) فيما يلي موجز لمذكرات حسين آشجي:
كان الجمال المبارك يصرف معظم وقته في الريف… فكان يخرج من قصر البهجة متجهاً لقصر المزرعة أو حديقة “الجنينة”([7]) وحديقة الرضوان. في هذه المناسبات كان حضرته يتحدث إلى الأحباء بأسلوب بهيج وبروح الدعابة… كان ميرزا جعفر مجتهداً رفيع المستوى… لكنه كان يعمل خادماً… ذات يوم جاء مفتي عكاء، الشيخ علي الميري، في زيارة لحضرة بهاء الله في قصر البهجة للاستنارة في بعض الموضوعات الدينية. وكان ميرزا جعفر أيضاً موجوداً يؤدي مهامه المنزلية. فدعاه حضرة بهاء الله وقال: ‘تعال وأجب عن أسئلة المفتي.’ فأجاب عن الأسئلة بنحو أدهش المفتي بمدى معرفته وعلمه… غالباً ما كان حضرة بهاء الله يمازح ميرزا جعفر بملاحظات وتعليقات ظريفة، فكان هذا يردّ عليها بتعليق ذكي ظريف. ففي يوم قال حضرته له مازحاً: ‘يا جناب المجتهد، أتريدني أن أكشف لك عن بعض صفاتك السيئة؟’ وكان جواب ميرزا جعفر: ‘لا وشكراً.’ وبجوابه ذاك، النابض ذكاء وظرفاً كان يبهج قلب حضرة بهاء الله.
هناك قصة مثيرة للاهتمام حول ميرزا جعفر في أوائل أيام أمر الله في يزد. وقد سجل الحاج محمد طاهر المالميري في مذكراته ما يلي:
كان آقا ميرزا جعفر رجل دين واسع المعرفة في الإسلام. عمل في شبابه مدرساً في مدرسة فقهية… إلاّ إنه هجر المدرسة نهائياً عندما اعتنق أمر الله وأصبح مؤمناً راسخاً. في تلك الأيام كان جمال القدم في بغداد. ولمّا علم ميرزا جعفر أن حضرته يعيش حياة تقشفية في تلك المدينة، تمنى توفير بعض الأموال للتخفيف عن حضرته. أخيراً استقر رأيه على خطة. كان هناك الكثير من المزهريات وغيرها من الزينة المصنوعة من النحاس في مساجد يزد. فاعتاد أن يذهب إلى المسجد في المساء، ويصعد إلى الغرف العليا ويفكك الأوعية النحاسية التي كانت تتدلى من السقف، ويأخذها إلى منزله. وهكذا سلب أوعية مماثلة شيئاً فشيئاً من مساجد يزد حتى تجمّع عنده ما يقرب من نصف طنّ من القطع النحاسية… ثم نقلها بعد ذلك إلى مدينة أردكان([8]) إلى منزل تاجر خردوات يدعى الأستاذ كاظم. هناك قطّع تلك الأوعية النحاسية وتمكن أخيراً من بيع معدنها بمبلغ سبعين تومان([9]) من القطع الفضية. فوضع الفضة في حزام جلدي مصنوع خصيصاً لذلك الغرض وشدّه حول خصره وانطلق في رحلته سيراً على الأقدام إلى بغداد حيث تشرف بمحضر حضرة بهاء الله وقدّم له الأموال. ولو أن حضرته تقبّل المبلغ وأنعم عليه ببركاته وأفضاله، إلاّ إنه أمره بالتوجّه بصحبة ميرزا آقا جان، خادم الله، إلى ضفاف النهر وقذف الأموال في مياهه. فيما بعد صار ميرزا جعفر خادماً في المنزل المبارك وكان من بين الأصحاب الذين رافقوا حضرته إلى استنبول.
من الصفات العليا التي تميز المظهر الإلهي عن جميع البشر، انقطاعه التام عن شؤون الدنيا، لذا فإن حضرة بهاء الله لم يقم أي اعتبار لامتلاك الأشياء المادية. وقد ذكر بوضوح في كتاباته بأن هذا العالم المادي لا قيمة له في نظره. في عدة ألواح يؤكد ذلك بقوله أنه لو كان لهذا العالم أية قيمة، لاعتلى أسمى عروشه. في أحد ألواحه النازلة في عكاء(5) يصرح بأن “الذي عمّر الدنيا لنفسه قد سكن في أخرب البلاد… فانظر في الدنيا وقلة شأنها لو كان لها شأن ما قبلنا هذا المقام الأدنى…”
في لوح آخر(6) نزل في الأرض الأقدس يؤكد بأنه لو كان هدفه اقتناء الأشياء الدنيوية لامتلك ما على الأرض كلها دون أن يقدر أحد أن يعترض عليه أو يتحدى سلطانه. ويضيف مبيناً في اللوح نفسه بأنه ما إن قَبِل هدية من أحد المؤمنين حتى يكون السبب الأساسي هو شمول ذلك الشخص بفيض عطاياه وأفضاله، فبمجرد قبول العطاء أكسب ذلك الإنسان بركات أبدية.
كان الأحباء أحياناً يرسلون مواداً مثل السجاد والملابس وغيرها إلى حضرة بهاء الله، لكنه نادراً ما كان يستعملها لنفسه، بل يهبها جميعها للآخرين. والشخص الذي كان يطمح بتلك الهدايا هو كاتب وحيه، ميرزا آقا جان. فلعلمه بأن حضرة بهاء الله لم تكن لديه رغبة في تملّك ما يقدم إليه من عطايا وهدايا من قبل الأحباء، كان يتلهف للحصول عليها ولذلك كان حضرة بهاء الله يهبه أحياناً تلك الهدايا. إلاّ أن ميرزا آقا جان لم يدرك بأن ذلك كان في الحقيقة امتحانه وسبب سقوطه. فالاتصال الوثيق بحضرة بهاء الله وخدمته نهاراً وليلاً والوجود في محيط بهذه القداسة الذي كان فيه، استلزم انقطاعاً تاماً عن جميع الأمور الدنيوية. لذلك فإن الرغبة في تحقيق فوائد مادية أثناء خدمته في محضره المبارك كان مهلكاً للروح.
إن الله يمتحن الإنسان دائماً. وكلما ارتفع في مجال الخدمة، ازداد امتحانه. كان ميرزا آقا جان خادماً لحضرة بهاء الله وأقرب إنسان لشخصه المبارك، لكنه في الوقت نفسه كان شخصاً مادي النزعة وفاسداً جلب على نفسه الخزي وفقد حظوته خلال أواخر أيام حياة حضرة بهاء الله، وفي وقت لاحق نقض عهد حضرته وميثاقه وهكذا انتهى بهلاكه الروحاني.([10])
عندما كان حضرة بهاء الله في أدرنة قدّم أحد الأحباء من كاشان، واسمه محمد باقر، سجادة صغيرة من الحرير هدية لحضرته. فكتب له لوحاً(7) شكره فيه على هديته وأنعم عليه بعناياته وبركاته. وبخصوص الهدية ذكر بأنه “بعد القبول وهبناها لك لأنا أحببنا بأن نقعد على التراب في هذا السجن البعيد.([11]) ولا ينبغي للمسجون بساط الحرير…” وهذا مثال نموذجي يبين موقف حضرة بهاء الله وكيفية رده على ما كان يُقدّم إليه من هدايا.
مؤمن آخر، اسمه محمد قلي، أهدى حضرة بهاء الله معطفاً، فأخبره حضرته في لوح(8) بأنه قد ارتدى المعطف ليوم واحد من محض فضله وعنايته.
هدية أخرى أرسلها إلى عكاء الحاج محمد علي أفنان،([12]) ابن خال حضرة الباب، كانت قطعة قماش صوفي ناعم أبيض. استناداً لما جاء في لوح كتب بخط يد ميرزا آقا جان(9) فإن حضرة بهاء الله قَبِلَ الهدية منه، ورغم تفضيله منذ خروجه من بغداد ارتداء عباءة سوداء اللون، إلاّ أنه أوصى بعمل واحدة بيضاء علامة على فضله وألطافه نحو الأفنان.
ويذكر الحاج محمد طاهر بأن حضرة بهاء الله كان في المعتاد يرتدي جلباباً طويلاً من الصوف تحت عباءة صوفية، وفي الصيف يرتدي الملابس القطنية.
تبيّن هذه القصص بعضاً من الملامح العادية لحياة حضرة بهاء الله، والتي تكشف عن مدى زهده وانقطاعه التام عن شؤون هذا العالم. أحياناً كان حضرة بهاء الله يأمر بإرسال هدايا بسيطة إلى أشخاص معينين. على سبيل المثال، كتب ميرزا آقا جان مرة بناء على تعليمات حضرة بهاء الله إلى الحاج محمد علي أفنان نفسه، والذي كان وقتها يقيم في هونغ كونغ يطلب منه إرسال بعض الأطباق الصينية لغرض تقديمها هدية لعبّود.(10) وفي مناسبة أخرى أوعز إلى ميرزا آقا جان بأن يطلب من أفنان آخر إرسال كمية صغيرة من النظارات([13]) مع علبها لإهدائها إلى بعض موظفي الحكومة.(11)
أمّا لأغراض استعماله الشخصي فإن حضرة بهاء الله لم يكن ليطلب أي شيء باهظ الثمن. هذا مع العلم بأن حياة الترف التي اعتادها في شبابه قد ولّت وحرم منها منذ حبسه في سياه چال في طهران حينما صودرت ونهبت كافة ممتلكاته. لكنه مع ذلك عاش حياة تقشف وبساطة في مهابة وجلال بحيث وصف إدوارد گرانڤيل براون، من جامعة كامبردج، حضرته بأنه “محط الولاء والمحبة التي يحسده عليها الملوك، وتتحسر لنوالها عبثاً الأباطرة”. فالحاجات الشخصية لحضرته كانت بسيطة غير مكلفة. فعلى سبيل المثال، عندما توجّه مرة أحد أصحابه، الحاج علي اليزدي، إلى الآستانة في مهمة تجارية، طلب منه حضرة بهاء الله شراء حذاء له. وضماناً لمطابقة قياس الحذاء بالحجم المطلوب، أعطاه حضرته نعاله القديم. فيما بعد قدّم الحاج علي هذا النعال إلى محفظة الآثار حيث تحفظ حالياً في غرفة حضرة بهاء الله في قصر المزرعة.
إن الجزء الأكبر من التبرعات التي قدمها الأحباء لصالح أمر الله كانت تصرف بتوجيه وأمر حضرة بهاء الله في صالح تقدم أمره ورعاية الفقراء والمحتاجين من أفراد جامعة الأحباء. ومع ذلك كان حضرته وآل بيته يعيشون حياة تقشف. وطالما مرّ حضرته بفترات من العوز الشديد ولكنه لم يقبل عوناً مادياً من الأحباء.
أنزل حضرة بهاء الله في “الكتاب الأقدس” حكم حقوق الله. وهذا الحكم يختص بأولئك الذين تصل ممتلكاتهم قيمة معينة، وقد فرض الله على هؤلاء دفع نسبة تسعة عشر في المائة من ممتلكاتهم إلى مركز الأمر. في أحد ألواحه المنزلة بكلمات كاتب وحيه(12)، يصرح حضرة بهاء الله بأنه عندما تم إنزال “الكتاب الأقدس” لم يأمر بنشره لفترة من الزمن بسبب احتوائه على حكم حقوق الله، والذي هو رمز رحمة الله لعباده ولطفه بهم. ويوضّح بأن سبب حجبه نشرَ الكتاب مؤقتاً كان قلق حضرته من أن بعض الأحباء قد لا يعملون بإجراء هذا الحكم أو قد يصلون إلى استنتاجات خاطئة. ويوضح قائلاً أن مجرد التفكير في هذا لا يليق بيوم الله، لأن الفكرة التي قد تخطر ببال النفوس غير الناضجة بأن الغاية من سن حكم حقوق الله كانت، والعياذ بالله، لتصرُّف حضرة بهاء الله واستعماله الشخصي، وهو أمر لا بد يؤلم حضرته ألماً شديداً. وتكفي دراسة سريعة لسيرة حياته وتعاليمه لتبرهن بنحو كاف وأزيد على أنه لم يكفّ يوماً عن نصح أتباعه بالانقطاع عن ممتلكات الدنيا والتعلق بشؤوناتها. ولعل في لوحه لناپليون الثالث خير مثال، حيث يعلن للإمبراطور بهذه العبارات التي تكشف عن تفاهة قيمة هذه الحياة المادية في نظر حضرته:
“هل تفرح بما عندك من الزخارف بعد إذ تعلم أنها ستفنى أو تُسرّ بما تحكم على شبر من الأرض بعد إذ كلها لم تكن عند أهل البهاء إلاّ كسواد عين نملة ميتة.”(13)
وفي بيان مماثل يصرح حضرة بهاء الله في لوح آخر:
“قسماً بالحقيقة الإلهية إن العالم وما فيه من جمال وجلال ولذّات ومسرات لم تكن في نظر الحق إلاّ تراباً ورماداً بل أدنى من ذلك، يا ليت قلوب العباد تدرك هذا. طهروا يا أهل البهاء أنفسكم عن لوث الأرض وزخرفها وتنزهوا عنها.”(14)
إن الفقرات التالية المقتبسة من كتابات حضرة بهاء الله تبرز توقعات حضرته من أتباعه:
“إن خادم الأمر اليوم هو من إذا مرّ على مدائن الذهب والفضة لا يلتفت إليها أبداً، ويبقى قلبه طاهراً مقدساً عما يرى في هذا العالم، يعني عن زخارف الدنيا وآلائها. قسماً بشمس الحقيقة إن نَفَس هذا الشخص مؤثر وكلمته جاذبة.”
“قسماً بشمس أفق التقديس لو أن جميع العالم تحول إلى ذهب وفضة، فإن نفساً ارتقت إلى ملكوت الإيمان لن تنظر إلى ذرة فكيف بأخذ شيء منها… في هذا اليوم لو لم يتوفر لساكني بساط الأحدية، والمستقرين على سرر العز الصمدانية، لقمة تسدّ جوعهم فلن تمتد أيديهم لأخذ مال يهودي! لقد ظهر الحق ليدعو الناس إلى الصدق والصفاء والديانة والأمانة والتسليم والرضا والرفق والمداراة والحكمة والتقى وليتزين الكل بأثواب الأخلاق المرضية والأعمال المقدسة… قل الذين ارتكبوا الفحشاء وتمسّكوا بالدنيا إنهم ليسوا من أهل البهاء. هم عباد لو يردون وادياً من الذهب يمرون عنه كمرّ السحاب ولا يلتفتون إليه أبداً. ألا أنهم مني ليجدنّ من قميصهم الملأ الأعلى عَرف التقديس.”(15)
بينما كان حضرة بهاء الله ممتنعاً عن إرسال نسخة من “الكتاب الأقدس” إلى إيران، واصل بعض المؤمنين رجاءهم له بإنزال أحكام الدين لهم. نتيجة لهذه المطالب أرسل حضرة بهاء الله أخيراً نسخة منه لكنه أعطى تعليمات واضحة بألاّ يعمل أحد بما يفرضه حكم حقوق الله. وفعلاً ظل “الكتاب الأقدس” قرابة خمس سنوات بعد إنزاله بلا تنفيذ. بعد ذلك، مع انتشار أمر الله وتوسّعه في إيران والبلدان المجاورة، أصبحت هناك حاجة للأموال وقام من يتحقق عليه دفع الحقوق بأداء هذا الفرض بالفرح والامتنان.
فيما يلي نص حكم حقوق الله كما نزل في “الكتاب الأقدس”:
“والذي تملّك مائة مثقال([14]) من الذهب فتسعة عشر مثقالاً لله فاطر الأرض والسماء إيّاكم يا قوم أن تمنعوا أنفسكم عن هذا الفضل العظيم. قد أمرناكم بهذا بعد إذ كنا غنياً عنكم وعن كل من في السموات والأرضين. إن في ذلك لحِكَم ومصالح لم يحط بها علم أحد إلاّ الله العالم الخبير. قل بذلك أراد تطهير أموالكم وتقرّبكم إلى مقامات لا يدركها إلاّ من شاء الله إنه لهو الفضال العزيز الكريم.
يا قوم لا تخونوا في حقوق الله ولا تصرّفوا فيها إلاّ بعد إذنه كذلك قضي الأمر في الألواح وفي هذا اللوح المنيع.
من خان الله يخان بالعدل والذي عمل بما أمر ينزل عليه البركة من سماء عطاء ربه الفياض المعطي الباذل القديم. إنه أراد لكم ما لا تعرفونه اليوم سوف يعرفه القوم إذا طارت الأرواح وطويت زرابي الأفراح كذلك يذكركم من عنده لوح حفيظ.”(16)
تجدر الإشارة إلى أن حضرة بهاء الله، في الفقرة الأخيرة، إنما حدد مجرد نسبة الحقوق بتسعة عشر بالمائة. وهذا لا يعني أن الحد الأدنى من المبالغ أو الأموال الخاضعة أو المستحقة للحقوق هو مائة مثقال من الذهب، بل الحد الأدنى هو ما تعادل قيمته تسعة عشر مثقالاً من الذهب. وقد أوضح حضرة بهاء الله نفسه هذه النقطة في البيان التالي:
“متى بلغت قيمة ممتلكات الشخص ما يعادل عدد الواحد (أي 19)، أي إن تملك 19 مثقالاً من الذهب، أو حصل على ممتلكات تساوي هذا المقدار من المال، فإن حقوق الله تصبح واجبة الفرض عليه بحدها الأدنى، وذلك بعد استقطاع مجموع المصاريف السنوية الضرورية منها، عندئذ تصبح الحقوق واجبة الدفع.”(17)
وفيما يتعلق بتطبيق هذا الحكم، صرّح ولي أمر الله، حضرة شوقي أفندي بواسطة سكرتيره بما يلي:
بشأن حقوق الله… ينطبق هذا على ما يملكه الفرد من بضاعة تجارية أو ملك ومدخول. فبعد استقطاع المصروفات الضرورية، يكون ما تبقى من ربح صاف زائد فوق رأس المال خاضعاً للحقوق. وإذا ما دفع شخص فريضة الحقوق عن مبلغ ما، فلا يخضع ذلك المبلغ للحقوق مستقبلاً إلاّ إذا انتقل من شخص لآخر. كما أن دار الشخص وأثاثه المنزلي معفاة من الحقوق… إن حقوق الله تدفع لمركز الأمر.(18)
كان حضرة بهاء الله شديد القلق إزاء شعور أي أحد من الأحباء أنه مرغم على دفع حقوق الله. وبهذا الصدد أصدر تعليماته إلى الحاج أبو الحسن الأمين،([15]) أمين حقوق الله، وبهائيين بارزين آخرين، بعدم قبول الأموال من أي شخص إلاّ إذا كانوا على يقين من رغبة ذلك الشخص بالعطاء بمنتهى الرضا والتفاني. كما أن حضرته نهى عن التماس الحقوق من قبل الأمناء، وسجل هذه الوصايا في كثير من ألواحه. لنذكر على سبيل المثال، جزءاً من لوح أنزل في حق أحد أمنائه، الحاج أمين:
“يا أبا الحسن عليك بهائي، كن ناظراً إلى عزّة الأمر وتكلّم بما تنجذب به الأفئدة والعقول، المطالبة بالحقوق غير جائزة قط. لقد نزل هذا الحكم في الكتاب الإلهي لأجل بعض الأمور اللازمة التي قدّرت بالأسباب من لدى الحق، فإن أراد أحد أن يفوز بهذا الفيض بكل رضاء وسرور بل بالإصرار، اقبلوها، وإلاّ فلا.”(19)
والفقرة التالية من كتابات حضرة بهاء الله تلقي مزيداً من الضوء على الموضوع:
“لم تؤخذ حقوق الله لسنين عديدة، وقد ردت مبالغ عديدة إلى أصحابها بعد وصولها إلى الحضور وذلك لعدم لزومها، أمّا في السنين الأخيرة ونظراً لمقتضيات الوقت فقد طبّقنا أخذ الحقوق، ولكن منعنا المطالبة بها، على الجميع أن يكونوا ناظرين إلى إعزاز الكلمة وارتفاع الأمر. لو أنفق اليوم أحد جميع خزائن العالم ويكون ذلك سبباً في انتقاص عزة أمر الله أقل من حبة خردل فذلك لا يجوز أبداً. كان وما يزال كل العالم من الحق. كل نفس قام طوعاً وبكل روح وريحان بإداء حقوق الله، تؤخذ منه وإلاّ فلا. يرجع خير هذا العمل إلى الناس أنفسهم. وقد صدر الأمر في ذلك نظراً لأسباب معينة. أبى الله أن يجري الأمور إلاّ بأسبابها، ولهذا أمرنا بأخذها.”(20)
ويصرّح حضرة بهاء الله في أحد ألواحه(21) أنه ليس هناك فعل يستحق الشجب أكثر من استجداء المال باسم الله.
وضعت حقوق الله على كواهل أيادي أمر الله([16]) مسؤولية خاصة. وقد سبق أن ذكرنا أن حضرة بهاء الله حرص دائماً على عدم القيام بالترغيب أو الحثّ على دفع الحقوق، بل وعدم قبول هذه المدفوعات إلاّ عند الاقتناع بأنها صادرة عن قلب طافح بالسرور وراض كل الرضا عن تأدية هذا الواجب. وغالباً ما ذكر حضرة بهاء الله في ألواحه للأيادي تفاصيل عن مناسبات عديدة رفض فيها قبول الهبات المقدمة من الأفراد إذ لم يكن أمر الله بحاجة إلى العون المالي في ذلك الوقت. ثم يحثهم على التمسك بمعايير الانقطاع والوقار والشهامة أسوة بما كان عليه مولاهم دائماً.
يصف حضرة بهاء الله في لوح وجّهه إلى ابن الأصدق(22) بكلمات كاتب وحيه، كيف أن “سلطان الشهداء”([17]) كان مرة قد أحس بأن وسائل العيش للعائلة المباركة والأصحاب في الأرض الأقدس كانت غير كافية. وقام على أثر ذلك بإرسال جمال البروجردي إلى إقليم خراسان لحضّ الأحباء على دفع حقوق الله. وبمجرد وصول تلك الأنباء إلى الأرض الأقدس أصدر حضرة بهاء الله تعليمات صارمة بالتوقف عن ذلك العمل. أمّا الآيات التي أنزلها في تلك المناسبة بهدف إيقاف جمال عن الانصراف إلى مهمته فكانت “مهيمنة”.
لكن عندما تلقّى جمال، ذلك المبلّغ المغرور،([18]) هذه التعليمات شعر بجرح في كرامته. فكتب رسالة إلى ميرزا آقا جان، كاتب وحي حضرة بهاء الله، يشكو فيها من أن خدماته لم يقبلها حضرة بهاء الله أو يرضى عنها. وفي رسالته تلك أشار إلى أن عدداً من الأحباء، وجميعهم من خلفية يهودية، كانوا قد تبرعوا بمبلغ معين من المال بكمال الفرح. لذا فإن رفضت تبرعاتهم سيصيبهم شعور بخيبة الأمل. ونتيجة لالتماسه أمر حضرة بهاء الله بقبول المبلغ، لكنه في الوقت نفسه اتخذ الترتيبات لتحويله كله لتمويل مجهودات تبليغية لفئة قليلة مختارة من المبلّغين البهائيين في إيران.
ويعطي ميرزا آقا جان في اللوح نفسه أمثلة أخرى. فحينما تشرف بعض أشخاص من فاران([19]) بمحضر حضرة بهاء الله قدموا له مبلغاً من المال باسم حقوق الله، فتقبل منهم العطاء تلطفاً لكنه أعاد إليهم المبلغ بكامله كهدية. وقد فعل الشيء نفسه مع الكثير من غيرهم ممن أورد ميرزا آقا جان أسماء بعضهم في هذا اللوح. ثم يصرح بأن خلال تلك الفترة كلها بلغت وسائل العيش في الأرض الأقدس حداً من التدهور والشُّحِّ بحيث بات ضرورياً من حين لآخر الاقتراض لأجل إعالة العدد الكبير من الحجاج والمؤمنين. نزل هذا اللوح قبل صعود حضرة بهاء الله ببضعة أشهر. يذكر ميرزا آقا جان كذلك أن أحد الأحباء كان قد أرسل مبلغاً من المال بواسطة الحاج أمين، أمين حقوق الله، ولكن حتى تاريخ كتابة اللوح لم يقبل حضرة بهاء الله ذلك العطاء، وفي الوقت نفسه لم يعد المبلغ لصاحبه إذ قد يسبب ذلك إحراجاً له.
مثال آخر على شهامة حضرة بهاء الله وانقطاعه عن الشؤونات الدنيوية نجده في لوح إلى الملاّ علي أكبر. بعد أن وافت المنية أحد خدام حضرة بهاء الله المخلصين في الأرض الأقدس، وهو عظيم التفرشي، وجد في وصيته أنه ترك كل مدخراته لمولاه. لكن حضرة بهاء الله أصدر تعليمات بإرسال المبلغ إلى ورثة عظيم في إيران.
إن مفهوم اعتبار جزء من ممتلكات كل مؤمن هي من حقوق الله وتعود له قد يمكن تفهمها وتقديرها أكثر بتفحص الطبيعة وملاحظة بعض القوانين الفيزيائية. لقد سبق التصريح بأن القوانين الموجودة في عالم الطبيعة لها ما يقابلها في عوالم الله الروحية، وأن التعاليم الدينية هي نظائر لتلك القوانين الطبيعية. على سبيل المثال، قد نلاحظ أن حكم حقوق الله له ما يماثله في عالم النبات. فالأزهار والأوراد والأثمار لا تنشأ من الشجرة، بل هي خصائص كامنة في التربة، وكل ما تفعله الشجرة هو إظهار كل هذه الإمكانات التي تملكها التربة. والأرض في الواقع هي المنتجة لكل شيء بما فيها المواد المكوّنة للشجرة برمتها. فالأرض تنتج الجذر والجذع والأغصان والأوراق والثمار، وتزود أيضاً كل الغذاء اللازم لنموها وإثمارها.
بعد أن ثبتت حقيقة أن الشجرة مدينة بوجودها للطاقة الإبداعية للأرض، نلاحظ أن الشجرة تطرح أوراقها كل سنة على الأرض، فهي تعيد لمُنشِئِِها ومصدر وجودها حصة أو نسبة من ثروتها. فالأوراق المتساقطة لا تعود بالنفع على الأرض بل تعمل كسماد وتعود فائدتها إلى الشجرة نفسها. إن هذه العملية الفيزيائية في الطبيعة تماثل حكم حقوق الله، وكما بين حضرة بهاء الله: “إن فائدة هذه الأعمال – أي دفع الحقوق – تعود لأصحابها أنفسهم.”
إبان ولاية حضرة بهاء الله كان حكم الحقوق ساري المفعول على عدد صغير جداً من البهائيين، أمّا الغالبية العظمى من أفراد جامعة الأحباء فكانوا فقراء لا يسري عليهم حكم الحقوق. وفي كثير من الأحيان عجز أمين الحقوق لحضرة بهاء الله عن تسديد مصاريف المبلّغين البهائيين وأولئك المعوزين. بطبيعة الحال لم يكن الحاج أمين راضياً عن ذلك، وفي أحد ألواحه يعلق حضرة بهاء الله تعليقاً ظريفاً على أمين حقوقه قائلاً: “لنا أن نفرض غرامة على جناب الأمين! فأمين خزينتنا الوحيد مفلس! سبحان الله، إن أمانة خزينة الله الوحيدة فارغة من المال. حقاً إن هذا يليق بمقامها العالي. إذ ينبغي لها أن تكون فارغة ومقدسة عن شؤونات الأرض ولا تشبه بخزائن العالم.”(23)
وينبغي عدم الخلط بين الحقوق وما يتبرع به المؤمن للصناديق العالمية. ومع أن كليهما يقدمان لمركز أمر الله – حالياً بيت العدل الأعظم – إلاّ أن هناك فرق كبير بين الاثنين. فبينما الحقوق لا تعود في الواقع للفرد الذي يؤديها، لأنها حقوق الله، فإن التبرعات الاعتيادية يقدمها المؤمن مما لديه من موارد بدافع ذاتي بهدف التبرع بجزء من إيراده وقوته في سبيل دعم أمر الله وترويجه.
كان من شأن نزول الألواح بتلك الوفرة من القلم الأعلى، وهي تزيح الأستار تدريجاً عن عظمة يوم الله وجلاله خلال أواخر أيام ولاية حضرة بهاء الله، أن نفخت في قلوب الأحباء روح الإخلاص والتفاني والفداء بحيث وُهبت جامعة الاسم الأعظم، نتيجة ذلك، كما لم توهب من قبل أبداً بإمكانات هائلة كفيلة بضمان توسعها في القرون المقبلة يمكنها من شمول البشرية جمعاء. فقد أضحت تلك الجامعة أشد تماسكاً بكثير مما كانت عليه أيام بغداد وأدرنة. فأحكام الدين وتعاليمه قد أعلنت بجلاء، وطبيعتها العالمية أعلنت، والافتراءات العديدة التي أشاعها ميرزا يحيى، والتي بلبلت في الأيام السابقة عدداً من المؤمنين، قد تبددت، والمقام الأرفع لمؤسس الدين قد تم الاعتراف به والإذعان له. والمؤمنون في طول إيران وعرضها أصبحوا الآن منهمكين في تبليغ أمر الله بمنتهى الحكمة ومتأهبين لإعانة من صفت قلوبهم لاعتناقه. وفي كل مركز وموقع كان هناك من النفوس المشتعلة بمحبة حضرة بهاء الله ولديهم موهبة الفهم ممن اختصوا بمجال التبليغ وعُرفوا بالمبلّغين. كان أولئك محاور أنشطة التبليغ على المستوى المحلي، وإلى جانبهم كان هناك رهط من مبلّغين ذوي اعتبار بارز ممن احتلوا، بفضل علمهم وروحانيتهم، مقاماً محترماً بين أفراد الجامعة. كان هؤلاء يطوفون، بتوجيهات حضرة بهاء الله الدائمة، في كافة أقاليم إيران والبلاد المجاورة، ناشرين النفحات الإلهية ومحفزين المؤمنين على التعمق في الإيمان والفهم. من أبرزهم كان أربعة من أيادي أمر الله([1]) الذين عيّنهم حضرة بهاء الله في أواخر أيام ولايته إلى جانب ميرزا أبو الفضل، والحاج ميرزا حيدر علي، والنبيل الأكبر، والحاج أبو الحسن الأمين وقليل آخرين.([2])
إن السمة المميزة لمآثرهم الناجحة في التبليغ كانت انقطاعهم عن الدنيا وشؤونها، فكان معظمهم يكسب قوته بالاشتغال في أعمال عارضة ومتواضعة. على سبيل المثال، ميرزا أبو الفضل، العلامة البهائي المشهور، حينما أقصي من منصبه كعميد لكلية الشريعة بعد اعتناقه الدين البهائي، وبعد مغادرته السجن حيث حبس على أثر إيمانه لفتر طويلة، كان يكسب رزقه بالعمل كاتباً محرراً لأولئك الأميين من الناس الذين كانوا بحاجة لمن يجيد الكتابة والتعبير. وهكذا استطاع، قانعاً بمدخول ضئيل يسد حاجة قوته اليومي ومصرف دابته، أن يجوب كل أنحاء إيران وتركستان وسوريا ومصر مبلّغاً لأمر الله وهادياً الكثيرين من طلاب الحقيقة إلى الدين، ومقوياً ومعمقاً النفوس بحقائق أمر الله.
حينما شرع ميرزا أبو الفضل بنشاطاته التبليغية الجوالة انقطع حقاً عن كل شيء، وبذلك أصبح مثل مرآة صافية متوجهة بكليتها إلى حضرة بهاء الله مما جعله يعكس نور أمر الله بسطوع بهر أنظار الذين تعرّفوا عليه. وهناك روايات كثيرة من مآثره التبليغية وموقفه المتمثل في التوكل التام على الله في حياته الشخصية. كان هناك قليل من أثرياء المؤمنين الذين ودوا انتداب ميرزا أبو الفضل ليقوم بتبليغ أمر الله نيابة عنهم، وكثير منهم أرادوا منه الانصراف عن كفاحه من أجل كسب قوته. لكنه رفض عروضهم شاكراً إيّاهم بلطف وأدب ومبيناً على أنه لم ينفك دوماً متوكلاً على الله لسد احتياجاته. في تلك الأيام كان كثير من الفقراء يقتاتون بكسرة من خبز يابس في كل وجبة، ولتحسين مذاقها كانوا يغمسون الخبز ذاك بقليل من ماء في إناء قبل تناوله. وكان يعرف ذلك الطعام بـ”الخبز اليابس والماء” وهو ما كان ميرزا أبو الفضل قد ألفه وتعود عليه جيداً.
عرض أحد الأحباء المخلصين في طهران دفع كافة مصاريف أسفاره. فيما يلي خلاصة للرد الذي كتبه له:
…عقب خروجي من السجن بطهران، أيقنت في هذا اليوم، الذي هو يوم الله، بأن رزق الإنسان مقسوم بيد قدرة حضرة المقصود. إذاً أنّى لأحد أن يقبل عرض التفويض؟ وعلى أي حال فإن الله الغني المتعال لم يتخل عن هذا العبد، والمؤمل ألاّ يتخلى عنه في الأيام القليلة المتبقية من حياته. إن هذا العبد لا يعتبر نفسه لائقاً لخدمة هذا الأمر الأعظم. إن رب العالمين بمحض فضله قد ضمن عونه لهذا العبد غير اللائق ووفّقه بالقيام على خدمة أمره. بطبيعة الحال إن الله سيجزل ثواب جناب النائب ونفسك بما فزتما بمساعدة مبلّغي أمره. لكن هذا العبد، مع ذلك، يأبى قبول عرضك المالي…
وقد بينت جلياّ لكل الأحباء بأني لن أتوقع في أي حال من الأحوال عوناً من أحد سوى ما يتعلق بالتبليغ أي ما يستلزم من توفير مكان لعقد الاجتماعات من قبل أحد المؤمنين. وأثناء إقامتي بهاتين المدينتين (همدان وكرمانشاهان) لم أتوجه لأحد بغية منحي ولا حتى إقراضي بعض المال، هذا علماً بأن الحاجة بلغت حداً أحياناً بحيث اضطررت لبيع بعض ملابسي، دون أن أذكر هذا لأحد. وإن أمكن لهذا العبد كتابة أجوبة للرسائل العديدة التي يستلمها، فبإمكانه كسب الرزق من خلال استنساخ الكتابات المباركة([3])…(1)
في رسالة أخرى كتب للشخص نفسه يقول:
… بخصوص مبلغ المال الذي تبرع به جناب النائب، عليه بهاء الله، لهذا العبد، فإني عاجز عن الاعتذار بما ينبغي له ويليق. يشهد الله، العالم بكل شيء، بأن رفضي لقبول عطائه لا يعني من قريب أو بعيد أني متكدر الخاطر تجاهه، بل إني ممتن وسأبقى أذكر طول حياتي عطفه وعطف أمثاله. في هذا اليوم، إن المكافأة التي سطرها قلم الله على لوح هذه الدنيا لأولئك الذين قاموا لتأييد أمر الله بسخاء من مالهم وتضحية حياتهم، سوف لن يمحوها مرور الأيام والدهور وتتابع الأعوام والشهور من دفتر العالم… والحمد لله لأن هذا العبد ليس متعلقاً بالدنيا وهو قانع كل القناعة بالعيش بلقمة خبز في أي مدينة أو بلد. والله يعلم بأن أمثال هذا العبد مالكون زمامهم بأيديهم، فهم مشغولون بتبليغ أمر حضرة مالك الإيجاد، ولا يمر يوم دون أن تخطط صفوف الأعداء من كل مذهب وكل ملة للقضاء علينا أو طردنا من بينهم، وهم يدللون على أعدائهم ضدنا بمختلف الوسائل. فليس هناك ملجأ آمن لهؤلاء العباد، وما من مكان في أي مدينة يمكنهم الاستراحة فيه بأمان دون أن يصبحوا هدفاً للفتنة والفساد، إلاّ إذا توقفنا عن التبليغ وأحجمنا عن الكلام حول أمر الله، وهذا ما لا يمكن أن يخطر على البال…
في لوح مبارك نزلت هذه الكلمات العليا: “يا أبا الفضل! إن الحق جل جلاله قد كان وسيكون معك.” ومنزل هذه الكلمات المباركة يشهد بأنني منذ إنزالها لم أجد نفسي بلا عون. بل إن عطايا حضرة ذي الجلال قد شملتني في كل الأحوال، وراقبني نظر لطفه ومرحمته. ولم يمر وقت تُركت فيه بنفسي. وكفى بالله وكيلاً وكفى بالله نصيراً.(2)
في رحلاته التبليغية نادراً ما نزل ميرزا أبو الفضل عند أحد من الأحباء، فكان عادة ينزل في خان ويتناول أبسط الطعام. لكن كل أفكاره وتحركاته كانت متوجهة لتبليغ أمر الله لطالبي الحقيقة، ولتعميق المؤمنين في معرفتهم وإلمامهم بالدين.
وقد أرسل حضرة عبد البهاء أبو الفضل إلى الولايات المتحدة لتبليغ الدين ومساعدة البهائيين لتعميق فهمهم للتعاليم الإلهية، فذهب إلى هناك عام 1901م. وكتب علي قلي خان،([4]) الذي كان يترجم له، ما يلي عن مدى توكله على الله:
كان ميرزا (أبو الفضل) باستمرار تقريباً في حالة من الصلاة، فالمناجاة والتبتل تشغل يومه صباحاً وظهراً ومساء. قصدت غرفته مرة ووجدت بابها مقفلاً، فطرقت ولم أسمع جواباً. ففتحنا الباب عنوة وإذا بالميرزا فاقداً الوعي وقد أغمي عليه بعد صلاته ومناجاته وقد اصطك فكاه ببعض. علمنا فيما بعد بأن سبب صلاته بذلك النحو من الخشوع والاشتعال والعبرات، يكمن في مفهومه وتصوره لعظمة الله من ناحية، وعدميته شخصياً من ناحية أخرى، وفي اعتقاده بأن وجوده نفسه، والذي هو موهبة إلهية، إنما كان خطيئة في هذا اليوم “الذي لا يُرى فيه سوى تجليات أنوار وجه ربك…” وكنت أعترض قائلاً له بعجب وحيرة: ‘أأنت الذات المقدسة، تبكي هكذا. إذا كنت أنت تعتبر نفسك مخطئاً ومذنباً، فما عسانا نحن الآخرين أن نأمل ونرجو؟’ فكان جوابه: ‘سيأتي اليوم حيث تعلم أنت أيضاً أي مقام من التعبد يليق لأن يكون لساناً ولغة يمكننا بها ثناء حضرة بهاء الله.’(3)
كان للصلاة والتعبد أقوى الأثر في حياته، فما أبداه من صفات رائعة وما حققه من نجاحات بارزة في مجال التبليغ إنما مرده لإقباله التام إلى الله وانقطاعه عما سواه. وقد سأله أحد المؤمنين أن يوجز له واجبات المبلّغ البهائي وشروط النجاح في التبليغ، فكتب هذه الأسطر القليلة في الرد:
… لمبلّغي أمر الله طرق متباينة في تبليغهم السيار، أمّا هذا العبد فيعتقد أن على المبلّغ البهائي أن يتحرر من كل عائق في أسفاره، ويكون متمهلاً صبوراً مصطبراً ومنقطعاً روحياً. وينبغي ألاّ يكون سبباً في إزعاج الآخرين، وألاّ يغفل عن أداء الفرائض والصلاة اليومية والدعوات المأثورة، كما جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: “ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها.”([5])
ينبغي للمبلّغ البهائي أن يؤمن بأن أعظم وسيلة تكفل نفوذ كلمته وسمو روحه هي حفظ مراتب التقوى ومخافة الله. كذلك عليه بالحكمة فإنها درع للمبلّغ وحصن له وحفظ لأمر الله. وبهذا النحو بعون الله تعالى قد تنفذ كلماته إلى قلوب سامعيه، وينجح عمله ويفلح في مآله.(4)
إن مآثر ميرزا أبو الفضل التبليغية تعد حقاً أعمالاً مذهلة. فبعد أن جاب كل أنحاء إيران متنقلاً باستمرار من مكان إلى آخر مدة ثلاث سنوات، واصل هذه الخدمة الجليلة خارج إيران في عشق آباد فضلاً عن سمرقند وبخارى، وكلتاهما في أزبكستان. وخلال ولاية حضرة عبد البهاء سافر إلى سوريا ومصر والولايات المتحدة الأمريكية. في كل مكان أفلح ميرزا أبو الفضل في إدخال عدة نفوس في ظل أمر الله، ومثبتاً إيّاهم في الإيمان ومعمقاً فهمهم لتعاليم الدين، وكثير من أولئك أصبحوا من خدام أمر الله الحقيقيين والمشهورين.
عموماً، عندما كان المبلّغون البهائيون يتحاورون مع الناس عن أمر الله في أوائل أيام نشوئه، كانوا يتبعون ثلاثة أساليب رئيسة لإثبات أحقية إدعاء حضرة بهاء الله. أحدهم يستند على الأدلة والبراهين العقلية والمنطقية، والآخر يعتمد على ما جاء في الكتب المقدسة للدورات السابقة، بينما الثالث، والذي كان يستخدم في حالات معينة فقط، كان يتناول حجج الطرف الآخر لإثبات أمر الله. وهذا الأخير، غير المعروف أو المألوف لدى الغربيين عموماً، يعتبر طريفاً جداً في الواقع. كان يستخدم فقط في حالات الأشخاص الذين لم يكن في نيتهم البحث عن الحقيقة بل هدفهم المجادلة وإحراز النصر فيها. في المجلدات السابقة([6]) وردت أمثلة لهذه الأساليب في شكل حوار.
كان ميرزا أبو الفضل أستاذاً فيها جميعها. ولا يتسع المجال في هذا المجلد لسرد بعض محاضراته الساحرة حيث يرفع الستار عن أسرار الظهور الإلهي ويأتي ببراهين دامغة لا يمكن دحضها على ظهور الرب في شخص حضرة بهاء الله. كان جل عمله التبليغي بطبيعة الحال يدور بين المسلمين، إلاّ إنه بلّغ أمر الله أيضاً للمسيحيين واليهود والزرادشتيين. فيما يلي نماذج من محاورات مقتبسة من سجله الزاخر بمآثره التبليغية، بعضها من كتاباته نفسه والأخرى من روايات الآخرين.
ولأجل تقييم أولى هذه الحوارات التي جرت بينه وبين أحد المبشرين البريطانيين، الدكتور روبرت بروس،([7]) في إصفهان، فمن المفيد أن نعرف أن ميرزا أبو الفضل اختار أسلوباً غير تقليدي لمواجهة هذا المبشر الذي كان يستغل نفوذه السياسي ويتفاخر متبجحاً بنشأته وثقافته الراقية. وتجدر الإشارة إلى أن الأمير ظِلّ السلطان، حاكم إصفهان، كان تحت تأثير الحكومة البريطانية ونفوذها والتي كان تأييدها ودعمها له ضرورياً وحيوياً في دعم خططه الطموحة. في ظل هذه الظروف فمن الطبيعي لأي مواطن بريطاني، لا سيما شخصاً بمثل مقام القس بروس، أن يكون له مكانة ونفوذاً كبيرين في إصفهان.
في الوقت الذي أعد أحد المؤمنين ترتيبات الاجتماع بين القس بروس وميرزا أبو الفضل، كان سكان إصفهان يعانون من قحط ومجاعة، وشبح الفقر يلوح فوق المدينة. وفيما يلي موجز للحوار غير العادي الذي دار بين الاثنين، كما رواه المرحوم عنايت الله سهراب، من المؤمنين المخلصين وهو نفسه من المبلّغين البهائيين المعروفين. والراوي لا يدعي بأنه قد سجل نص ما دار بينهما، إذ إن مصدر معلوماته كان حديثاً شفوياً. ومع ذلك، فإن فيه ما يعين على تصور الحوار غير الاعتيادي الذي جرى بين شخص له نفوذ سياسي ومالي وشخص آخر يفتقر لكليهما. عقب مبادلات تمهيدية حدث الحوار التالي:
ميرزا أبو الفضل: هل يمكنك أن تقول لي من فضلك ما حجم الأموال المرتبطة بوظيفتك؟
القس بروس: حتى الآن تبرعت بحوالي نصف مليون تومان لتخفيف المجاعة، وإن استوجب الحال باستطاعتي تجهيز أضعاف هذا المبلغ.
ميرزا أبو الفضل: ما طبيعة ما تملكه من نفوذ سياسي؟
القس بروس: إن لدي من القوة السياسية بحيث لو أغلق المسلمون المتعصبون كنيستي باستطاعتي أن أطلب من حاكم إصفهان، وهو نجل الملك، فيقوم ويفتحها بيديه.
ميرزا أبو الفضل: ما هي مؤهلاتك العلمية والثقافية؟
القس بروس: أنا خريج من الجامعات وعشت وترعرعت في بريطانيا التي هي في مقدمة الدول المتحضرة في العالم. من هنا يمكنك أن تقدر مدى ثقافتي وعلمي.
ميرزا أبو الفضل: بما وهبت من حظ وافر من النفوذ والمعرفة، ترى كم من النفوس أفلحت في تحويلهم إلى اعتناق المسيحية([8]) منذ قدومك إلى إصفهان؟
القس بروس: حوالي ثلاثين شخصاً.
ميرزا أبو الفضل: من بين هؤلاء كم تعتقد أنهم حقاً ثابتون بإيمانهم ويؤمنون بها بإخلاص؟
القس بروس (بعد برهة صمت وتفكير): أنا واثق بأن حوالي عشرة إلى خمسة عشر منهم صادقون في عقيدتهم.
ميرزا أبو الفضل: ومن بين هؤلاء العشرة أو الخمسة عشر كم سيبقى ثابتاً إلى النهاية ومستعد للتضحية بحياته في مواجهة الاضطهاد والاستشهاد؟
القس بروس (بعد برهة تأمل): ربما اثنان أو ثلاثة منهم سيظلون ثابتين حتى النهاية.
ميرزا أبو الفضل: إذا سمحت لي سأبين لك الآن موقفي. على الصعيد المالي ليست لدي أية ممتلكات أو موجودات مالية إطلاقاً، بل إنني في بعض الأحيان لا أجد ما يسد رمقي. ومن وقت لآخر يدعوني أصدقائي الأحباء، وهم أيضاً فقراء، ويصرون على التكرم عليّ بوجبة طعام. أمّا موقفي فيما يتعلق بالنفوذ السياسي فهو على النحو التالي: لو شك الناس في كوني بهائياً فإنهم سيقتلونني علناً بلا شك بينما ستكرم الحكومة من شارك في قتلي. وأمّا عن علمي فأقر بحقيقة كوني لم أتعلم سوى بعض المواضيع الدينية التي تدرس حالياً في المدارس الإسلامية. مع ذلك فإني أيضاً وليد ونتاج مجتمع غارق في الجهل والظلام.
على الرغم من كل هذه العيوب، فقد تحدثت إلى ما يقارب مائة شخص منذ قدومي لهذه المدينة قبل شهر. من هؤلاء أربعة وعشرون قد آمنوا واعترفوا بحقيقة هذا الدين واعتنقوه بإخلاص وحماس بحيث إن كل واحد منهم على استعداد للتضحية بحياته في سبيل الله، كما فعل عدة بهائيين آخرين. والآن أسألك الإنصاف في حكمك: إذاً من منّا اليوم هو المؤيد بروح القدس، أنت أم أنا؟
لم يكن القس بروس ليتوقع أبداً أن يصل حواره مع أبو الفضل بهذه السرعة إلى نهايته أو أنه سيجد نفسه بمثل هذا الاضطراب والإحراج. اعترافاً بهزيمته، طلب تأجيل الحوار ووعد بمواصلة النقاش في وقت لاحق.
وقد روى علي قلي خان نفسه القصة التالية حول حوار مع رجل دين آخر في الولايات المتحدة الأمريكية:
كان الميرزا (أبو الفضل) أستاذاً في المنطق والحجة، ماهراً في إحاطة مناظريه بعازل يجعلهم مضطرين إمّا لقبول تصريحاته أو الاعتراف بجهلهم. كان جميع أنواع المفكرين يقارنون عقولهم وقابلياتهم الذهنية به، لكنني لم أره مهزوماً أبداً. كان عميق الاطلاع في تاريخ الكنيسة، واللاهوت الأوروپي والغيبيات، وهي مواضيع كان قد درسها باللغة العربية في الأزهر الشريف. أذكر مرة جاءه قسيس وتهجم بشدة على النبي محمد ﷰ. فرد الميرزا عليه بقوله: ‘إن مراجعكم الدينية العليا تصرح بأن ما من مؤرخ واحد يهودي أو روماني في القرن الميلادي الأول ذكر وجود عيسى المسيح، وإن كثيرين لا يعتقدون بوجوده تاريخياً. ثم إن بعض المسيحيين هم الذين أقحموا إشارة للمسيح في كتابات يوسيفوس، ولكن سرعان ما انكشف هذا التزييف. وآخرون دفنوا لوحاً في الصين نقش عليه بأن المسيحية قد وصلت إلى الصين في القرن الأول (الميلادي)، وهذا أيضاً انكشف (بطلانه). لكن النبي محمد ﷰ علاوة على إعلانه وتأكيده لمجيء المسيح ووجوده في التاريخ، فإنه صار سبباً في جعل ثلاثمائة مليون من البشر (المسلمين) يؤمنون أيضاً ويعترفون به ليس فقط كشخصية تاريخية بل أنه روح الله. ألم يكن إذاً محمد، الذي تنكره وتدينه، أكثر منكم نجاحاً كمبشر؟’
ولم يشجع الميرزا أبداً أي حديث يمكن أن يؤدي إلى الخلاف والشقاق. جاءه مرة أحد الأحباء وأخبره بأن مؤمناً (بهائياً) آخر يسيء إلى أمر الله. فاستمع الميرزا له بعناية. بعد ذلك طلب مني أن أترجم جوابه كلمة كلمة:
‘هل تؤمن بأن حضرة بهاء الله هو رب الجنود الموعود؟’
‘نعم’.
‘حسناً، إن كان حضرته ذلك الرب، فهؤلاء هم الجنود. فبأي حق إذاً نتكلم بالسوء عن الجنود؟’(5)
كان لميرزا أبو الفضل لقاء آخر بالقس بروس، هذه المرة في تبريز. وبخلاف لقائه الأول، فإن الرواية التالية رواها ميرزا أبو الفضل نفسه:
في مقتبل ربيع هذه السنة (1887م) وبينما كنت مقيماً في تبريز، قدم للمدينة السيد بروس، كاهن عالم من الطائفة المسيحية الموقرة، والذي سبق أن عاش سنوات في الهند وإيران وفي السنوات الأخيرة في إصفهان، وكان في طريقه عائداً إلى لندن. ونظراً لمعرفتي السابقة به، قصدت زيارته بصحبة حضرة ورقاء وجناب آقا خليل التبريزي. بعد تبادل التحيات، وصل قسيس أمريكي وانضم بعده بقليل مستشار الدولة، ميرزا يوسف خان، والذي كان يشغل منصباً حكومياً رفيعاً. كان هذا رجلاً يمتاز بطيبة الخلق والحكمة. سرعان ما شعرنا بجو اجتماعي يضمنا جميعاً.
ملمحاً للقائي به في العام السابق في إصفهان، قال السيد بروس إنه طالما تمنى فرصة اجتماع آخر بيننا لمناقشة ثلاثة مواضيع اعتبرها نقاط الخلاف الوحيدة بيننا. فقلت له… إن باجتماعنا قد توفرت تلك الفرصة الطيبة لمناقشة هذه المسائل حيث كان هناك في الجلسة رجال أصحاب ثقافة ومعرفة. ثم سألته ما هي تلك المواضيع الثلاثة عسى أن أكون قادراً على شرحها وبيانها.
قال السيد بروس: ‘إن المسألة الأولى هي: إنك تؤمن بأن الآب السماوي قد تجلى في هيكل بشري، بينما نحن نعتقد أنه ذات غيب لا تدركه العقول والأبصار ومجرد من التجسم والأوصاف البشرية.
المسألة الثانية: أنت تعتبر أن العهد القديم والجديد وكذلك القرآن كتب مقدسة منزلة من عند الله. إلاّ أننا نعتقد بأن الأولَين فقط هي كلمات الله، ونصوصهما أصلية لم تحرف ومصانة من كل تحريف وتغيير. وبما أن في القرآن اختلافات ظاهرة عنهما، فنحن نعتبره موهوماً مضللاً.
المسألة الثالثة: إننا نعتبر المسيح شخصاً واحداً، أي عيسى عليه السلام. بينما أنت تعتبر المسيح أشخاصاً متعددة ظهر في صور مختلفة.’
قلت: ‘أنا أعتبر أن المعيار للنظر في هذه المسائل الثلاث ينبغي أن يكون نص العهد القديم والجديد. فكل ما تشهد به نصوصهما سيكون مقبولاً بالنسبة لي وأساساً لحجّتي. والآن أحب بعون الله أن أبين حقيقة معتقداتنا في محضر أرباب الفضل الموجودين في هذا المجلس.’
قال: ‘أنت على حق، لأنه في المسائل الدينية فإننا لا نعتبر أو نقبل أي شيء ما لم يتفق مع شهادة الكتب المقدسة، ونحن لا نستخدم دلائل عقلية في المعارف والاعتقادات.’ ثم طلب نسخاً من العهد القديم والجديد وتم إحضارهما.
قلت: ‘فيما يتعلق بالمسألة الأولى: إنه من الواضح المسلّم به أن مصطلح “الآب السماوي” قد استخدم فقط فيما بين الشعبين المسيحي واليهودي، أمّا الملل الأخرى، كالزرادشت والإسلام والهندوس والبوذيين فلا يستخدمون هذه العبارة مطلقاً، بل إن عدداً كبيراً منهم لم يسمع بها قط. وأصل هذا اللفظ موجود في العهد القديم ومنه انتقل إلى العهد الجديد الذي انبثق عن الأول. وعليه يجب علينا أن ننظر إلى شهادة العهد القديم في أوصاف “الآب السماوي” وأن نكون على استعداد لقبول هذا الوصف معتمَداً ولا نتبع توهمات أهل العلم.’ فوافق السيد بروس معي على هذه النقطة.
بعد ذلك سألته أن يقرأ الأصحاح 9، الآية 6 من سفر إشعياء وهي كالآتي: “لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام.”
(والآية 7): “لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد، غيرة رب الجنود تصنع هذا.”
بعد قراءة هذه الآيات المباركة صرحت بأن مضمونها الواضح أن ابناً سيولد ويكون سبباً لخلاص بني إسرائيل من الذل والبؤس وسيُعرف بالأوصاف آنفة الذكر: أولها “مشيراً” الذي ينصح الناس، ثانيها “إلهاً قديراً” وتعني مقام مظهرية الله العظمى ونقطته الأولية العظمى، ثالثها “الأب الأبدي” الذي بسلطانه وقدرته خلق الإنسان منذ الأزل وحتى أبد الدهر، رابعها “رئيس السلام” الذي بظهوره ستوضع قواعد وحدة العالم الإنساني واتحاده وبذلك تنمحي وتتلاشى ويلات الخلاف والحروب المدمرة للعالم والمُحطّة لشأن البشر.
يتضح جلياً من هذه الآية الواضحة الصريحة أن “الآب السماوي” سيظهر في هيكل إنساني، ويولد من أم وسيعرف بالاسم الأعظم. هذا ويبدو أنه من العسير على المرء أن يجد في الفقرات الأخرى من الكتاب المقدس إشارة إلى “الآب السماوي” أكثر وضوحاً وصراحة من هذه.
أمّا السيد بروس، الذي كان غارقاً في التفكير والتأمل، فقال: ‘لم يسبق لي أن استمعت تبياناً كهذا.’ ثم حوّل اهتمامه إلى إدوارد، القس الأمريكي، وتحدّث بضع كلمات بالإنگليزية. قام جناب آقا خليل، الذي كان يعرف تلك اللغة، بنقل النقاط الرئيسة لما دار بين الاثنين إلى حضرة ورقاء. ثم قال السيد بروس: ‘منذ فترة طويلة ونحن نعطي للمسلمين العهد القديم والجديد، لكنهم لا يعقلون منهما أي شيء، لكن أهل هذه الطائفة (البهائيين) يدركون معاني الكتب السماوية إدراكاً جيداً حقاً، وإنصافاً فإنهم على صواب في تفسير الآيات المذكورة أعلاه في العهد القديم.’
بعد ذلك توجه هذا العبد إلى السيد بروس وقال: ‘لله الحمد فقد عالجنا المسألة الأولى وأزلنا الاختلافات بيننا. والآن فيما يتعلق بالمسألة الثانية…’(6)
يشرع ميرزا أبو الفضل لإثبات صحة القرآن الكريم، ويبدأ في توضيح هذا الموضوع. لكنه لم تمضِ عليه سوى دقيقة أو اثنتين، حتى قاطعه السيد بروس وأنهى الحوار فجأة. ويكتب ميرزا أبو الفضل حول ذلك:
نظر إليّ السيد بروس، ووجهه يعبّر عن مزاج جاد ومنشرح في آن واحد، محاولاً إخفاء اضطرابه الداخلي خلف ابتسامة يتميز بها وخاطبني قائلاً:
‘بصدق وإخلاص أود أن أوضح بأننا نعلم كل ما ينبغي أن نعلمه عن محمد والقرآن، ولا يمكننا أبداً أن نسلم ونخضع له، وعليه فإنه لا فائدة من التحدث معنا بشأن هذه المسألة.’
في الرد قلت: ‘لم تكن غايتنا بالمجيء إلى هنا الدخول في نقاش معك، بل لنجدد التعارف والوفاء بالتزامنا لإقامة رابطة الألفة والود معك. فأهل البهاء يعتبرون النزاع والخلاف نوعاً مذموماً من السلوك، وعلى العكس يعتبرون المحبة والألفة أهم ما يجب أن تتميز به حياة الإنسان. وما دخلنا في النقاش إلاّ نزولاً عند رغبتك، ولم نقم إلاّ بالاستجابة والرد على أسئلتك.’
بعد هذا قال له جناب ورقاء: ‘لقد سررتَ بالجواب عن السؤال الأول، وبالتأكيد لن يكون هناك ضرر لو بحثت المسائل الأخرى أيضاً عسى أن تجد الإجابات مما ترضيك هي الأخرى.’
لكن السيد بروس قال: ‘كما سبق أن صرحت، لا أرى هناك من فائدة في الاستمرار بالنقاش.’ وهكذا اختتم حوارنا، ودخلنا بعدها في حوار ودي أعرب خلاله عن أمنيته في اصطحاب هذا العبد بالسفر إلى لندن، لكنني اعتذرت عن عدم قبول العرض حتى أستمر بتكريس نفسي لخدمة هذا الأمر العظيم.(7)
إن أسفار ميرزا أبو الفضل، داخل إيران وخارجها، والتي قام بها دعماً وتأييداً لنشر أمر الله، إنما كانت بمثابة نسيم يعبق بالمسك والذي دام قرابة ثلاثة عقود من السنين وهو يهبّ على نفوس الجامعة الناشئة، منعشة أفرادها ومنشطة نموها. أما أنه كان واسطة متميزة ومثالية خلقها الله لتأييد أمره فهو مما لا شك فيه، وإن مثال سيرة حياته النبيلة لا محالة ستلهم أجيالاً لا حصر لها على مدى قرون المستقبل وعصوره.
مبلّغ بهائي بارز آخر ممن تجول على نطاق واسع في جميع أنحاء إيران خلال فترة ولاية حضرة بهاء الله، كان الحاج ميرزا حيدر علي الشهير. زار تقريباً كل مركز سكن فيه بهائي، والأماكن التي خلت من وجود البهائيين مكث فيها ولم يغادرها حتى أفلح في هداية بعض سكانها وإقبالهم إلى أمر الله. إن إحدى إنجازاته العظيمة نجاحه في تكريس حياته تماماً للتبليغ على شأن لم تكن هناك قوة في الدنيا يمكن أن تشغله عن هدفه الأعلى في هداية النفوس اللائقة المستعدة لأمر الله. فلم يكن ليعيقه عن خدمة ربه شيء ما، لا التزامات سابقة، ولا منافع أو مصالح دنيوية ولا ألم أو معاناة أو اضطهاد. فعندما كان يرد إلى مدينة أو قرية كان يستشعر بوجوده وينجذب إليه كل من وهب بصائر من الروح. ولمّا كان منقطعاً عن الدنيا فإن قلبه صار ينبوعاً للصفات الإلهية. فلا عجب والحالة هذه أن أفاض من قوة أمر الله على الناس، ونفذت كلماته عميقاً في أفئدتهم حتى بعض أولئك الذين كان في قلوبهم عداء ضد أمر الله لسنوات طويلة وجدوا أنفسهم وقد انقلبوا وصار لديهم انطباع إيجابي عند ملاقاته، بل في موقف خضوع وتسليم لدى استماع كلمات قليلة منه.
على سبيل المثال، اعتاد الحاج ميرزا حيدر علي حين عودته من الأرض الأقدس إلى إيران أن يمكث بضعة أيام في مدينة كردية صغيرة بالقرب من الحدود الإيرانية، تعرّف فيها على شخص اسمه الكربلائي آقا جان وكان عدواً لأمر الله لسنوات عديدة. رغم ذلك وفي غضون بضعة أيام من معاشرته للحاج اعترف بأحقية أمر الله وانقلب خلقاً جديداً، وزاد حبه لحضرة بهاء الله باطراد بينما لم يعرف حماسه حدوداً، لا بل فاق الكثير من كبار المبلّغين في إخلاصه وتفانيه لأمر الله. لكن في وقت لاحق حدث أن الكربلائي آقا جان، نتيجة تمرد مسلح قام به أحد زعماء الدين، أرغم على الفرار من تلك المدينة سيراً على الأقدام علماً بأنه كان رجلاً غنياً ووجد نفسه فجأة وقد فقد كل شيء، فلا عجب أن انتابه إحساس، نتيجة الإرهاق المحض والعوز، بالمرارة واليأس. فرفع يديه، وهو بتلك الحالة، في ضراعة متوسلاً إلى الله ومخاطباً إيّاه بهذه الكلمات البسيطة: ‘دعنا نتبادل في لحظة فأكون أنا الله وتكون أنت الكربلائي آقا جان. فكيف كنت ستقبل أن أعاملك، بصفتي الله، ما عاملت به آقا جان؟’
ولم يكد ينطق بهذه الكلمات حتى استجاب له من يعلم كل شيء ويسمع دعاءنا. وقع ذلك حينما تسلّم الكربلائي آقا جان بعد برهة قصيرة ودون أن يتوقعه، لوحاً قصيراً من حضرة بهاء الله مقراً بأنه قد استمع شكواه في نجواه وأن الله يؤكد بأن آقا جان كان على حق وصواب! ثم يطمئنه مؤكداً بأن عون الله آت. وفعلاً تفتحت أمامه أبواب الرخاء واستمر يخدم أمر الله حتى نهاية حياته.
كان الحاج ميرزا حيدر علي أحياناً يستعمل في مآثره التبليغية أساليب غير عادية بغية إعانة الناس على فتح بصائرهم ورؤية حقيقة أمر الله. فيما يلي ملخص قصة رواها الحاج نفسه جرت أحداثها في مدينة قم وهي مركز الرؤساء الدينيين في إيران:
أخبراني [شقيقان بهائيان كانا يقيمان في قم] عن وجود رجل مؤمن حقيقي بالإسلام وهو شخص تقي وأمين وبسيط، لكنه متعلق جداً برجال الدين. وفي تقديرهما أن هناك احتمال لاعتناقه دين حضرة بهاء الله لو تم لقاء بيني وبينه في مكان ما بغية تبليغه أمر الله. فاتفقنا على الترتيبات التالية:
أن أتوجه إلى موضع ما للنزهة والسياحة في الريف خارج المدينة حيث أكون في صحبة صديق – بهائي – نتبادل الحديث ونشرب الشاي. وكان على الشقيقين البهائيين([9]) أن يمرا، بصحبة صديقهما غير البهائي، خلال البستان في الموضع المذكور وعندئذ أنادي عليهما وأدعوهم جميعاً لشرب الشاي، ثم أقوم في أثناء حوارنا بالإشارة إلى موضوع أمر الله.
وفعلاً نفذنا هذه الخطة، حضروا وتكلمت مع الرجل عن أمر الله. كان في البداية مسروراً بالتحدث معي، إلاّ إنه حينما أدرك بأني بهائي وما كانت غايتي، اعتذر بكل أدب وقال بمنتهى التواضع، بأن رجال الدين قد حرّموا على الناس التحدث مع البهائيين… وطالب أن نكف عن التحدث في المواضيع الدينية، وإلاّ فإنه سيضطر لتركنا، وعليه اقترح أن نتحدث في موضوعات أخرى.(8)
يتضح من الطريقة التي اتبعها الحاج ميرزا حيدر علي في هذه المناقشة هو إنه كان قد أدرك أن لدى ذاك الرجل ذاتٌ نقية بسيطة وإنه باستطاعته الاعتراف بأحقية أمر الله إلاّ إنه كان في الوقت نفسه شديد التعلق برجال الدين ويبجل مكانتهم وقدرهم. وعليه يبدو أنه، أي الحاج، قرر عمل شيء من شأنه زعزعة ثقة الرجل برجال الدين الإيرانيين وأن يريه جانبهم القبيح وحقيقة طبعهم. هذا مع علمه بأنه لو عاد الرجل إلى رجال الدين ومعه بعض الأسئلة العميقة المحرجة في الدين، فمن المحتمل أنهم سيرتابون بكونه على اتصال مع البهائيين مما قد يجعلهم ينزلون به عقاباً شديداً، وهذا بدوره قد يجره إلى فقدان عقيدته وثقته بعلماء الدين.
وعلى هذا النحو يستمر الحاج ميرزا حيدر علي بسرد القصة:
قلت له: ‘أستطيع أن أقدّر بأنك تعتبر حديثك معي هو خطيئة، لكن إذ أردتُ أن أسأل رجال الدين سؤالاً، فهل بإمكانك نقله إليهم وترجع لي بالجواب؟’ قال: ‘يعتمد ذلك على طبيعة السؤال.’ قلت: ‘سؤالي كما يلي: ما هو دليل صدق وأحقية القرآن الكريم وكيف يمكننا أن نتأكد أن الكتاب هو معجزة؟’ قال لي لو أكتب السؤال على ورقة فإنه سيكون مسروراً لأخذ الرسالة والرجوع بالجواب… وهكذا قام هذا الشخص البسيط الصادق بأخذ ملاحظاتي إلى رجال الدين.
وما كاد العلماء ينظرون إلى الرسالة حتى انهالوا على الرجل المسكين ضرباً مبرحاً، مقروناً بالسباب واللعن كونه بهائياً وأرادوا أن يسجنوه. كان نتيجة ما حدث له من المعاملة القاسية واللاإنسانية بالإضافة إلى عجز العلماء في الإجابة عن السؤال، أن فتحت بصيرة ذلك الرجل وأدت إلى اعتناقه أمر الله.(9)
في أثناء تجواله الواسع في إيران، قام الحاج ميرزا حيدر علي بتبليغ أمر الله إلى نفوس عديدة. وفي خلال تلك الأسفار واجه معارضة ومقاومة كبيرة من الأعداء، وتعرض في عدة مناسبات للاعتداء البدني. وفي مجلد سابق([10]) عرض لسيرة حياته اللامعة والتي تعكس بعضاً من ألوان المشقات والبلاء الذي نزل به وهو سجين لسنوات عديدة في السودان. فمنذ أوائل أيام ولاية حضرة بهاء الله وحتى صعوده، وخلال ولاية حضرة عبد البهاء، قام هذا الرجل المؤمن بخدمة أمر الله بإخلاص وتفان وتضحية مثالية، وبذلك نوّر صفحات سجل أمر الله بلمعان لن يخبو سناؤه.
لقد أوجب حضرة بهاء الله على أتباعه تبليغ أمره، وأطاع كل مؤمن حقيقي مخلص هذا الحكم على الدوام. في أوائل أيام أمر الله دأب الأحباء في إيران على إيقاظ النفوس بكل إخلاص وتفان، لكن كل واحد منهم كان يقوم بدوره وفقاً لقدرته. طبعاً لم يستطع كل واحد أن يتكلم في موضوع الدين، أمّا أعمال التبليغ الفعلية وإتيان الدلائل وتعميق وتثبيت إيمان المريدين فكانت تترك عادة لمن وُهِبَ المعرفة والفهم في أمور الدين، وكما أشير سابقاً كان يعرف أولئك باسم المبلّغين. وفي كل موضع أو منطقة كان يوجد عدد قليل من المؤمنين ذوي الإطلاع والمعرفة ممن عرفوا بهذه الصفة وكانوا على استعداد للبحث والنقاش حول أمر الله في مجالس خاصة مع الذين سبق أن اتصل وتعرف عليهم بعض أفراد الأحباء.
غالباً ما كانت عملية التبليغ تجري عن طريق مجموعة عمل، وكان هناك العديد من الذين بحثوا عن النفوس المستعدة وكانوا قادرين على جذبهم من خلال الدعاء والمثابرة، ثم تهيئتهم أخيراً لحضور مجلس يتواجد فيه مبلّغ يتولى الحديث عن أمر الله. وكان هناك آخرون يقدمون منازلهم لعقد تلك المجالس، بينما آخرون أخذوا على عواتقهم خدمات أخرى تمكّن من عقد هذه الاجتماعات. وكانت الحكمة كما هي دوماً، عاملاً هاماً في التبليغ، فالمبلّغون البهائيون يقدّرون أولاً وضع واستعداد الشخص المبتدئ، ثم يشرعون بتقديم أمر الله له خطوة خطوة بالحكمة والتعقل.([1])
كان أولئك المبلّغون عادة من ذوي الفهم العميق في أمر الله ومطلعين إطلاعاً جيداً على كتابات حضرة بهاء الله والكتب المقدسة السابقة. ومعظمهم كانوا متعلمين، ولكن كان هناك أيضاً مبلّغون ناجحون جداً رغم كونهم أميين أو ممن نالوا حظاً بسيطاً من التعليم. ولقد بحثنا في مجلد سابق([2]) الفرق بين القدرة على فهم الحقيقة الروحية وموهبة العرفان المكتسب. فالأول ينتج من الإيمان المقترن بالانقطاع عن شؤون الدنيا، بينما الآخر يأتي من خلال التعلم. فمثلاً كان هناك بعض النفوس الذين تمتعوا بمعرفة كبيرة عن أمر الله، إلاّ أنهم لم يتفهموا حقيقته. ومن ناحية أخرى كان هناك كثيرون ممن جمعوا الاثنين.
إن الصفات البارزة التي امتاز بها معظم مبلّغي أمر الله في تلك الأيام، فكانت أولاً حبهم الوجداني العميق لحضرة بهاء الله مما جعل نفوسهم مستنيرة باطناً وظاهراً، وثانياً تفهمهم العميق للأمر سواء كانوا متعلمين أم لم يكونوا. وفي غياب المؤسسات الأمرية مثل المحافل الروحانية المحلية أو المركزية في أيام حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء، كان للمبلّغ دور هام خاص في تعميق المؤمنين في مجال معلوماتهم الأمرية وكذلك في إعانتهم وتشجيعهم للقيام بواجباتهم في مجال التبليغ.
ففي سنة 1881م كان حضرة بهاء الله قد وجّه ابن الأصدق في أحد ألواحه(1) لاتخاذ الترتيبات اللازمة، بالمشورة مع الملاّ علي أكبر الشهميرزادي ومؤمن آخر بغية تعيين مبلّغ بهائي مناسب مقيم في كل محلة في إيران. ويولي حضرته أهمية كبيرة لهذا الأمر ويعتبره “أهم من كل الأمور”. وكذلك منذ الأيام الأولى وجّه حضرة بهاء الله نفسه نفوساً قليلة بارزة من ذوي المعرفة لأجل القيام بالتجوال باستمرار كمبلّغين داخل إيران والبلاد المجاورة بهدف تبليغ أمر الله في مدنها وقراها. كانت مهمتهم الرئيسة التحدث مع أناس لديهم الرغبة أو الاهتمام وذلك في مجالس خاصة كانت عادة تنظم من قبل الأحباء المحليين. وقد قدّم هؤلاء المبلّغون السيّارون خدمات جُلّى لا تُثمَّن. فمن خلال تكريسهم ومعرفتهم وروحانيتهم ونورانيتهم أفلحوا في مساعدة الأحباء في أنشطتهم التبليغية وصاروا سبباً في إدخال أعداد كبيرة من النفوس في ظل أمر الله. استمر هذا النشاط على ذلك النمو في ولايتَي حضرة عبد البهاء وحضرة شوقي أفندي، ومع تزايد الأعداد كان هناك نوعان من المبلّغين: “محلي” و”متجول”. وحينما تأسست التشكيلات المركزية في إيران، كان من واجباتها المهمة تأمين وجود بعض المبلّغين الكفؤين.
وفي موازاة واجب التبليغ هناك مبدأ إدارة شؤون الجامعة من خلال عملية المشورة التي أمر بها حضرة بهاء الله في تعاليمه. أمّا قبل تشكيل المؤسسات الأمرية فكانت تتخذ القرارات الهامة سواء كانت تهم الجامعة ككل أو فرد ما بإجراء تشاور فيما بين نفر قليل من المبلّغين ونخبة من المؤمنين المحليين ذوي الخبرة من المسنين. وقد استمرت تسمية بعض الأحباء بكلمة مبلّغ أو مبلّغين خلال ولايتَي حضرة عبد البهاء وحضرة شوقي أفندي. وعندما تشكلت المحافل الروحانية المحلية في إيران إبان ولاية ولي الأمر، نصح تلك المحافل بأن تعطي اهتماماً خاصاً أثناء عملية اتخاذ القرارات لآراء المبلّغ في المنطقة بل ويحاولوا تنفيذ نصيحته.
يبدو أن هذه العملية، التي بدأت في أيام حضرة بهاء الله واستحكمت فيما بعد بتعيين أربعة أيادي أمر الله من قبل حضرته، قد أسست نظاماً رسمياً خلال ولاية حضرة شوقي أفندي ومن بعده بيت العدل الأعظم. وفي عصر التكوين الذي بدأ بصعود حضرة عبد البهاء، أصبح أيادي أمر الله الذين عيّنهم([3]) حضرة شوقي أفندي عنصراً مكوناً مكملاً لمؤسسات نظام حضرة بهاء الله الإداري. وعلى غرار ذلك عيّن بيت العدل الأعظم هيئات المشاورين لإبقاء الوظائف الرئيسة لأيادي أمر الله على مر الزمن، والتي هي أيضاً من مؤسسات أمر الله. في هذه المؤسسة، ومعها هيئة المعاونين ومساعديهم والتي تعتبر ذراعها المعين تعييناً من قبلها، يبدو وكأن الوظائف نفسها التي كانت سابقاً منوطة بالمبلّغين (القدامى) قد استمرت على الصعيد العالمي والقطري والمحلي. ومن الجدير بالذكر أن هناك اليوم عدداً كبيراً جداً من المبلّغين البهائيين من ذوي الإطلاع والمعرفة الواسعة، ويعملون بتفان ونشاط ويقدمون خدمات ملحوظة لأمر الله، لكنهم ليسوا أعضاء في هذه المؤسسة، وبالتالي ليس لديهم مسؤوليات معينة فيما يتعلق بالجامعة البهائية. وتشمل هذه المسؤوليات إلى جانب التبليغ وتشجيع الأحباء في أداء خدماتهم لأمر الله، إجراء المشورة مع المحافل الروحانية المحلية والمركزية، وهي مسؤوليات لا تختلف عن وظائف “المبلّغ” في سالف الأيام.
خلال السنوات القليلة الأخيرة من حياته، اختار حضرة بهاء الله أربعة من أتباعه المخلصين ومنحهم لقب “أيادي أمر الله”، وهم: الحاج الملاّ علي أكبر الشهميرزادي، والمعروف بـ”الحاج آخوند”؛ وميرزا محمد تقي، المعروف بـ”ابن الأبهر”؛ وميرزا علي محمد، المعروف بـ”ابن الأصدق”، والحاج ميرزا حسن الملقب بـ”أديب”. واستناداً لما لدينا من معلومات فإن هذه التعيينات لم تتم دفعة واحدة، كما أنها لم تتخذ شكل إعلان بأسمائهم موجّه إلى الجامعة، ولم تُبَيَّن وظائفهم في لوح خاص. وباستثناء ميرزا حسن أديب، الذي اعتنق أمر الله قبل صعود حضرة بهاء الله بنحو ثلاث سنوات، فإن الأيادي الثلاثة الآخرين كانوا مؤمنين قدماء. وتسلّموا جميعهم على مر السنين عدة ألواح أكرمهم فيها حضرة بهاء الله ببركاته وهدى خطاهم وأثنى على أعمالهم ومقامهم العالي بعبارات وهاجة. كثيراً ما يشير إليهم في هذه الألواح بـ”الأصفياء”، “الأحباء”، “النفوس المنقطعة”، و”الأرواح المنزهة”، وصفات مماثلة غيرها.
وأنزل لكل واحد منهم، قرابة أواخر حياته، لوحاً مسمياً إيّاهم “أيادي أمر الله”. على قدر استطاعتنا في الاستنتاج من المعلومات المتوفرة، فإن أول مرة استعمل حضرته عبارة “أيادي أمر الله” إشارة لفرد مؤمن مكلف بمسؤوليات معينة كانت في لوح أنزل في حق ابن الأصدق في 19 رجب عام 1304ﻫ (13 نيسان 1887م). وربما تم تعيين أيادي أمر الله الثلاثة الآخرين في التاريخ نفسه تقريباً. في لوح أنزل في حق ابن الأبهر ومؤرخ في 24 شعبان 1306ﻫ (26 نيسان 1889م) يتضح أنه سبق أن اختير من أيادي أمر الله. ولم يعثر مؤلف هذا المجلد على تاريخ محدد بالنسبة لتعيين الحاج ميرزا حسن أديب، الذي كان هذا آخر من عُيّن، فقد آمن بأمر الله حوالي عام 1889م.
ربما كان صحيحاً القول أن الأحباء لم يقدّروا، لفترة ما، أهمية تسمية “أيادي أمر الله” ولا ما تنطوي عليه من مهام ونتائج لمن شملتهم هذه التسمية من أفراد الجامعة، وقد يخطر للمرء سببان لذلك. أولهما أن حضرة بهاء الله كان قد استعمل هذا التعبير “أيادي” في ألواح سابقة مثل “سورة الهيكل”([4]) وغيرها دون الإشارة إلى شخص معين؛ وثانيهما، إنه لم يكن هناك تغيير واضح في أنشطة أولئك النفوس بعد تعيينهم، إذ استمروا في عملهم الدائم بدعم أمر الله وتأييده وإعانة المؤمنين في شتى نواحي نشاطاتهم. على سبيل المثال، يؤكد حضرة بهاء الله في لوح(2) أنه منذ الأيام الأولى لوصوله إلى عكاء كان قد أوعز إلى الملاّ علي أكبر أن يعمل على “حفظ وصيانة أمر الله”. فبدأ الأحباء يتفهمون وظائف أيادي أمر الله وواجباتهم تدريجاً على مرّ السنين. وهذا ما حدث خصوصاً خلال ولاية حضرة عبد البهاء عندما وجههم للقيام على أداء واجبات معينة كهيئة.
لأجل أن نتفهم وظيفة أيادي أمر الله، دعونا نتفحص بعض المبادئ الأساسية للحياة والخليقة. يصرح حضرة بهاء الله في لوح(3) أنزله في حق أمين الحقوق، الحاج أبو الحسن أمين، بأن الحرارة تُحدِث الحركة، وهذا ينطبق على ما تحدثه كلمة الله([5]) من حرارة وحركة. وهذا بيان عميق المعنى، قد ثبت جزؤه الأول بالعلم، بينما الثاني تعلمّه الأديان. وهذا الإعلان لا يعبر عن صحته مادياً فقط، لكن له مغزى روحانياً أيضاً، فالحماس والاندفاع الديني يتولدان من مدى دفء القلب وحرارته.
فالمؤمن يستطيع أن يقوم على خدمة أمر الله بإخلاص وتفان فقط عندما يشتعل قلبه بنار محبة الله. بعبارة أبسط إن المؤمن إذا دخلت قلبه محبة حضرة بهاء الله، فإنه يشعر بالسرور والانتعاش، عندئذ يصبح مدفوعاً لخدمته. والخدمة التي تؤدى لأمر الله دون حرارة روحانية وحب سوف لا تكون مؤثرة في النهاية، وإن بدت ناجحة في البداية. والخدمة دون اشتعال الحب داخل القلب لا ينتج عنها غير الإحباط واليأس والارتباك. في هذه الحالة قد يمر المؤمن بمصاعب عظيمة في إيمانه. فالخدمة المؤداة لأمر الله بدافع من محبة المؤمن لحضرة بهاء الله ستصبح واسطة تقربه إليه، بينما تلك التي تقوم على أساس من دافع خفي تجعله أنانياً مغروراً بذاته وبالتالي محروماً من السعادة الحقيقية.
لقد تعلمنا من كلمات حضرة بهاء الله أن كلمة الله هي التي أحدثت الحرارة التي بواسطتها خُلق الكون. وهذا يصح أيضاً على الصعيد الروحي. فالكلمة الإلهية وحدها القادرة على إيقاد نار المحبة لحضرة بهاء الله في قلب المؤمن، ويحدث هذا شريطة أن ينجح الشخص في الانقطاع عن كل تعلق بشؤون الدنيا. إن الذين فازوا بمحضر حضرة بهاء الله شعروا بقوة كلمة الله وجلالها إذا كانت قلوبهم طاهرة نقية، أمّا الذين لم تتطهر قلوبهم فقد حرموا من هذه العطية وإن كانوا قريبين جداً من شخصه المبارك. إن أفضل مثال على ذلك نجده في أبناء وبنات حضرة بهاء الله الذين كانوا بجواره طيلة سنوات لكن مع هذا كانوا أبعد ما يكون عنه روحياً.
ليس هناك ما هو أقوى أثراً من كلمة الله في خلق نار محبته في قلب المؤمن، يليه ذلك الأثر الذي قد يحدثه المؤمن الحقيقي في قلب مؤمن آخر من خلال الارتباط الوثيق. ويشهد حضرة بهاء الله بتأثير هذه القوة في “الكلمات المكنونة”:
“من أراد أن يأنس مع الله فليأنس مع أحبائه ومن أراد أن يسمع كلمات الله فليسمع كلمات أصفيائه.”(4)
إن هذه الفقرة تدلل على المساهمة الكبرى التي قدّمها أيادي أمر الله، وهم أنفسهم مبتهجين منتعشين بمحبة مولاهم، بقصد إثارة حماس الأحباء للقيام على العمل وتمكينهم من التقرب إلى حضرة بهاء الله. وبذلك أشعلت هذه النفوس المكرسة قلوب الأحباء بنار إيمانهم الذي كان متقداً في بواطنهم، فمن تخاطب مع هؤلاء النفوس كأنما تكلم مع الله، ومن استمع لكلماتهم كأنه استمع لكلمة الله.
يمكننا أن نرى بالتالي، الدور الحيوي الذي أوكله حضرة بهاء الله لأيادي أمر الله. فبواسطة شعلة النار المتقدة في قلوبهم تمكنوا من إشعال قلوب غيرهم. وبالطبع فإن هذا الدور لا يقتصر على أيادي أمر الله وحدهم، فأي مؤمن مشتعل بمحبة الله يمكنه أن يشعل ناراً مماثلة في قلوب الآخرين. وقد سجل تاريخ أمر الله أسماء العديد من المبلّغين الخالدين الذين تحلّوا بهذه الميزة.
ولو أن حضرة بهاء الله عيّن أربعة من أيادي أمر الله فقط، إلاّ أنه أشار بوجود نفوس آخرين لم يشأ الكشف عن مقامهم. مثلاً الحاج أمين، أمين الحقوق، كان قد كتب لحضرته تقريراً لامعاً عن بعض الخدمات الجليلة التي قدّمها أحد الأفنان في يزد. في لوح(5) نزل جواباً له بيّن حضرته بأنه كان على علم بوجود بعض المؤمنين في تلك الديار ممن يحتسبون أيادي الأمر “لدى الله“، إلاّ أنه لحكمة منه لم يظهر للملأ أسماءهم، علماً بأنهم في الحقيقة معروفون لدى الملأ الأعلى وسكان ملكوته.
يتبين من دراسة كتابات حضرة بهاء الله بأنه منح مقام أيادي أمر الله لشخص واحد آخر. كان هذا آقا سيد آقا، النجل الأكبر للأفنان اللامع آقا ميرزا آقا الملقب بـ”نور الدين”.([6]) في لوح(6) أنزل في حق آقا سيد آقا يؤكد حضرة بهاء الله لهذا المؤمن بأنه فضلاً من عند الله قد احتسب من الأفنان ومن أيادي أمر الله. كان آقا سيد آقا مؤمناً مخلصاً، لكنه بكيفية ما لم يشارك في أعمال الأيادي. قد يمكن اعتباره من بين تلكم النفوس الذين ارتقوا إلى مقام الأيادي روحياً، ولكن أسماءهم، كما أشار حضرة بهاء الله، لم يُكشف عنها في هذه الحياة.
ويذكر حضرة بهاء الله في لوح(7) آخر لأحد الأفنان بأنه نظراً لعدم استعداد أهل العالم فإن مراتب المؤمنين ومقاماتهم لم يتم الكشف عنها. وفي لوح(8) آخر يعلن حضرة بهاء الله أن “النفوس التي جذبها نداء الله” في هذا اليوم “وتوجّهت إلى الأفق الأعلى منقطعاً عن الأشياء أولئك أيادي أمر الحق ما بين الخلق”.
ويلقي حضرة عبد البهاء مزيداً من الضوء على هذا الموضوع في كتاباته. ففي رد على سؤال حول أيادي أمر الله أجاب حضرته، كما سجله ميرزا محمود الزرقاني، المؤرخ الشهير والمدون لرحلات حضرته في أوروپا وأمريكا، بالكلمات التالية:
إن أيادي أمر الله نفوس مقدسة بحيث تستشعر قلوب الناس بآثار تقديسهم وروحانيتهم، ولهم من التأثير ما يجعل النفوس مأخوذة بحسن أخلاقهم وصفاء نيتهم، وعدلهم وإنصافهم بحيث يفتنّ الناس بأخلاقهم الممدوحة وصفاتهم المرضية، بل يحولون الأنظار صوبهم منجذبين بشيمهم وآثارهم الباهرة. “أيادي أمر الله” ليس لقباً يمنح لكل شخص، ولا هو منصب يقدم لكل من يرغبه… فكلما ازداد الإنسان في نكران ذاته، كلما زاد تأييده (السماوي) في خدمته لأمر الله، وكلما ازداد خضوعاً، كلما ازداد قرباً من حضرته.(9)
يجب تبيان حقيقة أن ليس هناك من له الأهلية أو الحق في تعيين شخص من المؤمنين أيادياً لأمر الله، سوى حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء وحضرة شوقي أفندي. ويصرح حضرة عبد البهاء في أحد ألواحه(10) أن أيادي أمر الله هم تلكم النفوس الذين عيّنهم القلم الأعلى، أو الذين خاطبهم عبد البهاء بهذا النعت أو اللقب.
فالاستنتاج، إذاً، هو أن حضرة بهاء الله عيّن أيادي أمر الله الأربعة آنفي الذكر، أو الذين عملوا كأيادي، بعقدهم مشاورات فيما بينهم، وصاروا معروفين لدى الجامعة البهائية بتقلدهم مسؤولية روحانية. إبان ولاية حضرة عبد البهاء، يمكن رؤية هؤلاء الأربعة وقد شكلوا نواة مؤسسة مباركة تم تطويرها وتوطيدها خلال ولاية حضرة شوقي أفندي مشكّلة بذلك أحد الذراعين التوأمين للنظام الإداري لحضرة بهاء الله. وقد بقي أحد الأيادي الأربعة، ابن الأصدق، حياً وخدم حضرة شوقي أفندي في أوائل سني عصر التكوين. ولم يعين حضرة عبد البهاء خلال ولايته أي أيادي لأمر الله، بل أشار إلى نفر قليل من المؤمنين البارزين عقب وفاتهم بأن لهم مقام الأيادي. وهم الملاّ صادق الخراساني المعروف بـ”اسم الله الأصدق”،([7]) والنبيل الأكبر،([8]) وعلي محمد ورقاء،([9]) والشيخ رضا اليزدي.([10]) وبموجب نصوص وصية حضرة عبد البهاء عيّن حضرة شوقي أفندي، ولي أمر الله، بعض أيادي أمر الله. فقد عيّن خلال السنوات الست الأخيرة من ولايته اثنين وثلاثين منهم، بالإضافة إلى رفع مقام عشرة مؤمنين بعد وفاتهم بمنحهم لقب أيادي أمر الله.
وكما أن هناك بعض النفوس الذين ستبقى خصالهم الروحانية ومقامهم العالي خفياً مستوراً في هذه الحياة، وينكشف فقط في العالم الآخر، فإن العكس هو الصحيح أيضاً. يصرح حضرة بهاء الله في أحد ألواحه(11) بأن هناك من يشتهر في هذه الحياة ويبرز في ملكوت الأسماء،([11]) لكن في الحقيقة إن ذواتهم الباطنية مستقرة في بئر الهوى والشهوات الفاسدة. في الواقع إن تاريخ الجامعة البهائية زاخر بقصص أشخاص كهؤلاء، أشخاص كانوا في مقدمة المبلّغين أو الإداريين في أمر الله ومشهورين بين المؤمنين. لكن لمّا جابهتهم الامتحانات،([12]) كشفوا أخيراً عن حقيقتهم وهلكوا روحياً في النهاية. وقد وردت في مجلدات سابقة([13]) قصص بعض من أمثال هؤلاء ممن عاشوا في أيام ولاية حضرة بهاء الله وولاية حضرة عبد البهاء. على أية حال فإن هذه الظاهرة ليست مقتصرة فقط على تلك الفترة المبكرة من تاريخ أمر الله. إنها موجودة اليوم وستظل كذلك في المستقبل.
إن أكبر عدو لأي مؤمن وأخطر حجاب بينه وبين الله هو النفس والهوى. فإذا وقع الشخص أسيراً وتابعاً لما تأمره به ميول وشهوات طبيعته الدنيا، فإنه سيحرم من صفاته الروحية، وسيتحول في النهاية إلى كيان نفساني ظلماني صرف.
في ألواح عديدة يثني حضرة بهاء الله على أيادي أمر الله ويمجد انقطاعهم وتضحياتهم ونكران ذواتهم، واصفاً وظيفتهم الأساسية بكونها نشر نفحات الله وحماية أمره، ويدعو لهم عسى أن يؤيدهم الحق لخدمة دينه، وهداية وإنعاش المؤمنين ويكونون دوماً مستعدين للاستجابة وتلبية أوامره. ففي لوح إلى الملاّ علي أكبر(12) يدعو حضرة بهاء الله الأيادي من أجل توعية المؤمنين بالأحكام والمبادئ الإلهية وأن يسعوا ويجهدوا في إجرائها. في لوح(13) آخر يمجد أيادي أمره واصفاً إيّاهم: “أنجم سماء عرفانك وأيادي أمرك الذين طافوا حول إرادتك وما تكلموا إلاّ بإذنك وما تشبثوا إلاّ بذيلك أولئك عباد شهد بخدمتهم ونصرتهم وقيامهم وذكرهم وثنائهم كتبك وزبرك وصحفك وألواحك وبهم نصبت أعلام توحيدك في مدنك وديارك ورايات تقديسك في مملكتك. أولئك لم يسبقوك بالقول في أمر من الأمور. قد كانت آذانهم مترصدة لإصغاء أوامرك وعيونهم منتظرة لأنوار وجهك أولئك عباد مكرمون وأولئك عباد فايزون أولئك عباد قائمون يصلّون عليهم أهل الملك والملكوت وأهل الفردوس والجبروت وعن ورائهم لسان عظمتك“.
ويصرّح حضرة بهاء الله في لوح آخر(14) بأن الله “قد بنى بمشيّته النافذة بيت أمره على أس البيان واسطقس التبيان وخلق له حفّاظاً وحرّاساً ليحفظوه من كل خائن غافل ومتكلم جاهل وهم الذين لا يتجاوزون عما أنزله الله في الكتاب ولا يتكلمون إلاّ بما أذن لهم في المآب ونشهد أنهم أيادي أمره في الورى ومصابيح هدايته بين الأرض والسماء وهم القائمون لدى بابه ويطردون من لم يكن أهلاً للدخول إلى فنائه“. في عدة ألواح هناك عدة مناجات قصيرة أنزلها حضرة بهاء الله لأيادي أمره. إحداها نزلت ضمن “لوح الدنيا”([14]) وهي:
“النور والبهاء والتكبير والثناء على أيادي أمره الذين بهم أشرق نور الاصطبار وثبت حكم الاختيار لله المقتدر العزيز المختار. وبهم ماج بحر العطاء وهاج عرف عناية الله مولى الورى. نسأله تعالى أن يحفظهم بجنوده ويحرسهم بسلطانه وينصرهم بقدرته التي غلبت الأشياء. الملك لله فاطر السماء ومالك ملكوت الأسماء.”(15)
وفي وصيته، أوجز حضرة عبد البهاء وظائف أيادي أمر الله في فقرة واحدة:
“ووظيفة أيادي أمر الله هي نشر نفحات الله وتربية النفوس بتعليم العلوم وتحسين أخلاق العموم والتقديس والتنزيه في جميع الشؤون. ويجب أن تتجلى واضحة تقوى الله من أطوارهم وأحوالهم وأعمالهم وأقوالهم.”
على أن هذه التصريحات التي تشيد بمقام أيادي أمر الله وتحدد وظائفهم يجب ألاّ يسمح لها بأن توحي لأحد بأن مؤسسة الأيادي هذه، وما تلاها من هيئة المشاورين القارية، إنما تعمل بشكل ما عمل الكهنوت السائد في الديانات الأخرى. لأن حقيقة إلغاء نظام رجال الدين نفسها، من قبل حضرة بهاء الله تشهد شهادة دامغة بذلك، أي أن الحال ليس كما يخيل للإنسان. والبيان التالي من بيت العدل الأعظم يوضح هذه النقطة:
ينبغي أن يتبين جلياً للأحباء بأنه لمّا كان حضرة بهاء الله قد ألغى مؤسسة الكهنوت وأسس هيئة أيادي أمر الله، لذلك لا يمكن أن تشتبه وظائفهم بتلك القائمة في الكهنوت. فهناك اختلافات أساسية بين الكهنوت والمؤسسات البهائية مثل أيادي أمر الله وهيئات المشاورين القارية. فالكهانة عادة هي مهنة ولها طقوس وتمنح الشخص الشاغل لهذه الوظيفة سلطة ونفوذاً على المؤمنين. في الدين البهائي لا توجد مهنة في أي من مؤسساته، وليس هناك من طقوس وليس لفرد فيه وظائف مقدسة. والسلطة على الجامعات والأفراد لا يتمتع بها أو يمتلكها أشخاص بمفردهم. حتى في مسألة التبليغ، يجب أن يدرك الأحباء بأن عمق المعرفة في تعاليم أمر الله لدى أيادي أمر الله أو أي عضو في هيئة المشاورين القارية، أو في الحقيقة أي فرد بهائي آخر، والتي لا يمكن لأحد إلاّ أن يعترف بها طبيعياً ويقيم وزناً لبياناتهم ومفهومهم، فإنه ما من أحد يحق له تفسير الكتابات المقدسة سوى حضرة عبد البهاء وولي أمر الله.(16)
في فترة حياته أشار حضرة بهاء الله على الأيادي بإجراء مشاورات فيما بينهم ومع المؤمنين الآخرين بشأن الأمور التي تعتبر حيوية لنمو الجامعة البهائية وتطورها. على سبيل المثال، كان ابن الأبهر، أحد الأيادي، قد عرض السؤال حول رفاه البهائيين في إيران وازدهارهم. فأجاب حضرة بهاء الله في لوح(17) أنزله عام 1889م أن على الإنسان أن “يتمسك اليوم بأي أمر يكون سبب إعلاء كلمة الله وإقبال القلوب وانجذاب النفوس وارتقاء مقام الإنسان وارتفاع شأنه وانتفاع وجوده”. بعد ذلك يصرح بأن “أول أمر في هذا المقام هو حكم المشورة”. لذا يحث ابن الأبهر والأيادي الآخرين على الاجتماع معاً ودعوة بعض “النفوس المطمئنة الذين يعملون وينطقون لوجه الله” بأن يشاركوهم بالمشورة حول مختلف الأمور. وينصحهم حضرته بأن الخطوة التالية هي أن يتوكلوا على الله وتأييداته والقيام بتنفيذ ما اتخذوه من قرار، ويؤكد لهم حضرته بأنهم لو فعلوا ذلك، فإنه سيُلهمون لبلوغ ما هو “سبب وعلة الفلاح والنجاح”.
يبدو أن حضرة بهاء الله في مرحلة معينة من ولايته، رغبة منه للتأكيد على أهمية المشورة في حل مختلف القضايا، تعمد أحياناً الامتناع عن تقديم التوجيه حينما سُئل عن مسألة أو استُرشِد في شيء، وبدل ذلك حث السائل أن ينشد المشورة حول الموضوع. على سبيل المثال، سأل ابن الأبهر حضرة بهاء الله مرة عن أي جهة في إيران يستحسن له أن يقيم فيها. فكان الجواب أنه أولاً ينبغي عليه الاستشارة مع بعض النفوس الموقنة الثابتة في أمر الله ومن ثم تنفيذ قرارهم.
في لوح(18) إلى أمين حقوقه، الحاج أمين، يبلغه حضرة بهاء الله أن قلمه على استعداد لضمان البركات الإلهية لأي شخص يطلب لوحاً منزلاً باسمه، ويبدي استعداده لتحقيق ذلك عسى أن يتعلم الغافلون وينتبه النائمون. لكن اختيار الأسماء يجب أن يتم بمشورة أيادي أمر الله. يصرح حضرته بأنه أوصى الأيادي بذلك لمقتضيات الحكمة والمصلحة العامة حتى يترسخ حكم المشورة في العالم. وقد سبق اقتباس فقرات قليلة من ألواح حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء في مجلد سابق([15]) بخصوص أهمية المشورة.
يتضح من هذه البيانات أن مجالس المشورة التي كان يلتقي فيها أيادي أمر الله للتشاور حول أمور جامعة الأحباء كانت جارية لفترة طويلة قبل تشكيل المحافل الروحانية المحلية والمركزية. في الواقع إن مجلس شورى الأيادي هو الذي تطور فانبثق عنه محفل طهران الروحاني، وهو أول محفل في العالم البهائي. كانت مجالس شورى الأيادي عادة ما تجمع الأيادي ومن يدعونهم من الأحباء للمشاركة فيها، ولكن هؤلاء لم يكونوا الأشخاص أنفسهم في كل جلسة. وكانت المناقشة تدور بصفة رئيسة حول نشر أمر الله وحمايته.
في عام 1899م أوعز حضرة عبد البهاء إلى الأيادي بالعمل على تأسيس أول محفل منتخب للبهائيين في طهران. وقد تركت تفاصيل ذلك للأيادي. خلافاً لما هو متبع حالياً، أي مشاركة كافة أفراد الجامعة البهائية في المدينة بعملية انتخاب المحفل الروحاني، فإن الأيادي استدعوا عدداً من أحباء طهران المعروفين ليقوموا بعملية الانتخاب. وهؤلاء انتخبوا الأعضاء بالاقتراع السري بينما بقي الأيادي أعضاء دائمين وقاموا بإصدار شهادة تعريف لكل عضو منتخب ودعوهم للخدمة في المحفل.
ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن أحد أعضاء المحفل الروحاني، السيد سياوش، كان من أصل زرادشتي وآخر، الحبيب جواهري، كان من أصل يهودي. وكانت هذه خطوة ذات دلالة هامة جداً في تطور الجامعة البهائية، لأن المؤمنين في إيران في تلك الأيام لم يكونوا قد انصهروا بعد في جامعة متكاملة تماماً. فكانوا يعرفون باسم بهائيين من أصل مسلم أو زرادشتي أو يهودي. ثم بدأت عملية الاندماج والتكامل بوتيرة بطيئة خلال ولاية المولى وتسارعت تدريجاً بعد حصول الاختلاط والتزاوج فيما بينهم، ولو بأعداد قليلة في البداية. فزوّج ابن الأبهر، أحد الأيادي، ابنته لشاب بهائي من أصل يهودي وصار ذلك عرفاً مقبولاً عموماً بين البهائيين في إيران. أمّا الوضع في أيام ولي أمر الله فتطور بحيث لم يبقَ للتفرقة من أثر فيما بين جمهور الأحباء. واليوم تكون مهمة صعبة أن يعرف أحد من أي أصل من الجامعة البهائية ينحدر.
من الواضح أن لكل أمة تعصباتها الخاصة، وحينما يدخل الناس في دين الله فإنهم لا محالة يحملون معهم شتى العادات والممارسات غير المقبولة التي ألفوها واعتادوا عليها. لكن كلما ينمو المؤمنون في الإيمان بأمر الله ويصبحون أقرب إلى الرشد والنضج كبهائيين، وخاصة عندما يدخلون ميادين الخدمة الأمرية كمبلّغين أو إداريين، فإنهم يتخلصون تدريجاً من تحيزاتهم ويكونون أكثر استعداداً لتطبيق تعاليم حضرة بهاء الله في حياتهم الفردية والجماعية.
عندما كان أيادي أمر الله أعضاء عاملين في محفل طهران الروحاني، احتفظوا لأنفسهم بحق التصويت بصوتين لكل منهم أثناء المشورة. واستمرت هذه الممارسة لعدة سنوات حتى أعطى حضرة عبد البهاء توجيهات لتغيير النظام وإرساء مبدأ الصوت الواحد لكل شخص. بالطبع كان حضرة عبد البهاء واثقاً كل الثقة في الأيادي، لكنه أوضح لهم أنه ما لم يُجرَ ذلك التغيير فقد تنشأ صعوبات كبيرة في المستقبل. وأعطى مثالاً على ذلك عندما يأتي الوقت ويدخل في أمر الله شخصيات مرموقة كالملوك. فعندئذ يمكنهم أن يستعملوا هذا الإجراء كسابقة وينتحلوا لأنفسهم حق التصويت المضاعف.
كانت كافة المراسلات والاتصالات مع المحفل الروحاني تجري عن طريق الأيادي. في البداية كانت مراسلات المحفل الروحاني تصدر بتوقيع الأيادي، وفيما بعد استعمل ختم ذو أربع قطع احتفظ كل واحد من الأيادي بقطعة، حيث يمهر به على سائر الرسائل. ثم تبدلت الحال تدريجاً بانتخاب رئيس وأمين سر. أخيراً، في الوقت الذي استوجب على كل مواطن أن يتخذ له لقباً([16]) ويسجله في مكتب التسجيل المدني للنفوس، اتخذ علي أكبر محب السلطان، وقتها أمين سر المحفل لنفسه لقب “روحاني” والذي صار يوقع كل المراسلات باسمه هذا الذي اعتبر ملائماً جداً. بعد ذلك استبدل الختم الرباعي بواحد فقط احتفظ به الرئيس.
تشكّل سِير حياة أيادي أمر الله الأربعة الذين عيّنهم حضرة بهاء الله شهادات من بين أروع الشهادات وأكثرها انشراحاً للروح والناطقة بمدى حبّهم لحضرته، وتكريسهم وتفانيهم لأمره، ومعاناتهم وابتلائهم وسجنهم في سبيله، ونكرانهم التام لذواتهم وتواصل خدماتهم المخلصة للجامعة، وإنجازاتهم الخالدة. ولو أن المجال لا يتسع في هذا المجلد(1) لسرد كامل لقصص حياتهم الحافلة، لكن الموجز التالي يقدم على الأقل نبذة عامة.
جاء هذا الحواري العظيم من حواريي حضرة بهاء الله من قرية شهميرزاد في مقاطعة خراسان. في شبابه دفعه ولعه لدراسة الأمور الدينية إلى الذهاب إلى مدينة مشهد حيث حصل على ما كان موجوداً آنذاك من ثقافة دينية في مختلف المدارس الإسلامية. لكنه كلما بحث واستقصى عن الحقيقة كلما ضؤلت حظوظه في إيجادها لدى تلك الأوساط. يصف حضرة عبد البهاء فيما يلي هذه الفترة من حياته بهذه البلاغة:
ومن أيادي أمر الله الملاّ علي أكبر، عليه بهاء الله الأبهى. في أوائل حياته دخل هذا الشخص اللامع مدارس العلوم والفنون واجتهد ليلاً ونهاراً حتى حصل على قواعد القوم ومعارف الملّة والفنون العقلية والعلوم الفقهية. وتردد على مجالس الحكماء والعرفاء والشيخية، يقطع تلك الأقاليم من العلم والعرفان والاستنارة. ولكنه ما فتئ يحس بالظمأ لمعين الحقيقة، والجوع لخبز المائدة السماوية. ومهما سعى لاستكمال تحصيله في هذه النواحي العقلية، لم يبلغ الاكتفاء والرضى ولم يصل إلى هدف مبتغاه وأمانيه، فظلّت شفتاه عطشتين، بل كان في حيرة واضطراب، وأحس بأنه قد حاد عن جادّته. كان السبب هو أنه لم يجد في تلك الأوساط جميعها عاطفة أو بهجة أو انجذاباً، ولا أثراً لرائحة المحبة. وعندما أوغل في عمق هذه المعتقدات المختلفة، لاحظ أنه منذ يوم ظهور حضرة الرسول محمد المحمود روحي له الفداء وحتى يومنا هذا، ظهرت أحزاب لا يحدّ ولا يحصى عددها. مذاهب مختلفة، آراء متنوعة، مسالك مختلفة، وطرائق كثيرة. ووجد أن كلاً منها تدّعي، تحت عذر أو تعليل ما، بالمكاشفات المعنوية، وتعتقد بأنها وحدها تتبع السبيل المستقيم. ولكن البحر المحمدي قادر أن يلف كل هذه المذاهب بلجّة واحدة ويهبط بتلك الأحزاب إلى قاع البحر. “هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً.“([1])
والذي يتأمل في دروس التاريخ سيعلم بأن هذا البحر قد ارتفعت فوقه من الأمواج ما لا يحدّ ولا يحصى، مع ذلك فإن كل واحدة منها في النهاية اضمحلت وتوارت، كالظلّ الزائل. فالأمواج فانية لكن البحر باق. لهذا لم يستطع حضرة علي أكبر أن يروي ظمأه حتى أتى اليوم الذي وقف فيه على شاطئ بحر الحقيقة وصاح:
الله أكبر هذا البحر قد ذخرا
وهيّج الريح موجاً يقذف الدررا
فاخلع ثيابك واغرق فيه ودع
عنك السباحة ليس السبح مفتخرا(2)
كان في حوالي التاسعة عشرة من العمر عندما اتصل بالبابيين آنذاك. وكان حضرة بهاء الله أيامها في بغداد، وقد انتشرت بين المؤمنين نسخ قليلة من كتابه الكريم “الإيقان”. يبدو أن دراسة متمعنة لهذا الكتاب السماوي، في سنة 1861م، كانت وراء إضرام نار الإيمان في قلبه الطاهر. ومن حينها صارت نار محبة حضرة بهاء الله تزداد لهيباً في باطنه لدرجة أنه بمرور الوقت أمكن أن يستشعر بها كل من تعرّف عليه واتصل به. والواقع أنه أصبح مصداق كلمات حضرة بهاء الله الواردة في لوح نزل في حق ابن الأصدق حيث يصف شيم البهائي الحقيقي:
“يا أحبائي! ينبغي لكم اليوم أن تشتعلوا بحرارة المحبة الإلهية حتى تظهر في كل عروقكم وأعضائكم وبذلك يشتعل جميع أهل العالم بهذه الحرارة ويتوجهون إلى أفق المقصود.”(3)
ويصفه حضرة عبد البهاء بالينبوع:
“كالينبوع كان فؤاده عامراً متدفقاً، وكأنه بمثابة ماء معين الحقائق والمعاني الجاري. في البداية كان يستجمع الأنوار بروح من التسليم والرضا ويسلك درب الفقر والفناء وعندئذ فقط توجه لنشر تلك الأنوار في الأطراف. وما أصح ما قيل بهذا المقام:
وهل يمنح موهبة الحياة من
كان عن منحة الحياة نفسه محروماً
يجب على المبلّغ أن يسلك هذا السبيل: عليه أولاً أن يبلّغ نفسه، ثم غيره. لكن لو كان نفسه لا يزال سائراً في درب الشهوات الجسدية والغرائز، فكيف يقدر على هداية غيره إلى آيات بينات([2]) من الله.”(4)
بالنسبة للملاّ علي أكبر لم يكن له نصيب من الجاه والثروة. بدلاً من ذلك فقد واجهته البلايا والاضطهاد منذ أوائل أيام اعتناقه أمر الله. فمن ذلك الوقت أرغم على مغادرة مدينة مشهد على يد تلامذة الدين المتعصبين. فعاد إلى قريته وشرع بتبليغ أمر الله هناك. وعاد الأعداء من جديد لمعارضته والتهجم عليه بكل الوسائل بعد أن استثيرت مخاوفهم. أخيراً ترك عائلته واستقر في طهران. سرعان ما صار معروفاً هناك بأنه بهائي، خصوصاً بعد أن استفزت جهوده التبليغية الرائعة معارضة كبيرة من رجال الدين. يكتب عنه حضرة عبد البهاء هذه الكلمات:
لقد توفق هذا الرجل الجليل في تبليغ جم غفير من الناس. فقد نزع عنه كل حذر وحيطة في سبيل الله، بينما هو يطرق سبل عشق المحبوب السماوي. بلغ به الحال أن أصبح كمن أصابه مسّ من السعر، كهائم على وجهه عرف بالجنون. بسبب دينه الجديد تعرض في طهران للسخرية من قبل الشريف والوضيع. أثناء سيره في الطرقات والأسواق كان الناس يشيرون إليه بالبنان منادين عليه “بهائي”. وكلما حدثت فتنة ما كان هو أول من يقبض عليه. وكان هو دوماً مستعداً ومنتظراً ذلك، إذ لم يقصّروا بذلك أبداً.(5)
حُبس أول مرة بأمر من الحاج الملاّ علي الكَني،([3]) أعلى رجل دين في طهران. يعتقد أن ذلك حدث حوالي سنة 1868م. وكان قلم حضرة بهاء الله قد وجه لوحاً(6) إلى هذا العالِم يخاطبه بلهجة غضب وقهر ويدينه إدانة شديدة. من بين ما أخبر به هذا العالم الكبير المتكبر المستبد: “قد بكى محمد رسول الله من ظلمك“. ويمضي في تأنيبه إيّاه بحزم للفتاوى التي أصدرها بقتل المؤمنين فيكتب: “بأمرك سفكت دماء الذين بهم مرت الأرياح وجرت الأنهار“، ويعلن له في الوقت نفسه عن عظمة أمره بقوله: “قد جائكم البشير وبشركم بهذا الظهور الذي منه أضائت الآفاق“، مؤكداً بأن لو اجتمعت كافة قوى الأرض ضده فإنها لن تقدر أن تحول دون تأسيس دينه في العالم فيؤكد: “لا يمنعنا من على الأرض عما أمرنا به من لدن ربك المقتدر الجبار“، ويحذره بأن: “لا تفرح بما فعلت إن ربك لبالمرصاد“. في ألواح أخرى أنبأ حضرة بهاء الله الحاج المذكور بأن الله سيأخذه بسخطه قريباً كما فعل مع “الذئب” و”الرقشاء”،([4]) وهذا ما حدث.
لا تُعرف بالضبط الفترة التي قضاها الملاّ علي أكبر في هذا السجن، لكنه فيما بعد، وفي سنة 1872م، سُجن مرة أخرى بأمر من كامران ميرزا، نائب السلطنة وحاكم طهران.([5]) اتفق أن سجنه هذه المرة، والذي دام سبعة أشهر، قد حدث بعد ثلاثة أيام فقط من زواجه بامرأة اسمها فاطمة خانم والتي ظلت رفيقاً وفياً طوال حياته المليئة بالأحداث. ويروى أنه في وقت زواجه كان يسكن في حجرة خربة وممتلكاته الدنيوية لم تزد على جلد خروف وإبريق للشاي!
تحمّل الملاّ علي أكبر مشاق السجن بروح من السرور والاعتزاز والشكر لربّه. فقد احتجز في زنزانة ضيقة مظلمة وقد ربط عنقه بسلسلة وقدماه بالحاصر الخشبي. وقد عانى كثيراً في هذا السجن. يصف حضرة بهاء الله في أحد ألواحه(7) دخول علي أكبر السجن قائلاً: “قد ارتفع النداء مرة بعد مرة من الفردوس الأعلى وبُشّرنا بإقبال حضرة علي قبل أكبر إلى السجن في سبيل الله مالك القدر طوبى له نذكره ونحبّه لوجه الله رب العالمين كذلك نطق لسان العظمة وأخبر الكل بما اكتسبت أيدي الظالمين“. يكرر في لوح(8) آخر قوله الأحلى بأن الملأ الأعلى قد ناحوا لعذابه، ثم يحثه على أن “يشرب من كأس الفرح والسرور لما ورد عليه في سبيل الله.” لم يكد يطلق سراحه من السجن حتى توجه إلى المناطق الشمالية من إيران، حيث عمل على تنشيط المؤمنين وتحفيزهم للتحرك والعمل. في لوح(9) أنزله حضرة بهاء الله عقب هذا السفر يمتدح أعماله مصرحاً بأن “قد بعثك الله وأظهرك للقيام على خدمة أمره“، ومؤكداً بأن “أعظم خدمة لدى الله” هي “تأليف القلوب وتحبيب النفوس” ويشير عليه بأن ينشغل “في جميع الأحيان بهذا الأمر الأعظم والخدمة الكبرى” ويؤكد له أن “عناية الحق” قد شملته وسوف تلازمه.
ذهب الملاّ علي أكبر للحج وفاز بمحضر مولاه للمرة الأولى في عام 1873م. فتنعم طيلة ما يقارب ستة أشهر بدفء شمس محبة حضرة بهاء الله وعطاياه التي لم تنقطع. بعدها عاد إلى طهران حيث واصل خدماته المنقطعة لأمر الله الذي أحب. فكان مشغولاً دوماً بتبليغ النفوس اللائقة، وتعميق الأحباء وتشجيعهم بنهاية المحبة من أجل خدمة دين الله. لقد سجن الملاّ علي أكبر ست مرات قضى بمجموعها حوالي سبع سنوات مكبلاً بالسلاسل والأغلال في الظلمات الكئيبة لسجون إيران. يتحدث حضرة عبد البهاء عن هذا قائلاً:
مرة بعد مرة شُدّ بالسلاسل وسُجن وهُدّد بالسيف. إن الصورة الفوتوغرافية التي التقطت لذلك الوجود المبارك، برفقة الحاج أمين الجليل، وهما موثقان بالسلاسل لهي عبرة لكل سميع بصير. فها قد جلس هذان الوجودان المباركان بحالة من الرضا والتسليم تحت السلاسل والأغلال بنهاية السكون والوقار.([6])
بلغ به الحال أخيراً بحيث أنه كلما حدثت قلاقل أو ضجة ما، كان الملاّ علي أكبر يضع عمامة على رأسه ويلبس عباءته ويجلس منتظراً مرتقباً أعداءه ليقوموا، هم والفراشون بالقدوم والاقتحام، والحراس ليأخذوه للسجن. لكن لاحظوا قدرة الله! إذ رغم ذلك كله، ظل محفوظاً سالماً. علامة العارف العاشق هي هذه: إنك تجده في البحر جافاً. هكذا كان. فحياته ظلت معلقة بشعرة من آن لآخر والأشرار كانوا له بالمرصاد، كان معروفاً في كل مكان بأنه بهائي ومع ذلك سلم من كل ضر. ظل جافاً في أعماق البحر، وبرداً وسلاماً في وسط النيران، حتى يوم صعوده.(10)
إن إحدى مناسبات سجنه، والتي دامت حوالي عامين، تستدعي الملاحظة من حيث إن نائب السلطنة كان قد ألقى القبض على عدد من كبار الشخصيات من بين البهائيين عام 1882م وأجرى تحقيقاً موّسعاً معهم حول أمر الله.([7]) والسجن التالي حدث سنة 1887م تقريباً وأخيراً حبسه لمدة عامين والذي ابتدأ عام 1891م، حيث أمضى جزءه الأول في قزوين لمدة ثمانية عشر شهراً بصحبة الحاج أمين وبقية المدة في سجن طهران. وكان بمناسبة الحبس في قزوين أن أنزل حضرة بهاء الله مناجاة([8]) أيادي أمر الله الشهيرة.
في أعقاب استشهاد بديع بقليل اجتاحت إيران مجاعة شديدة. فتوسل الملاّ علي أكبر إلى حضرة بهاء الله لإنهائها. وقد أسلفنا في المجلد السابق كيف كان جواب حضرته على ذلك. كانت إحدى إنجازاته العظيمة نقل رفات حضرة الباب والحفاظ عليها في طهران، والتي وردت تفاصيلها أيضاً في المجلد السابق.([9])
حينما أنزل حضرة بهاء الله “الكتاب الأقدس” أمر بعدم نشر بعض أحكامه. من بين هذه نصّ الصلاة المفروضة.([10]) في أحد ألواحه(11) يأمر حضرة بهاء الله كاتب وحيه، ميرزا آقا جان، بإرسال نسخة من الصلاة إلى إيران كهبة وفضل إلى الملاّ علي أكبر الذي كان قد التمسها، وفي هذا اللوح يؤكد بأن الصلاة قد أنزلت قبل ذلك ببضع سنوات. استناداً لميرزا آقا جان فإن الإذن بإشاعة هذه الصلاة قد صدر في 27 تشرين الأول سنة 1887م بعد الغروب بساعة ونصف.
ضمن ألواحه العديدة الموجهة إلى الملاّ علي أكبر، يوصيه، كما يوصي الأيادي الآخرين بالاتصال بأحبائه لتأكيد وغرس قدرة أمر الله في عقولهم، وتنوير وجوههم بأنوار ظهوره الساطع وإشعال نار حب ربهم في أفئدتهم.
فاز الملاّ علي أكبر بمحضر حضرة بهاء الله للمرة الثانية في حوالي عام 1888م. وما دام بمحضره المقدس فإن حظه من عطايا حضرة بهاء الله كان وافراً أبداً، وفي بُعده كان يتراسل مع حضرته بانتظام ويتسلم شتى الألواح العليا. ذات مرة كتب إلى ميرزا آقا جان، كاتب وحي حضرة بهاء الله، شاكياً بعض الشيء. ولمّا أخبر حضرته كتب (في رده) بأنه ما كان له الحق بالشكوى إذ قد أفاض عليه من “المائدة السماوية” و”النعمة الباقية الإلهية” ما “يعجز أن يحصيه”. ويأمره “اشكر اشكر… (مكرراً الكلمة تسع مرات) ربك وقل لك الحمد ولك الفضل ولك الشكر ولك البهاء ولك العناية والأفضال ولك المواهب والألطاف.”(12)
يجب الإقرار بأن إحدى خدمات الأيادي الأربعة العظيمة لأمر الله كانت إدارتهم لشؤون الجامعة بعد صعود حضرة بهاء الله. فبما بذلوه من رعاية ودية ويقظة ضمنوا حماية المؤمنين من هجمات الناقضين، وبذلك مكنوا الأحباء المخلصين من الثبوت على العهد والميثاق.
فيما يلي الثناء الوهّاج الذي تركه حضرة عبد البهاء في هذا السياق في ذكرى هذا الرجل الرباني العظيم الذي صعد إلى الرفيق الأعلى في شهر آذار سنة 1910م:
بعد صعود حضرة بهاء الله، ظلّ الملاّ علي أكبر ثابتاً على عهد الرب الودود، ومنادياً للميثاق ومروجاً لعهد نير الآفاق. في أيام لقاء مظهر الله، أسرع لزيارة حضرة بهاء الله بتمام الشوق والشغف وفاز بشرف المثول بين يديه، وقد استقبله حضرته بالعناية الكبيرة وشمله بالعواطف الرحمانية. وبعد رجوعه إلى إيران كرس كل وقته لخدمة أمر الله في كل الأوقات. وكان يتجادل دائماً مع الظالمين (المنكرين)، ومهما استمروا بتهديدهم وتخويفهم له، فإنه وقف يتحداهم ولم يُغلب أبداً. وقال كل ما كان يريد قوله. كان من أيادي أمر الله، وفي منتهى الثبات والاستقامة.
كنت أحبه محبة خاصة، وكان التحدث معه متعة ومسرة، وكان نديماً بلا مثيل ولا نظير…
يقع مرقده النوراني في طهران. ولو أن جسده مدفون تحت التراب، لكن روحه الطاهرة “في مقعد صدق عند مليك مقتدر“.([11]) إني أتوق لزيارة مراقد أحباء الله. هؤلاء عباد الجمال المبارك، في سبيله ذاقوا البلايا، وتجرعوا المشقة والصدمات. عليهم بهاء الله الأبهى، وعليهم التحية والثناء وعليهم الرحمة والغفران من ساحة الكبرياء.(13)
كان ميرزا علي محمد ابن أحد أشهر المؤمنين، الملاّ صادق الخراساني، الذي لقبه حضرة بهاء الله بـ”اسم الله الأصدق”.([12]) اتضح جلياً عند بلوغه الرشد بأن هذا الابن قد ورث الكثير من فضائل وخصال أبيه البارزة، وصار معروفاً بين الأحباء بـ”ابن الأصدق”. حظي في صباه بالشرف العظيم عندما صاحب أباه في السفر إلى بغداد، حيث فاز بمحضر حضرة بهاء الله. ففي مناسبات عديدة تمكن هذا الفتى من ملاقاة المظهر الكلي الإلهي وجهاً لوجه. كان لتلك اللقاءات أثر دائم في نفسه وشحنت كل كيانه بحب جاذب لمولاه الذي عرفه حديثاً. في أثناء مكوثهما ببغداد أنزل حضرة بهاء الله مناجاة(14) يتفضل فيها قائلاً: “فسبحانك اللهم يا إلهي إن هذا عبدك وابن عبدك الذي حُرك إلى لجة أبحر عنايتك وسافر في صغره عن وطنه طلباً للقائك وقطع السبيل حتى دخل في عرش الدليل وفاز بنور القرب في ساحة عز جليل وإشراق طلعة جميل إذاً أسألك يا إلهي بأن تشربه من لبن عنايتك ليرفع أعلام نصرتك في صغره ويقيم في كبره على أمرك كما قام في صغره على حكمك ليتم برهانك في حقه ويأخذه نفحات القرب بعنايتك إذ أنك أنت المقتدر على ما تشاء وإنك أنت المحبوب.”
بعد رجوعه لموطنه بقليل تذوق كرب السجن والتعذيب حينما ألقي به ووالده في غياهب سجن طهران، وقد تضمن مجلد سابق([13]) موجزاً لذلك الحدث. عندما بلغ أشده، كان ابن الأصدق مصاحباً لوالده معظم الأحيان في جولاته التبليغية في ربوع إيران، وهكذا تشرّب كيانه بروح خدمة أمر حضرة بهاء الله، مما ولّد عنده أخيراً حبّاً متقداً لحضرته، حبّاً لا يعرف الحدود.
كان في حوالي الثلاثين من العمر عندما بعث برسالة إلى محضر حضرة بهاء الله سائلاً من بين ما سأل، منحه مقاماً يكون فيه منقطعاً بكليته عن عوالم “الحياة والموت”، “الجسد والروح”، “الوجود والعدم”، “الشهرة والشرف”.
إن جوهر كلّ ما سأله ابن الأصدق في هذه الرسالة كان بلوغ مقام “فداء النفس التام”، وتمني الاستشهاد وهي حالة يفدي فيها المرء لمحبوبه بكل ما يمتلكه. ولعلها فكرة تثير الاهتمام أن يبتغي المرء سلوك درب “فداء النفس” فإنه من غير المناسب للنفس أن تنشد مقام المحوية التامة والعدم الصرف، إذ حتى هذه يمكن أن تصبح وسائل بحد ذاتها للتعلق بذاتية ونفس الشخص.
جواباً على رسالته، أنزل حضرة بهاء الله لوحاً(15) إلى ابن الأصدق، في كانون الثاني سنة 1880م. وفي هذا اللوح يغدق عليه بركات لا محدودة ويدعو له ليكون منزهاً تماماً ومنقطعاً عن شؤون الدنيا، وأن يسلك في حياته بنحو يليق بيوم الله، وأن يبلغ مقام الشهادة الكبرى. يصرح بأن خدمة أمر الله هي أعظم الأعمال، وإنه ينبغي “للنفوس المطمئنة أن يشتغلوا بتبليغ أمر الله بكمال الحكمة”. ويضيف مبيّناً بأن “الاستشهاد ليس محدوداً بالذبح وإنفاق الدم”، إذ “يمكن للإنسان أن ينعم بنعمة الحياة ويثبت اسمه من الشهداء في كتاب مالك الأسماء”. في هذا اللوح يفيض عليه حضرة بهاء الله ببركاته قائلاً: “طوبى لك بما أردت إنفاق مالك ومنك وعندك في سبيلي“.
بعد ذلك بسنتين طلب ابن الأصدق مرة أخرى فخر الاستشهاد. فأكّد له حضرة بهاء الله في لوح(16) بأن الله قد منحه مقام شهيد، مخاطباً إيّاه “شهيد ابن شهيد”([14]). وهكذا صار كل من الأب والابن حائزاً على ذلك المقام الرفيع دون حصول الاستشهاد الجسدي. وتشرّف ابن الأصدق مرة أخرى بمحضر حضرة بهاء الله في عكاء. في لوح(17) يؤكد حضرته لابن الأصدق، بعد هذه الزيارة قائلاً: “طوبى لأذنك بما سمع صرير([15]) قلمي ولعينك بما رأت منظري ولقلبك بما أقبل إلى مقامي المحمود.” ويأمره بأن: “نوّر القلوب بأنوار بياني والعيون بضياء وجهي والنفوس بما أشرق ولاح من أفق الله ربك مالك الوجود.” وفي كل لوح أنزل في حقه من قلم حضرة بهاء الله يجد المرء كلمات ثناء وتقدير لخدماته المتفانية، فضلاً عن النصائح والتوجيهات من أجل رفع مستوى حياته إلى درجة أعلى من التقديس.
إن أسلوب حياة ابن الأصدق كان مختلفاً عن أسلوب حياة الملاّ علي أكبر. فقد تزوج من أميرة، وهي ابنة حفيدة (أو حفيد) فتح علي شاه والتي كانت مؤمنة مخلصة. ومكّنه هذا الوضع من التقرب والاتصال الوثيق بذوي المراكز المرموقة والثروة في المجتمع وبذلك استطاع تبليغ أولئك الذين بوسعهم استخدام نفوذهم لمساعدة الطائفة المضطهَدة. وغالباً ما كان يردد القول: “على المرء أن يصطاد أسداً لا ثعلباً.” جاب ابن الأصدق إيران طولاً وعرضاً بنحو واسع، وكان يلقى من حضرة بهاء الله التشجيع والحثّ دائماً للاستمرار بهذه الخدمة الجليلة. وفي لوح نزل في حقه، ينصحه حضرة بهاء الله بهذه الكلمات:
“إن نفس الحركة لوجه الله في العالم كانت مؤثرة ولا تزال تكون كذلك.”(18)
وفي لوح(19) آخر يدعو حضرة بهاء الله ابن الأصدق قائلاً: “كن كالنار بين الأخيار ليجد منك كل نفس حرارة محبة الله.”
استمر ابن الأصدق بخدماته الوفية المتفانية لأمر الله بعد صعود حضرة بهاء الله. جنباً إلى جنب مع أيادي أمر الله الآخرين، قام لمساندة وتأييد ميثاق حضرة بهاء الله وعهده بين الأحباء، وعلّمهم أهميته ومغزاه وأعانهم على الثبات في وجه تيار النقض الذي حدث آنذاك. لقد اتسع نطاق رحلاته خلال ولاية حضرة عبد البهاء فزار الهند وبورما وعشق آباد وحتى أوروپا سنة 1919م، بصحبة مؤمن آخر، حيث قام بتسليم لوح([16]) موجّه من حضرة عبد البهاء إلى المنظمة المركزية للسلام الدائم في لاهاي. وكذلك فاز بمحضر حضرة عبد البهاء عدة مرات خلال حياته.
من بين خدماته البارزة الأخرى مساهمته بتنظيم برامج لتدريب المبلّغات البهائيات في طهران للمرة الأولى. كذلك سلّم للشاه رسالة حررها حضرة عبد البهاء في أيام حضرة بهاء الله عرفت باسم “الرسالة السياسية”. ولم تكن مساهمته ككاتب بأقل أهمية. على سبيل المثال، قام في سنة 1919م بمعاونة الأيادي الآخرين بإصدار بيان في دحض الاتهامات الباطلة التي نشرها البروفسور إدوارد براون في كتبه. كما كتب مقالات متنوعة عن العهد والميثاق أوضح فيها مقام حضرة عبد البهاء كمركز للعهد والمفسر الشرعي لكتابات حضرة بهاء الله، ودحض افتراءات الناقضين واتهاماتهم الباطلة وفضح نواياهم الخبيثة الرامية لهدم صرح أمر الله. كتب هذه الكتابات خلال زيارته الأخيرة إلى الأرض الأقدس وأرسلها إلى الأحباء في طهران. عاش ابن الأصدق حياة أطول من جميع الأيادي الآخرين، وتوفي في طهران سنة 1928م.
ميرزا محمد تقي، الذي خاطبه حضرة بهاء الله بـ”ابن الأبهر”، كان قد اعتنق أمر الله عن طريق والده ميرزا إبراهيم الأبهري، الذي كان رجل دين مسلم آمن بأمر الله في أوائل أيام الظهور. حدث بعد إعلان دعوة حضرة بهاء الله في بغداد أن تحير كثير من البابيين بشأن مقام ميرزا يحيى وادعاءاته. فطلب ابن الأبهر، وكان وقتئذ ما يزال في شبابه، توضيح هذه المسألة من أبيه. كان نصح أبيه له، وقد سبق أن اعترف بمقام حضرة بهاء الله، أن يبحث عن الحقيقة بنفسه وذلك بدراسة كتاب “البيان” بعناية. وقد مكّنه ذلك فعلاً من هداية ابن الأبهر لاكتشاف الحقيقة والإيمان بأن حضرة بهاء الله ولا أحد غيره هو موعود البيان، فاعتنق أمر الله بكل قناعة وابتهاج. وتطور نموه الروحاني منذ ذلك الوقت وأصبح خلقاً جديداً بتأثير قوة كلمات حضرة بهاء الله ونفوذها.
بعد وفاة والده سنة 1874م بفترة قصيرة، مرّ ابن الأبهر بفترة مضطربة. ولا يتسع مجال هذا المجلد لسرد تفاصيل المكائد التي دبرت ضده ومصادرة كل ممتلكاته من قبل أعدائه. في عام 1876م بعث برسالة إلى محضر حضرة بهاء الله يسأل ما إذا كان إنفاق المؤمن روحه في محبة الله أشرف وأجدى أم تبليغ أمر الله بالحكمة والبيان. فأجاب حضرة بهاء الله في لوح(20) بقوله: “لعمر الله إن الثاني لخيرٌ“. ويصرح بعد ذلك بأن عقب استشهاد بديع نصح حضرته الأحباء بالتصرف بالحكمة والحذر وألاّ يسعوا وراء الاستشهاد طواعية. والاستشهاد([17]) في سبيل الله هو دون ريب أعظم فضل شريطة أن يحدث بناء على ظروف ليس بمقدور المرء التحكم بها. وعليه يحضّ حضرة بهاء الله ابن الأبهر في هذا اللوح على تبليغ أمر الله بالحكمة القصوى.
ونتيجة لمعاداته ومعارضته في موطنه، قرية أبهر، اضطر ابن الأبهر للرحيل إلى زنجان. هناك أفلح في هداية بعض النفوس إلى أمر الله وفي تعزيز إيمان الكثير من الأحباء ممن سقطوا ضحية الشكوك التي بثها الأزليون. استطاع أن يبعث في نفوس المؤمنين روحاً من الحماس والتفاني بحيث استفز غضب رجال الدين ومعارضتهم في زنجان فألقوا به في السجن. كانت ظروف السجن غاية في القسوة، إلاّ أن هذا الرجل الرباني تحمل المصاعب الأليمة بروح التسليم والاصطبار. وطبقاً لشهادته فإن حبسه استمر أربعة عشر شهراً وخمسة عشر يوماً.
تشرف ابن الأبهر بمحضر حضرة بهاء الله حوالي سنة 1886م. في لوح(21) أنزله في حقه يذكّره حضرة بهاء الله “إذ كنتَ حاضراً لدى الوجه وأسمعناك ندائي الأحلى الذي به انجذب الممكنات“. ثم يوجّه حضرته ابن الأبهر في اللوح نفسه بأن “مرّ على البلاد كنسائم الفجر ليجد منك كل ذي إقبال عرف ربك العزيز الفياض“. وهذا ما فعله ابن الأبهر حتى نهاية حياته. اختار طهران مقراً له ومنها انطلق في رحلات شملت مختلف أطراف إيران. كان لمآثره التبليغية ورعايته الودّية للأحباء أثر كبير في نمو الجامعة البهائية وتماسكها في تلك البلاد. يصرح حضرة بهاء الله في أحد ألواحه(22) بأن ابن الأبهر قد “خُلق لذكر الله وثنائه وتبليغ أمره والقيام على خدمته“.
في أوائل عام 1891م أخذت حكومة إيران تتشكك في بعض فئات من الناشطين السياسيين فزجّت بهم في السجون. وكما كان مألوفاً، وجدت السلطات أنه من السهل عليها أن تجرف البهائيين معهم، وذلك باتهامهم بنشاطات مناهضة للحكومة، مثلما فعلت مراراً من قبل. كان من بين الذين اعتقلوا الحاج أبو الحسن أمين والملاّ علي أكبر، أيادي أمر الله، اللذين كانا قد أرسلا إلى سجن قزوين.([18]) أمّا ابن الأبهر فأودع في سجن طهران حيث ظلّ مسجوناً حوالي أربع سنوات. خلال هذه الفترة تعرض إلى أنواع من سوء المعاملة والتعذيب مما يجعل روايته، لو كتبت، طويلة جداً. وقد كان من دواعي فخره العظيم أن السلسلة الحديدية التي وضعت حول عنق حضرة بهاء الله من قبل هي التي طوقت عنقه خلال حبسه هناك. وقد وصلت صورة([19]) فوتوغرافية له وهو واقف باتزان وكرامة بين حارسين يحملان السلسلة التي تربط عنقه، إلى محضر حضرة عبد البهاء. فكتب إلى ابن الأبهر اللوح التالي:
“هو الله”
“أيادي أمر الله، جناب ابن الأبهر، عليه بهاء الله
يا أيها الثابت على العهد، قبل أيام قليلة كنت أتأمل في بعض الصور الفوتوغرافية للأحباء وإذا بي أرى صورتك صدفة. وبينما كنت أمعن النظر بشخصك وأنت واقف بكمال السكون والوقار وقد ربطت عنقك بالسلاسل، بلغ بي التأثر بحيث تحوّل كل حزني سروراً وإشراقاً، وحمدت الله لأن نيّر العالم الأعظم قد ربّى هؤلاء العباد الذين، حتى وهم مكبلون بالسلاسل وتحت السيف، يتلألئون بمنتهى الانشراح والنشوة. وهذا من فضل ربك الرحمن الرحيم.”(23)
ولمّا كان الطعام في السجن شحيحاً، فقد كان بعض الأحباء يرسلون الطعام لابن الأبهر بانتظام. حيث تقوم امرأتان بهائيتان، مدّعيتيان أن السجين أخوهما، بجلب ما يحتاجه من مأكل وغيره من الضروريات كل يوم. ونظراً لعدم توفر الورق في السجن لمن يريد الكتابة من السجناء، أخذ ابن الأبهر أغلفة بعض المواد كمخروط السكر([20]) والشاي والشموع، واستعمل ورقها واضطر للكتابة بحروف صغيرة ما لديه من رسائل يبعثها بواسطة السيدتين المذكورتين. وبهذه الكيفية استطاع كتابة رسائل مطوّلة لغير البهائيين ردّاً عن أسئلتهم واستفساراتهم مبرهناً أحقية رسالة حضرة بهاء الله. وفي وقت لاحق جُمعت تلك الرسائل ونشرت بهيئتها الأصلية بشكل كتيب. وعلى الرغم من كل ما لقيه من مصاعب، تمكن من تبليغ أمر الله لعدد قليل من الأشخاص في السجن ومكّنهم من الاعتراف بمقام حضرة بهاء الله واعتناق دينه.
إن إحدى أشكال التعذيب التي كانت تمارس ضد نزلاء سجون إيران هي الفلقة أو ضرب القدمين بالعصا. يوضع الضحية بحيث ينطرح على ظهره فوق الأرض بينما ترفع قدماه الممسوكتان بحلقة، ثم يضرب أخمص القدم بعصا أو سوط. من أثر شدة الضرب لا يستطيع الشخص أن يسير على قدميه لعدة أيام. وقد تعرّض ابن الأبهر لهذا النوع من الضرب الوحشي أحياناً. في إحدى المرّات بلغ به الأذى حداً بحيث امتنع عن ملاقاة السيدتين اللتين تعهدتا بجلب الطعام له. لكن سرعان ما اكتُشف الأمر وغرق الأحباء في حزن عميق. بعد ذلك كتب لأحبائه الرسالة التالية التي تشهد على روح الفداء الخالص الذي هيمن على كيانه كله:
روحي فداء لمحبتكم الخالصة وللدموع التي انهمرت في سبيل المحبوب الفريد. مع ذلك فإن الحالة لا تبرر البكاء ولا العويل. ذلك لأننا ينبغي أن نتذكر بأن أول مقام يصل إليه طالب الحقيقة وهو يسلك سبيل العشق هو نبذ النفس والممتلكات والجاه والمنصب. هل تذكرون ليلة قضيتها بمحضركم لم تسمعوا في صباح يومها التالي تلاوة دعاء: “يا من بلاؤك دواء المقربين”؟ أمّا الآن فقد استجيبت هذا القول الشريف، فعلينا أن نشكر الله وننشغل بثنائه وحمده.
أيليق بمن هو مليك الأمم ومالك العالم أن يقبل البلايا عسى أن تتحرر الإنسانية من شؤون التعصبات الجاهلية وقيود محبة الدنيا الفانية وتتجرد من المشتهيات الحيوانية النفسانية، بينما لا يبتلى هذا العبد التافه من عباده بالبلايا والمحن المماثلة؟
قسماً بالله العليّ الأبهى أنه في حين الذي كانت رجلاي من الركبتين حتى القدمين في ألم شديد، كانت روحي وحقيقتي على اتصال بهيج سار مع محبوبي، وذاتي مشغول في حوار مع أحباء الله وأوليائه وأنتن اللائي تعتبرن ورقات([21]) سدرة الأمر. لم أهتم أبداً بما لقيت من آلام وأوجاع. فالألم والتورم البدني يزولان في ظرف أيام قليلة، ولا يبقى غير ذكرها في هذه الحياة، بينما بركاتها ستدوم في عوالم الروح إلى الأبد.
وعليه فإن هذه المناسبة تستدعي السرور والنشاط، لا النواح والبكاء، وقد طلبت من الحراس كتمان حالي – المؤلم – عنكم لئلا يسبب حزنكم وهمّكم. والآن ألتمس منكم ألاّ تخبروا باقي الأحباء، لأن بعضهم رقيقو القلوب وقد يثير ذلك هيجانهم عاطفياً وقلقهم. هناك آخرون ضعفاء، من ناحية أخرى، قد يضطربون…
يعلم الله بأني لمحض كتمان ذلك عنكم لم أسمح لنفسي بملاقاتكم في ذلك اليوم. وفي الليلة السابقة سهرت على تخفيف الألم وذلك باستعمال صفار البيض كمرهم أدلك به قدمَي المتورمتين. الآن خفّ الألم. أرجوكم ألاّ تحزنوا لأن هذه الصعاب ليست ذات بال. في طفولتي لم يضربني معلمي بالعصا أبداً، والآن بدل ذلك ونعم البدل أضرب في سبيل المحبوب الحقيقي. لكن هذا الضرب لا يؤثر في القلب أو الروح. إن آلام اليد والرجل وسائر الجوارح تلتئم وتشفى بزمن قصير…(24)
كان ابن الأبهر ما يزال في السجن حينما وصله خبر صعود حضرة بهاء الله. فتقطّع قلبه ألماً وحزناً، وظلّ عدة أيام عاجزاً عن تهدئة مشاعره. فكتب رسالة إلى حضرة عبد البهاء سائلاً عونه ليتغلب على اكتئاب قلبه الثقيل. أجابه حضرة عبد البهاء بلوح أنزل على قلبه عزاء وسلواناً عظيمين في ذلك المصاب. نصحه حضرته بأن يقرأ القرآن أثناء حبسه إذ كان الكتاب الوحيد المتاح في السجن.
عقب خروجه من السجن عام 1895م توجّه إلى الأرض الأقدس وتشرف بمحضر حضرة عبد البهاء. من هناك أشار عليه حضرته بالتوجه إلى عشق آباد. تجول ابن الأبهر خلال ولاية حضرة عبد البهاء على نطاق واسع عبر إيران والقوقاز والهند، زائراً الجامعات البهائية، وهادياً لأمر الله نفوساً كثيرة، ومتصلاً برجال السلطة من ذوي المراتب العليا في مختلف المراكز والنواحي. في رحلته إلى الهند التي قام بها سنة 1907م كان مصحوباً باثنين من البهائيين الأمريكيين وهما هوپر هاريس وهارلان أوبر، وكذلك محمود الزرقاني وأخيه. تجولوا في أماكن عديدة من شبه القارة الهندية، داعمين ما سبق تحقيقه على أيدي المبلّغين الذين أرسلوا إلى تلك البلاد الشاسعة خلال ولايتَي حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء. ولابد أيضاً من الإشارة إلى أن ابن الأبهر زار الأرض الأقدس إحدى عشر مرة وتشرف بمحضر حضرة عبد البهاء.
إن فصلاً مثيراً للاهتمام في حياة ابن الأبهر هو قصة زواجه بمنيرة خانم ابنة أيادي أمر الله الملاّ علي أكبر. تبدأ القصة حينما بلغ ابن الأبهر خبر صعود حضرة بهاء الله، وكان ما يزال آنذاك في السجن، عاهد نفسه بأن يكرس حياته لخدمة أمر الله. حدث بعد ذلك أن سيدة بهائية اسمها فائزة خانم اقترحت شخصياً على حضرة عبد البهاء بأنه الوقت قد حان لزواج ابن الأبهر، واقترحت اسم منيرة خانم. فطلب حضرة عبد البهاء من أحد أزواج بناته أن يتصل بابن الأبهر وينقل إليه المقترح بأن الوقت قد حان لزواجه. لكن ابن الأبهر أصرّ على الرفض، قائلاً بأنه لو تزوج فإنه سيكون تحت التزامات من شأنها أن تؤدي إلى كسر نذره. أخيراً استدعى حضرة عبد البهاء ابن الأبهر لمحضره وأوعز إليه بالعودة إلى طهران والتزوج من ابنة الملاّ علي أكبر. وعندما أثار ابن الأبهر موضوع النذر أو العهد الذي كان قد قطعه على نفسه، اقترب حضرة عبد البهاء منه، ولامسه بكتفه وتفضل قائلاً: ‘يا صاحبي الرجل الطيب! أنا مركز العهد والميثاق، وإذا قلت لك بأنك سوف لن تكسر نذرك بالزواج، فإنك لن تكسره!’ إلى جانب ذلك بعث حضرة عبد البهاء برسالة إلى الملاّ علي أكبر يخبره بالموضوع، ذاكراً بأن فائزة خانم كانت قد ألحّت بطلبها عدة مرات.
عندما وصل ابن الأبهر إلى طهران، وجّه حضرة عبد البهاء أيادي أمر الله ميرزا حسن أديب لإجراء ترتيبات الزفاف في غضون تسعة أيام من استلامه رسالته. وقد أرسل المولى مبلغاً من المال لحفل الزفاف، وبعثت الورقة المباركة العليا ثوباً بسيطاً للعروس.
كان ابن الأبهر، مع أيادي أمر الله الآخرين، قوة دافعة لتأسيس المحفل الروحاني بطهران. وكما سبق أن ذكرنا، فإن كل واحد من الأيادي ساهم مساهمة كبيرة في تعميق الأحباء في موضوع ميثاق حضرة بهاء الله الهام. كما أشعلوا الحماس في صدور المؤمنين مما أدى إلى مضاعفة فعالياتهم التبليغية بحيث نتج عنها إيمان نفوس كثيرة من بينهم عناصر مثقفة عالية وأناس ذوي نفوذ، ودخولهم في صفوف المؤمنين في إيران.
من الخدمات الخاصة لابن الأبهر ترويجه لتعليم المرأة. فقام هو وزوجته بدور هام في النهوض بالمرأة في المجتمع الإيراني. وفي سنة 1909م تشكلت لجنة خاصة من أجل تحرير المرأة كان ابن الأبهر وزوجته عضوين فيها. وفي سنة 1910م تشكّل محفل روحاني كان أعضاؤه جميعاً من النساء، وعرف يومها بالمحفل الروحاني لإماء الرحمن. من بين أعضاء ذلك المحفل كانت زوجة الملاّ علي أكبر وزوجة ابن الأبهر، وقد استعان هذا المحفل الذي دام طيلة سبع سنوات، بمحفل طهران الروحاني، الذي كان كل أعضائه من الرجال، في الهداية والاستنارة حول بعض القضايا الأساسية. بفضل تشجيع ابن الأبهر، قامت زوجته منيرة خانم بتأسيس أول مدرسة بهائية للبنات في طهران. وافت المنية ابن الأبهر في طهران عام 1917م.
جمع هذا الرجل العلامة المتميز بين علوم الفقه الإسلامي، بصفته رجل دين، وبين المعارف الأدبية. قبل اعتناقه الدين البهائي كانت له مكانة عالية في الأوساط الأدبية المحيطة بالأسرة المالكة، وكان له إسهامات هامة في إنتاج الأعمال الأدبية المختلفة. وقد عيّن لفترة إمام جمعة، وهو منصب ديني مرموق، ثم مدرّساً في دار الفنون، وهي المدرسة الوحيدة التي أنشئت على نمط المؤسسات التعليمية الغربية. أمّا تلاميذ تلك المدرسة فكانوا عادة من أبناء العائلة المالكة وأصحاب الجاه والنفوذ. اعترافاً بإنجازاته الأدبية البارزة منح لقب “أديب العلماء”. إلى جانب منصبه ذاك كان يعلّم مواضيع إسلامية لعدد من الطلاب الراغبين أن يصبحوا رجال دين.
التقى ميرزا حسن في عدة ظروف بشخص بهائي أعطاه كتاباً يحتوي على كتابات بهائية، وكذلك عرّفه على بعض المبلّغين البهائيين المشهورين. من جملة أولئك بصفة خاصة كان اتصاله بالنبيل الأكبر الشهير، وأخيراً صدق بأحقّية الدين، واعترف بعظمة ظهور حضرة بهاء الله وجلال مقامه المهيب. في سنة 1889م أصبح مؤمناً مخلصاً متفانياً، وكان وقتها في مقتبل الأربعينيات من عمره.
ومنذ ذلك الحين وضع كل مواهبه العلمية ومعارفه الواسعة تحت إمرة الإمكانات والقدرات الجديدة التي تملّكها من أمر حضرة بهاء الله. وسرعان ما أصبح قلبه عيناً تفيض بصافي زلال العرفان الإلهي. وما القصائد المحركة للأرواح التي كتبها إعلاناً لظهور يوم الله، وفداء كل ما لديه في سبيل ربه، إلاّ شواهد وافية على عمق إيمانه وعلو مقامه. فلا عجب في أن يختار حضرة بهاء الله هذا الذات الروحاني العظيم ويعيّنه أحد أيادي أمر الله. لكن بخلاف الأيادي الآخرين لم يقدَّر لميرزا حسن الفوز بلقاء حضرة بهاء الله شخصياً، إلاّ أنه تشرف بمحضر حضرة عبد البهاء.
في فترة ولاية المولى كرّس ميرزا حسن كل كيانه لخدمة أمر الله. فصار قلعة قوية للأحباء ومبلّغاً عظيماً لأمر الله. وما كان قلمه أقلّ نشاطاً، فقد ألّف عدة كتب في إثبات أحقية الدين وتاريخه. كما كانت أشعاره مثيرة للنفوس واستلهم الأحباء منها ورفعت معنوياتهم. كان دوره رئيساً في تشكيل محفل طهران الروحاني، وخدم في تلك الهيئة رئيساً لها.
كان لميرزا حسن أديب اهتمام شديد في تعليم الشباب البهائي. في حوالي عام 1904م قام أحد البهائيين المتعلمين والذي عرف باسم “صدر الصدور”، بتأسيس أول فصل دراسي لإعداد مبلّغين من الشباب البهائي في طهران. كان درساً يومياً واستمر لعدة سنوات، ألمّ خلاله التلاميذ بمختلف نواحي أمر الله والأديان الأخرى. عندما توفي “صدر الصدور” بعد حوالي خمس سنوات من تأسيس صفوف الشباب التبليغية، قرر ميرزا حسن أن يتولى التدريس في مكانه، فقام بمعونة نفر قليل من البهائيين المطلعين، بالإشراف على دروس الشباب لفترة من الزمن.
مشروع عظيم آخر تم إنجازه حينما تأسست مدرسة “التربية” للبنين بطهران. وقد لعب ميرزا حسن أديب دوراً هاماً في تأسيس هذا المعهد العريق واعتبر في مقدمة المؤسسات التعليمية في البلاد لعدة سنوات. من ناحية أخرى كان فاتحة لإنشاء عدة مدارس بهائية أخرى في مختلف مناطق إيران. لكن مدرسة “التربية” للبنين والأخرى للبنات بالاسم نفسه، وكذلك كافة المدارس البهائية الأخرى في المدن الرئيسة، أغلقت في شهر كانون الأول سنة 1934م بناء على قرار حكومي نظراً لتجاهلها تحذيراً سبق أن أصدرته وزارة التعليم (التي كان يرأسها علي أصغر حكمت، من الأزليين المعروفين) مفاده أنه إذا عطلت تلك المدارس في أيام الأعياد البهائية، فإنها سوف تغلق رسمياً. ورغم عدة التماسات تقدم بها المحفل الروحاني المركزي بهذا الصدد، فإن السلطات ظلّت مصرّة على موقفها وهكذا أغلقت كل المدارس البهائية، إثر ممارستها حق التعطيل في أحد أيام الأعياد البهائية.
في سنة 1903م وجّه حضرة عبد البهاء ميرزا حسن أديب للذهاب إلى إصفهان في رحلة تبليغية. قام بتلك الرحلة في فترة أوشكت مدينة يزد أن تشهد اضطراباً عظيماً بتدبير مجتهد إصفهان، الشيخ محمد تقي (ابن الذئب). فشكّل وجود ميرزا حسن في إصفهان وقوداً صُبّ فوق النار، فثارت اضطرابات خطيرة في المدينة جلبت معاناة كبيرة لأيادي أمر الله. لكنه تمكّن أخيراً من مغادرة المدينة دون أن يلحظ ذلك العديد من الحراس الذين نشرهم المجتهد الخبيث في أرجاء المدينة بهدف خاص هو إلقاء القبض عليه. من هناك توجه ميرزا حسن إلى آبادة ثم شيراز، حيث تمكن من مواصلة نشاطه وتبليغ أمر الله إلى عدة نفوس. بعد ذلك سافر إلى الهند وأخيراً إلى الأرض الأقدس حيث انتعشت روحه بلقاء مركز عهد حضرة بهاء الله. هناك تنوّر كلّ وجوده بأنوار محضر حضرة عبد البهاء الساطعة. ولمّا رجع إلى إيران كان كلهيب نار أوقدتها يد المولى، واستمر بخدماته المجيدة لأمر الله حتى وفاته سنة 1919م. دفن في طهران حيث مثوى أيادي الأمر الثلاثة الآخرين.
تسلّم أيادي الأمر الأربعة عدداً كبيراً من ألواح حضرة بهاء الله. وينطبق ذلك على الخصوص في حالة أول ثلاثة منهم كانوا من قدماء المؤمنين. فاستمر حضرة بهاء الله ينزل الألواح في حقهم لعدة سنوات، وبها غذّى أرواحهم وأنار قلوبهم وعقولهم. بعض هذه الألواح طويل بنحو غير عادي ويضم أجزاء موجهة إلى العديد من أفراد الأحباء الآخرين.
إن أيادي أمر الله الملاّ علي أكبر وابن الأصدق وابن الأبهر كانوا يزاولون، قبل تعيينهم بزمن طويل، مهامهم في تعميق معلومات المؤمنين بأمر الله وتشجيعهم ودعمهم في مجهوداتهم التبليغية وهداية خطاهم في مختلف نشاطاتهم. في سياق هذه الخدمات اعتادوا الكتابة إلى حضرة بهاء الله سائلين توجيه بركاته وعناياته بخصوص أنفس معينة ممن كانوا يجاهدون في خدمة أمر الله، وكان حضرته يجيب بإنزال ألواح موجهة باسم كل فرد على حدة. أحياناً ينزل لشخص واحد ما يعادل عدة صفحات وعلى هذا النحو نجد الألواح الموجهة إلى الأيادي، وفي الواقع إلى غيرهم من المبلّغين البارزين في أمر الله، غالباً ما تحتوي على عدد من الصفحات يعادل حجم كتاب صغير. وعليه فإن ما أنزله حضرة بهاء الله من ألواح في حق النفوس الأربعة الذين سمّاهم أيادي أمر الله، يبلغ في حجمه، لو جمع، مجلداً ضخماً أو ربما مجلدين. ويضاف إليها ذلك العدد الكبير من الألواح التي صدرت في حقهم من يراع حضرة عبد البهاء. وكل ما يسعنا عمله هنا هو اختيار جواهر قليلة من هذه الكنوز الضخمة.
في أحد ألواحه لابن الأصدق، أنزل حضرة بهاء الله هذه الكلمات الشهيرة حينما أُخبر بأن الأحباء في طهران قد عقدوا العزم وشرعوا بتنفيذ ما أمر وأوصى به حضرته بشأن القيام في الأسحار والذكر في مشارق الأذكار([1]):
“طوبى لمحلٍ ولبيتٍ ولمقامٍ ولمدينةٍ ولقلبٍ ولجبلٍ ولكهفٍ ولغارٍ ولأوديةٍ ولبرٍ ولبحرٍ ولجزيرةٍ ولدسكرةٍ ارتفع فيها ذكر الله وثناؤه.”(1)
لقد صوّر حضرة بهاء الله مشهداً خلاباً في عوالم الله الروحانية حيث تتحد الأرواح المقدسة وتطوف مع الملأ الأعلى حول أي بقعة على هذه الأرض يلتقي فيها المؤمنون لحمد الله وتمجيده. وفي أحد ألواحه نزلت هذه الكلمات التي تثير الفكر والخيال:
“لعمري وأمري إن كل بيت يرده أولياء الله ويرتفع فيه نداؤهم في ذكر الله وثنائه، تطوفه الملائكة المقربون وأرواح المخلصين، ولو فُتح باب البصر الحقيقي لبعض النفوس لَيشاهِدون الملأ الأعلى طائفين وناطقين بعبارة طوبى لك يا بيت بما جعلك الله مهبط أوليائه ومقر أصفيائه ومقام أمنائه عليك بهائُه وثنائُه وعطائُه.“(2)
وبالتالي يجوز لنا أن نستنتج بأن أحد العوامل الرئيسة التي تجعل المجالس البهائية مصدر انشراح وترقي روحاني للمشاركين والحاضرين فيها إنما هو أثر أرواح أصفياء الله من ملأه الأعلى.
في ألواحه إلى أيادي أمر الله، أنزل حضرة بهاء الله الكثير من النصائح لعموم البهائيين. فيها ما هو تكرار وتأكيد لتعاليم أمر الله الأساسية كالمحبة والاتحاد فيما بين الأحباء، والاستقامة على أمر الله، والتبليغ، والانقطاع عن الشؤونات الدنيوية، وكثير غير ذلك. بما أن هذه المواضيع سبق بحثها في هذه المجلدات، فسوف نكتفي هنا بذكر القليل مما له أهمية خاصة.
في لوح(3) إلى الملاّ علي أكبر يصرّح حضرة بهاء الله بأن قلمه قد انهمك طيلة عشرين يوماً في تبيين معنى نصرة أمر الله لينتبه العباد ويعملون “بما أراده الله“. يوجّه حضرته بعد ذلك الملاّ علي أكبر لكي يدعو ويحثّ المؤمنين على الانقطاع عن شؤون هذا العالم، ويطهروا أنفسهم من كل الأعمال غير اللائقة والتافهة، وأن يتوجهوا بالأفئدة والأرواح إلى الله. لأن بذلك فقط يمكنهم أن يرجوا النجاح في نصرة أمره.
وفي لوح آخر(4) إلى ذلك الأيادي نفسه يفرض حضرة بهاء الله على أتباعه العمل بما من شأنه إعلاء أمر الله، مذكّراً إيّاهم بأنه في هذه الدورة منع “النزاع والجدال والفساد”، ثم يحثهم على “نصرة أمر الله بسيف الحكمة والبيان لا بسيف الحديد”.
ويخاطب حضرة بهاء الله في لوح(5) إلى ابن الأصدق، أهل البهاء داعياً إيّاهم أن يقدّروا النعمة والعطية الكبرى إذ هم يحيون في هذا اليوم، وأن يزينوا أنفسهم بالأعمال المنزهة بحيث يجد أهل العالم منها نفحات طيب جمال الله ومن سلوكهم يميزون صفاته وسجاياه. وفي بيانه عن موضوع الانقطاع في لوح آخر(6) إلى الأيادي نفسه، يستذكر حضرة بهاء الله كلمات السيد المسيح مخاطباً وناصحاً أصحابه حينما يجولون البلدان لإعلان رسالته بأن ينفضوا عن ملابسهم ما علق بها من غبار كلما غادروا مدينة بعد دخولها – دلالة على الانقطاع.
في لوح(7) آخر لابن الأصدق، يؤكد حضرة بهاء الله بأن “كل شيء تحت مخالب الفناء إلاّ ما ظهر من القلم الأعلى فذلك باق دائم.”
وفي لوح(8) إلى الملاّ علي أكبر يبين حضرة بهاء الله بأنه “لو انقطعت لحاظ عناية الله للحظة واحدة ليشاهد العباد بمثابة عظم رميم”.
يصف حضرة بهاء الله عظمة ظهوره لابن الأصدق(9) مصرحاً بأنه لو كان هناك من عرف حقاً عظمة هذا اليوم، فلن يمنعه عن أمره كل كنوز الدنيا والخيرات التي تكون فيها. في اللوح نفسه يشير حضرته إلى ثلاثة أشياء بكيفية تثير الاهتمام حيث يتفضل قائلاً: “قل لا إنسان إلاّ بالإنصاف ولا قوة إلاّ بالاتحاد ولا خير ولا سلامة إلاّ بالمشورة.”
مشيراً لفساد الناس، ولا سيما رؤساء الدين، يقرر حضرة بهاء الله في لوح(10) إلى الملاّ علي أكبر بأن هؤلاء النفوس التعساء غافلون عن حقيقة أمر الله. ويضيف حضرته بأنهم لو فقط أتوا في محضره حين تنزيل آيات الله “لعمر الله يجذبهم بيان الرحمن على شأن يسجدون من غير اختيار.”
في لوح(11) آخر إلى ابن الأصدق، يصف حضرة بهاء الله ضلال الناس هذا، وعلى الخصوص رجال الدين المسلمين. فينسب حرمانهم وجهلهم في أمر الله إلى القصاص والعقاب المستحق عليهم بما قدمت أيديهم من الأعمال. ويزيد سائلاً الله غضبه وسخطه على الذين يقومون ضد أمره عازمين على إخماد نوره، ويؤكد خذلان سعيهم ويعلن أن بواطن ذواتهم في الحقيقة تستنكر أعمال أنفسهم وطيشهم.
في لوح(12) إلى الملاّ علي أكبر يعلن حضرة بهاء الله بأنه “تشهد الأشياء بقيامي وذكري وثنائي واستقامتي وعنايتي وفضلي ورحمتي“. ويضيف “طوبى لمن سمع وفاز إنه من أهل البهاء وأصحاب السفينة الحمراء.”([2]) يعلن حضرته أن هذا ليس يوم يسأل الناس فيه ما أرادوا، أو يرفعوا أصواتهم، أو يلقوا خطبهم أو يشيروا لأنفسهم. بل حري بهم في هذا اليوم أن يوجهوا أسماعهم إلى الأفق الأعلى ويصغوا إلى صوته. ثم يخبرهم بأن كل ما يملكون سوف لن ينفعهم، ويحثّهم على أن ينقطعوا عن العالم المادي ويأخذوا كتاب الله بأيديهم بروح من التسليم والخضوع. وما يلي من كلمات حضرة بهاء الله شبيهة جداً بنصائحه الشهيرة في “الكلمات المكنونة”:
“يا ابن التراب
كن أعمى ترَ جمالي، وكن أصم تسمع لحني وصوتي المليح، وكن جاهلاً يكن لك من علمي نصيب، وكن فقيراً تغترف من بحر غنائي الخالد قدراً لا زوال له، أي كن أعمى عن مشاهدة غير جمالي وكن أصم عن استماع كلام غيري، وكن جاهلاً بسوى علمي حتى تدخل ساحة قدسي بعين طاهرة وقلب طيب وأذن نظيفة.”(13)
في هذه البيانات وأشباهها ينطق حضرة بهاء الله بصفته المظهر الإلهي، الذي يتعلق بظهوره نمو عالم الإنسان وتطوره، تماماً كما تعتمد الحياة عموماً فوق هذه الأرض على الشمس. في أحد ألواحه(14) إلى الملاّ علي أكبر، يؤكد حضرة بهاء الله بأن الذي يسلّم نفسه بالكلية إلى الله ويحقق النكران التام للذات في سبيل الحق، فإن مثل هذه النفس لن يشغلها طمع في مقام أو رتبة أو اسم.
هناك إشارات تفوق العد في ألواحه لأيادي أمر الله بخصوص تبليغ دينه. في إحداها(15) يصرح بأنه توجد عدة نفوس ممن لم يدخلوا المدارس قط، لكنهم بفضل حبهم لله بلغوا من علو المقام ما جعل سلسبيل الحكمة يجري من أفئدتهم وألسنهم. وقد سبق الحديث عن هذا الموضوع بتفصيل واف في المجلدات السابقة، ووصفنا ما تحقق من مكاسب تبليغية على يد بعض الأفراد ممن وهبوا الفهم الحقيقي والعرفان الروحي وإن كانوا محرومين من كل تعليم وثقافة دراسية.
يذكر حضرة بهاء الله الحكمة في كثير من كتاباته وضرورة التمسك بها أثناء التبليغ. ويبين حضرته في لوح(16) إلى الملاّ علي أكبر بأن بعض النفوس يقبلون إلى أمر الله بمجرد سماع كلمة ويعرضون بسماع كلمة أخرى. وعليه فإن حضرته يوصي القائمين على تبليغ أمره بالنطق بتلك الكلمات، أثناء تبليغهم، التي من شأنها إشعال نار محبة الله في قلوب المستمعين والسائلين. وإذا توقدت هذه الشرارة في قلب الباحث وفاز برحيق الاستقامة فإنه سيبدأ تدريجاً بإدراك ما كان مستوراً عنه.
في ألواح حضرة بهاء الله إلى أيادي أمر الله فقرات عديدة تضم نصائح وتوجيهات مماثلة، تكشف جميعها المثل العليا والمبادئ التي تشكل قاعدة أمر الله وأساسه. كذلك نجد فيها عدة فقرات تمجد ظهور حضرة بهاء الله، وتظهر عظمته، وترفع الحجاب بعبارات لا لبس فيها عن مقامه الموحي بالهيبة والخشوع. إن ميزة بارزة أخرى في هذه الألواح هي ذلك الفيض من العناية والإعجاب والتشجيع والدعاء والثناء على أيادي أمر الله، والذي عبّر عنه بكيفية وأسلوب من الرقة والدفء لا يمكن لأي قلم سوى قلمه أن يصفه. كذلك تضمنت التوجيهات العديدة المنوعة التي أمر بها مؤتمنيه المختارين، وكلها تستهدف رعاية دين الله الوليد، وحماية أسسه الثمينة، وتأييد ودعم مصالحه وتعاليمه وتعزيز إيمان معتنقيه.
في معظم ألواحه لأيادي أمر الله ينبّه حضرة بهاء الله ويشير إلى الحكمة. على سبيل المثال في لوح(17) إلى ابن الأصدق يصرّح بأن تبليغ أمر الله، وهو أهم من كل الأمور، منوط بالحكمة ومعلق بها. فالالتزام بالحكمة يأتي أولاً، ثم يعقب ذلك البيان بالقول. والمعني بالحكمة هو القيام بأي عمل محمود من شأنه تأييد أمر الله وتَقدّمه، وعدم الحكمة هو الإتيان بأعمال أو تصرفات تؤدي، نظراً لأسباب وظروف ما، إلى مضرّة أمر الله، حتى وإن لم يكن وراء القيام بها غير أفضل النوايا. إن الأمر من قبل حضرة بهاء الله بالعمل وفق مقتضيات الحكمة، صالح لكل الأوقات والأزمنة. في الحقيقة، مع استمرار أمر الله في تقدمه ونموه فإن قوى الإعراض ستقف ضده بمستوى ذلك التقدم والنمو. وفي هذه المعمعة ضد قوى الظلام، تلعب الحكمة التي يمارسها المؤمنون، أفراداً كانوا أم هيئات، دوراً رئيساً في حماية أمر الله وإعلاء شأنه.
لقد حثّ حضرة بهاء الله أيادي أمر الله على اليقظة ومساعدة الأحباء لتجنب أي عمل من شأنه أن يضر مصالح الدين. لنأتي بمثالين على ذلك. ففي مجلد سابق([3]) كنا قد ذكرنا كيف أن حضرة بهاء الله، بعد إنزال “الكتاب الأقدس” بفترة، أذن لجمال البروجردي([4]) باستنساخ فقرات معينة منه وأخذها معه إلى إيران. في وقت روّج جمال مبدأ تأسيس بيوت العدل المحلية المفروضة في “الكتاب الأقدس”، لكن أيادي أمر الله الملاّ علي أكبر التمس توجيهاً من حضرة بهاء الله حول هذه المسألة. أجابه حضرته بلوح(18) مبيّناً بأن العمل بأي حكم من أحكامه مشروط بتوخي الحكمة. وبيّن حضرته بأنه لو “عيّن في كل مدينة نفوساً مخصوصة لذلك الأمر لقام الأعداء ضد تلك النفوس. إنه مرهون بوقته“. إضافة لذلك، أكّد حضرته أنه بسبب جهل المجتمع وفساده، ولأجل حماية الأحباء، فإن حضرته لم يلزمهم بالعمل بمعظم أحكام “الكتاب الأقدس”. أمّا السبب الرئيس لإرسال تلك النسخة إلى إيران فكان من أجل أن يحتفظ الأحباء بسجل للأحكام.
وهناك مثال آخر على توخي الحذر والحكمة نجده في لوح(19) إلى الملاّ علي أكبر نفسه، ويتعلق بطباعة كتابات حضرة بهاء الله والتي كان قد التمس الأذن بشأنها. في حين الذي صرح بردّه أن هذا الموضوع “معلق ومنوط بالمشورة”، نصح حضرة بهاء الله بممارسة الحذر والحيطة، وأضاف في شرحه بأنه ليس من الحكمة في ذلك الوقت طباعة الكتب، إذ لو “ازداد عدد الكتب في تلك المدينة لتسبب في ارتفاع ضوضاء جهلاء الأرض”، وقد يستفزون “لإشعال نار الفتنة” في تلك الديار ويبين حضرة بهاء الله أن ذلك كان سبب وقف نشر “كتاب الإيقان” الذي كان قد طبع قبل حوالي عشرين عاماً.
ولو أن كلاً من حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء أشار على المؤمنين بمراعاة الحكمة في مساعيهم لتقدم أمر الله، إلاّ أن هذه الحكمة يجب ألاّ تفسر على أنها خوف أو افتقار للحماس والولاء لأمر الله. فالملاّ علي أكبر نصحه مرة زملاؤه الأيادي بإخفاء نفسه عن أعين الأعداء خلال شهر محرم الذي تلهب فيها مشاعر الغوغاء وعواطفهم من قبل رجال الدين، لأن هذا الشهر بالنسبة لشيعة الإسلام شهر عزاء وحزن إذ يحيون فيه ذكرى استشهاد الإمام الحسين، ومن المعتاد أن يصبح الناس فيه متهيجين جداً. ويروى أن الملاّ علي أكبر، الذي كان دوماً هدفاً سهلاً لأعدائه، ابتسم وقال في جوابه هذه الكلمات:
حقاً إننا مأمورون في الألواح المقدسة بالتزام الحكمة. لكن الحكمة هنا لا تعني التخوف وعدم الاتكال على الله. بل تعني إتقان العمل، والتعامل مع الناس بصدق وكرم وصبر، وتعني بذر بذور تعاليم الله في أراضي الأفئدة الطيبة الطاهرة، ولا تعني الخوف أو الاختباء.
في طفولتي حدث أن سقطت في نهر وجرفني إلى مسافة عدة أميال، فاعتقد الناس بأنني حتماً غرقت، لكنني رغم ذلك وبكيفية ما طرحت على ضفة النهر بلا حياة تقريباً، وأخيراً عادت لي الحركة والحياة. فالله أنقذني. وفي مناسبة أخرى سقطت مرتين من فوق جبل من ارتفاع حوالي مائة متر، مع ذلك بقيت على قيد الحياة، إذ كان مقدّراً لي أن أعيش. إلى جانب ذلك، قُبض عليّ عدة مرات، وسُجنت لمدد تتراوح ما بين ستة شهور وثلاثة أعوام، مقيداً بالسلاسل والأغلال. في كل من تلك المناسبات لم يكن هناك رجاء بالخلاص واستعادة الحرية، ومع ذلك هناك نفوس لم يكونوا مشهورين مثلي، لكنهم لائقين لفداء أنفسهم في سبيل الله قد استشهدوا. لكني للآن لم أفز أنا بهذا. وإن كانت إرادة الله أن أظفر بهذه النعمة والعطية التي لا نظير لها، فأي هبة عظمى ستكون من نصيبي! ثم هل من الممكن أو المعقول الفرار من قضاء الله؟ بل على العكس ينبغي للمرء الإسراع إلى حضرة الأحدية والتسليم والرضاء بما أراد القوي القادر الرحمن الرحيم.(20)
ويختتم الحاج ميرزا حيدر علي، راوي هذه الرواية، قائلاً أن الملاّ علي أكبر تحدّث بنحو من الإقناع جعل الحاضرين يشعرون بالخجل، وأدركوا أن نصحهم له في الواقع كشف عن قلة تفهمهم لمعنى التوكل على الله.
كانت ألواح حضرة بهاء الله تنزل عادة في حق أفراد من المؤمنين البهائيين رُقّم في كل منها اسم ذلك المؤمن. ولكن أحياناً يخلو اللوح من اسم الشخص المرسل إليه، وفي بعض الحالات قد يذكر الاسم بشكل مختصر. في حالات كهذه قد يتسلّم الشخص اللوح بطريقة غير مألوفة. على سبيل المثال، لاحظنا في مجلد سابق([5]) كيف أن حضرة بهاء الله أنزل لوحاً دون ذكر اسم صاحبه وقصد به الحاج محمد طاهر المالميري حين كان ما يزال طفلاً، واستلم ذلك اللوح بطريقة عجيبة خفية بعدها بنحو عشرين سنة. وأحياناً أرسل حضرة بهاء الله عدداً قليلاً من الألواح خالية من الأسماء إلى أحد البهائيين المعروفين يطلب منه إهداء كل منها إلى أي واحد من المؤمنين ممن يشعر تلقائياً بقرارة نفسه بدافع لتقديمه إليه. والذين استلموا لوحاً بهذه الكيفية قد اكتشفوا بأن حضرة بهاء الله كان فعلاً قد استهدفهم بالذات بذلك اللوح. في لوح(21) أنزله حضرة بهاء الله في حق أيادي أمر الله ابن الأصدق محرّراً بكلمات كاتب وحيه، وجه تعليمات معينة بشأن كيفية تسليم تسعة ألواح بلا أسماء لتسعة مؤمنين وردت أسماؤهم بقائمة منفصلة دون أن يذكر صراحة أي لوح يجب تسليمه لأي من أولئك المرسل إليهم. أمّا السبب في عدم ذكر أسماء المرسل إليهم فهو حماية الأحباء من كشف هويتهم لأعدائهم الذين حرصوا على التعرف على أعضاء الجامعة البهائية. وكانت تعليمات حضرة بهاء الله، كما نقلها كاتب وحيه، موجهة إلى ابن الأصدق ليقوم أولاً بالدعاء والابتهال، ثم وضع الألواح في مكان مرتفع، وبينما يتوجه بعد ذلك بكل قلبه إلى حضرة بهاء الله يرفع يده ليتناول أحد الألواح ويكتب عليه أي اسم من الأسماء التسعة الذي يخطر على قلبه وفكره، ويسلم إليه ذلك اللوح. ويذكر كاتب الوحي أيضاً أن ألواحاً أخرى سترسل إلى ابن الأصدق لتسلم لأصحابها بالكيفية نفسها.
ولمّا كانت إرادة حضرة بهاء الله أن يصل كل لوح إلى الشخص المقصود نفسه، صار ذلك الأسلوب من التواصل الروحي، الذي أجازه حضرته بنفسه، طريقة فاعلة حقاً في الاتصالات. فكل مؤمن تبين له بجلاء من مضمون اللوح المرسل إليه أن اللوح يطابق فعلاً ظروفه وأحواله الشخصية من جهة، ويجيب على ما سأل من جهة أخرى.
وهذا ليس مستغرباً لأتباع حضرة بهاء الله، إذ هم يؤمنون بأن كل تطور هام يحدث في هذه الدورة إنما توجهه مشيئة حضرته. وليس هناك أمر مستحيل التحقيق إن كانت إرادة الله هي القوة المؤثرة الدافعة وراءه. إنها إرادة الله التي تمكّن الطبيعة من خلق الحياة بكل ما تنطوي عليه من المعجزات الغزيرة، مثل معجزة تحول بذرة صغيرة إلى شجرة عظيمة ذات أغصان وأوراق وأزهار وثمار، ومعجزة نمو خلية واحدة في رحم الأم، بعد عملية انقسام وتعدد وفق نمط منتظم، إلى هيكل إنسان كامل أخيراً، ومعجزة الذرّة والكون وكل كائن آخر. فكل هذه تحدث من خلال إرادة الله.
ومعجزة الدين نفسه لا تقل لفتاً للنظر والانتباه. فيولد الدين كحركة غير ذات بال ظاهرياً للوهلة الأولى، ولكن سرعان ما تنتعش بفضل قدرة الله وإرادته خالقة مدنية وحضارة خاصة بها. إنها معجزة تفوّق إرادة الله وغلبتها هي التي تمكّن مؤسسي كافة الأديان من الانتصار على أعدائهم، وتجعل كلمتهم خلاّقة نافذة. في خطاب لحضرة الباب إلى تلامذته، يشير إلى قدرة الله قائلاً:
“… اجعلوا أنظاركم دائماً متوجهة إلى القوة القاهرة من ربكم وإلهكم القدير. ألم يجعل إبراهيم منصوراً على جيوش نمرود رغماً عن ضعفه الظاهر؟ ألم يجعل موسى غالباً على فرعون وجنوده مع أنه لم يكن له رفيق سوى عصاه؟ ألم يؤسس المسيح عزته ومجده ورِفعته فوق جميع اليهود مع أنه كان بحسب الظاهر فقيراً وحيداً؟ ألم يخضع محمد ﷰ قبائل العرب المتوحشة الثائرة إلى النظام القدسي الذي أتى به حتى قلّبهم وغير أحوالهم؟ إذاً قوموا على اسم الله وضعوا ثقتكم فيه وتوكلوا عليه وأيقنوا بالنصر والفوز في النهاية.”(22)
في هذا اليوم وعد حضرة بهاء الله بأنه سيصون هيئة بيت العدل الأعظم من الزلل والخطأ. وليس سوى تحقيق إرادة الله يجعل من الممكن لأعضاء بيت العدل أن ينعموا بهديه في قراراتهم. وما في توزيع الألواح الخالية من الأسماء إلى أصحابها المعنيين والمذكورة أعلاه إلاّ مثالاً آخر على هداية الله التي يسبغها في بعض الأحيان على من يشاء. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن ابن الأصدق لم يكن الشخص الوحيد الذي سلّم ألواحاً بهذا النحو، كان هناك غيره أيضاً ممن أشير عليهم من وقت لآخر لتوصيل ألواح من دون أسماء لبعض المؤمنين. مثلاّ عقب ورود حضرته إلى عكاء بقليل أرسل حضرة بهاء الله عدداً من الألواح إلى “رضيّ الروح” مشيراً عليه بأن يسلم كلاً منها إلى الشخص الذي يخطر اسمه على باله. والشيخ سلمان كان مثالاً آخر. في مجلد سابق([6]) وردت تفاصيل حكايته. كل هذا لا يمكن أن يكون أكثر غرابة وعجباً وأصعب تصوراً من معجزة موسى وهو مولود رضيع، حينما ألقي به داخل صندوق في مياه النيل بغية حمايته وحفظه.
أحياناً أرسل حضرة عبد البهاء أيضاً في بعض المناسبات ألواحاً من دون أسماء أصحابها إلى بعض المؤمنين مع توجيهات خاصة بشأن كيفية الاهتداء إلى المرسل إليه. ورواية الحاج ميرزا حيدر علي التالية تلقي ضوءاً وافياً على الموضوع:
قصدتُ آبادة([7]) حيث كل مؤمن هناك وما جاورها من القرى، روحي لهم الفداء جميعاً، يقف كالجبل راسخاً في إيمانه وكالسراج الساطع في حبه وخدمته. وفي المجالس التي فزت فيها بمحضرهم وجدت أن هذه الاجتماعات أصبحت مصادر استنارة ومشارق لذكر الله حيث الملائكة تتنزل وتحشر مع مجمع المؤمنين الذين يناهزون المائة نفس أو أكثر. كنا نجتمع كل يوم صباحاً وعند الظهيرة وفي المساء. من جو تلك المجالس كانت تمر نفحات الإخلاص والفداء والانقطاع عن كل الشؤون الدنيا.
خلال إقامتي في آبادة تسلَّمتُ واحداً وثمانين لوحاً بخط “من اختاره الله” (حضرة عبد البهاء). أُمرت بأن أعزل منها تسعة عشر لوحاً وأكتب على كل واحد منها، دون قراءتها، اسم أحد الأحباء في آبادة ممن سألتقي بهم عرضاً، وأسلّمه اللوح. وكان عليّ عمل الشيء نفسه بالنسبة لبقية الألواح للمؤمنين في يزد، وبوانات وإصفهان. مرة أخرى، ودون قراءة الألواح، كان عليّ كتابة اسم أحد المؤمنين من اختياري ثم القيام إمّا بتسليم اللوح له شخصياً أو إرساله إليه. ففعلت ذلك كله. وكل شخص تشرّف باستلام اللوح بهذه الكيفية شهد بأن حضرة عبد البهاء قد استجاب حقاً ووصف بجلاء ما كان في أفكاره ومشاعره الداخلية، وأجاب أسئلته ورغباته.
كان هناك رجل إنگليزي يعمل مديراً لمكتب التلغراف في آبادة. وحدث أن كان بنفسه حاضراً في ذلك المجلس. قال: ‘لا يمكنني أن أتصور وجود إنسان يمشي فوق هذه الأرض وبإمكانه معرفة سرائر وأفكار الناس أو إنبائهم بمستقبلهم. ولقد عاشرت مع هؤلاء النفوس المخلصة وتعرفت على خلقهم وأخلاقهم وأسلوب حياتهم، وهو ما وردت الإشارة إليه بدقة في هذه الألواح المقدسة والمرسلة بحقهم. الآن بإمكاني رؤية قوى حضرة عبد البهاء الروحانية وهي قوى سامية عليا تحيط بكل الأشياء. وقد كنت شاهداً على كل هذا. وكنت حاضراً حينما فتحتَ كل مظروف، ورأيت كيف أنك لم تقرأ الألواح حيث لم يؤذن لك بقراءتها، وقمتَ مع ذلك بكتابة اسم (أحد المؤمنين) على كل واحد منها وسلّمته إيّاه.’
فلله الحمد إذ أصبح هذا الرجل الإنگليزي مؤمناً ثابتاً متحمساً.(23)
إن الرجل الإنگليزي الذي يشير إليه الحاج ميرزا حيدر علي هو ويليم ج. پاتشين، وكان موظفاً شاباً تعرّف عليه أحباء آبادة وصادقوه وأطلعوه على أمر الله. ومن أبرز الأحباء الذين ساعدوه في الاعتراف بأحقية أمر الله كان ميرزا عطاء الله، وكان مؤمناً مخلصاً ومتنفذاً عرف بلقب “سراج الحكماء”. كان أول مؤمن في آبادة وقد خدم الدين بامتياز. استطاع أن يقيم فوق مثوى رؤوس شهداء نيريز صرحاً مناسباً أسماه حضرة عبد البهاء “حديقة الرحمن”. أمّا عن وليم پاتشين، فقد كتبت في ذكراه الدكتورة سوزان مودي، إحدى أوائل المهاجرين الأمريكيين في إيران، هذه السيرة الموجزة:
كان السيد وليم ج. پاتشين، البالغ الثامنة والعشرين من العمر، من أهالي لندن وتوفي في طهران بتاريخ 31 كانون الأول عام 1910م. عاش حياة بهائية وخدم أمر الله باستمرار. وقد استقال من منصبه في شركة التلغراف الهندية الأوروپية بغية السفر إلى مصر ليلتقي بحضرة عبد البهاء، ولكن وافاه الأجل فجأة وصعد إلى الرفيق الأعلى.(24)
نزل هذا اللوح([1]) سنة 1891م في حق آقا ميرزا آقا أفنان، الملقب بـ”نور الدين”. كانت أمه شقيقة خديجة بگم، حرم حضرة الباب،([2]) وكانت ولادة آقا ميرزا آقا قبل إعلان دعوة حضرته بسنتين. ومن سجنه بقلعة ماه كو طمأن حضرة الباب حرمه في سياق لوح أنزله لها وأكد بأنه حينما يبلغ آقا ميرزا آقا رشده فإنه سيكون نصيراً وحامياً لها. وتحققت فعلاً تلك الكلمات المنبئة من حضرة الباب، فقد كرس آقا ميرزا آقا حياته لخدمة خالته العزيزة التي أخلص لها في تبجيله وخدماته التي لم تقف عند حد. من ناحيتها قامت خديجة بگم بتبليغه أمر الله بنحو من الود بحيث اعترف بأحقية بعثة حضرة الباب وهو في الثالثة عشر من عمره. وكان بفضل مجهوداته أن قام الحاج ميرزا سيد محمد، الخال الأكبر لحضرة الباب، بالسفر إلى بغداد([3]) للقاء حضرة بهاء الله وكان نتيجة ذلك أن أنزل حضرته “كتاب الإيقان” له وبواسطته أيقن بأحقية ظهور حضرة الباب.
وعقب إعلانه دعوته قرب بغداد أرسل حضرة بهاء الله النبيل الأعظم إلى إيران لنشر النبأ العظيم بين البابيين. ذهب النبيل إلى منزل آقا ميرزا آقا حيث أعلن البشرى السارة للمؤمنين في شيراز، فصدّق آقا ميرزا آقا في الحال وأقرّ بولائه لحضرة بهاء الله واعتبر نفسه خادماً متواضعاً لدى عتبته. في إحدى المناسبات كانت حرم حضرة الباب جالسة خلف ستار، فسمعت النبيل يبلغ الأحباء (البابيين) بأن الجمال المبارك هو موعود “البيان”، و”من يظهره الله”. وما أن سمعت تلك السيدة النبيلة ذلك الإعلان حتى سجدت على الأرض خاضعة خاشعة لربها الموعود الذي عرفته للتو، ويروى أنها همست لابن أختها قائلة: ‘قدّم لدى عتبته أخلص ولائي المتواضع.’ وهكذا استحكمت أواصر المحبة والولاء التي وحدت هذين النفسين وذلك من خلال استجابتهما الفورية لنداء أمر الله الذي اعتنقاه تلقائياً.
منذ أوائل أيامه حظي آقا ميرزا آقا بكثير من عنايات حضرة بهاء الله ومكرماته. فسدانة بيت حضرة الباب، التي كانت ممنوحة لحرم حضرته وأختها، قد شملته الآن هو وذريته.([4]) في عام 1879م انتقل آقا ميرزا آقا إلى الهند وأسس مشروعاً تجارياً في بومبى. وبعد سنوات قليلة، في سنة 1887م، سافر إلى مصر وبيروت حيث مكث لبعض الوقت في منزل خاله الحاج ميرزا سيد حسن، المعروف بلقب “الأفنان الكبير”.([5]) أثناء إقامته في بيروت حصل هو وابنه الأكبر آقا سيد آقا([6]) على إذن لزيارة حضرة بهاء الله. وهكذا تمّ لهما الفوز بمحضره المبارك للمرة الأولى في الذكرى السنوية لإعلان دعوة حضرة الباب التي تزامنت مع 20 كانون الثاني سنة 1888م.([7]) أغدق حضرة بهاء الله عليهما بركاته غير المتناهية. يروى أن حضرته شرفهما بأن أمر خادمه بإحضار معطف مبطن بالفراء لكل منهما ووضعه بيده على كتف كل منهما أثناء وجودهما في محضره المبارك.([8])
توجّه آقا ميرزا آقا وابنه الأكبر إلى بور سعيد، بموافقة حضرة بهاء الله، حيث أسس متجراً هناك. وأذن له بالسفر كل سنة إلى الأرض الأقدس ليفوز بمحضر حضرة بهاء الله. فذهب إلى هناك في أعوام 1889، 1890، 1891م. كانت الزيارة الأخيرة أبرز سفراته على الإطلاق إذ مكث مدة تسعة أشهر وكان برفقة عائلته التي سبقته بالوصول بتاريخ 17 تموز 1891م حينما تصادف وجود حضرة بهاء الله وقتئذ عند سفح جبل الكرمل في آخر زيارة لحضرته لتلك البقعة. ضمّت المجموعة زوجة آقا ميرزا آقا وأربعة من أبنائهما وابنتهما الوحيدة. ثم التحق آقا ميرزا آقا بأسرته بعد وصولهم بخمسة عشر يوماً لدى رجوع ابنه الأكبر إلى بور سعيد.
وقد دوّن أحد أبنائه، واسمه الحاج ميرزا حبيب الله والذي كان عمره آنذاك خمسة عشر عاماً، في مذكراته بعض الأحداث المثيرة في حجّهم. فيما يلي مقتطفات موجزة معربة مما كتبه:
عندما وصلت السفينة إلى حيفا كانت مجرد فكرة سجودنا لدى عتبة حضرته، والفوز بمحضر من اشتاقت الرسل وأصفياء الله للقائه، قد حركت في أعماقنا من الشوق والإثارة ما أرسل الدموع تجري على وجناتنا وشعرنا بانتقالنا إلى عالم آخر. لقد وردنا بقعة أضحت مطاف أرواح كل المظاهر الإلهية حول شخصه المبارك في الليل والنهار. وكان شقيقي الأكبر، آقا سيد آقا، الذي سبق أن تشرف بمحضره الأنور قد علّمنا كيف نتصرف في ذلك المحضر المقدس بكمال التواضع والعبودية ونكران الذات…
أتذكر بوضوح أن الشمس لم تكن قد أشرقت تماماً، وهواء الصبح المنعش العليل يهب حولنا عندما سير بنا صوب سرادقه المبارك المنصوب عند سفح جبل الكرمل([9])… تحققت أمنيتنا بالفعل عندما أزاح دليلنا الستار جانباً فظهر لنا الهيكل الأقدس للجمال المبارك واقفاً وسط الغرفة.([10])
على يميننا جلس ميرزا آقا جان أمام السماور. أمر حضرة بهاء الله بإعداد الشاي لنا وخاطبنا بعد ذلك لسان العظمة بهذه الكلمات: ‘مرحباً بكم يا أوراد روضة جناب الأفنان.([11]) كانت رحلتكم من شيراز صعبة جداً. لكن إرادة الله ومساعي جناب الأفنان يسرت لكم الورود والفوز بهذه العتبة المقدسة…’
استؤجر لنا البيت المجاور لبيت الجمال المبارك، وهكذا مكثنا على تلك المقربة الوثيقة من شخصه الأنور. إن فوزنا بمحضره الكريم والاجتماع بالأحباء القدامى جعلنا ننسى كل شيء آخر. وإنه لمن المستحيل وصف حلاوة الحياة وابتهاج أرواحنا في تلك الأيام.
خمسة عشر يوماً مضت حينما رجع أخي الأكبر إلى بور سعيد ووصل والدي. تنعم والدي ببركات وعنايات كبرى من حضرة بهاء الله. في حدود تلك الفترة وردت أنباء استشهاد شهداء يزد السبعة…([12])
أخذ الطقس بالتحسن هذه الأيام في حيفا وعكاء. فصل الخريف يقترب، والجمال المبارك عاد إلى قصر البهجة. كان هناك منزل صغير مجاور للقصر جرى إعداده لنا… ومن منزلنا كنّا نستطيع رؤية غرفة حضرة بهاء الله عندما نستيقظ صباحاً لتلاوة الأدعية المباركة وكنّا غالباً نشاهد أن غرفته مضاءة بينما شخصه المبارك يذرع الغرفة جيئة وذهاباً أثناء تنزيل الآيات وميرزا آقا جان يدون كلمات حضرته… في تلك الأيام كان ميرزا يوسف خان وجداني والسيد أسد الله القمي معلمَيْن للأغصان.([13]) أشار الجمال المبارك على ثلاثتنا، الحاج ميرزا بزرگ والحاج ميرزا ضياء وأنا، بحضور دروسهم. وكان المرحوم مشكين قلم يعلّمنا فن الخط وقد خصصت إحدى حجرات الطابق الأرضي من القصر لندرس فيها.
في أحد الأيام قبل شروق الشمس جاءنا خادم من بيت حضرة بهاء الله ليخبرنا أن حضرته سيشرّف منزلنا بقدومه. لدى سماعنا هذه الأنباء تدفقت من عيوننا دموع الفرح. فأسرعنا صوب حضرته وهو قادم نحونا وقلوبنا طافحة بسرور لا حدّ له. شاهدنا إقبال حضرته نحو بيتنا ماشياً بهيبة وجلال عظيمين، فسجدنا جميعاً وقبّلنا قدميه. تلطف على كل واحد منا من عميم ألطافه، ثم دخل بيتنا وكان ذلك شرفاً أبدياً لنا. أحضرتُ لحضرته كوباً من الشاي فشرب نصفه وأعطاني الباقي. كما أعطاني مسبحة سوداء مصنوعة من خشب الزيتون كان يمسكها بيديه. قبّلت يديه، وكنت أحب تلك المسبحة كحبي لحياتي وقد أودعتها فيما بعد في محفظة آثار بيت حضرة الباب في شيراز.
وكما ذكرت سابقاً كان باستطاعتنا مشاهدة غرفة الجمال المبارك من بيتنا، وقد رأيت حضرته عدة مرات في ساعة الفجر أو في الصباح الباكر وهو مشغول بتنزيل آيات الله. وفي غالب الأحيان كنت أشاهد حضرته ينطق الكلمات بينما ميرزا آقا جان جالس في محضره. كان ميرزا آقا جان يحتفظ عادة بعدة أقلام([14]) (من القصب) ذوات أطرف مستدقة، مع حبر وأوراق جاهزة بقربه. كان فيض الكلمة الإلهية سريعاً كأمواج البحر المتلاطم.
كان ميرزا آقا جان يجهد ليكتب بأسرع ما يمكنه، وأحيانا تبلغ السرعة حداً يفلت معها القلم من يده، عندئذ يتناول قلماً آخر. وفي بعض الحالات كان يعجز عن مجاراة سرعة التنزيل…
احتفل الجمال المبارك بذكرى عيد الأول من محرم سنة 1309ﻫ (7 آب سنة 1891م).([15]). وقد دعا كافة الأحباء للحضور. ولمّا كان والدي ضخم البنية ويشكو من داء المفاصل ولا يمكنه الجلوس على الأرض، أمر الجمال المبارك قائلاً: ‘أحضروا كرسياً للأفنان.’ فأتى أحد الخدم بكرسي له. ثم أمر بعد ذلك قائلاً: ‘أحضروا كراسي لأبنائه أيضاً.’ وهكذا جلسنا جميعنا على كراسي.([16]) حضر يومها كافة المؤمنين المقيمين والحجاج. في ذلك اليوم ركزت بيانات حضرته المباركة حول موضوع الانقسامات التي حدثت في الأديان السابقة… ثم وزّع حضرته بنفسه بعض الحلوى على كل الحاضرين. وأخيراً تفضل قائلاً: ‘هذا يوم ولد فيه حضرة المبشر الأعلى، وأنار كل العالم بسناء أنواره. هذا وقت المسرة والابتهاج.’([17]) بعد ذلك صرف الكل من محضره. بعدها خرج المؤمنون وأمكن رؤيتهم في جماعات صغيرة غير بعيدة عن القصر قرب أشجار الصنوبر، يعيدون كلمات الجمال المبارك فيما بينهم تأكيداً لحفظها عن ظهر قلب.
في اليوم التالي، الثاني من محرم، وهو ذكرى مولد من هو خالق العالم ورب البشر (حضرة بهاء الله)، دُعي كافة الحجاج والأحباء المقيمين إلى محضره الأقدس. تحدّث في ذلك اليوم عن عظمة ظهوره، واقتدار القلم الأعلى، وظروف نفيه و وروده إلى السجن الأعظم. بعدها تحدّث بإسهاب عما اقترفه الأعداء من قمع واضطهاد سواء من السلطة الطاغية أو العلماء… صرّح بأن أحباء الله، على الرغم من كل ما قاسوه من عذاب على يد الحكومة والشاه، ما فتئوا يبرهنون على ولائهم لأمر الله. بل أنهم لا يبالون بمقتضيات الحكمة والاحتراس([18]) ولا لوم عليهم في هذا، إذ أنّ عيدين عظيمين قد جُمعا معاً. ثم أُنبئنا ببشارات تقدم أمر الله وانتشاره مستقبلاً في العالم بأسره حيث سيسطع سطوعاً باهراً… وعند انتهاء بياناته المباركة وزّع حضرته الحلوى علينا ثم صرفنا من محضره الكريم.
في إحدى الأمسيات أُخبرنا أن محبوب العالم (حضرة بهاء الله) يعتزم زيارة حديقة “الجنينة” وأنه أمر بأن يصحبه، في صباح اليوم التالي، كل الحجاج والأحباء المقيمين. فارق النوم عيوننا في تلك الليلة لشدة لهفتنا واهتياجنا… كيف لا وسننعم بشرف القرب من محضره الأقدس لعدة ساعات في اليوم التالي. وفي ساعة الفجر توجهنا صوب حجرته المباركة وتلونا الأدعية والمناجاة. وقبل شروق الشمس كنا مجتعين خارج بوابة القصر. بعد حوالي ساعة نزل هيكله المبارك إلى الطابق الأرضي ثم ركب أتاناً بيضاء… سار كل الأحباء وراءه حتى الحديقة. أثناء المسير كان هناك أحد الأحباء المحليين، الحاج خاور، الذي تميز بقامته الطويلة، قد أخذ على عاتقه السير بجوار حضرته حاملاً مظلة لتقي رأس حضرته شدة حرارة أشعة الشمس. كان الهواء منعشاً عند ورودنا الحديقة… كان حضرته سعيداً جداً في ذلك اليوم ونال كل واحد من الأحباء نصيبه من العنايات والألطاف في محضره المبارك. تناولنا طعام الغداء في الحديقة، ثم تجمعنا مجدداً في محضره المقدس.
عندئذ وصل حضرة عبد البهاء من عكاء. فتفضل الجمال المبارك قائلاً: ‘إن المولى قادم، فهلموا لخدمته.’ … في تلك الأيام كان حضرة بهاء الله يهيئ أتباعه ويغرس في قلوبهم بذور الولاء والإخلاص لخدمة “من أراده الله” وتبيان علو مقامه وسرّ حقيقة المولى للجميع.
وإذ رافقه كل الحاضرين، دخل حضرة عبد البهاء بنهاية التواضع إلى محضر الجمال المبارك. نطق بعدها لسان العظمة بكلمات بهذا المعنى: ‘منذ الصباح وحتى الآن لم تكن الحديقة لطيفة جداً، لكن الآن بوجود المولى صارت بهيجة حقاً.’ ثم استدار نحو المولى وتفضل معلقاً: ‘كان الأجدر أن تأتي في الصباح.’ فأجاب حضرة عبد البهاء: ‘لقد التمس حاكم عكاء وبعض الأهالي ملاقاتي. وعليه كان لزاماً عليّ استقبالهم واستضافتهم.’ كان رد حضرة بهاء الله وقد أشرقت طلعته المباركة بابتسامة: ‘إن المولى هو درعنا. يعيش كل واحد هنا في أقصى درجات الراحة والسلام. لكن معاشرة الأغيار من أمثال هؤلاء لهي صعبة جداً جداً. وإن المولى هو الذي يتحمل ويواجه كل شيء ويهييء أسباب الراحة لكافة الأحباء. عسى الله أن يحفظه من شر الحسود والعدو.’([19])
تنعّم آقا ميرزا آقا وعائلته بدفء شمس محضر حضرة بهاء الله لمدة تسعة أشهر. ولمّا حان وقت رحيلهم غرقوا في بحر الحزن العميق. ولكن حضرة بهاء الله أمطرهم بعناياته وبركاته وهم يغادرون محضره. وفي يوم رحيلهم تشرفت مريم سلطان بگم، زوجة آقا ميرزا آقا العزيزة، بمحضر حضرة بهاء الله لتقديم فروض الولاء الأخيرة لحضرته. ويروى أنها قبّلت يدَي حضرة بهاء الله وتمنّت في قرارة نفسها أن يهبها الخاتم الذي كان يلبسه في إصبعه رمزاً لبركاته لأسرتها. إلاّ أنها لم تعبّر عن تلك الرغبة. ثم توجهت لوداع الورقة المباركة العليا، ابنة حضرة بهاء الله. وبينما هي هناك دخلت إحدى خادمات البيت المبارك حاملة خاتم حضرة بهاء الله وقالت لمريم سلطان بگم، ‘هذا هبة من الجمال المبارك إليك.’
أنزل “لوح الدنيا” في حيفا في حق الحاج ميرزا بزرگ، ابن آقا ميرزا آقا، والذي سلّمه حضرة بهاء الله نسخة منه. يرجع تاريخ هذا اللوح للفترة التي كان أيادي أمر الله الملاّ علي أكبر وأمين الحقوق، الحاج أبو الحسن أمين،([20]) مسجونَين في قزوين. يغدق حضرة بهاء الله بعناياته عليهما في الفقرة الافتتاحية من هذا اللوح:
“حمداً وثناء لله الذي يليق بهما وحده والمتفرد بسلطانه المبين والذي زيّن السجن المتين بحضور حضرة علي قبل أكبر وحضرة أمين وطرزه بأنوار الإيقان والاستقامة والاطمئنان عليهما بهاء الله وبهاء من في السموات والأرضين.
النور والبهاء والتكبير والثناء على أيادي أمره الذين بهم أشرق نور الاصطبار وثبت حكم الاختيار لله المقتدر العزيز المختار. وبهم ماج بحر العطاء وهاج عرف عناية الله مولى الورى. نسأله تعالى أن يحفظهم بجنوده ويحرسهم بسلطانه وينصرهم بقدرته التي غلبت الأشياء. الملك لله فاطر السماء ومالك ملكوت الأسماء.”(1)
إن “السجن المتين” المذكور أعلاه هو سجن قزوين. وكما سبق ذكره (الصفحة 298) فإن حكومة إيران كانت قد أودعت السجن مجموعة من المحرضين السياسيين سنة 1891م. في ذلك الوقت نفسه ألقت الحكومة القبض على ثلاثة بهائيين بارزين هم ابن الأبهر، الملاّ علي أكبر والحاج أمين وزجت بهم في السجن إسترضاء لأعداء أمر الله، وذلك بأمر من كامران ميرزا، نائب السلطنة، حاكم طهران. وقد وُضع الملاّ علي أكبر والحاج أمين في القيود ونقلا إلى سجن قزوين حيث بقيا مدة ثمانية عشر شهراً في السلاسل والأغلال.([21]) ثم نقلا إلى سجن طهران. وأفرج عن الملاّ علي أكبر بعد ستة أشهر بينما جعلوا حبس الحاج أمين لفترة أطول حيث أطلق سراحه بعد صعود حضرة بهاء الله.
في “لوح الدنيا” يؤكد حضرة بهاء الله على بعض خيرة نصائحه وتوجيهاته:
“يشهد اليوم كل نبيه بأن البيانات النازلة من قلم هذا المظلوم هي العلة العظمى لرفع شأن البشر وارتقاء الأمم. قل يا أيها القوم انصروا أنفسكم بقوة ملكوتية لعل الأرض تتطهر من أصنام الظنون والأوهام التي هي حقاً علة خسران العباد المساكين وذلّهم. ولقد حالت هذه الأصنام دون سمو الناس وارتقائهم. يرجى أن تخلص يد القدرة الإلهية الناس من الذلة الكبرى بعونه ومدده…
…إن كل آية من آياته المنزلة هي باب مبين لظهور الأخلاق الروحانية والأعمال المقدسة ولا يختص هذا النداء وهذا الذكر بمملكة أو مدينة. على أهل العالم طراً أن يتمسكوا بما ظهر ونزل كي يفوزوا بالحرية الحقة. إن العالم تنور بأنوار نير الظهور.”(2)
لمّا كان “روح الله الأعظم” يخاطب البشر بواسطة حضرة بهاء الله، فإننا نجد كل كلمة منزلة من قلمه تفوح بالنصح والحثّ على الأعمال الطيبة، ولهذا السبب فإنه من المحال وجود كلمة واحدة في كتاباته المباركة يمكن أن يستشم منها رائحة الضرر أو الإيذاء. فالله لا يحض على الشر أو الخطأ. في الواقع، إن أفضل الطرق لتصديق أحقية ظهور حضرة بهاء الله والتثبت منها هي أن يدرس الباحث عن الحقيقة تعاليم القلم الأعلى ونصائحه. وبعمله هذا سوف لن يجد سوى النصائح الحميدة الطيبة والهداية السماوية.
في “لوح الدنيا” يخاطب حضرة بهاء الله أتباعه بهذه الكلمات: “يا حزب الله لا تنهمكوا في شؤون أنفسكم بل فكروا في إصلاح العالم وتهذيب الأمم.” ويعلن أن تحقيق ذلك ممكن “بالأعمال الطيبة الطاهرة والأخلاق الراضية المرضية”، ويذكّر المؤمنين بأن ما يضمن نصرة الأمر هو “الأعمال والأخلاق المقدسة”، وينهى أحباءه عن “الفساد والنزاع”، ويدعوهم إلى “الأعمال الطيبة والتخلق بالأخلاق المرضية الروحانية”، ويوصيهم بالتخلق “بالأدب”، الذي يصفه بـ”سيد الأخلاق”، وينصحهم بهذه الكلمات:
“يا حزب العدل عليكم أن تضيئوا كالنور وتشتعلوا كنار السدرة. فنار المحبة هذه تجمع الأحزاب المختلفة على بساط واحد وأمّا نار البغضاء فهي سبب للجدال وعلة للتفريق. نسأل الله أن يحفظ عباده من شر أعدائه إنه على كل شيء قدير.”(3)
إن إحدى الملامح المميزة لهذا الظهور العظيم، والتي لم تكن ممكنة التحقق في الدورات السابقة هي تأسيس الاتحاد والانسجام فيما بين الأمم. فقد كانت التفرقة سمة نُظُم العالم فيما مضى، لكن ظهور حضرة بهاء الله جاء ليهب للبشرية عطية الوحدة والاتحاد التي لا تقدر بثمن. وفي “لوح الدنيا” نزلت هذه الكلمات بهذا الصدد:
“قلنا وقولنا الحقّ عاشروا مع الأديان كلّها بالروح والريحان. فمن هذا البيان زال ما كان سبباً للتجانب وعلة للتفرقة والاختلاف. وقد نزل من أجل رقي النفوس وعلو شأنهم ما هو الباب الأعظم لتربية أهل العالم… ولقد قيل سابقاً حبّ الوطن من الإيمان ونطق لسان العظمة في يوم الظهور ليس الفخر لمن يحبّ الوطن بل لمن يحبّ العالم. فعلّم طيور الأفئدة بهذه الكلمات العاليات طيراناً جديداً ومحا التحديد والتقليد من الكتاب.”(4)
لقد نصح حضرة بهاء الله أحباءه في العديد من ألواحه بأن يحفظوا أنفسهم من تأثير النفوس الشريرة الآثمة. ففي واحدة من “الكلمات المكنونة” يتفضل قائلاً: “وانفض يدك وجنانك من مرافقة الأشرار”(5). وفي “لوح الدنيا” يعرّف حضرة بهاء الله من هم الشياطين تعريفاً جلياً: “إن الشياطين هم أناس يمنعون العباد من إعلاء شؤونهم ويحولون دون ارتقاء مقاماتهم.”(6)
ومن أبدع نصائح القلم الأعلى التي نزلت في “لوح الدنيا” هي:
“قد نطقنا سابقاً بهذه الكلمة العليا وهي أن المنتسبين إلى هذا المظلوم يجب أن يكونوا عند العطاء كالسحاب المدرار وفي كبح جماح النفس الأمّارة شعلة ملتهبة.”(7)
في هذا اللوح يعلن حضرة بهاء الله عن بعض تعاليمه الهادفة إلى إعادة بناء المجتمع الإنساني، وهي تعاليم أنزلت قبلاً من قلمه في معظمها، مثل اختيار لغة عالمية، والتشبث بالأسباب التي توجد الألفة والمحبة والاتحاد بين البشر عموماً، وتربية الأطفال وتعليمهم. ويولي حضرته أهمية بالغة للزراعة، ويوصي بتأسيس نظام الحكم الدستوري، ويدين أعمال “المعرضين والمنكرين” – إشارة إلى أعداء الأمر في إيران – الذين تمسكوا بـ”ضرب الرقاب”، و”إحراق الكتب”، و”الاجتناب عن الملل الأخرى”، و”إفناء الأحزاب”. ويؤنب ملة الشيعة من المسلمين على ترديد كلمتَي “اللعنة” و”الملعون”([22]) في كلامهم عن الآخرين (بحيث تجري على لسانهم يومياً). مع ذلك يسأل الله أن يهدي هذا الحزب ويخلّصه من السلوك غير اللائق.
ويعرب حضرته مرة أخرى عن استغرابه وحيرته حيال ما أشيع بأن “شخصاً ورد إلى مقر سلطنة إيران وسخّر جمعاً من العظماء تحت إرادته” بفضل سلوكه المراوغ المتملق. والإشارة هنا هي للسيد جمال الدين الأفغاني، والذي خصص في صفحات قادمة من هذا المجلد([23]) موجز لنشاطاته المشينة.
في “لوح الدنيا” يدعو حضرة بهاء الله “وزراء بيت العدل أن يحققوا الصلح الأكبر…” ومع أن بيت العدل الأعظم لا يزال غير معروف معرفة كاملة من قبل عموم البشر، لكنه وجد الوقت مناسباً للشروع بهذه العملية. فاتخذ الخطوات التمهيدية نحو ترويج الصلح الأصغر بإصدار رسالة مفتوحة تحت عنوان “السلام العالمي وعد حقّ” موجهة إلى شعوب العالم. تشير هذه الرسالة إلى العقبات التي تعترض طريق السلام، وتحدد ملامح السلام الدائم، وتؤكد على حتمية تأسيسه، وترسم درب تحقيقه كما تتعهد بمساندة دؤوبة لا تكل لتأييده ودعمه من قبل جامعة البهائيين في العالم بأسره.
في “لوح الدنيا” يثني حضرة بهاء الله مجدداً على أولئك العلماء الذين اختاروا الانقطاع عن شؤونات هذا العالم وانهمكوا في هداية الآخرين فيمطر عليهم بركاته بهذه الكلمات:
“يا حزب الله إن العلماء الراشدين الذين هم منكبون على هداية العباد وصائنون أنفسهم ومحافظون عليها من وساوس النفس الأمّارة هم من أنجم سماء العرفان لدى مقصود العالمين ويجب احترامهم. وهم عيون جارية وكواكب مضيئة وأثمار السدرة المباركة وآثار القدرة الإلهية وبحور الحكمة الصمدانية. طوبى لمن تمسّك بهم إنه من الفائزين في كتاب الله رب العرش العظيم.“(8)
في هذا اللوح فقرة قد لا يبدو للبعض أنها تشير لاستشهاد الحاج محمد رضا الإصفهاني. يصف حضرة بهاء الله هذا الحدث بشعور عظيم:
“يحمد هذا المظلوم مالك الأنام ويشكره في الليالي والأيام. إذ تبيّن أن المواعظ والنصائح قد أثّرت في أخلاق هذا الحزب وأطواره التي فازت بمرتبة القبول بحيث ظهر من هذا الحزب ما تنورت به عين العالم وهو شفاعة الأحباء لأعدائهم لدى الأمراء.”(9)
كان الحاج محمد رضا أصلاً من إقليم خراسان ولكنه عاش في إصفهان واشتغل في التجارة. كان مؤمناً مخلصاً ومبلّغاً نشطاً جداً، وبسبب نشاطاته التبليغية أودع السجن وأطلق سراحه بعد فترة. بعدها ترك إصفهان وتوجّه أخيراً إلى عكاء وفاز بمحضر حضرة بهاء الله. بزيارته لشخص حضرة بهاء الله توقدت في قلبه نار حب مولاه وتفانيه له. فتوسل لحضرته ليقبل استشهاده ويمكّنه من أن يفدي حياته في سبيله. يروى أن حضرة بهاء الله أجابه بأن ذلك ليس ضرورياً إذ سبق أن ضحّى كثيرون بحياتهم في سبيله. لكن الحاج محمد رضا كان قد تأثر بنشوة محضر حضرة بهاء الله بحيث أراد أن يفدي بكلّه لمحبوبه، فكرر التماسه. هذه المرة التزم حضرته الصمت فاعتبر الحاج ذلك علامة على الرضا والقبول. فيما بعد سأل حضرتَه أن يختار له مدينة يقيم فيها، فأشار عليه بالتوجه إلى عشق آباد. فاستقر هناك لعدة سنوات ساعياً لتبليغ أمر الله بين سكانها المسلمين.
في يوم الأول من تموز سنة 1889م تسلّم الحاج محمد رضا لوحاً(10) من حضرة بهاء الله يمتدح فيه جهوده المخلصة، ويمنحه بركاته لاستقامته وتفانيه في أمر الله، ويؤكد له بأن كل أعماله وآماله ظاهرة مشهودة لحضرته. ثم يصرح بعد ذلك بأنه قد حصل اضطراب خطير في عشق آباد مشبّهاً إيّاه بهجمة ثعبان على من هو موضع عنايات ربّه.
ومع أن حضرة بهاء الله لم يكشف عن هوية ذلك المؤمن المستهدف من الهجوم، إلاّ أنه يسأل الله أن يمد الحاج محمد رضا بالقوة لبدنه والاطمئنان لقلبه. تصادف وصول هذا اللوح في وقت دعا فيه الحاج محمد رضا كل الأحباء في عشق آباد إلى وليمة. ولمّا قرأ اللوح على مسامع الأحباء، تولى ميرزا أبو الفضل التفسير بقوله أنه رغم عدم وقوع أية اضطرابات في مدينة عشق آباد حتى ذلك الوقت، إلاّ أن حضرة بهاء الله تكلم عن الحادث بصيغة الماضي مشيراً صراحة بوقوع ضحية من أحد المؤمنين صريعاً على يد الأعداء، فإن الحادثة لا محالة ستقع وذلك الاضطراب محتوم. وسوف تحدث قريباً وضحيتها شخص واحد يستشهد. فقال الحاج محمد رضا للأحباء بأنه يعتقد أن ذلك الشخص هو نفسه الذي تنبأ عن استشهاده حضرة بهاء الله في هذا اللوح. وقد تحقق ذلك بعد شهرين.
منذ بعض الوقت والطائفة الشيعية المسلمة في عشق آباد تتآمر وتكيد في الخفاء لاغتيال عدد من الأحباء، بعد أن اشتعلت في صدورهم نار الكراهية والحقد لرؤيتهم ما أحرزه الدين الوليد من تقدم في تلك المدينة. ورغم أن مخططهم لم يتحقق كما أرادوا، إلاّ أنهم أفلحوا على الأقل باغتيال الحاج محمد رضا. تم ذلك على يد اثنين من رجالهم المسلحين بالخناجر حينما هجما عليه في السوق وطعناه حتى الموت. وقع ذلك في صباح اليوم الثامن من شهر أيلول عام 1889م. وروي بأن المجرمَين طعناه اثنين وثلاثين طعنة وسط جمهرة من الأهالي الذين تجمعوا وهم يهللون فرحين بمشاهدة الضحية يلفظ أنفاسه الأخيرة. وقد نسب بعض الأحباء دعاء حضرة بهاء الله في اللوح المذكور والذي يسأل الله فيه أن يمنح القوة لجسد الحاج، على أنه إشارة للطريقة المؤلمة الوحشية التي سيستشهد بها. وبلغ تعطش القتلة لسفك الدماء إلى درجة أنهما شوهدا وهما يلعقان دم الضحية من نصل خنجريهما اللذين كانا يقطران دماً. وعندها حضر إلى المشهد رجال الشرطة الروس وقبضوا عليهما وأودعوهما رهن الاعتقال.
عند اكتشاف تلك المؤامرة المبيتة لقتل عدد من البهائيين البارزين، بعث الأحباء بعريضة إلى الجنرال كوماروف، حاكم ترانسكاسپيا العام، يلتمسون الحماية. فاستجيب لطلبهم وبذلك حبطت خطط المتآمرين ومكائدهم. في سياق ذلك جرت تحريات مطوّلة في محاكم القضاء حيث استجوِب عدد من البهائيين وغيرهم بحضور جمهور من النظارة. وفي النهاية أصدرت المحكمة حكمها بالإدانة وأعلنت قرارها بوجوب إعدام المجرمَين شنقاً، والنفي إلى سيبيريا بحق نفر قليل ممن ساعدوا على ارتكاب الجريمة. كان ذلك أول مرة في تاريخ أمر الله يؤتى بالمسؤولين عن قتل بهائي إلى ساحة العدالة. وقد أثار في الوقت نفسه حنق رجال الدين الشيعة في إيران وثورتهم، وهم الذين تعودوا مكافأة قتلة البهائيين، بل ومنحهم الأوسمة أيضاً. فقاموا بثلاث محاولات مستميتة لتخليص المجرمَين، لكن خابت مساعيهم كلها في التأثير على الحكومة الروسية.
في هذه الأثناء، وبينما السجينان ينتظران خلف القضبان موعد إعدامهما، قام عدد من أقربائهم بصحبة عدد قليل من التجار المعروفين بزيارة بعض البهائيين البارزين وتوسلوا إليهم بالتوسط لدى الحكومة من أجل تخفيف حكم الإعدام. فاجتمع البهائيون وتشاوروا وقرروا اتخاذ إجراء بصدده. قام ميرزا أبو الفضل مع أحد الأحباء بالتقدم إلى الحاكم بطلب باسم جامعة البهائيين يهدف إلى التوسط لدى الحكومة أولاً من أجل غفران جريمة القتلة، وإن استحال ذلك فتخفيف الحكم. أحدث موقف البهائيين ذلك أعمق الأثر لدى الحاكم، وبالأخص رغبتهم واستعدادهم للعفو عن القتلة.
رفع هذا الطلب إلى القيصر وصادق على تخفيف الحكم. لكن القرار لم يعلن عنه وأبقي سرّاً لم يكشف عنه إلاّ في اللحظة الأخيرة. وفي يوم الإعدام نصبت أعمدة المشنقة وحفر قبران. بعدها أخرج السجينان وهما برداءين أبيضين واقتيدا إلى منصة المشنقة استعداداً للإعدام. عندما جاء موعد التنفيذ تلا مسؤول حكومي، وسط جمهور غفير، بياناً يعلن أنه نتيجة شفاعة البهائيين وتدخلاتهم لدى الحكومة، ملتمسين المغفرة لأعدائهم فإن جلالة القيصر قد خفض حكم القتلة إلى سجن مؤبد في سيبيريا كما خفض حكم الآخرين إلى النصف.
إن هذا التشفع لصالح أعدائهم أرضى حضرة بهاء الله بحيث وصف العمل بأنه أمير الأعمال. فقد أثلج صدره وسرّ قلبه أيما سرور إذ وجد أن نصائحه وتوجيهاته التي استمرت طيلة أربعين عاماً تقريباً قد ارتفعت بأتباعه إلى مستوى من الإيمان جعلهم يتشفعون لألد أعدائهم.
في “لوح الدنيا” يصرح حضرة بهاء الله بما يلي:
“فسالت عبرات عيون الملأ الأعلى دماً لما ظهر من ظالم أرض الياء.”(11)
والظالم المشار إليه أعلاه كان الأمير محمود ميرزا، جلال الدولة، حاكم يزد. وما يشير إليه حضرة بهاء الله هنا هو استشهاد سبعة مؤمنين بناء على أوامر هذا الحاكم عرفوا بأول سبعة من شهداء يزد. ارتكبت هذه الجريمة النكراء بتاريخ 19 أيار سنة 1891م. بلغت أخبارها أسماع حضرة بهاء الله حينما كان مقيماً في حيفا. فاعتكف بعدها تسعة أيام لم ينزل خلالها كلمة من سماء الوحي كما لم يدخل إلى محضره الأقدس أحد. إن أول لوح أنزل بعد انتهاء الأيام التسعة هذه كان “لوح الدنيا”. أمّا تفاصيل استشهاد أولئك السبعة فمذكورة في “تاريخ شهداء يزد”، والتي يوجزها حضرة شوقي أفندي بأسلوبه الفذ الرائع كما يلي:
وفي يزد قتل في يوم واحد سبعة أشخاص في ظروف مروّعة، وذلك بتحريض مجتهد المدينة وبأمر أحد أبناء ظِلّ السلطان محمود ميرزا جلال الدولة الحاكم المتبلّد الإحساس. وكان أول السبعة علي أصغر الذي لم يتجاوز ربيعه السابع والعشرين، خنقوه وسلموا جسده إلى بعض اليهود الذين أرغموا رفاقه الستة الآخرين على مصاحبتهم وهم يسحبون جسده في الطرقات يحيط بهم الغوغاء ويتقدمهم الجنود وهم يقرعون الطبول وينفخون في الأبواق. فلما بلغوا مكتب التلغراف قطعوا رأس الملاّ مهدي البالغ من العمر خمسة وثمانين عاماً؛ وسحبوه بالطريقة نفسها إلى حيّ آخر من أحياء المدينة حيث قتلوا آقا علي بالطريقة عينها أمام حشد عظيم من المتفرجين الذين أفقدتهم الموسيقى الصاخبة صوابهم. ومن ثم تقدموا إلى منزل المجتهد، ومعهم الرفاق الأربعة الباقون. فذبحوا الملاّ علي السبزواري الذي كان يخطب في الجمع الحاشد ويمجد شهادته الوشيكة، ومزقوا جسده برفش وهو ما زال حياً وهشموا رأسه بالحجارة تهشيماً. وفي حيّ آخر، وعلى مقربة من بوابة مهريز، قتلوا محمد باقر. وفي ميدان الخان حين ازداد صخب الموسيقى فطغى على صياح الناس، ضربوا أعناق من بقي لديهم من الأحياء. وكانا أخوين في فواتح عقدهما الثالث، وهما علي أصغر ومحمد حسن، فبقروا بطن محمد حسن وانتزعوا كبده وقلبه. ورفعوا رأسه على رمح يتراقص على أنغام الموسيقى وهم يمشون في طرقات المدينة ثم علقوه على شجرة توت ورجموه بالحجارة. وألقوا بجثمانه على عتبة دار أمه حيث دخلت النساء إليها فرقصن احتفالاً باستشهاده، بل لقد أخذوا بعض أجزاء جسميهما للتداوي بها. وأخيراً شدّوا رأس محمد حسن إلى أسفل جسده وحملوا جسده وأجساد الشهداء الآخرين إلى خارج المدينة ورجموها بالحجارة بعنف ووحشية حتى تحطمت جماجمها. ثم أرغم هذا الحشد اليهود على أن يحملوا كل هذه الأشلاء ويلقوا بها في حفرة في سهل السلسبيل. وأعلن الحاكم العطلة الرسمية للناس، وأغلقت الحوانيت بأمره، وأضيئت المدينة ليلاً وأقيمت معالم الزينة والاحتفال وأقيمت الولائم إيذاناً بانتهاء فعلة من أنكر ما ارتكب في التاريخ الحديث وأشدها بربرية ووحشية.(12)
بعد سنوات قليلة، في عام 1903م، حدثت مجزرة هائلة للبهائيين في يزد أيضاً وخلال حكم جلال الدولة نفسه. ولو أنه حاول جهده لتفادي الكارثة إلاّ أن جنوده والمسؤولين فشلوا في قمع الاضطرابات الناجمة عن رجال الدين، وعليه أفلت زمام الأمر من يده لبضعة أيام راح خلالها عدة بهائيين ضحايا، حيث استشهدوا في المدينة والبلدات والقرى المجاورة في أبشع الظروف. وحدث خلال وجود حضرة عبد البهاء في لندن، أن جاء جلال الدولة هذا، بحالة تذلل وندم لمقابلة حضرته. وفي ظاهر ينم عن الاستغفار والتوبة عن جرائمه السابقة، حضر ورمى بنفسه عند أقدام حضرة عبد البهاء، لكن المولى، رغبة منه بألاّ يحرج الرجل ويجعله يشعر بالمذلة والمهانة، بادر بتلطيف مشاعره وجعله يشعر بالارتياح في محضره المبارك.
كان مقتل الشهداء السبعة قد حدث بعد سجن كل من الملاّ علي أكبر والحاج أمين بأقل من شهر، وهو ما سبقت الإشارة إليه. وقد كتب حضرة بهاء الله لوحاً يذكر فيه الحادثتين. وبالنظر لمخاطبة حضرته صحيفة التايمز اللندنية بهذا اللوح، فإنه يشار إليه بـ”لوح التايمز”. في فقرة الافتتاح يصرح حضرة بهاء الله بأن استشهاد المؤمنين السبعة وسجن الاثنين الآخرين قد أحدث أعظم الابتهاج والاحتفال لدى الملأ الأعلى. وبعبارات متوهجة يصف حالة الاستبشار فيما بين سكان الجنة العليا وهم يحتفلون ويسرون بنهاية الفرح بانتصار الشهداء على أعدائهم. فلا هجمة الطاغية الحاكم المتعطش للدم ولا ضراوة العدو المتوحش قد أفلح في إخماد إيمانهم وحماسهم أو إطفاء نار حبهم ربهم المشتعلة في قلوبهم. بل إن استقامتهم وثباتهم في وجه مثل هذه المعاملة الوحشية قد منحت أمر الله قدرات وإمكانات هائلة.
يصف حضرة بهاء الله في هذا اللوح ظروف استشهاد السبعة بالتفصيل، ويعرض قصة كل واحد منهم. عن الملاّ علي السبزواري، أحدهم، يقول حضرته بأن رجل الله العظيم هذا قد أعلن عن أمر الله في لحظة استشهاده، وشهد بأحقيته بدم حياته. فقبل قطع رأسه صاح بصوت عال لجماهير الناس الهائجة الذين تجمعوا حوله، ناطقاً بهذه الكلمات: ‘إن الحسين حين قرب استشهاده على سهل كربلاء خاطب مَنْ حوله منادياً: “هل من ناصر ينصرني؟” أمّا أنا فأقول لكم: “هل من ناظر ينظرني؟”’ لذا فإن حضرة بهاء الله يمطر عليه الثناء والتمجيد إذ نطق بهذه الكلمات.
إن هذا اللوح ذو دلالة هامة من حيث تصويره لفظائع العذاب والمحن والاضطهاد الذي أنزله سكان إيران بالمؤمنين. فيما يلي فقرة من اللوح:
“يا تايمز يا مظهر البيان ومطلع الأخبار، أنفقي ساعة لمظلومي إيران وانظري مشارق العدل ومطالع الإنصاف مبتلون تحت أسياف أصحاب الاعتساف. لقد حرموا الأطفال من اللبن وألقوا النساء أسارى بأيدي الأشقياء. قد اصطبغت الأرض بدم العشاق وزفرات المقربين أشعلت عالم الوجود.
يا معشر الملوك أنتم مظاهر القدرة والاقتدار ومشارق العزة والعظمة لله الحق، فانظروا إلى حال أولئك المظلومين. يا مظاهر العدل قد أطفأت أرياح الضغينة والبغضاء مصابيح البر والتقوى. في الصباح هبّ نسيم الرحمة الرحمانية ومرّ على الأجساد المحروقة المطروحة ومن هزيز ذلك النسيم سُمعت هذه الكلمات العاليات: ويْحَكُم ويحكم يا أهل إيران قد سفكتم دم أحبائكم ولا تشعرون. لو عرفتم ما عملتم لتوجهتم إلى البيداء ونُحْتُم وندبتم من عملكم ومن ظلمكم.
أيها الحزب الضال! ماذا ارتكب الأطفال؟ هل ترحّم أحد في تلك الأيام على نساء وأطفال أولئك المظلومين؟ بلغنا أن بعض أتباع حزب حضرة الروح عليه سلام الله ورحمته قد أرسلوا خفية بعض القوت بمحض الشفقة على المظلومين. نسأل الحق أن يؤيد الكل على مرضاته.
يا أيتها الصحف في المدن والديار! هل سمعتم حنين المظلومين وندبتهم؟ أم أنها بقيت مستورة. عسى الله أن تتحروا الأمر وتنشروه…”(13)
أنزل حضرة بهاء الله هذا اللوح([1]) المشهور بالعربية على جبل الكرمل وهو من أخطر وأهم ما أنزله خلال ولايته. كانت أول زيارة قام بها حضرة بهاء الله لحيفا في عام 1868م عندما رست الباخرة النمساوية لويد هناك صباح يوم 31 آب. كانت حيفا يومها بلدة صغيرة. فنزل حضرته من الباخرة وبقي على الشاطئ ساعات قليلة ثم عاد لمواصلة الرحلة إلى نهايتها في مدينة النفي والسجن عكاء. بعد مضي خمسة عشر عاماً، وحينما انتقل حضرته وأقام في قصر البهجة، ذهب إلى حيفا في زيارة قصيرة حيث مكث في منزل في مستعمرة الهيكليين الألمان. وكما ورد في مجلد سابق،([2]) فإن جماعة من هذه الطائفة الدينية الألمانية، ممن كانوا يتوقعون عودة حضرة المسيح، قصدوا الأرض الأقدس حيث شيدوا لهم منازل على سفح جبل الكرمل، إلاّ أنهم لم يعرفوه عندما ظهر وأقام بين ظهرانيهم. هذا علماً بأن حضرة بهاء الله قد سكن في بيوتهم وأنزل لوحاً إلى رئيسهم. ومع ذلك ظلوا محرومين من عرفان مجيء يوم الله. وكانت الزيارة الثالثة لحضرته إلى حيفا سنة 1890م عندما أقام مرة أخرى في مستعمرة الألمان، والزيارة الرابعة، قبل صعوده بنحو سنة، كانت في عام 1891م حيث مكث قرابة ثلاثة أشهر في تلك المنطقة.
من المعتقد أنه في هذه المناسبة توجّه حضرة بهاء الله إلى مغارة إيليا على جبل الكرمل. ومنذ بضعة قرون خلت كانت إحدى النظم الكنسية قد أقامت عليه ديراً بناء على توقعهم بأن حضرة المسيح، العائد بمجد الأب، سيبارك المكان بمجيئه. فليس من المستغرب، كما كان حال الهيكليين الألمان، أن لا نجد أحداً من رهبان هذا الدير أيضاً يميز أو يعترف بمقام حضرة بهاء الله عندما زار ذلك الموقع. وقد نصب حضرة بهاء الله خيمته قرب الدير وهناك أنزل “لوح الكرمل”. ومن المعروف جيداً أنه سيقام في المستقبل مشرق أذكار في ذلك الموقع.
يحتوي هذا اللوح على إشارات ذات دلالات هامة تخص تأسيس مركز الدين العالمي ويعتبر بذلك دستوراً له. ولم يكن في الظاهر، قبل نزول هذا اللوح، أي مرجع في كتابات حضرة بهاء الله بشأن المقر العالمي لنظمه المحيط بالعالم. ومنذ لحظة تبريكه لجبل الرب بمواطئ أقدامه انطلقت في العالم قوى خفية غيبية من أجل تحقيق وخلق المركز الروحي والإداري لدين الله، مركز ستنبعث وتشع منه كوامن الطاقات المحيية للعالم التي ينطوي عليها ظهوره، ستشع منه لأهل الأرض جميعاً.
يتحاور حضرة بهاء الله في “لوح الكرمل” مع جبل الكرمل. وهذا ليس بشيء غير مألوف، فحضرته يستعمل أسلوباً مماثلاً في ألواح أخرى في حواره مع بعض المدن أو المواقع – مثلاً خطابه لأرض الطاء([3]) (طهران)، أو حواره مع مدينة بيت لحم النازل في “اللوح الأقدس”.([4]) والحوار في “لوح الكرمل” جميل كما هو عميق المعنى ومثير للعقل والعاطفة في الوقت نفسه. فالصورة الذهنية السامية التي رسمها تبدأ بذاته العليا نفسها عندما وجّه خطاه صوب الكرمل، والفصل الأول في هذا المشهد الإلهي يبدأ عندما يرتفع نداء “الأشياء” مخاطبة الكرمل. بعد ذلك يأتي رد الكرمل بعبارات الابتهاج والتهليل والحمد والشكر لربها ويليه أخيراً استجابة حضرة بهاء الله. والفقرة الافتتاحية لهذا اللوح ترفع الستار عن هذا المشهد المجيد:
“حبذا هذا اليوم الذي فيه تضوعت نفحات الرحمن في الإمكان. حبذا هذا اليوم المبارك الذي لا تعادله القرون والأعصار. حبذا هذا اليوم إذ توجه وجه القدم إلى مقامه إذاً نادت الأشياء وعن ورائها الملأ الأعلى. يا كرمل انزلي بما أقبل إليك وجه الله مالك ملكوت الأسماء وفاطر السماء.”(1)
يا لسحر مفهوم نداء الأشياء وإخبارها بقدوم حضرة بهاء الله، ويا لجمال دعوتها بالقول: “يا كرمل انزلي بما أقبل إليك وجه الله مالك ملكوت الأسماء وفاطر السماء.” يمجّد حضرة بهاء الله في هذه الفقرة ظهوره ويبين بجلاء كيف أن بحضوره هناك قد اختار جبل الكرمل “مقر عرشه”. إن المقر هو علامة ظاهرة، والعرش يحكي عن جلاله وسلطانه المكنونين.
بطبيعة الحال، فإن نداء الأشياء آنف الذكر لم يكن مما يُسمع بالأذن المادية، ناهيك بكونه خطاباً إلى الجبل. فهذه الظاهرة الروحية لا تتوفر لغير مظهر أمر الله. ومع ذلك، فإنه من المثير للاهتمام أن نلاحظ تصريح حضرة بهاء الله في ما لا يعد من المناسبات بأن كل الأشياء كذرّات الأرض، وقطرات البحر والأحجار والأشجار قد اهتزت من قوة وأثر ظهوره. مثلاً في “اللوح الأقدس” يشهد بأن “كل حجر وشجر يصيح بأعلى النداء قد أتى الرب ذو المجد الكبير.“(2)
في لوح(3) آخر يعرب حضرته عن دهشته لأن عالم الجماد اهتز من “نفحات بيان مالك الإيجاد” في هذا اليوم بينما أغلب “الأنام محرومون”. وعندما أبحر حضرة بهاء الله من ﮔليپولي إلى عكاء أشار في لوح(4) بقوله أنه عندما ركب الرب فوق البحر “سمعنا من كل قطرة منه ما لا يقدر أحد أن يسمعه“. ونحن كبشر لسنا في وضع يمكننا من رؤية أو سماع تعبيرات كهذه من كائنات هامدة. لذا فليس هناك ما هو أفضل من أن نعترف بعجزنا عن إدراك هذه البيانات على الصعيد المادي، لكن في الوقت ذاته نسعى لنتفهم مغزاها الروحي.
من جهة أخرى، فإن كافة الموجودات في الكون مرتبطة بنحو ما مع بعضها البعض، وكل مخلوق، بما في ذلك الذّرّة، لا بد وأن له علاقة ما بخالقه. لكن كيف تقوم تلك الصلة بينهما، هذا ما لن نعرفه. أثبت العلم أن أمورًا كثيرة تحدث حولنا لا يمكن للجسم البشري أن يشعر بها. على سبيل المثال، ولو أن الحواس البشرية غير قادرة على تسجيل الموجات الكهرومغناطيسية، إلاّ أننا منغمسون فيها. وقد اكتشف العلماء أخيراً أن الأشجار تتواصل مع بعضها البعض، ولكن كيف يتم ذلك فلم يُعرف بعد. وأثبتوا هذا بتعريض الشجرة إلى هجوم سرب من حشرات. لاحظوا بعد ذلك أن جميع الأشجار الأخرى الواقعة ضمن مساحة كبيرة (من تلك الشجرة) تُغيِّر، نتيجة لتلك العملية، من تركيبها الكيميائي استعداداً لهجوم مماثل. لكن حواسنا عاجزة عن اكتشاف مثل هذه الاتصالات.
إذا كان الأمر كذلك، أفلا يمكننا الاعتقاد بوقوع رد فعل مماثل من قبل قطرات البحر، كما شهد حضرة بهاء الله، وهو الذي تجلت فيه روح الله الأعظم، حينما كان راكباً على سطح مياهه؟ أو هل يصعب علينا القول، بعد هذا، بأن جبل الكرمل كذلك كان قد عبر، بلغة لا يعرفها سوى خالقه، عن شعور البهجة حينما سار حضرة بهاء الله على ترابه؟ لكن من ذا الذي يعرف الإجابة عن هذه الأسئلة؟ ومهما يكن لهذه البيانات والإشارات من معنى وترمي إليه من مغزى في ذهن المؤمن، فلنتذكر بأن حضرة بهاء الله قد ذكرها تكراراً في كتاباته. ثم إنه لا يصح النظر إلى الله وخلقه من خلال نظرتنا بكل ما فيها من ضيق ومحدودية. فمن ذا الذي يعرف طرائق عمل الله الخفية خلال هذا الكون الشاسع المترامي؟ ومن ذا الذي يعرف بأي وسيلة تستجيب جميع الكائنات مع خالقها؟
لأجل تفهم ودراسة “لوح الكرمل” من خلال منظور بسيط ونيّر، ينبغي اعتبار الحوار بين الجبل وحضرة بهاء الله على أنه وسيلة للتعبير عن الخطة الإلهية بلغة الرمز. وما تلك الخطة إلاّ إنشاء العرش الجليل لسلطنته الروحية والزمنية على ذلك الجبل. فيخاطب الجبلُ، في هذا الحوار، حضرةَ بهاء الله بهذا النحو:
“إذاً أخذها اهتزاز السرور ونادت بأعلى النداء نفسي لإقبالك الفداء ولعنايتك الفداء ولتوجهك الفداء قد أهلكني يا مطلع الحيوة فراقك وأحرقني هجرك. لك الحمد بما أسمعتني ندائك وشرفتني بقدومك وأحييتني من نفحات أيامك وصرير قلمك الذي جعلته صوراً بين عبادك فلما جاء أمرك المبرم نفخت فيه إذاً قامت القيامة الكبرى وظهرت الأسرار المكنونة في خزائن مالك الأشياء.”(5)
إن الدلالة الحرفية لهذه الكلمات هي أنه قبل أن يبارك حضرة بهاء الله بقدميه ذلك الموقع ويشرف تلك البقعة بقدومه، لم يكن جبل الكرمل سوى كومة من الصخور والأنقاض وسط قفر موحش. لذا كان أول رد في الفقرة أعلاه: “قد أهلكني يا مطلع الحيوة فراقك وأحرقني هجرك.” لكن حضرة بهاء الله يبادر فيطمنه – الجبل – بانقلاب قريب من مشهد هجر وحزن إلى سرور وابتهاج: “طوبى لكِ بما جعلكِ الله في هذا اليوم مقر عرشه ومطلع آياته ومشرق بيناته… خذي كأس البقاء باسم ربكِ الأبهى ثم اشكريه بما بدل حزنكِ بالسرور وهمّكِ بالفرح الأكبر.” والآن فلنرَ إلى أي مدى ووضوح ينطبق هذا مع رؤيا إشعياء:
“تفرح البرية والأرض اليابسة ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس. يزهر أزهاراً ويبتهج ابتهاجاً ويرنم. يدفع إليه مجد لبنان. بهاء كرمل وشارون. هم يرون مجد الرب بهاء إلهنا.”(6)
وهكذا نجد أن ليس هناك أي التباس أو غموض في بيانات حضرة بهاء الله هذه فيما يخص الموقع والمقر العالمي لدينه. فمنذ لحظة نزول هذا اللوح، قُدر لجبل الكرمل أن يزدهر ويصبح المركز العالمي لدين عالمي، وقد سبق أن أقيمت فعلاً أولى مراحله. بهذه الكلمات يخاطب حضرة بهاء الله الكرمل:
“فلما بلغ ندائها إلى ذاك المقام الأعلى قلنا يا كرمل احمدي ربك قد كنتِ محترقة بنار الفراق. إذاً ماج بحر الوصال أمام وجهكِ بذلك قرّت عينكِ وعين الوجود وابتسم ثغر الغيب والشهود طوبى لكِ بما جعلكِ الله في هذا اليوم مقر عرشه ومطلع آياته ومشرق بيناته. طوبى لعبد طاف حولكِ وذكر ظهوركِ وبروزكِ وما فزتِ به من فضل الله ربكِ. خذي كأس البقاء باسم ربكِ الأبهى ثم اشكريه بما بدّل حزنكِ بالسرور وهمّكِ بالفرح الأكبر رحمة من عنده إنه يحب المقام الذي استقر فيه عرشه وتشرف بقدومه وفاز بلقائه وفيه ارتفع ندائه وصعدت زفراته.”(7)
مع إن خطاب حضرة بهاء الله في هذا اللوح موجّه إلى الكرمل، وعدة فقرات منه تتعلق بتأسيس مركز الدين العالمي، لكن في الحقيقة يخصّ حضرته أتباعه أيضاً في ثنايا خطابه. بل هناك في الواقع عدة معانٍ مستورة في هذا اللوح بإمكان المؤمنين إدراكها بالتوجه إلى حضرة بهاء الله في ابتهال وتأمل خاشع. هذا ولن يكون مناسباً لنا أن نخوض في تفسيرات للفقرات الكثيرة الزاخرة بالحكمة الإلهية والتي تنبئ بأحداث كبرى، وعلى كل فرد مؤمن تعميق نفسه في معرفة الدين واكتشاف ما يستتر فيه من معان ومرام هامة وذلك من خلال الصلاة والدعاء المقرون بالدراسة العميقة لآثاره الكتابية. ويحق لكل مؤمن أن يكتشف تفسيراته الخاصة والتي يجب، على أي حال، أن تبقى أمراً شخصياً، علماً بأن ما يتوصل إليه من تفسيرات سوف لن تكون موثوقة معتمدة ما لم تتفق وتفسيرات المولى وولي أمر الله.
فيما يلي الفقرات الختامية من “لوح الكرمل”:
“يا كرمل بشري صهيون قولي أتى المكنون بسلطان غلب العالم وبنور ساطع به أشرقت الأرض ومن عليها. إيّاك أن تكوني متوقفاً في مقامكِ أسرعي ثم طوفي مدينة الله التي نزلت من السماء وكعبة الله التي كانت مطاف المقربين والمخلصين والملائكة العالين وأحبُّ أن أبشر كل بقعة من بقاع الأرض وكل مدينة من مدائنها بهذا الظهور الذي به انجذب فؤاد الطور ونادت السدرة الملك والملكوت لله رب الأرباب. هذا يوم فيه بُشّر البحر والبر وأُخبِرَ بما يظهر من بعد من عنايات الله المكنونة المستورة عن العقول والأبصار. سوف تجري سفينة الله عليكِ ويظهر أهل البهاء الذين ذكرهم في كتاب الأسماء.
تبارك مولى الورى الذي بذكره انجذبت الذرات ونطق لسان العظمة بما كان مكنوناً في علمه ومخزوناً في كنز قدرته إنه هو المهيمن على من في الأرض والسماء باسمه المقتدر العزيز المنيع.”(8)
إن الجزء الأول من الفقرة أعلاه: “يا كرمل بشري صهيون قولي أتى المكنون” يمكن اعتباره أمراً من قبل حضرة بهاء الله يدعو إلى القيام على إعلان أمره للبشر كافة.
أمّا شوق حضرة بهاء الله لأن يبشر “كل بقعة من بقاع الأرض وكل مدينة من مدائنها” بظهوره فيمكن القول بأنه قد شرع بتحقيقه فعلاً ومبدئياً خلال ولاية حضرة عبد البهاء وذلك بصدور “ألواح الخطة الإلهية”. في تلك الألواح، التي بلغت بمجموعها أربعة عشر لوحاً وتشكّل بمضمونها دستور تبليغ أمر الله، خاطب حضرة عبد البهاء بهائيي أمريكا الشمالية. اوضح فيها معالم خطة تبليغ تحيط بالعالم كله، وقد أدرج حضرة شوقي أفندي فيما بعد مراحلها الأولية التمهيدية في شكل خطط قطرية متتابعة تلتها كبراها التي عرفت بخطة جهاد العشر سنوات. وبتحقيق الأخير وبفضله بلغت رسالة حضرة بهاء الله إلى كافة بقاع المعمورة تقريباً. وستستمر هذه العملية حتى يتحقق ما جاء في كلمات حضرة بهاء الله في “لوح الدنيا” إذ يتفضل قائلاً:
“إن خيمة الأمر الإلهي عظيمة ولم تزل تبقى مظللة على جميع أحزاب العالم.”(9)
إن أكثر أجزاء “لوح الكرمل” أهمية هو الآية التالية:
“أسرعي ثم طوفي مدينة الله التي نزلت من السماء وكعبة الله التي كانت مطاف المقربين والمخلصين والملائكة العالين.”(10)
وقد فسّر حضرة شوقي أفندي معنى “مدينة الله” و“كعبة الله” على أنها ضريح حضرة الباب على جبل الكرمل. إن القوى الغيبية التي انطلقت بنزول “لوح الكرمل” من أجل تنفيذ المشروع الجبار المتمثل بنقل رفات حضرة الباب ثم بناء مقام له، تحوّلت إلى واقع ملموس حال نزول ذلك اللوح تقريباً. فقصد حضرة بهاء الله في يوم من الأيام موقعاً في قلب الجبل حيث نمت فيه مجموعة من أشجار السرو بشكل دائري وفي مركزها نصبت خيمة حضرته بينما كان حضرة عبد البهاء حاضراً في خدمته. وقد وصف حضرة شوقي أفندي تلك المناسبة بهذه الكلمات:
وفي تلك السنة ارتفعت خيمة حضرة بهاء الله – ”خباء المجد” – على جبل الكرمل “كوم الله وكرمه” موطن إيليا الذي مجدّه إشعياء بأنه “جبل الرب” الذي “تجري إليه كل الأمم”.(11)
استناداً لبيان شاهد عيان فإنه حينما كان حضرة بهاء الله متوجهاً صوب الشرق وحضرة عبد البهاء صوب الغرب، أشار لسان العظمة بتوجيهات إلى المولى لنقل رفات حضرة الباب من إيران إلى الأرض الأقدس وإيداعها في مقام تحت أجمة من أشجار السرو في البقعة التي أشار إليها بيده المباركة. وهكذا ابتدأت الخطوة الأولى لهذا المشروع المقدس من قبل حضرة بهاء الله نفسه.
وقد مضت قرابة ثماني سنوات قبل أن يتمكن حضرة عبد البهاء من اتخاذ الترتيبات لنقل رفات حضرة الباب. وصل التابوت المحتوي على الرفات المقدسة إلى عكاء يوم 31 كانون الثاني عام 1899م. بعد مرور عشر سنوات، في نوروز([5]) عام 1909م قام حضرة عبد البهاء، بحضور عدد من الأحباء من الشرق والغرب، بوضع الصندوق الخشبي داخل تابوت من المرمر ثم أنزل هذا في قبو بني خصيصاً للغرض داخل إحدى الغرف الست التي سبق أن شيدها حضرته لهذا الغرض.([6]) في لوح بشّر المؤمنين بهذا الخبر بالكلمات التالية:
“إنما البشارة الكبرى هي أن هيكل حضرة الأعلى… قد استقر بفضل الجمال الأبهى في يوم النيروز بتمام الاحتفال وكمال الإجلال والجمال على جبل الكرمل في المقام الأعلى في الصندوق المقدس بعد أن ظل ينتقل من مكان إلى مكان ستين عاماً لتسلط الأعداء والخوف من أهل البغضاء… ومن عجيب الصدف أن تصل برقية من شيكاغو في يوم النيروز نفسه تفيد بأن أحباء أمريكا انتخبوا عن كل مدينة وكيلاً وبعثوه إلى شيكاغو… وعينوا موقع مشرق الأذكار وكيفية بنيانه.”(12)
في عام 1948م شرع حضرة شوقي أفندي بالإعداد لإنشاء الهيكل العلوي الخارجي لمقام حضرة الباب. وقد أرسل في أثناء عملية بنائه عام 1951م رسالة إلى الأحباء الأمريكيين تحمل هذا الوصف:
لا أستطيع في هذه المرحلة الحاسمة أن أبالغ في التأكيد على قداسة ذلك التراب المقدس الذي أودع في قلب كرم الله (الكرمل)، أو أن أستزيد من تقدير القدرات التي تفوق التصور لهذه المؤسسة الجبارة التي تأسست منذ ستين سنة، بإرادة واختيار مؤكد من قبل مؤسس ديننا، في مناسبة زيارة حضرته التاريخية لذلك الجبل المقدس، كما لا يسعني الزيادة في التأكيد على الدور الذي قرر لهذه المؤسسة، والذي سيزيد منه حتماً ما يجري حالياً من تشييد الهيكل العلوي الخارجي لهذا الصرح زيادة لم يسبق لها مثيل، أن تلعبه في مراحل انكشاف تطور المركز الإداري العالمي لدين حضرة بهاء الله وكذلك في إزهار أعلى مؤسساته المكونة لجنين نظمه العالمي المقبل.
إذ كما في الصعيد الروحي حيث نادى صاحب الظهور البهائي بحضرة الباب معرّفاً حقيقته الغيبية على إنها “النقطة التي تطوف حولها حقائق المرسلين”، فإن رفاته المقدسة، على الصعيد المادي المشهود، تشكل قلب ومركز ما يمكن اعتباره منظومة من تسع دوائر متحدة المركز،([7]) موازية بذلك ومزيدة في تأكيد الرتبة والمقام المركزي الذي وهبه مؤسس ديننا لمن “جعله الله مصدر علم ما كان وما يكون”، “النقطة الأولى التي بعثت منها كل الكائنات”.(13)
بحلول عام 1953م أكمل حضرة شوقي أفندي إنشاء الهيكل العلوي الخارجي لمقام حضرة الباب. والآن تقف “مدينة الله… وكعبة الله التي كانت مطاف المقربين والمخلصين والملائكة العالين”، بجلال مشهود في حضن جبل الرب.
وصف حضرة شوقي أفندي المقام في برقية إلى العالم البهائي يقول: “ملكة الكرمل تتوج الآن جبل الرب بتاج مذهب متلألئ ورداء ناصع البياض يلفه حزام أخضر زمردي، وتسر كل ناظر سواء من الجو أو البحر أو السهل أو الجبل.”(14)
فقرة هامة أخرى في “لوح الكرمل” هي:
“سوف تجري سفينة الله عليك ويظهر أهل البهاء الذين ذكرهم في كتاب الأسماء.”(15)
في الكتابات البهائية غالباً ما تستعمل كلمة “الفلك” أو “السفينة” إشارة لأمر الله، أو العهد، بينما حضرة بهاء الله في هذا المجال والتشبيه، هو ملاح القدس. مثلاً، نجد أن حضرة الباب، في كتاب “قيوم الأسماء”، قد أثنى على جامعة الاسم الأعظم، البهائيين، ووصفهم بـ”أصحاب السفينة الحمراء”. لكن “السفينة” في “لوح الكرمل”، وفق تفسير حضرة شوقي أفندي، تعني شريعة الله. ويبين أن جريان السفينة على جبل الكرمل هو إشارة إلى تأسيس بيت العدل الأعظم، الهيئة التشريعية البهائية العليا ومنها تجري أحكام الله إلى البشرية جمعاء. ويشير حضرة شوقي أفندي أيضاً إلى أعضاء بيت العدل الأعظم بأنهم ركّاب السفينة الوارد ذكرهم في “لوح الكرمل”. وفي حين أن بيت العدل الأعظم هو الجهاز الرئيس ضمن مركز الإدارة للدين. إلاّ أن هناك مؤسسات أخرى تشكل جزءاً من هذا المركز العالمي.
مرة أخرى نجد أن أنبياء بني إسرائيل توقعوا هذه الأحداث منذ آلاف السنين، كما في المقتبس التالي من إشعياء:
“ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه كل الأمم. وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلمّ نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فيعلّمنا من طرقه ونسلك في سبيله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب. فيقضي بين الأمم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل. لا ترفع أمة على أمة سيفاً ولا يتعلمون الحرب في ما بعد.”(16)
كانت الخطوة الأولى التي اتخذها حضرة شوقي أفندي لتأسيس المركز الإداري البهائي العالمي، امتلاك الأراضي المجاورة لمقام حضرة الباب على جبل الكرمل، ثم نقل رفات حضرة الورقة المباركة العليا، ابنة حضرة بهاء الله، وأنبل امرأة في الدورة البهائية، إلى تلك البقعة المقدسة. وتبع ذلك نقل رفات الغصن الأطهر، “الذي خلق من نور البهاء”، الابن الشهيد لحضرة بهاء الله، والذي فداه والده عسى أن يكون “فداء من أجل وحدة الجنس البشري”، وكذلك نقل رفات والدته، نواب القديسة، حيث تم دفنهم في البقعة نفسها.
الخطوة التالية التي اتخذها حضرة شوقي أفندي كانت إنشاء قوس على سفح الجبل يحيط بتلك المقامات ويواجه في الوقت نفسه قبلة أهل البهاء. كان الغرض من القوس أن تبنى عليه مختلف المنشآت المكوّنة للمركز الإداري العالمي بما فيها صرح بيت العدل الأعظم، وذلك لإيواء مؤسسات هذا المركز العالمي. إن أولى الخطوات التمهيدية لإنشاء الأخير اتخذت حين أقيم على أرض القوس المذكور صرح دار الآثار العالمية، وقد أكمل حضرة شوقي أفندي ذلك البناء عام 1957م. ومنذ تلك السنة تم إنشاء صرح بيت العدل الأعظم، ومن المزمع الآن بناء منشآت أخرى لتستقر فيها تلك المؤسسات المتبقية لأجل إتمام المركز الإداري البهائي العالمي.
وطبقاً لتفسير حضرة شوقي أفندي، فإن تأسيس عرش الله المذكور في “لوح الكرمل” لا يعني سوى إقامة هذا المركز العالمي على جبل الكرمل. يكتب عن ذلك:
ولو أننا قدرنا دلالة إضافة تلك المراقد الثلاثة، تحت ظل حرم حضرة الباب الرابض في صدر الكرمل قبالة المدينة البيضاء الناصعة البياض عبر خليج عكاء قبلة العالم البهائي تحيط بها كلها الحدائق الرائعة الحسن الفذة الجمال، حقّ قدرها لوجدنا أنها مما يعزز النفوذ الروحي للبقعة التي عيّنها حضرة بهاء الله مستقراً لعرش الله، ولوجدنا أيضاً أن تلك الإضافة تشير إلى مرحلة أخرى من مراحل الطريق المفضي آخر الأمر إلى إقامة المركز الإداري العالمي الدائم للجامعة البهائية العالمية المقبلة، ذلك المركز الذي من شأنه ألاّ ينفصل قط عن مركز الدين الروحي، وأن يعمل معه جنباً إلى جنب في أرض يقدسها أتباع ثلاثة أديان من أبرز أديان العالم.(17)
إن المركز الروحي على جبل الكرمل هو مقام حضرة الباب، “البقعة التي يطوف حولها الملأ الأعلى”. والمركز الإداري يربض في ظل ذلك المقام المقدس. والاثنان معاً يؤلفان المركز البهائي العالمي على جبل الكرمل.
في الأديان السابقة كان المركز الروحي منفصلاً دوماً عن المركز الإداري. في المسيحية، مثلاً، ابتعدت الإدارة الدينية عن الأرض المقدسة، مهدها وموطنها الروحي. وحدث هذا الانقسام في الإسلام أيضاً، فعاصمة الخلافة، جهاز الحكم والسلطة الزمنية، كانت بعيدة جداً عن مكة المكرمة. إن هذا الانفصال بين المركزين الروحي والإداري في الأديان السابقة يمكن اعتباره انعكاساً للفرقة والانقسام فيما بين أتباعها إذ تفرقوا إلى مذاهب وعقائد شتى. إن إحدى سمات الدين البهائي المميزة هي أن مركزيه الروحي والإداري متحدان وثابتان على الدوام في جبل الرب. والمرجع الأصل في هذا هو ما أنزله حضرة بهاء الله في “لوح الكرمل”، وهو نفسه الذي أطلق القوى الغيبية الروحية لتحقيقه. وما توارد إقامة مؤسسات أمر الله العالمية في الأرض الأقدس إلاّ دليلاً على التحامها وعدم انفصالها عن المركز الروحي. وما وحدة الكيانين إلاّ رمزاً لوحدة الجامعة البهائية في العالم أجمع، وهي الوحدة المقدر لها أن تحتضن كافة البشر وسيبقى تحقيقها داخل المجتمع الإنساني أهم أهداف ظهور حضرة بهاء الله وغاياته في هذا العصر.
في إحدى مراسلاته مع العالم البهائي، يبسط حضرة شوقي أفندي رؤيته لتطور مركز أمر الله العالمي، كاشفاً بذلك لمحات من مشاهد مجيدة لا يمكن تخيلها تنتظر أجيال المستقبل:
إن إقامة هذا الصرح([8]) سيشكل بدوره بادرة تتبعها عملية إنشاء، عبر عهود متعاقبة ضمن عصر التكوين للأمر، عدة مبان أخرى تكون كل منها مقراً إدارياً لمؤسسات مُنزلة إلهياً مثل ولاية أمر الله، وأيادي أمر الله، وبيت العدل الأعظم. وسوف تحيط هذه الصروح، المقامة فوق موقع بهيئة قوس دائري واسع، والمصممة على طراز معماري متسق، بمراقد كل من الورقة المباركة العليا، أشرف نساء الدورة البهائية، وأخيها، الذي فداه حضرة بهاء الله لأجل إحياء العالم وتوحيده، وأمهما، التي صرح بأنها ستكون “صاحبة لحضرته في كل عالم من عوالم الله”. إن اكتمال هذا الإنجاز الهائل أخيراً سيمثل انتهاء تطور عالمي الاتساع لنظم إداري مُنزل إلهياً والذي ترجع بوادره الأولى إلى السنوات الختامية للعصر البطولي لهذا الدين.
إن هذه العملية الهائلة الجارفة التي تتحدى أي مقاومة، والفريدة من نوعها في تاريخ البشرية الروحي، والتي سوف تتزامن مع تطورين لا يقلان مغزى وأهمية – تأسيس الصلح الأصغر وتطور المؤسسات البهائية المركزية والمحلية – الأول خارج العالم البهائي والآخرين داخله. هذه العملية سوف تبلغ منتهى اكتمالها، في العصر الذهبي للدين، وذلك برفع راية الصلح الأعظم، وانبثاق المركز الرئيس للوكالات المؤلفة لنظم حضرة بهاء الله العالمي، انبثاقها في ذروة قوتها وعظمتها. أمّا التأسيس النهائي لهذا المقر للاتحاد العالمي البهائي المقبل فسوف يشير في آن واحد إلى إعلان سلطنة مؤسس ديننا ومجيء ملكوت الآب الذي مجّده مراراً ووعد به السيد المسيح.
وهذا النظم العالمي بدوره سوف يؤتي، عبر دورات متعاقبة للكور البهائي، بأطيب ثمرة له وذلك بميلاد حضارة موحاة من السماء، فريدة المعالم، عالمية المدى، وروحانية في أسسها وطبيعتها – حضارة مقدر لها وهي تتكشف تدريجاً بأن تستمد دوافعها المبدئية من تلك الروح التي تبعث الحياة في المؤسسات التي ما تزال الآن تتململ في مرحلتها الجنينية، داخل رحم العصر التكويني الحاضر.(18)
أنزل حضرة بهاء الله هذا اللوح الخطير في السنة الأخيرة من حياته الأرضية. وهو موجّه إلى الشيخ محمد تقي، المعروف بـ”آقا نجفي”، ابن الشيخ محمد باقر الذي وصم من قلم حضرة بهاء الله بـ”الذئب”.([1]) بعد وفاة والده سنة 1883م، خلفه ابنه كأكبر مجتهد لإصفهان. كان هذا عدواً لدوداً وخصماً مرعباً لأمر حضرة بهاء الله، ومن أشر رجال الدين وأكثرهم فساداً، وقد تحقق فيه القول المأثور: “الولد سر أبيه”. وقد استحق فعلاً لقب “ابن الذئب”.
في أيام شبابه تعاون مع والده في اتباع سياسة قتل البهائيين. وكان هو الذي شمر عن ذراعيه في مناسبة استشهاد “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء”، وأعلن استعداده لتنفيذ إعدامهما إذا رفض الجلاد الرسمي التعاون. وبمجرد توليه منصبه شرع بالتحريض وإصدار الأوامر المباشرة بخلق أعمال الشغب والهيجان ضد البهائيين في إصفهان والبلدات المجاورة. وبأمر منه لقي العديد من المؤمنين مصرعهم، وفي سنة 1903م كان المحرض الرئيس على اضطرابات يزد، أفظع مجزرة ضد البهائيين منذ حمام دم طهران في سنة 1852م.
لرجل مثل هذا، الذي كان يرتكب أشنع الجرائم ضد أتباع حضرة بهاء الله في إيران، بعث حضرته بهذا اللوح الخطير. والفقرة الافتتاحية منه ترفع الحمد والثناء لله، والثانية في ثناء حضرة بهاء الله بصفته “الواسطة الكبرى“، “القلم الأعلى” و”مطلع أسمائه الحسنى“، و”مشرق صفاته العليا“. بعد إعلانه عن مقامه لآقا نجفي بصراحة لا غموض فيها، يعلن حضرة بهاء الله في الفقرة التالية بأن “الآذان خلقت لإصغاء النداء في هذا اليوم“، وينصحه: “في أول الأمر طهّر نفسك بماء الانقطاع وزيّن رأسك بإكليل التقوى وهيكلك بطراز التوكل على الله ثم قم عن مقامك مقبلاً إلى البيت الأعظم”، وأن يتلو دعاء أنزله خصيصاً له.
من ملاحظة الطريقة التي استمر فيها آقا نجفي في معارضته لدين الله بعد تسلّمه هذا اللوح، يمكننا تخيل مدى غضبه حين قراءته الفقرات الثلاث الأولى. وقراءة الدعاء المطوّل الوارد بعدها لا بد وأنه أغاظه أكثر. ومع أن إنزال هذا الدعاء، وفي الواقع اللوح كله، ما هو إلاّ سعي صادق أصيل من جانب حضرة بهاء الله لهداية روحه الضالة إلى الله، فإن الدعاء نفسه يحتوي خير وصف لسيرة حياة آقا نجفي الشائنة. ونجد بين بعض الفقرات الجميلة عبارات زجرية كالمقتبسة أدناه، والتي ينصحه فيها حضرة بهاء الله بتلاوتها بروح الضراعة والخشوع سائلاً الله عفوه وغفرانه لأفعاله الشريرة:
“أشهد يا إلهي وسلطاني بأنك خلقتني لذكرك وثنائك ونصرة أمرك وإني نصرت أعدائك…
آهٍ آهٍ من غفلتي وخجلتي وخطيئتي وجريرتي… فآهٍ آهٍ ثم آهٍ آهٍ من سوء حالي وكبر عصياني قد أظهرتني يا إلهي لإعلاء كلمتك وإظهار أمرك ولكن غفلتي منعتني وأحاطت بي بحيث قمتُ على محو آثارك وسفك دماء أوليائك…
أي رب أي رب أي رب أي رب أي رب أي رب أي رب أي رب أي رب أشهد بظلمي سقطت أثمار سدرة عدلك وبنار عصياني احترقت أفئدة المقربين من خلقك وذابت أكباد المخلصين من عبادك فآهٍ آهٍ من شقوتي فآهٍ آهٍ من ظلمي فآهٍ آهٍ من بُعدي وغفلتي وجهلي وذلتي وإعراضي واعتراضي…
فآهٍ آهٍ إعراضي أحرق ستر عصمتي واعتراضي شق حجاب حرمتي. يا ليت كنتُ تحت أطباق التراب وما ظهر سوء أعمالي بين عبادك. أي رب ترى العاصي أقبل إلى مطلع عفوك وعطائك وجبل الظلم أراد سماء رحمتك وغفرانك فآهٍ آهٍ جريراتي العظمى منعتني عن التقرب إلى بساط رحمتك وخطيئاتي الكبرى أبعدتني عن ساحة قربك أنا الذي فرطتُ في جَنْبك ونقضتُ عهدك وميثاقك وارتكبتُ ما ناح به سكان مدائن عدلك ومطالع فضلك في بلادك أشهد يا إلهي إني تركتُ أوامرك وأخذتُ أوامر نفسي ونبذتُ أحكام كتابك وأخذتُ كتاب هواي فآهٍ آهٍ كلما زادت شقوتي زاد حلمك وكلما اشتعلت نار عصياني سَتَرَها عفوك وفضلك وعزتك يا مقصود العالم ومحبوب الأمم صبرك غرّني واصطبارك شجّعني…
قد أعطيتني لساناً لذكرك وثنائك وإنه نطق بما ذابت به أكباد المقربين من أصفيائك…
وأعطيتني بصراً لمشاهدة آثارك وملاحظة آياتك ومظاهر صنعك وإني نبذتُ إرادتك وعملتُ ما ناح به المخلصون من خلقك والمنقطعون من عبادك وأعطيتني سمعاً لأسمع به ذكرك وثناءك…
فآهٍ آهٍ إني تركتُ أمرك وأمرتُ عبادك بسبّ أمنائك وأوليائك وعملتُ أمام كرسي عدلك ما ارتفعت به زفرات الموحدين والمخلصين من أهل مملكتك…
فآهٍ آهٍ قد جُعِلَتِ المنابر لذكرك وارتفاع كلمتك وإظهار أمرك وإني ارتقيتُ إليها لإعلاء نقض عهدك وألقيتُ على العباد ما ناح به أهل سرادق عظمتك وسكان مدائن علمك…
وعزتك لم أدرِ من أي ذنب أستغفرك وأتوب إليك ومن أي ظلم أرجعُ إلى بساط جودك وساحة كرمك قد بلغت جريراتي وخطيئاتي مقاماً عجز المحصون عن إحصائها والمحررون عن تحريرها…”(1)
ما من أحد غير الله يمكنه مخاطبة رجل بهذا النحو ويكشف أمامه خطيئاته ومعاصيه. أمّا آقا نجفي فمن المؤكد أنه لم يخطر بباله لحظة واحدة بأن يرى نفسه وذاته في ضوء هذا الدعاء الكاشف لحقيقته، وظل كذلك طيلة حياته فوق هذه الأرض. لكنه دون شك اكتشف حقيقة نفسه في الآخرة، كأي ذات أخرى، وتبين له كم كان فادحاً وشنيعاً خطأه في حياته الدنيا.
من المعالم التي يمكن ملاحظتها في غالب فقرات “لوح ابن الذئب” هي روح النصح الودود الموجه من قبل حضرة بهاء الله. فليس هناك نية أو لغة انتقام في عالم الله. ومع أنه يخاطب أحد ألد أعدائه، يمكن مشاهدة رحمة الله وعطفه متجلية في خطابه إيّاه. فبينما يستنكر أفعاله الشريرة، يدعو له بالوقت نفسه عسى أن يغيّر أساليبه. وبينما يبدو أحياناً غاضباً عليه، إلاّ أنه أبعد ما يكون عن الانتقام أو الحقد في تصريحاته. وبينما يشجب مكائده، فإن كلماته لن تصل حد التطرف والمغالاة. إن تبيانه النزيه لتعاليمه، ووصفه الصريح لظروف ظهوره وحججه ودلائله العميقة في إثبات أحقية رسالته وبعثته، وملاحظاته وتعليقاته المتحدية الموجهة إلى خصومه، كل هذه نجدها محاكة في فقرات تعكس روحه الرحيمة ونصائحه السامية وحبه وعطفه اللامحدود لعباده أصدقاء كانوا أم أعداء.
يلاحظ في ألواحه أن حضرة بهاء الله يقتبس أحياناً مقاطع من كتاباته المنزلة سابقاً. لكن في “لوح ابن الذئب” يختلف الحال إذ أنه يحتوي على مجموعة واسعة جداً من مقتطفات من ألواحه السابقة اختارها بنفسه. في مجلدات سابقة([2]) بيّنا كيفية إنزال حضرة بهاء الله للألواح وكذلك كيف وهب لكاتب وحيه المقدرة على الإسراع بالكتابة ليواكب سرعة نزول كلمات الوحي الهاطلة. في حين أن أي مؤلف أو مصنف يبتغي اقتطاف جزء من مصدر ما يقوم عادة بالرجوع إلى ذلك المصدر ونقل المادة المطلوبة، إلاّ أن مُنزّل كلمة الله لا يتبع هذه الطريقة. فلا يعقل تصور حضرته إذا رغب اقتباس جزء من لوح سابق، أن يوقف جريان الوحي ويشير على كاتب وحيه بإدخال مقطع ما من الألواح بشكل مقتبس في ما كان يملي عليه. كما يجب أن نتذكر بأن خلال الأربعين عاماً من ولايته أنزل حضرة بهاء الله ما مجموعه خمسة عشر ألف لوح تقريباً. وأغلب هذه لم يكن من السهل يومها الحصول عليها حين الطلب، كما لم توضع في جدول ترتيبي منسق تمكّن عند الحاجة الرجوع لأي جزء منها من بين صفحات بهذه الكثرة والتنوع. ويمكن القول بأنه لو أراد كاتب وحيه أو أي شخص آخر أن يبحث عن جزء من لوح في تلك الأيام لكان ذلك عملاً أشبه بمحاولة العثور على إبرة في كومة قش.
من ناحية أخرى، فإن الوحي الإلهي، كما شهده كثير من حواريي حضرة بهاء الله، كان يرافقه انبعاث قوى هائلة ترى بجلاء في شخصه، مظهرة بذلك شيئاً من جلال الله وعظمته المهيبة بينما تهطل آيات الله كالغيث المدرار. فإيقاف هطول هذا الفيض السماوي والانشغال بمهمة متعبة كهذه – للأسباب آنفة الذكر – ابتغاء العثور على مقطع من بين رزم عديدة من الصفحات، كان أمراً لا يتنافى فقط وهيبة ووقار منزل كلمة الله، بل كان أيضاً سيهبط من مقامه إلى مستوى أي كاتب أو مؤلف من البشر العاديين.
إن كل مقتبس يجده المرء في “لوح ابن الذئب” قد أنزله حضرة بهاء الله مجدداً في الحين. وهذا أحد دلائل قدرة الله إذ يوحي للناطق بلسان عظمته عين الكلمات التي أوحى له من قبل عدد من السنين. ولا ينطبق هذا فقط على آثاره المكتوبة، بل كما ذكرنا سابقاً،([3]) فإن حضرته قد استشهد بالعديد من آثار حضرة الباب المكتوبة دون حيازته لكتبه أو إطلاعه عليها. طبعاً لا ينحصر الأمر هنا بالكتابات المقدسة الإلهية بل يتعداه ليشمل كل شيء. ففي “لوح الحكمة” يؤكد حضرة بهاء الله هذا الموضوع إلى النبيل الأكبر بقوله المبارك:
“وإنك تعلم أنّا ما قرأنا كتب القوم وما اطّلعنا بما عندهم من العلوم كلما أردنا أن نذكر بيانات العلماء والحكماء يظهر ما ظهر في العالم وما في الكتب والزبر في لوح أمام وجه ربك نرى ونكتب إنه أحاط علمه السموات والأرضين.
هذا لوح رقم فيه من القلم المكنون علم ما كان وما يكون ولم يكن له مترجم إلاّ لساني البديع.”(2)
إن تفحصاً دقيقاً لما ورد في “لوح ابن الذئب” من مقتطفات يبين على أن هذه والنصوص الأصلية تكاد تتطابق تماماً، ونادراً ما يكون بينهما اختلاف في كلمة أو اثنتين، إمّا في ظرف، أو حرف جر، أو صفة، لكن المعنى لا يزال هو نفسه. والسبب في ذلك هو أن كلمة معينة قد أنزلت من جديد بشكل مختلف. وهذا الاختلاف – الضئيل – يكون ملحوظاً أكثر في اللغة الأصلية، إذ أن الترجمة لا تتأثر بتبديل ظرف أو حرف جر.
لنذكر على سبيل المثال: يقتبس حضرة بهاء الله في “لوح ابن الذئب” من الورق الثاني من الفردوس الأعلى من لوحه المعروف بـ”الكلمات الفردوسية”. نجد أن اصطلاح أو عبارة “القلم الأعلى” في اللوح الأصل قد صيغت حين التنزيل الجديد بعبارة “قلم البيان”،([4]) لكن بقية الاقتباس لا يزال هو نفسه كما في شكله الأصلي.
إن دراسة عميقة ﻟ”لوح ابن الذئب” تتطلب ولا شك بعض المعرفة في الموضوعات الإسلامية. ودراسة مستفيضة لهذه تقع خارج حدود هذا المجلد، لكن بعض الملاحظات الموجزة مدرجة في الملحق رقم 3، كما أن بعض الوقائع التاريخية بحاجة للشرح، لكن معظمها سبق بحثها في هذا المجلد وما قبله، وستزود بمراجع لها حيثما كان ضرورياً.
خاطب حضرة بهاء الله آقا نجفي في هذا اللوح كله بـ”الشيخ”، ويعلن له مجيء يوم الله، معرّفاً نفسه بأنه المظهر الكلي الإلهي، ومبيناً الحقائق المودعة في ظهوره، ويصف بعثته وصفاً واضحاً، ويقدّم نفسه للشيخ هكذا:
“إن هذا المظلوم لم يدخل المدارس ولم يحضر مباحثات العلماء. لعمري إني ما أظهرت نفسي بل الله أظهرني كيف أراد.“(3)
ثم يستشهد ببعض الآيات من “لوح السلطان”([5]) الموجّه لناصر الدين شاه، مستهلاً إيّاها بالفقرة المشهورة:
“يا سلطان، إني كنت كأحد من العباد وراقداً على المهاد، مرّت عليّ نسائم السبحان وعلّمني علم ما كان. ليس هذا من عندي بل من لدن عزيز عليم([6]).”(4)
في هذا اللوح يعرض حضرة بهاء الله الخطوط العريضة لبعض من تعاليمه الأساسية كالمحبة والاتحاد ومبادئ مماثلة والتي تشكل حجر الزاوية لصرح دعوته ورسالته. إن غالبية عباراته المستعملة للتعبير عن هذه التعاليم استقاها من بين ما أنزله سابقاً في كتاباته. من المحتمل أن حضرته يود بهذا الأسلوب أن يطمئن الشيخ بأن هذه لم تكن تعاليم حادثة بل هي في صلب ما أنزله وأعلنه منذ فجر ظهوره، وأن هذه هي ما دُعي المؤمنون للعمل بموجبها وأوصوا بتنفيذها وتطبيقها طوال عدة عقود من السنين. هذه بعض التعاليم التي بيّنها للشيخ إلى جانب كثير غيرها:
“إن المقصود من إرسال الرسل… هو معرفة الله وخلق الألفة بين العباد واتحادهم…”(5)
“العدل والإنصاف حارسان لحفظ العباد…”(6)
“إن دين الله اليوم ومذهبه أن لا تصبح المذاهب المختلفة والسبل المتعددة علة للشحناء والبغضاء…”(7)
“إن الضغينة والبغضاء بين المذاهب نار تحرق العالم يصعب إطفاؤها…”(8)
“كلكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد. فلتسلكوا معاً بكمال المحبة والاتحاد والمودة والاتفاق.”(9)
“نور الاتفاق يضيئ الآفاق…”(10)
“عاشروا يا أهل البهاء مع العالم بالرَّوْح والريحان…”(11)
“لسان الشفقة جذاب للقلوب…”(12)
“يا أولياء الله في بلاده وأحباءه في دياره يوصيكم المظلوم بالأمانة والديانة…”(13)
“إنا نأمر عباد الله وإماءه بالعصمة والتقوى ليقومن من رقد الهوى ويتوجهن إلى الله…”(14)
“لا تسبّوا أحداً بينكم قد جئنا لاتحاد من على الأرض واتفاقهم…“(15)
“تمسّكوا بما تنتفع به أنفسكم وأهل العالم كذلك يأمركم مالك القدم الظاهر بالاسم الأعظم…”(16)
“إن الجنود المنصورة في هذا الظهور هي الأعمال والأخلاق المرضية…”(17)
“حقاً أقول إن خشية الله هي الحفظ المبين والحصن المتين لعموم أهل العالم…”(18)
“إنا اخترنا الأدب وجعلناه سجيّة المقربين. إنه ثوب يوافق النفوس من كل صغير وكبير…”(19)
“قدسوا قلوبكم عن حُبّ الدنيا وألسنكم عن الإفتراء وأركانكم عمّا يمنعكم عن التقرب إلى الله…”(20)
“لا زال هذا المظلوم يدعو أهل العالم بما يرفعهم ويقربهم…”(21)
“قل يا حزب الله زينوا هياكلكم بطراز الأمانة والديانة ثم انصروا ربكم بجنود الأعمال والأخلاق.”(22)
هذه مجرد نخبة قليلة من نصائح حضرة بهاء الله، والتي تؤلف جوهر تعاليمه الروحية، وأعلنها في “لوح ابن الذئب” للشيخ. كما يقتبس أيضاً فقرة مشهورة من لوح سابق نزل كموعظة لابن حضرته، بديع الله،([7]) فقرة يمكن اعتبارها دستوراً لسلوك الفرد الخلقي:
“كن في النعمة منفقاً. وفي فقدها شاكراً. وفي الحقوق أميناً. وفي الوجه طلقاً. وللفقراء كنزاً. وللأغنياء ناصحاً. وللمنادي مجيباً. وفي الوعد وفياً. وفي الأمور منصفاً. وفي الجمع صامتاً. وفي القضاء عادلاً. وللإنسان خاضعاً. وفي الظلمة سراجاً. وللمهموم فرجاً. وللظمآن بحراً. وللمَكروب ملجأً. وللمظلوم ناصراً وعضداً وظهراً. وفي الأعمال متّقياً. وللغريب وطناً. وللمريض شفاءً. وللمستجير حصناً. وللضرير بصراً. ولمن ضلّ صراطاً. ولوجه الصدق جمالاً. ولهيكل الأمانة طرازاً. ولبيت الأخلاق عرشاً. ولجسد العالم روحاً. ولجند العدل رايةً. ولأفق الخير نوراً. وللأرض الطيبة رذاذاً. ولبحر العلم فُلكاً. ولسماء الكرم شمساً. ولرأس الحكمة إكليلاً. ولجبين الدهر بياضاً. ولشجر الخضوع ثمراً.”(23)
فئة أخرى من التعاليم التي تبرز في “لوح ابن الذئب” تلك التي تحرم النزاع والفتنة والعداء الديني والحرب وجميع الأعمال التي تفوح منها روائح الفتنة والفساد. ويتضح سبب تأكيد حضرة بهاء الله على هذه الناحية في ضوء توالي أحداث التاريخ. ففي الدورة البابية دافع أتباع حضرة الباب عن أنفسهم ببسالة ضد هجوم أعدائهم. وما صدامات مازندران ونيريز وزنجان([8]) إلاّ أمثلة نموذجية لذلك. وبسبب اضطرارهم لحمل السلاح والدفاع عن أنفسهم بتلك الشجاعة البطولية، أوقع ذلك ذعراً وخوفاً شديدين في نفوس عامة سكان إيران من البابيين. وقد ازداد ذلك الخوف بصفة خاصة بعد محاولة الاعتداء على حياة ناصر الدين شاه من قبل بعض البابيين الطائشين في سنة 1852م.
منذ أوائل أيام ولايته، ما فتئ حضرة بهاء الله ينصح البابيين بالتخلي عن مواقفهم السابقة التي اتسمت باستعمال القوة والعنف، وبإعادة سيوفهم إلى أغمادها دون رجعة. وبهذا الخصوص نصح أحباءه بقوله: “قد مُنعتم عن النزاع والجدال في كتاب الله العزيز العظيم.” وأكد نصحه لأتباعه بألاّ يقاوموا أعداءهم بالقوة، وإن تطلّب الأمر فلهم أن يضحّوا بأنفسهم عن طيب خاطر في سبيل الله بدلاً من أن يَقتلوا (أعداءهم). وبشأن هذا التحوّل كتب حضرة بهاء الله في “لوح ابن الذئب”:
“وفي الأيام والليالي التي قضيناها في السجن المذكور([9]) تفكرنا في أعمال الحزب البابي وأحواله وحركاته، فرغم علوّه وسموّه وإدراكه لم أدرِ ماذا جرى ليظهر منهم من الأعمال ما ظهر. يعني جسارة ذلك الحزب وتحركه ضد شخص الشاه. لذلك قرر هذا المظلوم بعد خروجه من السجن أن يقوم على تهذيب تلك النفوس بتمام الهمة…
وبعد وردودنا([10]) أنزلنا الآيات بالعون الإلهي والفضل والرحمة الربانية مثل الغيث الهاطل وأرسلناها إلى أطراف الأرض. ونصحنا سائر العباد، وخاصة هذا الحزب، بالمواعظ الحكيمة والنصائح المشفقة ومنعناهم عن الفساد والنزاع والجدال والمحاربة حتى تبدلت بالفضل الإلهي الغفلة والجهل بالبر والمعرفة والسلاح بالصلاح.”(24)
وبالرغم من هذا التحول الكامل، لم يحدث ذلك أثراً في موقف أهل إيران إذ لم يفرقوا بين البابيين والبهائيين. فظلوا مصرّين على اعتبار أتباع حضرة بهاء الله بابيين ووصمهم بالعنف، ولهذا السبب نجد حضرة بهاء الله وقد نثر في هذا اللوح فقرات مقتبسة كهذه:
“إيّاكم أن تسفكوا الدماء أخرجوا سيف اللسان عن غمد البيان لأن به تفتح مدائن القلوب.”(25)
“يا قوم لا تفسدوا في الأرض ولا تسفكوا الدماء…”(26)
“سيف الأخلاق والآداب أحدّ من سيوف الحديد.”(27)
لم يكن عامة الشعب فقط هم الذين تلقوا انطباعات مغلوطة وباطلة حول سلوك البهائيين وخلقهم، بل قيل أن ناصر الدين شاه نفسه كان طيلة حكمه يخشى حتى مقابلة شخص بهائي وجهاً لوجه. وبالإمكان أن يتفهم المرء هذا الخوف، إذ لا بد أنه ظل يتذكر المحاولة الفاشلة على حياته.
على سبيل المثال، في سنة 1882م زُجَّ بعدد من المؤمنين في سجن طهران بأمر من نائب السلطنة، حاكم طهران وابن الشاه. ومن بين أولئك السجناء كان أيادي أمر الله الملاّ علي أكبر،([11]) وميرزا أبو الفضل،([12]) والملاّ محمد رضا اليزدي.([13]) دام سجنهم لمدة عامين، بدا الحاكم خلالها متسامحاً للغاية بحيث كان يدعو أحياناً المؤمنين المتفقهين بأمر الله من بين مجموعة السجناء ليتحدثوا معه حول مختلف نواحي الدين. فتمكنت تلك النفوس خلال عدة جلسات، والتي دامت عدة ساعات في جملتها، من إثبات أحقية دعوة حضرة بهاء الله وتبيان تعاليمه. وعليه كان نتيجة علم ميرزا أبو الفضل الواسع، وجرأة وشجاعة الملاّ رضا، والخصال الروحية للملاّ علي أكبر التي توفرت واجتمعت عندهم، أن نالت تعاليم الدين الإلهي الوليد قسطاً لم يسبق له مثيل من الإعلان والإشهار لدى الدوائر والشخصيات العليا في إيران. وليس هناك مجال في هذا المجلد لسرد مفصل لما دار في تلك النقاشات والمباحث.
يقال أنه لمّا علم ناصر الدين شاه بهذا، ألمح لابنه، نائب السلطنة، بأنه يرغب بملاقاة الملاّ علي أكبر لكنه يخشى في الوقت نفسه مقابلة السجين وجهاً لوجه. فطمأن نائب السلطنة والده بأن ليس هناك ما يخشى منه ولا يوجد أي خطر منه. ولكن ناصر الدين شاه لم يجازف. فأوتي بالملاّ علي أكبر بعد ذلك ووضع في حجرة بينما كان الشاه ينظر إليه من خلف نافذة وهو – السجين – جالس على كرسي بكمال الوقار والاطمئنان وقد ربط بالسلاسل وقيدت إحدى قدميه. فبلغ إعجاب الشاه وتأثره حداً أن أمر مصوّره بالتقاط صورة فوتوغرافية له في الوضع ذلك نفسه. (انظر الصفحة 371)
وبسبب شكوك الشاه وارتيابه من البهائيين، أنزل حضرة بهاء الله أمثال البيانات التالية لأجل تبرئة سلوك أتباعه من تصرفات البابيين وليطمئنه ويطمئن الشيخ – ابن الذئب – بخصوص ولائهم وصدقهم:
“عمل هذا المظلوم في الليالي والأيام على تأليف القلوب وتهذيب النفوس. إن الأمور التي وقعت في إيران في السنين الأولى كانت في الحقيقة سبباً لحزن المقربين والمخلصين، ففي كل سنة ارتُكبت المذابح وشُنت الغارات وسُفكت الدماء. وفي إحدى السنين ظهر في زنجان ما سبّب الفزع الأكبر. وكذلك في سنة أخرى في نيريز ثم في طبرسي إلى أن وقعت واقعة أرض الطاء (طهران) ومنذ ذلك الحين يرشد هذا المظلوم، بعون الحق جل جلاله، هذا الحزب المظلوم إلى عمل ما ينبغي. فتقدّسوا عن كل ما عندهم وما عند القوم وتشبثوا بما عند الله.
لذا ينبغي لحضرة السلطان حفظه الله تعالى أن يسلك مع هذا الحزب بالعناية والشفقة وهذا المظلوم يتعهد أمام الكعبة الإلهية ألاّ يظهر من هذا الحزب إلاّ الصدق والأمانة ولا ما يخالف رأي حضرة السلطان.”(28)
وفي فقرة أخرى يصرح:
“يا شيخ يجب على العلماء أن يتحدوا مع حضرة السلطان أيده الله وأن يتمسكوا في الليالي والأيام بما يرتفع به شأن الدولة والملة. وبتمام الهمة يتشبث وينشغل هذا الحزب بتهذيب النفوس وإصلاح الأمور. يشهد بذلك ما نزل من القلم الأعلى في هذا اللوح المبين.”(29)
ويضيف أيضاً مؤكداً ومدللاً على الميزة الروحية للبهائيين واستعدادهم للتضحية بحياتهم بدلاً من الإساءة إلى أعدائهم:
“يا شيخ إن هذا الحزب قد اجتاز خليج الأسماء ونصب سرادقه على شاطئ بحر الانقطاع. يفدون بمائة ألف روح ولا يتكلمون بما أراده الأعداء. متمسكون بإرادة الله ونابذون لما عند القوم. ضحّوا برؤوسهم وما تفوهوا بكلمة غير لائقة.“ تفكّر في قلبك. لعلهم شربوا من بحر الانقطاع. فلم تمنعهم الحياة الدنيا من الشهادة في سبيل الله.
في مازندران قُتل عدد كبير من عباد الله وأمر الحاكم بسلب ممتلكات الكثيرين لما سمعه من المفتريات بحقهم. ومن التُهم ذكر أنهم يجمعون الأسلحة وبالتحقيق ثبت أن ما وجدوه كان بندقية فارغة. “سبحان الله إن هذا الحزب ليس محتاجاً إلى السلاح لإنهم شدوا إزار الهمة لإصلاح العالم، جندهم الأعمال الطيبة وسلاحهم الأخلاق المرضية وقائدهم تقوى الله. طوبى لمن أنصف.“(30)
وقد يكون مفيداً للقارئ، لتقدير مغزى مصطلح “خليج الأسماء” الوارد أعلاه، الرجوع إلى موضوع “ملكوت الأسماء” الذي سبق بحثه في المجلد الثاني.([14])
لأجل التأكيد على التحول الذي حدث منذ المصادمات البابية، يسوق حضرة بهاء الله في هذا اللوح أمثلة بعض الشهداء البهائيين الذين امتنعوا عن إبداء المقاومة حتى في ظل التهديد بالقتل. فيخاطب الشيخ بهذه الكلمات:
“يا شيخ لقد ذكرنا مراراً ونذكر الآن أننا نصرنا حضرة السلطان أيده الله طيلة أربعين سنة بالعناية الإلهية والإرادة القوية النافذة الربانية. وهذا ثابت ومعروف لدى مظاهر العدل والإنصاف…
وقبل تلك السنين الأربعين ظهر ما بين عباد الله جدال ونزاع وبعدها، بعون جنود الحكمة والبيان والنصيحة والعرفان، تمسّك الكل بحبل الصبر المتين وتشبّثوا بذيل الاصطبار المنير بحيث تحمّلوا ما ورد على هذا الحزب المظلوم ووكّلوا أمرهم إلى الله، مع أنهم في مازندران ورشت ساموهم أشد العذاب. ومن بينهم حضرة الحاج نصير الذي كان في الحقيقة نوراً أشرق من أفق سماء التسليم. فبعد استشهاده فقؤوا عينيه وجدعوا أنفه وبلغ الظلم مقاماً ناح له الغرباء من أهل الملل الأخرى. وأرسلوا سراً إعانة لعياله وصغاره في أطراف البلاد.”(31)
كان الحاج نصير مؤمناً مخلصاً فاز بلوح من حضرة بهاء الله أنزله في حقه وعرف بـ”لوح نصير”. وفي مجلد سابق([15]) يجد القارئ موجزاً لسيرة حياته واستشهاده وكذلك بحثاً في هذا اللوح المشهور.
يذكر حضرة بهاء الله في هذا اللوح استشهاد “النورين التوأمين النيرين”، “سلطان الشهداء” و”محبوب الشهداء”([16]):
“يا شيخ يستحي القلم من ذكر ما وقع. فقد اشتعلت في أرض الصاد (إصفهان) نار الظلم على شأن ناح له كل منصف. لعمرك ارتفع النحيب والبكاء من مدائن العلم والمعرفة على شأن تحرقت منه أكباد أهل البر والتقوى. وفدى النوران النيران حسن وحسين روحيهما معاً في تلك الأرض ولم يمنعهما الجاه والثروة والمجد. الله يعلم ما ورد عليهما والقوم أكثرهم لا يعلمون.”(32)
ويضرب حضرة بهاء الله مزيداً من الأمثلة في الاستشهاد للشيخ بقوله:
“وقبلهما جناب كاظم ومن معه وأخيراً حضرة أشرف جميعهم تجرعوا كأس الشهادة بكمال الشوق والاشتياق وصعدوا إلى الرفيق الأعلى.”(33)
إن المعني بكاظم هنا هو الملاّ كاظم من تَلخُنچه، وهي قرية في ضواحي إصفهان. كان رجل دين متفقهاً ومحترماً جداً من قبل أهالي إصفهان. آمن بأمر الله سنة 1288ﻫ (1871–1872م) وأخذ بتبليغ الدين لأهالي بلدته، حيث استجاب بعضهم بالإيمان. وما أن انتشر الخبر حتى أرغم على الخروج من قريته. عاش لفترة في إصفهان حيث تمكن من إدخال عدد من النفوس في ظل أمر الله. سرعان ما وصل خبر ذلك إلى مجتهد المدينة ذي النفوذ القوي وعدو أمر الله اللدود، الشيخ محمد باقر (الذئب)، الذي أصدر في الحال فتوى بقتله. لكن في ذلك الوقت كان الملاّ كاظم قد خلع عنه لباس رجال الدين المتميز وصار يشتغل عاملاً في حمام عمومي بالمدينة. فتيسر له بذلك التسلل خارج مدينة إصفهان والعودة إلى قريته. أمضى بعد ذلك فترة متنقلاً بين إصفهان وشيراز وطهران، لكنه قبض عليه أخيراً في قريته وأرسل إلى إصفهان حيث أودع السجن. هناك استدعاه الأمير مسعود ميرزا، ظِلّ السلطان، لمقابلته شخصياً، وبعد إصراره على عدم إنكار عقيدته، أيد الأمير فتوى قتله وأمر بإعدامه. حدث ذلك سنة 1877م.
نفّذ الإعدام في ساحة عامة واسعة، ميدان الشاه المعروف حيث تجمهر حشد كبير ليشهدوا العملية، ولدى رفضه مجدداً إنكار عقيدته، ضرب الجلاد رقبته وقطع رأسه. بعد ذلك أمر الشيخ محمد باقر بأن تعلّق الجثة من القدمين على عمود نصب على منصة الجلاد. لكن الحبل الذي علق به جسده انقطع وهوى الجثمان من ارتفاع عال. فأعيد تعليق بدنه المهشم مرة أخرى وأعلن الشيخ بأن كل من يتقدم ويرجم الجثة بحجر سيضمن بكل تأكيد لنفسه مكاناً في الجنة، فنفذ الهجوم جمهور مسعور. ولمدة يومين لم تتوقف هذه العملية إذ شوهد رجال ونساء يمشون مسافات طويلة لجلب الحجارة، بمن فيهم نساء حوامل يصعب عليهن السير الاعتيادي، لم يترددن بالاشتراك في هذه الجريمة الشنعاء. أثناء الليل عندما ترك جثمانه مهملاً هناك، استغل ذلك بعض الرجال وعمدوا إلى الإمعان في التشويه والتمثيل بالجثمان بحيث فقأوا عينيه وقطعوا أصابعه وأنفه وشفتيه وأذنيه.
في صباح اليوم الثالث حضر الشيخ محمد باقر إلى الموقع. وكأنه لم يكتفِ بكل الفظائع الوحشية التي ارتكبت بحق جسد الشهيد، فأمر بإنزال الجثمان إلى الأرض وجعله يداس بحوافر حصان أحد الفرسان. وبعد تهشم كل جزء من الجثمان، أحرق بالنار ثم ألقيت العظام المتفحمة في بئر مهجور.
أمّا أشرف المذكور في الفقرة المقتبسة أعلاه، فكان من أهالي نجف آباد، لكنه بسبب إقامته لفترة في آبادة فإنه انتسب إليها وعرف باسم ميرزا أشرف آبادي. كان مبلّغاً عظيماً لأمر الله وتم على يده اعتناق نفوس كثيرة لأمر الله. سافر إلى الهند حيث أقام لبعض الوقت في بومبى وأخيراً رجع ليعيش في إصفهان. انعكس عمق إيمانه في شخصيته النيّرة بحيث صار يجذب إليه القلوب بصفاته الروحية وتقواه وعلمه.
في سنة 1888م اكتشف ظِلّ السلطان بأن أحد كتبته وخادماً يافعاً انجذبا إلى أمر الله وكانا يدرسان “كتاب الإيقان”. فغضب الأمير جداً لمّا علم أن ميرزا أشرف هو الذي كان يقوم بتبليغهما الدين الجديد، فقبض على أشرف وألقاه في السجن. بعد بضعة أيام استدعى الأمير لفيفاً من علماء الدين، من بينهم آقا نجفي (ابن الذئب)، وطلب منهم إجراء تحقيق مع أشرف في محضره. في ذلك الاجتماع أقرّ أشرف بإيمانه وعقيدته ببلاغة رائعة وصوت عال ملؤه الثقة والحماس بحيث كان يُسمع خارج القاعة، معلناً أسس معتقداته ومبرهناً على أحقية الدين الذي اعتنقه. في مقابل ذلك وجد أعداؤه أنفسهم في عجز تام مخجل عن الرد على حججه ودحض دلائله، فالتجأوا كالعادة إلى وسائلهم التقليدية ألا وهي السباب واللعن والاستنكار. فحرر آقا نجفي فتوى قتل أشرف وسلمها إلى يد الأمير الذي أصدر أوامره بالتنفيذ.
تم إعدام ميرزا أشرف في 23 تشرين الأول عام 1888م شنقاً في الميدان نفسه الذي شهد استشهاد الملاّ كاظم. وبأمر من آقا نجفي أهين جثمانه وطئاً تحت الأقدام، وقام الغوغاء بالتمثيل به بوحشية، ثم أحرق وألقي به في حفرة رُدمت بهدم حائط مجاور فوقها. إن هذه الأعمال الوحشية في القتل كانت أمثلة على الطريقة التي قابل بها عدد كبير جداً من الشهداء البهائيين نهاية حياتهم الدنيوية وهم في روح من التسليم والاتكال على الله.
في “لوح ابن الذئب” يستعرض حضرة بهاء الله أسماء قليل من الشهداء الآخرين. فيذكر بديع، الذي سلّم لوح حضرته إلى الشاه، ويعطي وصفاً موجزاً لاستشهاد آقا نجف علي، ويستذكر قصص ميرزا مصطفى، وأبو بصير وأشرف الزنجاني وأبي بديع والسيد إسماعيل. وقد وردت روايات هؤلاء الشهداء في مجلدات سابقة.([17]) وفي “لوح ابن الذئب” يبدي حضرة بهاء الله تعجبه متفضلاً:
“انظروا إلى إشراق وتجلي نير الانقطاع الذي سطع من الشطر الأعلى في قلب الملاّ علي جان. إذ جذبته نفحات الكلمة العليا واقتدار القلم الأعلى بشأن تساوى أمامه ميدان الشهادة وإيوان متاع الدنيا بل الأولى أولى.”(34)
كان الملاّ علي جان من سكان مازندران وقد ولد عام 1846م. أبدى في بداية شبابه ميلاً نحو تحصيل العلوم الدينية. فدرس الفقه الإسلامي وأصبح ملماً إلماماً جيداً بالقرآن الكريم وأحاديث الإسلام. في أحد الأيام وقع نظره على بعض الأحاديث التي تمجد فضائل مدينة عكاء. فتحير منها ولم يكن بين علماء الدين من يستطيع تفسير مغزى هذه الأحاديث. ظل يبحث عن جواب ذلك حتى التقى مصادفة ببهائي معروف بلّغه أمر الله. باعتناقه أمر حضرة بهاء الله تزوّد الملاّ علي جان ببصيرة جديدة، ووجد هيامه الديني خير متنفس في حقل التبليغ. فانطلق في هذا الميدان بتفان وحماس مثاليين وتمكن من تبليغ نفوس كثيرة، بل إنه اتخذ الخطوة غير العادية بالإعلان عن الظهور الإلهي الجديد من فوق منابر المساجد. فكان نتيجة ذلك دخول أعداد كبيرة في حظيرة أمر الله في مختلف القرى.
ثم تلت ذلك فترة من المعارضة القوية، فتعالت أصوات رجال الدين تطالب بموته، فأرسل إلى طهران حيث أودع السجن أخيراً وبموافقة ناصر الدين شاه، أُخذ مصحوباً بثلة من الجند، في 29 حزيران عام 1883م، وسط قرع الطبول ونفخ الأبواق إلى ساحة عامة بطهران حيث أعدموه. وقد لخّص حضرة شوقي أفندي قصة استشهاده بهذه الكلمات:
وسيق الملاّ علي جان من مازندران إلى طهران سيراً على الأقدام، وبلغت الشدائد التي عاناها في هذه الرحلة أن جرح عنقه وتورّم جسده من أول خصره حتى قدميه. وفي يوم استشهاده طلب ماء فاغتسل وصلى ووهب لجلاده مقداراً عظيماً من المال. وفي أثناء صلاته طُعن بخنجر في حلقومه، ثم بصقوا على جثمانه وغطوه بالطين وعرضوه ثلاثة أيام وأخيراً مزقوه إرباً إرباً.(35)
مثال آخر ورد في “لوح ابن الذئب” لبهائيين أظهروا الرحمة ومنحوا المغفرة والشفاعة لأعدائهم هو قصة استشهاد الحاج محمد رضا في عشق آباد، وهو فصل يثير العواطف وقد تم سرد تفاصيله في صفحات سابقة من هذا المجلد.([18])
كانت غاية حضرة بهاء الله من وراء سرد تلك المآسي الموجعة للقلب والمتعلقة بمن ضحوا بحياتهم استشهاداً في سبيل أمر الله، هو التأكيد على الهدف الأهم من ظهور أمره، ألا وهو محو كل أثر للعداوة والبغضاء من قلوب الناس وضمان وحدة البشر واتحادهم بواسطة قوة ظهوره. ويشهد حضرته مؤكداً هذه الغاية السامية في وصيته، “كتاب عهدي”:
“كان مقصود هذا المظلوم من تحمل الشدائد والبلايا وإنزال الآيات وإظهار البينات إخماد نار الضغينة والبغضاء. عسى أن تتنور آفاق أفئدة أهل العالم بنور الاتفاق وتفوز بالراحة الحقيقية.”(36)
في “لوح ابن الذئب” يورد حضرة بهاء الله للشيخ فقرات مطولة من ألواحه إلى الملوك وحكام زمانه، تلك الألواح التي أعلن فيها بعثته، وكشف طبيعة ظهوره، وبيّن حقائقه الأساسية، وذكر بعض تعاليمه العالمية، وأصدر نصائحه، ودعا أقوى ملوك العالم المتوّجين للإقبال واعتناق أمره ودعوته. وأعاد تنزيل أجزاء من هذه الألواح الخاصة بناصر الدين شاه (والذي عرف بـ”لوح السلطان”)، وناپليون الثالث، وقيصر روسيا والملكة ڤكتوريا وضمّنها جميعها في هذا اللوح الجبار. وقد أشير إلى هذه الألواح بشيء من الإسهاب في مجلدات سابقة.([19])
موضوع آخر في أجزاء مختلفة من “لوح ابن الذئب” هو المعاناة التي نزلت بحضرة بهاء الله منذ الأيام الأولى لولاية حضرة الباب. فيعلق حضرة بهاء الله وهو يقتبس فقرة من لوحه إلى الملكة ڤكتوريا بما يلي:
“انظروا في هذه الأيام التي أتى جمال القدم بالاسم الأعظم لحيوة العالم واتحادهم إنهم قاموا عليه بأسياف شاحذة وارتكبوا ما فزع به الروح الأمين. إلى أن جعلوه محبوساً في أخرب البلاد وانقطعت عن ذيله أيادي المقبلين…
كان في كل الأحيان بين أيادي أهل الطغيان. مرةً حبسوه وطوراً أخرجوه وتارةً أداروا به البلاد. كذلك حكموا علينا والله بما أقول عليم.”(37)
وفي فقرة يخاطب حضرة بهاء الله الشيخ ويقص عليه بعض البلايا والشدائد التي حاقت به فيما سبق من أيام في إيران:
“يا شيخ قد ورد على هذا المظلوم ما ليس له شبه وتحمّلنا كل ذلك بكمال التسليم والرضا لأجل تهذيب النفوس وارتفاع كلمة الله. في الأيام التي كنّا فيها في سجن أرض الميم سلّمونا يوماً بأيدي العلماء، ومعلوم ما ورد علينا منهم. وإذا ورد جنابك يوماً في سجن حضرة السلطان فاسأل رئيس ذلك المكان ونائبه أن يرياك السلسلتين المعروفتين بِـ ”قَره گُهَر” وسلاسل. قسماً بنير العدل أن هذا المظلوم ربط بإحدى هاتين السلسلتين وعُذب أربعة أشهر.
وحزني ما يعقوب بث أقله
وكل بلا أيوب بعض بليتي“(83)
وفي ذكره “سجن أرض الميم” يشير حضرة بهاء الله إلى حادثة سجنه فترة قصيرة في آمُل بمازندران حيث ضربت قدماه بالفلقة وسجن لفترة قصيرة.([20]) و”سجن حضرة السلطان” يعني به سياه چال بطهران.([21]) وبيت الشِعر في نهاية الفقرة ينسب إلى الشاعر العربي الشهير ابن الفارض في قصيدته التائية المشهورة. فقد نظم حضرة بهاء الله على وزنها “القصيدة الورقائية”، ويقتبس هذا البيت من ابن الفارض في قصيدة حضرته. وظروف تنزيل الأخيرة وردت في مجلد سابق.([22])
في فقرة أخرى من اللوح يروي حضرة بهاء الله بلاياه بهذه الكلمات:
“يشهد الحق ومعشر الأمناء أن هذا المظلوم لا زال تحت خطر عظيم. ولولا البلايا في سبيل الله ما لذّ لي بقائي وما نفعني حياتي. ولا يخفى على أهل البصر والناظرين إلى المنظر الأكبر بأني في أكثر أيامي كنت كعبد جالس تحت سيف عُلّق بخيط واحد ولا يدري متى ينزل أينزل في الحين أو بعد حين. وفي كل ذلك نشكر الله ربّ العالمين.“(39)
إن معاناة حضرة بهاء الله التي تحمّلها بسبب أفعال أعدائه، مع كونها شديدة جداً، إلاّ أنها تخبو في أهميتها أمام تلك الأفعال المتعددة من الغدر وتشويه الحقائق التي ارتكبها أتباع ميرزا يحيى، أو السلوك المشين من أولئك الذين احتُسبوا من أتباع حضرته لكنهم جلبوا العار لاسمه من خلال أخطائهم. وقد سبّب هؤلاء الأشرار لحضرته ألماً وعذاباً أشد بكثير مما سبّبه أعداؤه الذين اضطهدوه جسدياً. ويشهد بذلك في أحد ألواحه قائلاً:
“ليس حزني سجني ولا ذلتي ابتلائي بين أيدي الأعداء لعمري إنها عز قد جعلها الله طراز نفسه إن أنتم من العارفين…
بل حزني من الذين يرتكبون الفحشاء وينسبون أنفسهم إلى الله العزيز الحميد.”(1)
في عدة مواضع من “لوح ابن الذئب” يشير حضرة بهاء الله إلى مكائد أتباع ميرزا يحيى بالمشاركة مع عدد قليل ممن ادعوا كذباً إخلاصهم وولائهم لحضرته، وخلقوا فضائح متتابعة في الآستانة بهدف تلويث سمعة الدين الطاهرة. وقد جلبت أنشطتهم المخزية، التي استمرت نحو عقد من الزمن، ألماً عظيماً ومعاناة شديدة على قلب حضرة بهاء الله. والفقرة التالية من “لوح ابن الذئب” تشير لهذه الأحداث:
“سبحان الله! في هذا اليوم على العقلاء أن يأخذوا رأي هذا المظلوم وأن يسألوا الحق تعالى كل ما هو سبب عزتهم وطمأنينتهم. ولكن الكل قائمون بعكس ذلك فيسعون لإطفاء النور الساطع اللامع بكل جهد وهمة، وكل نفس ترمي إلى تثبيت التقصير على هذا المظلوم أو الاحتجاج عليه. وقد وصلت الأمور إلى نحو يظهر وكأن هذا المظلوم قد ارتكب ما يستحي القلم عن ذكره. وقد ذكر أحد الأصدقاء المجتمعين في المدينة الكبيرة (الآستانة) بأنه للأسف سمع ما يقال هناك بأنه في كل سنة يرسَل مبلغ خمسون ألف تومان من موطنه إلى عكاء، ولكن لا يذكر من يرسله ولا من تناقله.
وهذا المظلوم التزم الصمت والصبر حيال كل ما فعلوه به وما قالوه في حقه إذ إن غايته، بفضل الله الحق جل جلاله وبرحمته المحيطة، أن يمحو حكم الجدال والنزاع وسفك الدماء من العالم بقوة بيانه وكلمته. وفي كل الأحوال وإزاء كل ما قيل، فإننا متمسّكون بالصبر الجميل ونترك أمرهم إلى الله…”(2)
في فقرة أخرى يعود حضرته مشيراً إلى هذه الأحداث بقوله:
“يا شيخ! قد ذكرنا مراراً وتكراراً بأننا نصرنا حضرة السلطان لسنين معدودات. ولسنين لم تحدث أية حادثة تذكر في إيران. وكان زمام المفسدين من الأحزاب في قبضة اقتدار الحكم ولم يتجاوز أحد عن حده. لعمر الله إن هذا الحزب لم يكونوا أهل فساد ولن يكونوا. فقلوبهم بنور التقوى منوّرة وبطراز محبة الله مزينة. كان همّهم إصلاح العالم ولا يزال. ولا يريدون سوى محو الاختلاف وإخماد نار الضغينة والبغضاء حتى يُشاهد العالم كله كوطن واحد. ومن جهة أخرى فإن سفارة إيران في المدينة الكبيرة تجهد بتمام القدرة والقوة لتضييع هؤلاء المظلومين. إنهم أرادوا أمراً والله أراد أمراً آخر. فتفكروا في ما ورد على أمناء الحق تعالى في كل قطر من الأقطار، أحياناً وصموا بالسرقة وأحياناً تكلموا عنهم بمفتريات ليس لها شبيه ولا مثيل في العالم.”(3)
ويصرح بعد ذلك:
“لا يعلم سوى الحق جل جلاله ما ورد على هذا المظلوم. ففي كل يوم يُسمع ذكر له في سفارة إيران في الآستانة. سبحان الله! لقد اتخذت كافة التدابير الكفيلة بتضييع هذا العبد، وهم غافلون أن الذلة في سبيل الله هي عين العزة. وقد ذكر ما يلي في إحدى الصحف: (أمّا ما يخص تقلب أحوال بعض منفيي عكاء والتعديات التي تظهر منهم على بعض الناس…) إلى آخر المقال. ولا يخفى قصد الكاتب المعلوم ولا مقصوده الواضح على مظاهر العدل ومطالع الإنصاف، إذ أنه ارتكب أنواعاً من الأذى والظلم والاعتساف. لعمر الله! إن هذا المظلوم قد بدّل هذا المنفى بالوطن الأعلى ولا يخفى على أهل البصر أن ما يرد في سبيل الله هو العزة المبينة والمقام الكبير وهذا ما قلناه من قبل…
قد وصلت الذلة إلى مقام بحيث يشتغلون كل يوم بنشر المفتريات…”(4)
إن خلفية هذا كله هي على النحو التالي: كانت مدينة الآستانة، منذ أوائل أيام ظهور أمر الله، مركزاً للنشاط البهائي. وكان نفي حضرة بهاء الله إلى تلك المدينة بداية ذلك كله. وحينما ذهب حضرته إلى أدرنة اتخذ ترتيبات ليبقى واحد أو اثنان من الأحباء المخلصين في الآستانة للعمل كواسطة اتصال بين حضرته وأتباعه. ولكون الآستانة عاصمة الإمبراطورية العثمانية ومركزاً مهماً للتجارة والأعمال، لم يمر وقت طويل حتى بدأ يرد إليها أفراد آخرون، بعضهم مؤمنون مخلصون وآخرون من أتباع ميرزا يحيى أو مثيرون للشغب والمشاكل. وهكذا أصبحت الآستانة وكر تآمر ومكائد ضد دين حضرة بهاء الله.
وازدادت الحالة سوءاً مع مرور السنين، بحيث بلغت حملة العداء وتشوية السمعة حداً بحيث صارت مصدراً للكدر لحضرة بهاء الله خلال السنوات العشر الأخيرة من حياته.
ففي الآستانة كان هناك اثنان من أتباع ميرزا يحيى البارزين: الشيخ محمد اليزدي ومحمد علي التبريزي. في أحد ألواحه(5) يصف حضرة بهاء الله الأول بأنه أشر الرجال. وكان حضرة بهاء الله قد طرد الثاني من الأرض الأقدس لسوء أفعاله وسلوكه المشين. فقصد الآستانة وتحالف مع الأول، وعملا معاً بكل وسيلة متيسرة لتقويض وحدة البهائيين والإساءة لسمعة الدين الطيبة.
حوالي عام 1880م قرر بعض أفراد عائلة الأفنان المرموقين، الحاج ميرزا محمد علي وأخوه الحاج ميرزا محمد تقي،([1]) من أبناء خؤولة حضرة الباب، تأسيس شركة تجارية في الآستانة. وكانت لهما أصلاً عدة مؤسسات تجارية مماثلة في مناطق مختلفة من آسيا ومصر. وحصلا على إذن من حضرة بهاء الله لهذا المشروع ثم دعيا تاجراً بهائياً ذا خبرة واسعة من قزوين لمشاركتهما في المشروع. كان هذا الشيخ محمد علي، الذي لقبه حضرة بهاء الله بـ”النبيل ابن النبيل”، وهو الأخ الأصغر للشيخ كاظم سمندر،([2]) أحد حواريي حضرة بهاء الله. والنبيل هذا كان مؤمناً متحمساً مخلصاً تقياً. وعند صدور إذن حضرة بهاء الله ذهب النبيل إلى الآستانة وشرع بافتتاح العمل هناك حيث حالفه الحظ بنجاح سريع. كان ذلك سنة 1882م. بناء على معايير النزاهة والإنصاف التي التزم بها في كافة معاملاته التجارية، سرعان ما اشتهر كأحد أكثر تجار المدينة أمانة وجدارة بالثقة. فأثار ذلك حسد الأزليين وعداءهم وبادروا بشن حملة من التشهير والقذف ضد النبيل في أوساط المجتمع العليا. في البداية لم يكن لنشاطهما قيمة أو أثر ما، حتى وصول شخص جديد على مسرح الأحداث. كان هذا محمد علي الإصفهاني، من المدعين بالبهائية والذي قام بأعمال شغب وإثارة مشاكل أوجبت ترحيله من قبل حضرة بهاء الله من عكاء إلى الآستانة. كان تاجراً صغيراً وسبق أن استقر بالمدينة قبل مجيء النبيل إليها. إن القصة الكاملة لما حصل من دسائس ومكائد في السنوات التي تلت وصول النبيل يرويها بتمامها ميرزا عبد الحسين سمندر، ابن أخ النبيل والذي شهدها شخصياً بكاملها. إنها قصة معقدة ولا يمكن هنا تقديم أكثر من موجز لها.
منذ تأسيس شركة الأفنان التجارية ومحمد علي، الخبيث المؤذي يخلق المشاكل لها. أخيراً، ولأجل استرضائه وتلافي مشاكله دعا النبيل، بموافقة الأفنان، محمد علي ليصبح شريكاً معهما بالعمل. هدأت الحال بعد ذلك وسارت أمور الشركة على ما يرام لعدة سنوات، كان خلالها محمد علي يستلم أرباحاً ضخمة. إلاّ أنه في أثناء تلك الفترة كان مستمراً بالاتصال سراً مع الأزليين، لا سيما محمد علي التبريزي، صاحب الاسم نفسه، والشيخ محمد اليزدي، فقام مع الأزليين يداً بيد بحملة تشهير وتشويه سمعة ضد أتباع حضرة بهاء الله. بلغت افتراءاتهم وأكاذيبهم حداً لم يستطع معها النبيل تحملاً أكثر، فحاول ذات ليلة الانتحار عندما رمى بنفسه في البحر ولكنه أنقذ في اللحظات الأخيرة.
في تلك الفترة وصل أحد المؤمنين، أبو القاسم الناظر، إلى المدينة ماراً في طريقه إلى عشق آباد. استطاع محمد علي الإصفهاني أن يصادقه ثم أقنعه بتأجيل سفره، وصادف أنه بعد محاولة الانتحار بقليل دعا حضرة بهاء الله النبيل للقدوم إلى عكاء، وكان ذلك في ربيع عام 1889م. وفي أثناء كل ذلك سرق محمد علي الإصفهاني مبلغ أربعمائة جنيه من خزانة الشركة متهماً الناظر بسرقتها، وأشاع اتهامه ذاك في كل أطراف المدينة، وقام بمساعدة من الأزليين برفع دعوى ضد الناظر لدى السفير الإيراني الذي برأ ساحته بعد تحري المسألة. بعد ذلك رفع القضية لدى المحكمة العثمانية التي بدورها أقرت ببراءة الناظر مرة أخرى.
بعد هزيمته، لم يجد محمد علي أمامه سوى المضي في التهجم على أمر الله. فتجرأ، بدعم من الأزليين، على نشر بيان كاذب في صحيفة “أختر” يتهم فيه الحاج ميرزا سيد حسن،([3]) المعروف بـ”الأفنان الكبير”، بسرقة استحقاقه من أرباح الشركة، ونسب إليه الخيانة والخداع، وأعلن بأنه سيقطع علاقاته مع الشركة التجارية، وحذر الناس من غدر البهائيين وألمح بأن بعض كتابات حضرة بهاء الله كانت مسؤولة عن القضية برمتها.
إلاّ أن هذا لم يكن نهاية القصة. فعلى الرغم من أن الشراكة كانت قد صفّيت عندئذ من قبل ميرزا محسن أفنان (ابن الأفنان الكبير) وابن سمندر، وكان كلاهما قد عاد إلى الأرض الأقدس، لكن بقي من الضروري مجابهة افتراءات محمد علي ودحضها. ولإنهاء القضية بعث حضرة بهاء الله ثلاثة من المؤمنين هم: السيد أحمد أفنان (ابن آخر للأفنان الكبير)، والحاج أمين والناظر. فيما بعد وجد من الضروري أن ينضم إليهم النبيل أيضاً. كان ذلك في خريف 1889م. تكللت مهمتهم بالنجاح إذ تمكن النبيل من أن يثبت للمحكمة العثمانية زيف ادعاءات محمد علي وبراءة البهائيين. من بين الإثباتات كانت وثيقة وقعها مشاهير تجار المدينة، تشهد بأن محمد علي قد لفق وكذب منذ بداية القضية وبأنه مدين للأفنان بمبلغ من المال لا يستهان به. إلاّ أن مهمتهم لم تنجح في إرغام محمد علي على دفع ما بذمته من ديون للبهائيين.
في هذه الأثناء كثف محمد علي ورفاقه الأشرار حملة التشهير والافتراء ضد البهائيين. فالنبيل الذي كان سيعود إلى إيران بأمر من حضرة بهاء الله، وجد نفسه، للأسف، مرة أخرى مكبلاً بشِباك مؤامراتهم ومكائدهم. فلم يستطع تحمل ذلك أكثر. فنجح هذه المرة في إنهاء حياته باستعمال السم. في “لوح ابن الذئب” يصف حضرة بهاء الله مصيره بقوله:
“وفي هذا المقام يلزم ذكر أمر بعد أن ظهر عسى أن يتمسّك العباد بحبل العدل والصدق. كان جناب الحاج الشيخ محمد علي عليه بهاء الله الأبدي من التجار المعروفين الذي كان يعرفه أكثر أهل المدينة الكبيرة. وفي الأيام القليلة الماضية عندما انشغلت سفارة إيران في الآستانة بتحريك الدسائس سراً، لوحظ أن ذلك المؤمن الصادق كان مهموماً بدرجة أنه ألقى بنفسه ذات ليلة في البحر وشاء القدر أن ينقذه جمع من العباد. وقد علق كل حزب بتعليق على هذه المسألة وذكر رأيه فيها. وبعد ذلك ذهب ذات ليلة إلى المسجد، وذكر الحارس هناك بأنه سهر الليل كله منشغلاً بالمناجاة والدعاء بكل عجز وابتهال. ثم انقطع دعاؤه ولمّا توجه الحارس إليه وجده قد أسلم الروح وبجانبه زجاجة فارغة كما لو أنه تناول سمّاً. وقد أخبر الحارس الناس وهو مندهش، وقد وجدت وصيته التي يبدأها بالإقرار والاعتراف بوحدانية الحق وتقديس ذاته تعالى عن الأشباه والأمثال. وتنزيه كينونته عن الأوصاف والأذكار والأقوال. والإقرار بظهور الأنبياء والأولياء. والاعتراف بما كان مرقوماً في كتب الله مولى الورى. وفي ورقة أخرى كتب مناجاة ختمها بهذه الكلمات: (إن هذا العبد وأولياء الله متحيرون. فمن جهة نهى القلم الأعلى عن الفساد والنزاع والجدال، ومن جهة أخرى نزلت من القلم الأعلى هذه الكلمة العليا: [إذا شاهد أحد في محضر مظهر الله شخصاً ارتكب إساءة فلا يتعرض له بل يتركه لله الحق]. وهذا الحكم المحكم ظاهر ثابت من جهة ومن جهة أخرى يُسمع المفترون ينطقون بما لا تطيق الإصغاء إليه قوة البشر. لذا اختار هذا العبد الذنب الأعظم ويسأل من بحر الكرم الإلهي وسماء الرحمة الربانية ويأمل أن تمحى جريرات هذا العبد بقلم الفضل والعطاء. فالسيئات لا تعد ولا تحصى ولكني متمسك بحبل جوده ومتشبث بذيل كرمه. يشهد الحق وأولياؤه المقربون لدى عتبته بأن هذا العبد لم يتحمل إصغاء مقالات المغلين ففعل ما فعل. لو يعذبني إنه هو محمود في فعله ولو يغفر لي إنه مطاع في أمره.)
إذاً تفكر يا جناب الشيخ في نفوذ الكلمة عسى أن تنقلب من شمال الوهم إلى يمين اليقين… إنا نسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر للمذكور ويبدل سيئاته بالحسنات إنه هو المقتدر العزيز الوهاب.”(6)
بعد وفاة النبيل، غادر الحاج أمين والناظر الآستانة بينما بقي السيد أحمد الأفنان هناك، ولمّا استوجب ذهابه إلى عشق آباد، أرسل حضرة بهاء الله عزيز الله جذاب،([4]) مؤمن متفان ورجل أعمال قدير، لمعاونة الأفنان واستلام إدارة شؤونه في الآستانة والتعجيل برحيل السيد أحمد أفنان إلى الأرض الأقدس ومن ثم إلى عشق آباد.
وعشية سفر السيد أحمد إلى عكاء، جاء محمد علي بأكذوبة أخرى من أكاذيبه. فقد أعلن بأن أحد خدام الأفنان قد دخل خلسة إلى محله وسرق مبلغاً كبيراً من المال. أشاع الخبر الكاذب في كل مكان مضيفاً بأن ذلك المبلغ سيؤخذ إلى عكاء. لكن جذاب استطاع أن يثبت للقنصل الإيراني بأن الرواية برمتها كانت محض افتراء. وهكذا افتضح السلوك المشين الغادر لهذا الرجل الإصفهاني الخالي من الضمير والحياء، والذي كان آلة طيعة بيد الأزليين، وشاهد جميع الناس فضيحته مرة أخرى.
في لوح (7) أنزل في تشرين الأول سنة 1890م (18 صفر 1308ﻫ) يصرح حضرة بهاء الله بأن الأزليين، في عدة مناسبات، سرقوا بعض المال واتهموا الأحباء مباشرة وحضرته بطريقة غير مباشرة، بأنهم الذين ارتكبوا تلك الأفعال. ويستشهد في ذلك بجناب “الناظر” والسيد أحمد الأفنان الذي اتهم بسرقة تسعين جنيهاً نقداً إلى جانب مستندات قيّمة وأخذها إلى عكاء. ويؤكد حضرة بهاء الله في ذلك اللوح بأن كل هذه المفتريات نشأت أصلاً عن ميرزا يحيى في قبرص ثم تم تنفيذها من خلال مكائد الشيخ محمد اليزدي.
وكان اثنان من محرضي هذا التدبير الخبيث هما الشيخ أحمد روحي وآقا خان الكرماني، وكلاهما من مقاطعة كرمان، وقد تعاونا لسنوات عديدة للنيل من سمعة حضرة بهاء الله. وصلا إلى الآستانة في حوالي عام 1888م، وتوجّها بعدها بقليل إلى قبرص لملاقاة زعيمهما ميرزا يحيى. نتج عن تلك الزيارة زواجهما بابنتيه، زواجان سرعان ما انهارا.
كان ميرزا آقا خان والشيخ أحمد ذكيين بدرجة عالية، وكاتبين موهوبين ذوي معرفة واسعة ومن بين مجموعة الأزليين في الآستانة كانا العنصرين المتميزين. وقد أدانهما حضرة بهاء الله في كثير من ألواحه بكونهما تجسيداً للشر ومصدر كل فساد وفتنة. وقد سبق لحضرة بهاء الله أن نوّه في “الكتاب الأقدس”، قبل شروعهما بأنشطتهما المعادية للأمر بزمن طويل، بوجود نذر الشر في كرمان، مصرّحاً بما كان يختمر في تلك الديار من وضع لا يرتضيه الله ومحجوب عن بصائر العباد، ووعد بأن الله سوف يُظهر فيها رجالاً ذوي بأس شديد يذكرونه. ولم يستطع أحد أن يعرف هوية مرتكب ذلك الشر حتى بدأ الشيخ أحمد حركاته سيئة الصيت ضد أمر الله. لكن اتضح ذلك جلياً فيما بعد من خلال عدة ألواح إذ أشار حضرة بهاء الله بأن ما سبق ذكره في “الكتاب الأقدس” بهذا الموضوع إنما كان إشارة إلى الشيخ أحمد روحي. كان الأخير ابن الملاّ جعفر الكرماني، وهذا من الأزليين وعدو لدود لحضرة بهاء الله.
في لوح(8) أنزله حضرة بهاء الله سنة 1880م بكلمات كاتب وحيه، يبين كيف أن الشيخ أحمد كان في سابق الأيام “يُظهِر الإقبال والخلوص” بينما كان يرتكب الأفعال الدنيئة والحقيرة. “ولمّا ظهرت أسرار باطنه وخاب في مسعاه بعث عدة عرائض” إلى حضرة بهاء الله بواسطة أحد المؤمنين، “مليئة بالابتهال والإنابة والاستغفار”. وقد أظهر في تلك الرسائل من علائم الخضوع والتذلل ما قد يقنع القارئ بإخلاصه وصدقه. في لوح(9) آخر أنزل حوالي ذلك التاريخ، يصرح ميرزا آقا جان (كاتب الوحي) بأن حضرته أجاب على رسائله بقوله: “ستفوز بالعفو الإلهي لو تكون مستقيماً على الأمر“. لكن مع كل ذلك لم يبر بوعوده، ومال إلى جانب ميرزا يحيى، ونشر اتهامات باطلة ضد أمر الله مسبّباً ألماً ومعاناة عظيمين لحضرة بهاء الله. وبذلك عمل على تحقق ما أنبأ به حضرته في “الكتاب الأقدس” بخصوص “أرض الكاف والراء” (كرمان).
وأمّا شريكه، ميرزا آقا خان، فكان يتودد للأحباء في الآستانة، ومن خلالهم جمع قدراً كبيراً من المعلومات عن حضرة بهاء الله وأنشطة البهائيين في مختلف الأصقاع. بل إنه طلب الإذن لزيارة حضرة بهاء الله وعند وصوله اتضح أن نواياه لم تكن شريفة ولا صادقة. ويذكر حضرة عبد البهاء في أحد ألواحه(10) بأنه عندما قدم ميرزا آقا خان إلى عكاء أشار إلى أن غايته من الزيارة كانت عرض بعض الأسئلة استقصاء للحقيقة. لكن حضرة بهاء الله أشار إلى أن غايته لم تكن كذلك بل شيئاً آخر وأنه قريباً سيظهر على حقيقته. وفعلاً لم يتقدم آقا خان بأية أسئلة أثناء وجوده في عكاء، وعند عودته إلى الآستانة نشر مقالاً ذكر فيه أنه لم يكن مقتنعاً ولا راضياً بالإجابات، بينما كان ميرزا يحيى قد أقنعه أصلاً وحل له مسائله.
ويصرح حضرة بهاء الله في أحد ألواحه(11)، إشارة إلى ميرزا آقا خان، بأنه “بعد ظهور الحجة والبرهان، إذا أعرض شخص عن محبوب العالمين فإنه سيلقى جزاء عمله”. وكما سنرى، فقد أعدم هذا الرجل الغادر بأبشع نحو بعد صعود حضرة بهاء الله بحوالي أربعة أعوام.
من بين الأسلحة التي كانت بيد آقا خان الصحيفة الفارسية “أختر” التي كانت تصدر في الآستانة. في وقت ما تمكن من السيطرة عليها بحيث ظل ينشر لعدة سنوات بيانات كاذبة وطعن في أمر الله ومؤسسه وأتباعه، كالافتراءات ضد الأفنان الكبير التي ذكرت في الصفحتين 385–386 أعلاه. وهذه هي الصحيفة نفسها التي أتى على ذكرها حضرة بهاء الله في “لوح ابن الذئب”. ويشير مرة أخرى إليها بقوله:
“… وباختصار فقد ألهبوا عدداً من الصحف مثل أختر وغيرها وانشغلوا بنشر المفتريات. ومن الواضح والمعلوم أنهم أحاطوا بأسياف الضغينة وسهام البغضاء من كان مردوداً من العباد ومطروداً من البلاد. ليس هذا أول أمر ظهر بالظلم ولا أول قارورة كسرت ولا أول ستر هتك في سبيل الله رب العالمين. وهذا المظلوم مشغول بأمور نفسه في السجن الأعظم ساكتاً صامتاً ومنقطعاً عن غير الله. قد وصل الظلم إلى مقام بحيث عجزت الأقلام عن تحريره.”(12)
وقد وجد الشيخ أحمد وميرزا آقا خان قناة أخرى في الآستانة لإفراغ سمومهما وحقدهما وتأييد خططهما اللئيمة. كانت هذه جمعية “العروة الوثقى” بقيادة جمال الدين الأفغاني، ذلك الشخص المخادع الذي كان يسعى للإطاحة بناصر الدين شاه في إيران. في باطنه كان ضد البابيين، ولكنه كان يلعب في ميادين السياسة، ولذا لم يجد الرجال الثلاثة صعوبة في استجماع قدراتهم وإمكاناتهم معاً لخلق الضرر والأذى في كل مكان. لقد راق هذا الاتحاد للأزليَيْن كثيراً، لأنهما كانا من مؤيدي الإطاحة بحكومة إيران، والتي كانت سياسة ميرزا يحيى وأتباعه. لذا فإن المكائد والدسائس التي حاكها هؤلاء الثلاثة لم تعرف حدوداً ولا نهاية. فقد كتب جمال الدين مقالاً ضد أمر الله في موسوعة عربية طبعت في بيروت والتي صرح حضرة بهاء الله بشأنها في “لوح الدنيا” بأن “نشر الشخص المذكور بحق هذا الحزب في صحف مصر ودائرة معارف بيروت ما تحير منه أصحاب العلم والمعرفة.” توجّه جمال الدين بعد ذلك إلى پاريس حيث نشر صحيفة بعنوان “العروة الوثقى”. ونظراً لكونه رجلاً بوجهين، استمر يرسل نسخة منها إلى المولى (حضرة عبد البهاء) كل أسبوع كرمز صداقة، وعرض بالوقت نفسه أن ينشر أي بيان قد يرغب المولى بنشره، وهو عرض لقي تجاهلاً تاماً.
نجح أحد أنصار جمال الدين في إيران في اغتيال ناصر الدين شاه في سنة 1896م. من وقتها تطورت الأحداث بسرعة. من بينها إعادة ثلاثة رجال إلى إيران من بينهم الشيخ أحمد وميرزا آقا خان، بأمر من سلطان تركيا، حيث قطعت رؤوسهم في تبريز بأمر من ولي العهد الأمير محمد علي ميرزا لارتكابهم أعمال خيانة ضد بلدهم. وبذلك أصيبت مكائد الأزليين ومخططاتهم بضربة قاتلة في الآستانة. أمّا جمال الدين الأفغاني فقد سلم من الشِباك ومات بعد ذلك بعام واحد.
إن العذاب والآلام التي ألحقها هذا الفصل المطول، والذي امتد قرابة عقد كامل من الزمن، بحضرة بهاء الله يبدو جلياً من مضامين العديد من ألواحه. على سبيل المثال، ذكر حضرة بهاء الله للافتراءات التي وجهت للأفنان الكبير كما شرحت أعلاه. يكتب عنها في “لوح ابن الذئب” عبر الفقرات التالية:
“… في المدينة الكبيرة قاموا بتأليب جمع غفير من الناس ضد هذا المظلوم ووصل الأمر لدرجة أن مأموري الدولة في تلك البلاد تمسّكوا بما هو سبب ذلة الدولة والملة. وقد زار بيروت ذات مرة أحد الأسياد الكبار الذي شهد أكثر المنصفين بقدره وأعماله المقبولة وسمعته التجارية المشهورة. ونظراً لمحبة ذلك السيد لهذا المظلوم فقد أرسلوا برقية إلى المترجم الإيراني يتهمون فيها السيد المذكور بسرقة نقود وأشياء أخرى بمعاونة خادمه وتوجه بها إلى عكاء. وكان المقصود من هذا العمل إذلال هذا المظلوم… ولكن هذا المظلوم يطلب من الله الحق أن يوفق الكل بما يليق بهذه الأيام.”(13)
ويصرح في موضع آخر:
“وكذلك فإن جمعاً آخر مشغولون بالكذب والافتراء وليس لهم قصد سوى إدخال الشبهات في الأفئدة والقلوب. وكلما توجّه شخص من المدينة الكبيرة إلى هذه الأرض يرسلون فوراً برقية يخبرون فيها بأنه سرق أموالاً وتوجّه بها إلى عكاء. وقد توجّه شخص عالم وكامل وفاضل في آخر عمره إلى الأرض المقدسة بقصد الاعتكاف إلاّ أنهم كتبوا في حقه ما ارتفعت منه زفرات المخلصين والمقربين.”(14)
إن الموصوف بـ”عالم وكامل وفاضل” في هذه الفقرات هو الحاج ميرزا سيد حسن المعروف بالأفنان الكبير، شقيق حرم حضرة الباب وبالوقت نفسه ابن عم والدة حضرته. كان له انجذاب شديد لشخص حضرة الباب، وأصبح من المؤمنين به في يزد عن طريق الجهود التبيلغية للحاج محمد إبراهيم، الذي لقبه حضرة بهاء الله بالمبلّغ. ولهذا المبلّغ نفسه أنزل حضرته اللوح المقتبس ضمن “لوح الإشراقات” (“مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحات 16–19، وفي “لوح ابن الذئب”، طبعة ألمانيا، الصفحات 86–88؛ طبعة مصر، الصفحات 96–99).
كان الأفنان الكبير سنداً قوياً لأخته خديجة بگم، حرم حضرة الباب، في فترة وحدتها وغمّها. وفي لاحق أيامه ابتهج عندما تزوج أحد أبنائه، السيد علي، بفروغية، إحدى بنات حضرة بهاء الله. إلاّ أنه لم يعش ليشهد سقوط هذين الاثنين اللذين نقضا العهد وهلكا روحياً.([5]) وكان الأفنان يحمل حباً عظيماً لحضرة بهاء الله وفي أواخر فترة حياته أذن له بالذهاب إلى الأرض الأقدس وقضاء بقية أيامه هناك. عاش بجوار قصر البهجة، ووافته المنية بعد نحو عام من صعود حضرة بهاء الله. وقد أشاد به حضرة عبد البهاء في كتاب “تذكِرة الوفاء” وفيما يلي موجز من سيرة حياته بقلم المولى:
إن الحاج ميرزا حسن الأفنان الكبير كان من أعاظم المهاجرين والمجاورين. قد فاز في أواخر أيامه بشرف الهجرة وتوفّق بالإقامة بجوار العناية الربانية. أمّا نسبه فيعود إلى النقطة الأولى، روحي له الفداء. وقد نصّ القلم الأعلى على أنه من أفنان السدرة المباركة وكان له النصيب الوافر بأن رضع، وهو طفل في سن الرضاع، من ثدي عناية حضرة الأعلى وكان تعلقه بذلك الجمال المنير لا يُضارع. ولمّا بلغ سن المراهقة، اندمج في صفوف ذوي المدارك العالية وقام بتحصيل العلوم والفنون وكان لا يفتأ ليلاً نهاراً في إشغال الفكر في المسائل الإلهية. وقد أخذته الحيرة لمّا شاهد انتشار الآيات الكبرى في الآفاق. تضلّع في العلوم الاكتسابية كالرياضيات، والهندسة، والجغرافيا، وطال باعه في علوم شتى وكان كثير الاطلاع واقفاً على آراء السلف والخلف.
صرف القليل من أوقات ليله ونهاره في الاشتغال بالتجارة، غير أنه كان يصرف معظم أوقاته في المطالعة والمذاكرة وكان حقاً علامة الآفاق وسبب عزّة أمر الله بين العلماء الأعلام، يحلّ المسائل المعضلة والمشكلة بمختصر العبارات وبمنتهى الإيجاز. وهذا من ضروب الإعجاز.(15)
إن إحدى الموضوعات الرئيسة في “لوح ابن الذئب” هو كشف حضرة بهاء الله عن مقامه كمظهر كلي إلهي. في أوائل أيام ظهوره حينما زج به في غياهب سياه چال بطهران، ذلك السجن الذي شهد ميلاد بعثته السماوية، كان حضرة بهاء الله قد ألمح في “رشح العماء”، وهي قصيدة معروفة،([6]) إلى مجيء يوم الله. ومنذ ذلك الوقت ما فتئ يعلن هذه البشارة في ألواح لا تعد ولا تحصى، وظل يعلن دون انقطاع، بينما كانت شمس ظهوره ترتفع نحو أوجها، هذا النبأ لعموم البشر معرفاً هويته بكونه مظهر الروح الإلهي الأعظم الذي بشر وتنبأ بمجيئه الأنبياء في الماضي.
كان بسبب عِظم هذا الإدعاء أن صعق أعداء أمر الله وأساؤوا فهم دعوة صاحبه وبياناته متهمين حضرته بادعاء جوهر الألوهية نفسها. في “لوح ابن الذئب” يفند حضرة بهاء الله هذا الزعم حين يخاطب الشيخ مصرحاً:
“قد طلبت أنت أو غيرك ترجمة سورة التوحيد حتى يُعلم لدى الكل ويثبت أن الحق لم يلد ولم يولد وأن البابيين ينسبون مقام الربوبية والألوهية لصاحب الظهور.”(16)
وسورة التوحيد (الإخلاص) إحدى أقصر سور القرآن الكريم وفيها إعلان وتأكيد وحدانية الله:
“قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد.”(17)
ويشرح حضرة بهاء الله معنى الألوهية بتفصيل واف، ويبين بأن ظهور الرب قد وعد به الأنبياء من قبل، ويقتبس أحد أحاديث النبي محمد ﷰ والأئمة الأطهار في دعم حججه،([7]) ويعرض للشيخ أسئلة كالآتي ليجد حلاً لها:
“ترى ماذا يقولون في هذه الفقرة التي تفضل بها خاتم الأنبياء روح ما سواه فداه إذ يتفضل: (سترون ربكم كما ترون البدر في ليلة أربعة عشر).”(18)
وكذلك يصرّح حضرته متفضلاً:
“لم ينتبه العباد للقصد من ذكر الألوهية والربوبية، إذ لو فعلوا لقاموا عن مقاعدهم وقالوا تُبنا إلى الله. يتفضل حضرة الخاتم روح ما سواه فداه: لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو نحن وهو هو ونحن نحن.“(19)
يكشف حضرة بهاء الله للشيخ في هذا اللوح عظمة مقامه ومجده، ومن خلاله يعلن ذلك للبشر كافة. فيزف حضرته البشارة التي طالما تنبأ بها الأنبياء السابقون وهي أن اليوم الموعود، حين الذي يشاهد الناس وجه الله ويحضرون للقائه، قد جاء. ونقتبس فيما يلي بعض مما أورده حضرته من مقتبسات في “لوح ابن الذئب”([8]):
من القرآن الكريم: “من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم.”(20)
من سفر إشعياء: “على جبل عال اصعدي يا مبشّرة صهيون ارفعي صوتك بقوة يا مبشّرة أورشليم ارفعي لا تخافي قولي لمدن يهوذا هو ذا إلهك هو ذا السيد الرب بقوة يأتي وذراعه تحكم له.“(21)
من سفر عاموص: “فاستعد للقاء إلهك يا إسرائيل فإنه هو ذا الذي صنع الجبال وخلق الريح وأخبر الإنسان ما هو فكره الذي يجعل الفجر ظلاماً([9]) ويمشي على مشارف الأرض يهوه إله الجنود اسمه.”(22)
من كتابات حضرة الباب([10]): “وفي سنة التسع([11]) أنتم بلقاء الله ترزقون.” “إنه هو الذي ينطق في كل شأن إنني أنا الله.”(23)
في كثير من ألواحه فسر حضرة بهاء الله معنى لقاء الله في هذا اليوم، وفي حين ادعائه بأنه يمثله على هذه الأرض، فإنه يفرق بنحو قاطع لا لبس فيه أو غموض بين نفسه وبين الذات الإلهية. فنحن نلاحظ بأن حضرته يعلن من ناحية “إنني أنا الله”، ومن ناحية أخرى، يصرّح للشيخ: “إن هذا العبد وهذا المظلوم يستحي أن ينسب لنفسه أي مرتبة في مراتب الوجود فكيف بالمقامات الأعلى منها!” ولقد سبق بحث وشرح هذا التناقض الظاهري ومقام حضرة بهاء الله الحقيقي بتفصيل واف في هذا المجلد([12]) ومجلدات أخرى.
ومرة أخرى يشرح حضرة بهاء الله هذا الموضوع الهام في “لوح ابن الذئب” قائلاً:
“كان وعد اللقاء صريحاً في جميع الكتب الإلهية. والمقصود من هذا اللقاء لقاء مشرق الآيات ومطلع البينات ومظهر الأسماء الحسنى ومصدر الصفات العليا للحق جل جلاله. كان الحق بذاته وبنفسه غيب منيع لا يدرك. إذاً المقصود من اللقاء هو لقاء من هو قائم مقام الحق ما بين العباد. وليس للحق شبه ولا مثيل ولن يكون، إذ لو جاز ذلك كيف يثبت تقديس ذاته وتنزيه كينونته عن الأشباه والأمثال.”(24)
في سائر فقرات “لوح ابن الذئب” لا ينفك حضرة بهاء الله ينصح الشيخ لينتبه لرسالته ويتفحص أمره. وإذ يخاطب حضرته أحد ألد أعدائه، هذا المجتهد المتعطش للدماء، فإنه يستدعيه بأسلوب وعبارات جياشة تنم عن الرحمة والشفقة في آن واحد، عسى أن يصلح أساليبه ويغير مواقفه ويتوجه إلى الله حق التوجّه. إن الفقرات التالية المقتطفة من هذا اللوح العظيم لتشهد على سعة رحمة الله وعناياته ورحمته، والتي لا يمنعها حتى عن ألد أعدائه:
“يا شيخ إنا سمعنا أن جنابك أعرضت عنا واعترضت علينا حيث أمرتَ الناسَ بسبّي وأفتيت على سفك دماء العباد…”(25)
“يا شيخ حقاً أقول قد فك ختم الرحيق المختوم([13]) باسم القيوم فلا تحرم نفسك عنه.”(26)
“يا شيخ قسماً بشمس الحقيقة التي أشرقت ولاحت من أفق سماء السجن إن هذا المظلوم لم يكن يقصد سوى الإصلاح.”(27)
“يا شيخ إن نفحات الوحي تمتاز عن دونها والبيان الإلهي ما بين الكتب هو بمثابة الشمس المشرقة اللائحة.”(28)
“يا شيخ إن الحق جل جلاله حين يظهر بمظاهر نفسه يأتي بعَلَمِ يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد… ليس لأحد أن يقول لِمَ وبِمَ ومن قال إنه أعرض عن الله رب الأرباب.”(29)
“يا شيخ قد ورد على هذا المظلوم ما ليس له شبيه ولا مثيل وقد حملنا ذلك كله بكمال التسليم والرضا لأجل تهذيب النفوس وارتفاع كلمة الله.”(30)
“يا شيخ قد أخذنا زمام الأمور بالقوة الإلهية والقدرة الربانية أخذ عزيز مقتدر. ولا يقدر أحد على الإفساد أو الفتنة. والآن حيث لم يعرفوا قدر عنايته وألطافه فإنهم يبتلون بجزاء أعمالهم.“(31)
في فقرات أخرى نجد أن حضرة بهاء الله يدعو الشيخ لاعتناق أمره والقيام على ترويجه وتأييده بين شعوب العالم. وليس بمقدور أحد سوى مظهر الله الأعظم أن يخاطب عدواً شريراً بكلمات كهذه:
“يا شيخ إن المظلوم يسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلك فاتح باب الإنصاف ويظهر بك أمره بين العباد إنه هو المقتدر العزيز الوهاب.”(32)
ويضيف أيضاً قائلاً:
“يا شيخ اقصد شاطئ البحر الأعظم ثم ادخل في السفينة الحمراء([14]) التي قدرها الله لأهل البهاء في قيوم الأسماء([15]) وإنها تمرّ على البر والبحر من دخل فيها نجى ومن أعرض هلك. إذا دخلت وفزت ولِ وجهك شطر كعبة الله المهيمن القيوم وقل اللّهم إني أسألك من بهائك بأبهاه وكل بهائك بهيّ.([16]) إذاً تُفتحُ على وجهك أبوابُ الملكوت وترى ما لا رأت العيون وتسمع ما لا سمعت الآذان.”(33)
كما يدعو حضرة بهاء الله الشيخ في عدة فقرات من اللوح للحضور بين يديه ليشهد بنفسه إنزال آيات الله من سماء الوحي. وفي إحدى هذه الفقرات يخاطب الشيخ قائلاً:
“يا شيخ تفكّر فيما ذُكر لك عسى بقوة اسم القيوم أن تنهل من الرحيق المختوم وتنال ما عجز الكل عن إدراكه. شدّ إزار الهمة واقصد الملكوت الأعلى عسى حين تنزيل الآيات أن تعبق مشامك بنفحات الوحي والإلهام وتفوز بها. حقاً أقول ليس لأمر الله شبيه ولا مثيل ولن يكون. فاخرق حجبات الأوهام، إنه يمدّك ويؤيدك فضلاً من عنده وهو القوي الغالب القدير. وإذ لا زال هناك متسع من الوقت فلا تحرم نفسك من استماع حفيف السدرة المباركة التي تنطق ما بين البرية بأعلى النداء… توكّل على الله وفوّض أمورك إليه ثم احضر في السجن الأعظم لتسمع ما لا سمعت الآذان شبهه وترى ما لا رأت العيون والأبصار. هل يبقى بعد هذا البيان حجة لأحد لا ونفس الله القائمة على الأمر.”(34)
ولو أن “لوح ابن الذئب” كان قد أنزل خطاباً للشيخ محمد تقي، إلاّ أن كثيراً من بيانات حضرة بهاء الله موجّهة إلى عموم البشر، وبعضها إلى أشخاص معينين. إلى جانب ما ورد فيه من إشارات إلى أحداث تاريخية وبسط تعاليمه وتبيانها، فإن مجالاً لا يستهان به قد خصص لذكر خيانة ميرزا يحيى وأتباعه، والذين سماهم “أهل البيان”، وكذلك مكائد السيد محمد الإصفهاني، ونشاطات ميرزا هادي دولت آبادي وآخرين عديدين. إن محاولة التوسع في الحديث عن كل هذه الموضوعات سيتطلب مجلداً خاصاً بها، علماً أنه في الواقع قد سبق بحثها في هذا المجلد وما سبقه ضمن هذه السلسلة. ولمساعدة القارئ في دراسة هذا العمل الكتابي الرئيس الأخير لحضرة بهاء الله – ”لوح ابن الذئب” – أوردنا بعض الملاحظات كملحق لهذا المجلد (رقم 3).
بصعود ([1]) حضرة بهاء الله في 29 أيار سنة 1892م توقّف أعظم وأخطر وحي للظهور الإلهي، يفوق ويسمو على كل ما سبقه من ظهورات سماوية. فطيلة أربعين عاماً تقريباً جُعل كوكب الأرض “موطئ قدم” ربه، واختير “مقر عرشه العظيم“. ذلك عندما تنفّس صبح يوم الله، اليوم الذي “طالما اشتاق الرسل وأصفياء الله أن يشهدوه”. إن “الأب الأبدي” و”الإله الجبار”، المنتظر ظهوره في هيكل الإنسان، كما تنبأ إشعياء وأنبياء آخرون، قد أظهر نفسه. “إن الغاية من وراء الخليقة كلها”، كما شهد حضرة بهاء الله بأنه “ظهور هذا اليوم الأقدس الأسمى”، قد تحققت. وخلال أربعة عقود من الزمن غمرت هذه الأرض ببحر محيط من وحي ظهور الله، انبعثت من أثره طاقات هائلة روحانية لتجديد حياة البشرية، طاقات تكفي لخلق الحضارة البهائية، عند تمام الوقت، والتي قدر لها بدورها أن تمهد لافتتاح مرحلة في عمر الإنسانية يكون الخلق البشري فيها قد بلغ من الرفعة ونبل الصفات ما يجعل هذا العالم يبدو كصورة تعكس ملكوت الله.
بصعود حضرة بهاء الله انقطعت نسائم وحي آيات الله كما توقف انبعاث تلك الطاقات الروحية، ولن يعود قبل مضي ما لا يقل عن ألف سنة كاملة. ولقد تم تحقق صحة هذه الكلمات التي أنزلها قلم وحيه في بغداد تحققاً كاملاً بعد صعوده:
“يا ابن الروح
يأتي وقت يمنع فيه بلبل القدس المعنوي عن بيان أسرار المعاني ويُحرم الكل عن النغمة الرحمانية والنداء السبحاني.”(1)
حدث صعود حضرة بهاء الله في قصر البهجة، ولا يمكن وصف ما أحدثه من جزع واضطراب بين أتباعه. وقد خلّف النبيل الأعظم، وكان من عاشقي الجمال المبارك وأحد حوارييه المتفانين، للأجيال القادمة وصفاً مؤثراً لهذه الحادثة المفجعة. فيما يلي موجز لروايته التي سمعها من حضرة عبد البهاء:
كما سمعنا من غصنه([2]) الأعظم وسره الأكرم
قبل وقوع هذه الرزية العظمى بتسعة أشهر تفضل حضرة بهاء الله قائلاً: “ما عدت أريد البقاء في هذا العالم.” وكان يتكلم مع الأحباء الذين تشرفوا بلقائه طيلة هذه الشهور التسعة عن الوصايا والبيانات التي يستشم منها عرف الوداع الذي كان يتأهب له بسرعة ويستعد. ولكنه لم يظهر ذلك بصراحة.
حتى كانت ليلة يوم الأحد في الحادي عشر من شهر شوال الموافق ليوم الخمسين بعد النوروز، ففي تلك الليلة ظهرت آثار الحمى في جسد المبارك ولكن حضرته لم يظهر شيئاً. وفي صبيحة اليوم التالي تشرف بمحضره جميع الأحباء وعند العصر اشتدت حرارة الحمى وبعد العصر لم يتشرف سوى واحد من الأحباء حيث كان مثوله ضرورياً. وفي يوم الاثنين – وهو اليوم الثاني – لم يتشرف بلقائه أيضاً سوى واحد من الأحباء. وفي اليوم الثالث، أي يوم الثلاثاء، استدعاني حضرته عند الظهيرة فتشرفت قريباً من نصف الساعة كان خلالها يتمشى طوراً ويجلس قليلاً ويظهر لي عناياته الكافية ويمطرني ببياناته الوافية.
فيا ليت كنت أدري أنه اللقاء الأخير حتى أمسك بذيل ردائه وأرجوه أن يقبلني فداء له وأن يخرجني من دار الغرور هذه إلى بحر السرور، آهٍ آهٍ قضى وأمضى.
وفي عصر ذلك اليوم تشرف بمحضره جناب الحاج نياز قادماً من مصر وتشرف معه جمع من الأحباء وفتح باب اللقاء للجميع ففاز الأحباء بلقائه زرافات حتى الغروب. وبعد ذلك اليوم لم يفز أحد من الأحباء بالمثول وسد باب اللقاء واسودت السماء من أنين المهجورين وحنينهم. ومجمل القول تتابعت الأيام والليالي على هذا المنوال حتى جاء يوم الاثنين أي اليوم التاسع، وكان ذلك يوم الأحزان للمحبّين. نزل في هذا اليوم حضرة غصن الله الأعظم إلى محل المسافرين وأبلغ الجميع تحيات الجمال المبارك وذكر بأن حضرته تفضل قائلاً: “يجب على الكل أن يقوموا على ما يؤدي إلى رفع شأن أمر الله صابرين ساكنين ثابتين راسخين وألاّ يضطربوا لأني سأكون معهم وأينما كنت أذكرهم وأفكر فيهم.” فأحرقت هذه البيانات قلوب الحاضرين لأن منها كان يستشم عرف وداع مالك الإبداع، وكاد أن يذهب بهم التشويش والقلق إلى حد الهلاك.
فمن باب اللطف والرحمة بدل ذلك المحبوب غدهم – أي يوم الثلاثاء وهو اليوم العاشر – بيوم سرور وبهجة وغبطة، إذ نزل حضرة غصن الله الأعظم عند طلوع الفجر وبشّر الجميع بصحة حضرة بهاء الله وسلامته وكان وجهه كالورد المتفتح ضحوكاً وأخذ يوقظ المسافرين واحداً تلو الآخر ببشرى رحمة المولى الكريم قائلاً: “قوموا واحمدوا الله واشكروه واشربوا الشاي ببهجة وسرور، حمداً لنفسه الأعلى الأبهى بأن صحة الجمال المبارك على ما يرام وآثار العناية العظمى ظاهرة من جبينه المبارك.” وفي الحقيقة عمّ السرور قلوب المحبين والطائفين حول عرش حضرته في ذلك اليوم البهّاج سروراً عظيماً بانت علاماته على جميع أهالي عكاء بل سرت إلى سكان برّ الشام أجمعين، وكان الكل من عام وخاص مشغول بالتهنئة والتمجيد وكأنهم في يوم عيد.
حيث أنه منذ يوم حدوث الحمى حجزت الحكومة زهاء ألف شخص من الفلاحين والفقراء قسراً وألبستهم اللباس العسكري وأخذت تدربهم تدريباً عسكرياً لإرسالهم إلى الجبهة في أقصى الديار، وكانت خيامهم بالقرب من القصر المبارك وكان حنين ذويهم وبكاء أطفالهم ونسائهم متعالياً ليلاً ونهاراً من كل مكان. وفي صباح ذلك اليوم السعيد بالذات – يوم الفرح والسرور – وصلت فجأة برقية من السلطان تأمر بإطلاق سراح الجميع ففاز الكل بخلعة السرور والحبور بيمن مالك الوجود. وأمر حضرة الغصن الأعظم بذبح عدد من الخرفان وزعت على الفقراء والأسرى والمساجين واليتامى على نحو دلعت ألسنة الجميع بالشكر ممن كانوا داخل عكاء أو خارجها طالبين بقاء نعمة المحبوب الأبهى وكان ذلك اليوم يوماً مشهوداً لم يخطر مثله على بال أحد في جميع أنحاء برّ الشام.
وشرّف عكاء حضرة الغصن الأعظم في نفس اليوم وبلّغ الأحباء رجالاً ونساء في منازلهم تحيات حضرة بهاء الله وفي عصر يوم الأحد – وهو اليوم الخامس عشر – فاز بلقائه المبارك في القصر كل الأحباء وجمع كبير من المهاجرين والمسافرين، وكان حضرته في سريره متكئاً على حضرة غصن الله الأعظم والأحباء من حوله يبكون فرحاً وقد عرتهم البلبلة من فرط السرور، وكان لسان العظمة ينطق مع الجميع بكل لطف ومكرمة قائلاً: “إني راض عنكم جميعاً كلكم خدمتم وتعبتم وأتيتم صباحاً ومساء، أيدكم الله ووفقكم على الاتحاد وارتفاع أمر مالك الإيجاد.” وكان ذلك تشرّفهم الأخير بمحضره المبارك، ومن بعده غلق باب اللقاء على أهل الأرض والسماء…
حتى أتت ليلة السبت وهي الليلة الحادية والعشرين من حدوث الحمى والتي توافق لليوم الثاني من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1309 هجرية والتاسع والعشرين من أيار سنة 1892 ميلادية واليوم الثالث عشر من شهر العظمة لسنة 49 بديع، واليوم السبعين بعد النوروز، فشاءت إرادة سلطان البقاء المحتومة أن يخرج المحبوب من سجن عكاء ويعرج إلى ممالكه الأخرى “التي ما وقعت عليها عيون أهل الأسماء“، كما نزل في “لوح الرؤيا”([3]) قبل 19 عاماً، فاضطربت عوالم ربّ الأرباب من هذا الانقلاب الواقع في هذا العالم الترابي. وفي الساعة الثامنة أي الثالثة بعد منتصف الليل من تلك الليلة الظلماء التي فيها بكت السماء على الثرى، ظهر ما نزل من لسان الله في كتابه الأقدس،([4]) ويعجز لسان القائل عن بيان ذلك الحال “الملك والملكوت لله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.”… وفي وسط الاضطراب السائد، كنا نشاهد تجمع حشود من أهالي عكاء والقرى المجاورة حوالي القصر وهم يبكون ويلطمون رؤوسهم في نواح مسموع…
وبعد تلك الفاجعة العظمى ولمدة أسبوع كامل بسطت الأسرة الثكلى بيد السخاء والكرم موائد الطعام لعدد عظيم من المعزين من كل الطبقات الاجتماعية… هذا ومن اليوم الثاني لصعود الحي القيوم إلى مقامه الأقدس الأمنع المحتوم المكتوم بدأت تصل برقيات التعازي إلى حضرة غصن الله الأعظم من رجال العلم والأدب والشعراء المسلمين والمسيحيين. فبعثوا بقصائدهم الغراء بمدائح المحبوب – الإلهي – وتعداد أفضاله ويندبون وينوحون فقده…(2)
وبالكلمات التالية يصف حضرة شوقي أفندي بعض الأحداث عقب صعود حضرة بهاء الله:
وسرعان ما طيّرت أنباء صعوده إلى السلطان عبد الحميد في برقية بدأت بأن “قد أفلت شمس البهاء”، وفيها أحيط السلطان علماً بنيّة دفن رفاته المقدسة في حرم قصر البهجة، فوافق السلطان على ذلك في الحال. فأخلد حضرة بهاء الله إلى الراحة في الغرفة الشمالية القصوى من المنزل الذي كان يسكنه زوج ابنته، وهو المنزل المتجه إلى الشمال من بين المنازل الثلاثة الواقعة إلى الغرب من القصر والملاصقة له. وكان دفنه يوم صعوده بعد الغروب بقليل… واشترك النابهون في التفجع على هذا الخطب الجلل، ومنهم الشيعي والسني والمسيحي واليهودي والدرزي والشاعر والعالم ورجل الدولة. وظلوا يعددون مناقب حضرة بهاء الله ومآثره ونواحي عظمته. وكتب كثير منهم المدائح شعراً ونثراً بالعربية والتركية. ووردت المدائح المماثلة من بلاد قصية كدمشق وحلب وبيروت والقاهرة. ولقد عرضت هذه الشواهد المشرقة كلها على حضرة عبد البهاء الذي أصبح يمثل أمر الزعيم الراحل، والذي اختلط تمجيده في هذه المدائح بذكر محامد والده العظيم ونعوته.
ومع ذلك فلم تكن هذه الشواهد الوفيرة الدالة على الحزن، وتلك التعبيرات الناطقة بالإعجاب، تلك التي أثارها صعود حضرة بهاء الله في صدور غير المؤمنين في الأرض المقدسة وما حولها، إلاّ قطرة إذا هي قورنت ببحار الأسى وشواهد الإخلاص البالغ التي تموجت، ساعة غروب شمس الحقيقة، في قلوب الآلاف المؤلفة ممن اعتنقوا أمره وعزموا على أن يرفعوا رايته في إيران والهند وروسيا والعراق وتركيا وفلسطين ومصر وسوريا.(3)
أمّا النبيل، الذي كان قلبه يتلظى بنار الفجيعة، فقد ألقى بآخر كلمة إجلال وثناء بحق مولاه في هذه الأسطر حيث يناجيه متضرعاً فيقول:
يا سلطان الإيجاد ومالك المبدأ والمعاد! في ظهورك وغيابك كنت علة سكينة قلوب العباد وعمار البلاد. فمن حين استوائك على عرشك الأعلى وهيكلك الأعز الأمنع العلي الأبهى ساعة فجر ثاني محرم الحرام سنة 1233ﻫ، إلى حين ارتقائك إلى ممالك البقاء والعوالم الأخرى، بثماني ساعات بعد غروب ليلة السبت الثاني من ذي القعدة سنة 1309ﻫ، فترة دامت سبعاً وسبعين سنة إلاّ شهرين طبقاً للتقويم القمري… كنتَ في كل الأحوال، وفي الغدو والآصال، وفي كل شهر وكل سنة، سبب عزة العالم والأمم. ما من سائل ولا آمل رجع محروماً عن باب جودك دون أن يفوز بالبهجة العظمى والعطية الكبرى، ولم يغادر مهموم محروم محضرك الأنور إلاّ بالسرور الأعظم والرجاء الأتم. والآن حاشاك من أن لا تفرج عن هذا العبد بؤسه الشديد، ولا تدخله في رحاب نعيم سرمدي. إنك أنت الله لا إله إلاّ أنت.(4)
ولكن النبيل هذا، الذي كلفه حضرة عبد البهاء باختيار وتجميع تلك الفقرات من كتابات حضرة بهاء الله التي تؤلف نص “لوح الزيارة”، الذي يتلى حالياً في مقامَي حضرة بهاء الله وحضرة الباب، لم يستطع تحمل وقع الفاجعة بعد صعود مولاه. وإلى جانب عذاب الفراق عن محبوبه سرعان ما لاحت مصيبة أشد وطأة وأمض حدة، ألا وهي نقض العهد والميثاق من قبل إخوة حضرة عبد البهاء، والتي وإن لم تتفجر علناً حتى ذلك الوقت، إلاّ أنها كانت ملحوظة ظاهرة لمن كان على صلة وثيقة بالعائلة المباركة. فلم يستطع النبيل تحمل آلام تلك الأيام العاصفة ولا مرارتها القاسية الهوجاء. فأقدم على الانتحار غرقاً في البحر بعد صعود حضرة بهاء الله([5]) ببضعة أشهر.
في أثناء فترة مرضه دعا حضرة بهاء الله أفراد عائلته إلى جواره، وفي سياق كلمات وداعه الأخير طمأنهم وأكد لهم بأنه قد ترك لهم في وثيقة خاصة أودعها لدى حضرة عبد البهاء يبين لهم بوضوح ما يوجه خطاهم في خدمة أمر الله. وهذه الوثيقة المشار إليها كانت وصيته المعروفة “كتاب عهدي”،([6]) كما دعاها حضرته. وفي صباح اليوم التاسع بعد الصعود، وبحضور تسعة شهود اختيروا من بين أفراد عائلة حضرته والأحباء، تليت هذه الوثيقة المحررة بخط يد حضرة بهاء الله بصوت عال من قبل آقا رضا قنّاد،([7]) وقرأت مرة ثانية عصر اليوم نفسه من قبل مجد الدين،([8]) في الحرم الأقدس (مرقد حضرة بهاء الله) بحضور عدد كبير من الأحباء. فلم يبق الآن أي شك بخصوص مركز العهد. لكن للأسف فقد حان للنار المتقدة في صدور إخوة حضرة عبد البهاء الخائنين منذ زمن بعيد، أن تندلع ألسنة لهيبها في هذا الوقت. فخلق هذا، بالإضافة إلى نزعة تواقة للرياسة جبل عليها ميرزا محمد علي، الناقض الكبر لعهد حضرة بهاء الله وميثاقه، أزمة حادة في صفوف أتباع الدين ومقدراته.
كانت علامات العصيان والتآمر على العهد قد ظهرت في يوم الصعود نفسه. فبينما كان الجثمان المقدس بانتظار إتمام الدفن بدأ أبناؤه الغادرون تآمرهم سراً لسلب “مركز العهد” ولايته وخلافته المشروعة التي ألقاها على كاهله صراحة حضرة بهاء الله نفسه. إن سرداً مفصلاً لهذا التمرد والمروق على العهد والميثاق يقع خارج نطاق هذا المجلد. وإنها رغبة ورجاء المؤلف، إن شاء الله، إخراج مجلد أو اثنين حول موضوع عهد حضرة بهاء الله وميثاقه كتتمة ملحقة للمجلدات الأربعة الحالية من “ظهور حضرة بهاء الله”. كما أن دراسة “كتاب عهدي” وبحثه بكل ما ينطوي عليه ستحتل مكاناً في هذه المجلدات المقبلة.
بصعود حضرة بهاء الله شهدت أهم وأخطر وأخصب فترة في تاريخ الدين نهايتها. فالطاقات الروحية المحدِّدة لمسار تقدم البشرية بلغت من القوة والنفوذ والشدة، بحيث حتى خلال ولاية حضرته، البالغة أربعين سنة، بدأت قدرتها الخلاقة بإظهار أثرها ونفوذها ليس فقط داخل الجامعة البهائية مباشرة بل خارجها أيضاً. قد نلاحظ بمشاعر الخشوع والعجب كيف، في غضون أشد سني ولايته اضطراباً، كان ممكناً أن تحدث منجزات غاية في الأهمية وبنحو إعجازي، إن لم ننسبها إلى فيض ظهوره.
فالتغيير الانقلابي السريع في سلوك الجامعة البابية أثناء وجود حضرة بهاء الله في العراق؛ وإنزال “كتاب الإيقان”، الذي يعتبر مفتاح فهم كل الأديان السماوية؛ وارتفاع مكانة حضرة بهاء الله وسمعته والطائفة التي كان يمثلها ويتزعمها في نظر الجمهور سواء في العراق أو أدرنة؛ والإعلان العام لدينه إلى ملوك العالم ورؤسائه؛ والانحطاط المطرد لنفوذ ميرزا يحيى؛ ونفي حضرة بهاء الله إلى الأرض الأقدس محققاً نبوءات الأديان السابقة؛ والتضحية بحياة ابنه المحبوب، الغصن الأطهر، كفداء في سبيل “حياة العباد واتحاد من في البلاد“؛ ومغادرته الإعجازية لثكنات عكاء؛ والاعتراف التدريجي من قبل أهالي عكاء بسجاياه الرحمانية وقدراته الخارقة؛ وإنزال “الكتاب الأقدس” وتشريع الأحكام التي وصفها حضرته بكونها “السبب الأعظم لنظم العالم وحفظ الأمم“؛ وورود أفواج الحجاج للتشرف بمحضره مما ترتب عليه اتساع نظرتهم ورؤياهم للدين من جهة، وبعثهم خلقاً جديداً من جهة أخرى؛ والفداء البطولي بالنفس من قبل العديد من الشهداء مما أضفى لمعاناً ساطعاً على سجلات تاريخ أمر الله؛ ومغادرة حضرة بهاء الله لمدينة السجن ونقل مقر إقامته إلى قصر المزرعة، محوّلاً بذلك الفرمان السلطاني بحبس حضرته مدى الحياة إلى مجرد حبر على ورق؛ وأمارات التكريم والتبجيل الحقيقية التي صار يظهرها لحضرة بهاء الله، تلقائياً حكام فلسطين، وكبار موظفي الحكومة ورجال العلم والأدب البارزون؛ والارتفاع المطرد لمكانة حضرة عبد البهاء ونفوذه، وفيض المحبة والحنان الذي أغدقه على الشريف والوضيع سواء بسواء، جعله أباً للفقراء – كما اعترف وأقر الكل بذلك – ومستشاراً لرجال السلطة ومصدراً ومرجعاً للاستنارة والمعرفة لأهل العلم؛ والتوسع الهائل في جامعة المؤمنين في إيران؛ ودخول الكثير من رجال المعرفة البارزين في ظل أمر الله؛ واعتناق الدين من قبل اليهود والزرادشتيين؛ وانتشار أمر الله خارج إيران في أكثر من عشرة أقطار في آسيا وأفريقيا؛ واعتناق الدين من قبل البوذييين في الهند وبورما؛ ونمو جامعة نابضة بالحيوية في عشق آباد، والإعداد لتشييد مشرق أذكار فيها؛ وانتقال سكنى حضرة بهاء الله إلى قصر البهجة الذي وصفه حضرته بعبارة “المنظر الأكبر للبشر”؛ والاتساع الهائل في مدى كتابات حضرة بهاء الله وإنزال مبادئ الدين ومعتقداته، والتي تكوّن إلى جانب أحكام “الكتاب الأقدس”، سُداة نظمه العالمي المقبل ولُحمته؛ وتعيين أيادي أمر الله، رواد أحد ذراعَي نظم دينه الإداري؛ والتحرك المستمر للمبلّغين السيارين في كل أطراف إيران والبلدان المجاورة؛ وإنزال “لوح الكرمل”، ميثاق تشييد مركز الدين الروحي والإداري على جبل الرب؛ وأخيراً أحد أهم وأخطر إنجازات فترة ولايته، وهو إقامة عهد وميثاق مع أتباعه يورث لأجيال المستقبل هبة “اليوم الذي لن يعقبه ليل” – هذه هي بعض المنجزات التي تمت في ولاية حضرة بهاء الله. وإنها ليست إلاّ مقدمة لميلاد ونمو مدنية إلهية، عند تمام الوقت، تحتضن البشرية جمعاء. وفي كلمات حضرة عبد البهاء تصوير لحالة أمر الله ومرحلة نشأته الحاضرة ومستقبله حين يبلغ أشده:
“من الحوادث العظيمة المزمع حصولها في يوم ظهور ذلك الغصن الذي لا مثيل له، ارتفاع علم الله بين جميع الشعوب يعني أن جميع الشعوب والأجناس تجتمع مع بعضها بعضاً في ظل هذا العلم الإلهي، ألا وهو الغصن الرباني ويصبحون شعباً واحداً وينعدم العداء الديني والمذهبي وتزول البغضاء الجنسية والقومية وترتفع الاختلافات من بين الأمم ويدين كل الناس بدين واحد، ويؤمنون بإيمان واحد، ويندمجون في شكل جنس واحد، ويصبحون أمة واحدة يسكنون وطناً واحداً وهو الكرة الأرضية.”(5)
وقد أفاض حضرته أيضاً مبيّناً:
“الآن وقد وضعت يد القدرة الإلهية، في عالم الكون أساس هذا الفيض الأرفع والموهبة البديعة وسوف يظهر وينكشف بالتدريج كل ما هو مكنون في خزائن هذا الدور المقدس لأن اليوم هو بداية النمو وربيع ظهور العلامات، وعند تمام هذا القرن ونهاية هذا العصر يتّضح ويتبين كم كان عجيباً ذلك الربيع ومقدسة تلك الموهبة.”(6)
إن هذه الأسماء المذكورة في “لوح البرهان” (الفصل 6 أعلاه) موجودة في مختلف سور القرآن الكريم. كان هود وصالح من أنبياء الله الذين ظهروا قبل إبراهيم عليه السلام، ولكن لم يرد ذكرهما في العهد القديم أو العهد الجديد. استوطن قوم عاد وثمود رقعة واسعة من البلاد في جنوب شبه الجزيرة العربية. وكان عاد، طبقاً للروايات التاريخية، رابع جيل من نوح. وقومه، الذين يقال بأنهم كانوا طوال القامة، كانوا عبدة أصنام وعدوانيين. بموجب القرآن الكريم كان قوم عاد وثمود بُناة مهرة، وُهبوا ذكاء ومهارات، لكنهم اتّبعوا الشيطان.
اختار الله النبي هود لقوم عاد، ويعتقد أيضاً بأنه من الجيل الرابع من سلالة نوح، وبذلك يكون ابن عم عاد. وقد أبلغ هود قومه بأن الله اختاره نبياً، وعلّمهم وحدانية الله ونبذ عبادة الأصنام وتدميرها، لكنهم أعرضوا عنه إلاّ قلة منهم اتبعوه، ولما أصروا على الإعراض أنذرهم بعذاب قريب. ووقع ذلك وهلكوا إلاّ هود ومن معه. وفي القرآن الكريم وصف لطبيعة هذا العذاب:
“وأمّا عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية. سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية. فهل ترى لهم من باقية.”(1)
طبقاً لما يروى فإن هود قد دفن في حضرموت، في جنوب شبه الجزيرة العربية.
أمّا ثمود فورثوا حضارة قوم عاد ومدنيّتهم، وتشير الروايات إلى أنهم كانوا فرعاً أصغر من القبيلة نفسها وعاشوا في مناطق شبه الجزيرة العربية ذاتها. ويقال بأن ثمود نفسه كان من نسل نوح، وقومه كانوا ماهرين في نحت الحجر ونقشه، وشاع أنهم برعوا في نحت مباني من الصخور الصلبة، وشأنهم شأن قوم عاد، كانوا وثنيين. وبموجب القرآن الكريم فإن الله وهبهم المهارات، ورزقهم بكثير من حقول الذرة ومزارع النخيل، لكنهم كانوا كفاراً باغين لا يرحمون الفقراء.
فبعث الله لهم صالحاً نبياً وكان من قوم ثمود. ومثل هود، حضّ قومه على الإيمان بالله وترك عبادة الأوثان. وجادلهم لزمن طويل، لكنهم أعرضوا قائلين أنهم لا يجدون فيه علامات النبوة. حينئذ أتى الله لهم بناقة دليلاً وآية. وحسب الروايات فإن الناقة أتت من صخرة. ودعا صالح قومه برعاية الناقة وشرب لبنها، لكنهم لم يعملوا بوصيته. وعندما أرادت أن تشرب من مائهم، الذي كان نادر الوجود هناك وحيوياً بالضرورة لوجودهم، اعترضوا وغضبوا كثيراً حتى عقروها وقتلوها.
وأنذر صالح قومه مراراً بأنهم إن لم يستجيبوا لدعوته سيأتيهم العذاب وينزل عليهم الله عقاباً شديداً. ولمّا لم تؤثر فيهم آية الناقة بل قتلوها، داهمتهم زلزلة أرضية وقضت عليهم جميعاً ما عدا صالح وأتباعه فقد نجوا. وهكذا يصف القرآن الكريم قصتهم:
“فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين. فأخذتهم الراجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين.”(2)
إن الروايات السالفة التي أوردناها في هذه الصفحات أخذت عن آيات القرآن الكريم.([1]) إلاّ أن هناك مزيداً من التفاصيل مستمدة من روايات ومصادر مختلفة فضلاً عن القرآن الكريم، لكنها تبدو بعيدة غير واقعية ومحض خيال.
وقصص هود وصالح تشبه إلى حد ما قصة نوح والطوفان وسفينته، وكلها قصص رمزية. في الكتابات البهائية نجد تفسير معاني مصطلحات مثل سفينة نوح، والطوفان، والناقة وغيرها من الأحداث. مثلاً، يشرح حضرة عبد البهاء في أحد ألواحه(3) بأن الناقة كانت ترمز إلى روح صالح القدسية، ولبنها يرمز إلى الغذاء الروحي الذي أتى به لقومه. أمّا رمزية عقر الناقة فهي الآلام والعذاب الذي أنزله قومه بتلك الذات المقدسة، صالح. ونبع الماء الذي منعه القوم عن الناقة يعني الحياة على هذه الأرض. كان الناس متعلقين بالأمور الدنيوية بنحو لم يتمكنوا معه من إدراك مواهب الله المرسلة إليهم. فقاموا على معارضة صالح، ولمّا رحل عن بينهم حُرموا من تأثيره الروحي. وغيابه نفسه عنهم كان المصيبة التي منعوا أنفسهم بها عن فضل الله وعطائه وأدت بالتالي إلى هلاكهم الروحي.
في القرآن الكريم تتحدث سورة هود أيضاً عن قصص كل الأنبياء بمن فيهم هود وصالح. وتصف كيف واجهوا جميعهم الإنكار والإعراض والاضطهاد من أقوامهم. يشير حضرة بهاء الله إلى هذا في “كتاب الإيقان” قائلاً:
“وإن في سورة هود لكفاية لأولي الأفئدة وأصحاب البصر. فتأملوا قليلاً في هذه السورة المباركة وتدبّروا فيها بالفطرة الأصلية، حتى تطلّعوا قليلاً على بدائع أمور الأنبياء ورد كلمات النفي لهم وتكذيبهم إيّاهم، لعل تكونن سبباً لأن يطير الناس من موطن الغفلة النفسانية إلى أوكار الوحدة والمعرفة الإلهية، وتشربن من زلال الحكمة الباقية، وترزقن من أثمار شجرة علم ذي الجلال.”(4)
كما يركز بإيجاز على قصة هود وصالح بهذه الكلمات:
“ومن بعد نوح أشرق جمال هود من مشرق الإبداع. ودعا الناس إلى رضوان القرب من ذي الجلال نحواً من سبعمائة سنة أو أزيد على حسب اختلاف الأقوال. فكم من البلايا نزلت على حضرته كالغيث الهاطل، حتى صارت كثرة الدعوة سبباً لكثرة الإعراض، وشدة الاهتمام علة لشدة الإغماض (ولا يزيد الكافرين كفرهم إلاّ خساراً).([2])
ومن بعده طلع هيكل صالح من رضوان الغيب المعنوي، ودعا العباد إلى شريعة القرب الباقية، وفي مائة سنة أو أزيد أمرهم بالأوامر الإلهية ونهاهم عن المناهي الربانية، فلم يأت ذلك بثمر، ولم يظهر منه أثر، فاختار الغيبة والعزلة عنهم مرّات عديدة، مع أن هذا الجمال الأزلي، ما دعا الناس إلاّ إلى مدينة الأحدية، كما قال تعالى: (وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.) إلى قوله: ( قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب.)([3]) وما أتى ذلك بفائدة ما، إلى أن أخذتهم الصيحة جميعاً وكان مرجعهم إلى النار.”(5)
في لوح أنزل في عكاء منح حضرة بهاء الله سدانة بيت حضرة الباب، مركز الحج الرسمي([1]) وأقدس بقعة في إيران، إلى حرم حضرة الباب وأختها زهرة بگم. ويضيف مصرحاً بأن هذه الوصاية من بعدهما تنتقل إلى ابن الأخيرة وذريته. كان لزهرة بگم ابن واحد، هو آقا ميرزا آقا المكنى نور الدين، الذي أنزل في حقه “لوح الدنيا” (انظر الفصل 22 أعلاه).
لقد مر بيت حضرة الباب بتاريخ مضطرب. اشتراه في الأصل والد حضرته. وطوال فترة حياة والده عاش حضرة الباب في ذلك البيت حيث قضى أيام طفولته، وبعد وفاة والده عاش في كنف خاله الحاج ميرزا سيد علي، وفي وقت لاحق، حينما تزوج من خديجة بگم، عاد ليسكن معها في هذا البيت، حيث تم فيه إعلان دعوته في الغرفة العلوية من المنزل. ولمّا غادر حضرة الباب شيراز بقيت حرمه وأمه في ذلك المنزل. لكن خبر استشهاد حضرته صعق هاتين النفسين بحيث ذهبت أمه لتقيم في كربلاء قريباً من الأضرحة الإسلامية المقدسة، في حين لم تستطع حرمه أن تبقى في ذلك البيت بعده، وذهبت لتقيم في بيت ذلك الخال نفسه، الحاج ميرزا سيد علي، والذي كان حينذاك قد استشهد في طهران.
بعد ذلك تم تأجير البيت لبضع سنوات لبعض الأفراد من غير المؤمنين، وتبيّن أنهم غير شرفاء. بعد بضع سنوات، لم يُبتَلَ البيت بالإهمال والخراب فحسب، بل ادعى المستأجرون ملكيته. لكن آقا ميرزا آقا نجح بإعادة وتأكيد حق الملكية عن طريق توفير مسكن بديل لأولئك الأشخاص. وقام بعدها ببعض الترميمات الضرورية ثم عمل ترتيباً مع بعض البهائيين للإقامة في البيت. في أثناء ذلك تعرض البيت لأضرار إثر هزة أرضية مما استوجب إعادة ترميمه.
في أوائل عام 1872م عندما كانت منيرة خانم في طريقها إلى عكاء، وهي التي صارت فيما بعد قرينة حضرة عبد البهاء، طلبت إليها خديجة بگم، حرم حضرة الباب، أن تلتمس إذن حضرة بهاء الله بالسماح بإجراء إصلاحات للبيت المبارك والإذن لها بالإقامة فيه. أجاب حضرته التماسها وأوعز لبعض الأشخاص بالقيام بالإصلاح وفقاً لرغبات خديجة بگم. فأشارت على آقا ميرزا آقا بهدم حجرتين لتوسيع الفناء وتغيير موقع بركة الماء.([2]) والسبب وراء تلك التغييرات كان أنه لو بقي البيت على حاله السابق لبعث في نفسها الآلام والأحزان الدفينة في ذكرياتها. تم إجراء التعديلات المطلوبة وعاشت خديجة بگم في البيت المبارك حتى نهاية حياتها في عام 1882م. بعد وفاتها أذن حضرة بهاء الله لزهرة بگم (أخت حرم حضرة الباب) وابنها آقا ميرزا آقا بالانتقال والسكن في البيت وأوكل إليهما سدانته.
وكان في سنة 1905م أن كتب حضرة عبد البهاء لوحاً إلى آقا ميرزا آقا مشيراً عليه بإعادة بيت حضرة الباب إلى شكله الأصلي. وشدد على أهمية إعادة بناء الغرفتين وفناء البيت بتمام الصورة التي كان عليها في أيامه السابقة. وطلب أن يرسل لحضرته مخطط البيت، ولدى استلام حضرته إيّاه أقره وحث آقا ميرزا آقا على الشروع فوراً بالعمل. مرة ثانية أكد حضرته على ضرورة الالتزام بدقة متناهية في القياسات ضماناً لإعادة شكل البيت ومظهر الغرف على ما كانت عليه دون أي تغيير. كما أن حضرته حث على تنفيذ هذا المشروع الهام بالسرعة القصوى.
كان آقا ميرزا آقا على علم واطلاع جيدين بموضع الغرفتين، فأوعز بإجراء الحفريات حتى عثر على أساساتهما الأصلية. وفي غضون شهرين أنجز العمل الإنشائي ووضعت الأبواب والنوافذ في مواضعها، لكن ما كادت التشطيبات الداخلية تكتمل حتى وافت المنية آقا ميرزا آقا وانتقل إلى الرفيق الأعلى. عندئذ فقط أدرك الأحباء الحكمة من استعجال حضرة عبد البهاء وتأكيده وحرصه على القيام بالمشروع بتلك السرعة. فقد علم حضرته بأن حياة آقا ميرزا آقا تقترب من نهايتها، وأنه كان الشخص الوحيد الملم بكامل تفاصيل البناء الأصلي.
ظل بيت حضرة الباب هدفاً لهجمات أعداء أمر الله في إيران على مر السنين. وفي عام 1955م تعرض البيت لأضرار بالغة حين هاجمه جمهور كبير بتحريض من رجال الدين المسلمين وهدموا جزءاً منه. تم إصلاح الأجزاء المتضررة بعد ذلك بفترة وجيزة وأعيد البيت إلى ما كان عليه. (لقد اعتاد الضالون في صراعهم ضد جنود الحق اللجوء إلى العنف والافتراء، وهما السلاحان المتيسران تحت تصرفهم، وباستعمالهما سيختمون على سقوطهم المؤكد.)
استجابة لدافع الحقد والمقت لرؤية التوسع الهائل الذي أحرزته الجامعة البهائية في قارات الكرة الأرضية جميعها، ولعجزهم عن كبح تقدم الدين المطرد في أنحاء العالم قام عدو لدود متربص مرة أخرى باللجوء إلى سلاح العنف واستهدف من بين ما اقترف من فظائع الإجرام، بيت حضرة الباب. هذه المرة، وفي عام 1980م عمدوا إلى إزالة ذلك الصرح النبيل عن وجه الأرض. لكن النصر النهائي سيكون لأمر الله لا محالة، إذ ليس بمقدور أي من هذه الأفعال الجبانة أن تحد أو تبطل كلمة الله الخلاقة. وذاك البيت الذي قدر له أن يكون مركزاً للحج في إيران سيعود ويكون كذلك يوماً ما.
سواء في تنوع موضوعاته، أو عمق حجيته ودلائله، أو مهابة أسلوبه، أو القوة المهيمنة لتحدياته، أو الدلالات المكنونة في إشاراته وتلميحاته، يتبوأ هذا اللوح مكانة خاصة جداً بين كتابات حضرة بهاء الله. إن دراسة لوح كهذا يتطلب إطلاعاً مسبقاً في التاريخ والمصطلحات الدينية.
والمقصود من هذه الملاحظات تقديم شرح موجز لبعض المصطلحات الواردة في “لوح ابن الذئب”. ولمّا سبق بحث عدة موضوعات منه في مجلدات هذا الكتاب (“ظهور حضرة بهاء الله”)، فإن المراجع حصرت بهذه المجلدات. ولأجل الإفاضة في المعلومات، زودت مراجع لمصادر أخرى حينما كان ذلك ضرورياً. إن أرقام الصفحات التالية (إلى اليمين) تشير إلى صفحات “لوح ابن الذئب” بطبعتيه الألمانية (المزخرفة) ويرمز لها ألمانيا؛ والمصرية (العادية) ويرمز لها مصر، بينما “ج1″، “ج2″… إلخ تشير إلى مجلدات “ظهور حضرة بهاء الله” (المعرّبة)، و”ص” تشير إلى أرقام الصفحات في المراجع، و”ح” تشير إلى الحاشية.
“ما دخلت المدارس”، ج1، ص 20، 22، 23، 65.
“في لوح حضرة السلطان”، انظر ج2، ص 329–347؛ ج3، ص 177–195.
اللوح المقتبس منه نزل للحاج ميرزا حيدر علي.
“الحرب الواقعة بين الدولتين…”، الدولتان هما إيران وروسيا. ففي عهد فتح علي شاه (1797–1834م)، أعلن رجال الدين الجهاد وكانت إيران الخاسرة ونتج عنها اتفاقيتان مشؤومتان متتاليتان هما گُلستان (1813م) وتركمانشاي (1826م).
“الصحيفة الفاطمية”، انظر ج1، ص 73.
هذه الفقرات من “الكلمات المكنونة” تلمّح لضلالة رجال الدين. انظر ج2، ص 341.
“طوعاً لقاض…”، مقتطف من قصيدة لابن الفارض (576–632ﻫ) وهو شاعر مصري مشهور من زعماء الصوفية.
“الحِل والحرم“، الحرم إشارة لمكانين قرب الكعبة كان لا يجوز فيهما سفك الدم، وكذلك إلى أربعة أشهر في التقويم العربي ينطبق أثنائها المنع نفسه. أمّا الحِل فتعني المكان غير المحمي والأشهر غير المحرمة.
“قد فك ختم الرحيق المختوم”، توجد إشارة لذلك في القرآن الكريم، سورة المطففين، الآيتين 25–26. ومعنى الختم هو بقاء المعاني الحقيقية للكلمات الإلهية في الدورات السابقة في طي الكتمان حتى مجيء حضرة بهاء الله (انظر ج1، ص 169، بشأن نبوءة دانيال هذه). وفتح أو فك ختم الرحيق المختوم يعني نزول كلمة الله وظهورها في هذا العصر، وكشف تعاليم وأحكام جديدة للبشرية. يعلن حضرة بهاء الله، بهذا الشأن في “الكتاب الأقدس”: “لا تحسبن إنا نزلنا لكم الأحكام بل فتحنا ختم الرحيق المختوم بأصابع القدرة والاقتدار.”
“صياد السمك”، إشارة لبطرس، حواري المسيح.
“أبو ذر”، هو أبو ذر الغفاري، الراعي الأمي الذي أصبح من صحابة الرسول الموقرين.
“الذي كان محروماً من العلم”، تعيد هذه الفقرة للذهن الإشارة في “الكتاب الأقدس” إلى جعفر (منقي القمح)، انظر “مطالع الأنوار”، ص 88.
“في حين أن مبيّن العلوم المعترف به…”، الإشارة هنا إلى للشيخ محمد حسن النجفي، كبير مجتهدي إيران والعدو النمرود لدين حضرة الباب وحضرة بهاء الله.
“حادثة المحاولة على حياة الشاه… سجن طهران”، انظر “كتاب القرن البديع”، ص 83–96؛ ج1، ص 7–11.
“علم لو طبق سيقضي على الخوف ولكن على قدر مقدور.”، هذا العلم لم يشرحه حضرة بهاء الله.
“الصحيفة الحمراء”، إشارة عادة إلى “كتاب عهدي” وهو كتاب وصية حضرة بهاء الله. وفي هذا المقتطف يبين أن “كلمة رقمت من القلم الأعلى وهي قوة مكنونة في العباد ستظهر بتمامها.” وربما تكون إشارة إلى الفقرة المذكورة في “كتاب عهدي”: “يا أغصاني إن في الوجود قوة عظيمة مكنونة، وقدرة كاملة مستورة…”
“سيد فِنْدِرِسك“، “أبو نصر”، “أبو علي سينا“، الأول شاعر ومفكر فارسي مشهور باسم مير أبو القاسم الفِنْدِرِسكي عاش في القرن 16 الميلادي. والثاني هو أبو نصر الفارابي الفيلسوف والكاتب الفارسي الذي عاش في القرن الرابع الهجري. والثالث هو ابن سينا (980–1037م). طبيب وفيلسوف عربي ولد في فارس وعُرف في الغرب ببقراط وأرسطو العرب.
“لوح ناپليون الثالث”، انظر “ألواح حضرة بهاء الله إلى الملوك والرؤساء”، ص 43–50؛ ج2، ص 359–360؛ ج3، ص 120–125.
“لوح حضرة إمبراطور الروس”، انظر “ألواح حضرة بهاء الله إلى الملوك والرؤساء”، ص 53–55؛ وكذلك ج3، ص 128–132.
“لوح حضرة الملكة”، انظر “ألواح حضرة بهاء الله إلى الملوك والرؤساء”، ص 59–62؛ ج3، ص 132–136.
“شخص عالم وكامل وفاضل”، إشارة إلى الحاج ميرزا سيد حسن، الأفنان الكبير، انظر ج4، ص 391–395.
“مشير الدولة ميرزا حسين خان“، سفير إيران في الآستانة، انظر ج2؛ ج3، ص 222–223.
“الأمير شجاع الدولة وميرزا صفا“، انظر ج2، ص 53.
“كمال باشا”، انظر ج2، ص 3، 54.
“السيد محمد”، محمد الإصفهاني، دجال الدورة البهائية، انظر ج1، ج2، ج3.
“الحاج نصير”، انظر ج4، ص 373.
“النورين النيرين الحسنين (حسن وحسين)”، انظر ج4، الفصل 5.
“جناب كاظم“، انظر ج4، ص 374–375.
“حضرة أشرف”، انظر ج4، ص 375–376.
“السردار عزيز خان“، حاكم آذربيجان، انظر ج2، ص 58.
“ميرزا مصطفى“، انظر ج2، ص 57–58.
“حضرة بديع”، انظر ج3، الفصل 9.
“حضرة نجف علي“، انظر ج2، ص 219–220.
“الملاّ علي جان”، انظر ج4، ص 376–377.
“أبا بصير والسيد أشرف الزنجاني”، انظر ج2، ص 220–230.
“أبا بديع“، الحاج عبد المجيد النيشابوري، انظر ج2، ص 123–130.
“حضرة السيد إسماعيل“، انظر ج1، ص 106–108.
“شخص قبل الذبيح”، إشارة إلى أضحية إبراهيم.
“بلال الحبشي”، “سين” و”شين”، العبد الذي كان من أوائل الذين اعتنقوا الإسلام. وقد أوكل إليه الرسول مهمة رفع الأذان للصلاة فكان أول مؤذن. وحيث إنه كان يتلعثم في لفظ حرف “الشين” ويلفظه “سين” فلم يتمكن من الأذان بصورة صحيحة ولكن طهارة قلبه عوضت عن الخطأ في اللفظ.
“سجن أرض الميم”، إشارة إلى حبس حضرة بهاء الله في آمُل. انظر “مطالع الأنوار”، ص 341–348.
“قره گُهَر” و”سلاسل”، انظر ج1، ص 9.
“الحاج محمد رضا” انظر ج4، ص 334–338.
“لوح البرهان”، انظر ج4، الفصل 6.
“ميرزا هادي دولت آبادي“، الذي “ارتقى إلى المنابر ونطق بما لا يليق به”، انظر ج4، ص 167–169.
“الصاد الإصفهاني”، ميرزا مرتضى، صدر العلماء، رجل دين قليل الذكاء أصبح بابياً ووقع تحت تأثير السيد محمد الإصفهاني.
لتفاصيل ملاحم زنجان ونيريز وطبرسي انظر “مطالع الأنوار”.
“أحد أغصانك“، أي أحد أبناء حضرة بهاء الله، إشارة إلى ميرزا بديع الله الذي نقض العهد فيما بعد. انظر وصية حضرة عبد البهاء.
“في المدينة الكبيرة (الآستانة) أثاروا الكثير من الناس لمعارضة هذا المظلوم…”، انظر ج4، ص 382–391.
“لقمان”، اشتهر بالحكمة. انظر سورة لقمان في القرآن الكريم.
“أختر”، صحيفة كانت تصدر في الآستانة. انظر ج4، ص 383، 385، 390.
“الحاج الشيخ محمد علي“، النبيل ابن النبيل. انظر ج4، ص 384–388.
“حضرة الصادق”، الإمام جعفر الصادق، الإمام السادس للشيعة.
“حضرة الأمير”، الإمام علي، أول أئمة الشيعة.
“أبي عبد الله”، إشارة إلى الإمام جعفر الصادق.
“المفضل”، “أبو جعفر الطوسي”، و”جابر”، جامعو أحاديث نبوية رويت عن الإمام السادس.
“سدرة المنتهى”، ترمز إلى المظهر الإلهي الذي لا يمكن للإنسان أن يدرك كنهه أو تجاوزه.
“لقاء الله”، انظر ج4، ص 397–398، وكذلك ج2، ص 15–17.
“سيد العالم”، إشارة إلى حضرة الباب.
“الشيخ الأحسائي”، أحمد الأحسائي، مؤسس مذهب الشيخية. انظر “مطالع الأنوار”.
“أخذوا أوليائي في أرض الطاء…”، إشارة إلى اعتقال أيادي أمر الله الملاّ علي أكبر والحاج أمين في طهران وسجنهم في قزوين في عام 1891م. انظر ج4، ص 329–330. وهذا التاريخ يعطي دلالة إلى الفترة التي نزل فيها “لوح ابن الذئب”.
“دائرة سفارة إيران في المدينة الكبيرة”، انظر ج4، ص 382–391.
“تعديات بعض منفيي عكاء…”، انظر ج4، ص 382، 385، 390.
“يا أهل الشين أنسيتم عنايتي ورحمتي…”، إشارة إلى ظهور حضرة الباب في شيراز.
“قد عقر الغافلون ناقتك البيضاء”، انظر ج4، الملحق رقم 1.
“الأجنحة الملوثة بالطين غير قادرة على الطيران”، انظر “منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 153.
“الآيات المحكمات النازلة في جواب بعض الناس قد ظهرت ونزلت من ملكوت العلم الإلهي”. انظر ج4، ص 741.
“قيّوم الأسماء”، شرح حضرة الباب لسورة يوسف الذي وصفه حضرة بهاء الله بـ“أول وأعظم وأكبر” من سائر كتب الدورة البابية. وقد نزل الفصل الأول منه عشية يوم 22 أيار سنة 1844م أمام الملاّ حسين. انظر ج1، ص 297، 310، 319.
“السفينة الحمراء“، المذكورة في “قيّوم الأسماء”، ركابها أهل البهاء، انظر “كتاب القرن البديع”، ص 38.
اللوح الخاص بالأمانة، انظر ج4، ص 71–81.
“حضر كمال باشا لزيارة هذا المظلوم”، انظر ج2، ص 3، 54.
“والآن ابتكر خط بديع ولسان جديد”، ربما تكون إشارة لابتكار لغة الإسبرانتو قبل إنزال حضرة بهاء الله “لوح ابن الذئب” بنحو أربع سنوات.
بيانات حضرة الباب بخصوص عظمة ظهور حضرة بهاء الله، انظر ج1، الفصل 18؛ ج4، ص 123، 146ح.
“حضرة العظيم”، الملاّ علي، من أتباع حضرة الباب المشهورين. انظر فهرس “مطالع الأنوار”.
“لوح الرئيس”، و“لوح فؤاد”، انظر ج3.
“أرض الطاء (طهران)”، انظر ج1، ص 49–51.
“لا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين”، القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية 59. انظر ج3، ص 250–251.
بيانات حضرة الباب بخصوص ظهور حضرة بهاء الله، انظر ج1، الفصل 18؛ ج2، ص 361–371.
“من يظهره الله“، موعود “البيان” الذي يظهر بعد حضرة الباب، أي حضرة بهاء الله. انظر ج1، الفصل 18.
“المرايا”، أطلق حضرة الباب هذا اللقب على عدد قليل من أتباعه. انظر ج2، ص 367.
“ذي الجوشن”، “ابن أنس”، و”الأصبحي”، ذي الجوشن تعني في اللغة الذي يرتدي زرداً كدرع يحميه، والمقصود هنا الشمر ذي الجوشن واسمه عبد الله. والأشخاص الثلاثة المذكورون هم قتلة الإمام الحسين.
“مرآة جودي“، إشارة إلى الحاج السيد جواد الكربلائي، أحد الأحباء المخلصين لحضرة الباب وحضرة بهاء الله. انظر ج1، ص 237–241؛ ج2، ص 367؛ ج3، ص 287–288.
“هادي”، هادي دولت آبادي، الذي أنكر علناً إيمانه بحضرة الباب، ومع ذلك جُعل خليفة لميرزا يحيى، انظر “لوح ابن الذئب”، ألمانيا، ص 58؛ مصر، الصفحة 64؛ وكذلك ج4، ص 167–169.
“السيد محمد“، ورد شرحه أعلاه. انظر “لوح ابن الذئب”، ألمانيا، ص 48؛ مصر، ص 52.
“انضم إلى ميرزا يحيى“، الأخ غير الشقيق لحضرة بهاء الله، وناقض عهد حضرة الباب. انظر ج1، الفصل 15؛ ج2؛ ج3.
“المولوي”، فرقة الدراويش الدوّارين.
“ميرزا موسى”، الأخ المخلص لحضرة بهاء الله وأحد حوارييه. انظر ج1، ج2، ج3.
“صاحب كتاب الإيقان…”، كان أتباع ميرزا يحيى قد أشاعوا تلفيقاً ودون حياء بأن مؤلفه كان ميرزا يحيى. انظر ج2، ص 67.
“حسن المازندراني”، عم حضرة بهاء الله ومؤمن مخلص. انظر ج1، ص 52ح(2)؛ ج3، ص 76، 213ح، 220–221.
“وإحدى أخوات هذا المظلوم”، إشارة إلى “شاه سلطان خانم”، المعروفة بـ”خانم بزرك” والتي أصبحت من أتباع ميرزا يحيى. انظر ج1، ص 52؛ ج2، ص 204.
“ميرزا رضا قلي”، أخ غير شقيق لحضرة بهاء الله، انظر ج1، ص 13؛ ج3، ص 222–223.
“ابنة ميرزا محمد حسن”، شهربانو، انظر ج2، ص 204. كان والدها أخ غير شقيق لحضرة بهاء الله.
“فرمان فرما وحسام السلطنة”، أميران وكلاهما عمّ لناصر الدين شاه.
“آقا سيد حسين”، من أهالي يزد، أحد حروف الحي الذي كان مرافقاً لحضرة الباب في ماه كو وچهريق وخدمه ككاتب وحي حتى استشهاد حضرته. انظر فهرس “مطالع الأنوار”.
“ميرزا أحمد”، الملاّ عبد الكريم القزويني، من أتباع حضرة الباب الأمناء. انظر “مطالع الأنوار”، ص 408؛ “كتاب القرن البديع”، ص 71؛ وكذلك ج1، ص 55–56.
“الذي… كان دوماً محاطاً بخمس من إماء الله“، إشارة لتعدد زوجات ميرزا يحيى. كان قد تزوج من إحدى عشر زوجة وعُرف كشخص مغرم بالنساء.
“الملاّ باقر”، من أهالي تبريز وأحد حروف الحي. انظر ج2، ص 141–142.
“الديّان”، ميرزا أسد الله الخوئي، من ألمع أتباع حضرة الباب والذي اغتيل بأمر من ميرزا يحيى. انظر ج1، ص 265–268.
“ميرزا علي أكبر”، ابن عم حضرة الباب والذي اغتيل هو الآخر في بغداد بأمر من ميرزا يحيى. انظر ج1،
ص 267.
“آقا أبو القاسم الكاشي”، من أتباع حضرة الباب كان قد قابل حضرته في كاشان. سافر إلى بغداد حيث اعترف بمقام حضرة بهاء الله وأصبح من مريديه. اغتيل أيضاً في بغداد بأمر من ميرزا يحيى.
“السيد إبراهيم“، لقّبه حضرة الباب بـ”الخليل”، كان من أهالي تبريز ورجل دين ضليع من الفرقة الشيخية وأحد أتباع حضرة الباب الذي فاز بلقاء حضرته في آذربيجان وتشرّف باستلام عدة ألواح من حضرته. فاز بلقاء حضرة بهاء الله في بغداد. حاول ميرزا يحيى اغتياله، لكنه لم ينجح. انظر ج1، ص 266.
“ما جرى بخصوص شرف حضرة النقطة الأولى (حضرة الباب) بما أخذ في الحقيقة جميع الأقطار بالحزن”، هذه إشارة لزواج ميرزا يحيى من الزوجة الثانية لحضرة الباب. انظر ج1، ص 264–265.
حضرة عبدالبهاء
تذكرة الوفاء طبع في مطبعة العباسية – حيفا. |
‘ABDU’L-BAHÁ
Memorials of the Faithful. Translated from the original Persian text and annotated by Marzieh Gail. Wilmette, Illinois: Bahá’í Publishing Trust, 1971. |
|
من مكاتيب عبدالبهاء
المجلد الأول. من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل. شهر العزة 139ب، أيلول 1982م. |
Selections from the Writings of
‘ Abdu’l-Bahá. Compiled by the Research Department of the Universal House of Justice; trans. by a Committee at the Bahá’í World Centre and by Marzieh Gail. Baha’i World Centre, 1978. |
|
النور الأبهى في مفاوضات عبدالبهاء
معرب عن الفارسية بمعرفة لجنة الترجمة والنشر البهائية في مصر. الطبعة الأولى سنة 85 ب (1928م) |
Some Answered Questions
Collected and trans. from the Persian of ‘Abdu’l-Bahá by Laura Clifford Barney. London: Kegan Paul, Trench, Trubner & Co. Ltd., 1908. Chicago: Bahá’í Publishing Society, 1918. London: Bahá’í Publishing Trust, 1961. Wilmette, Illinois: Bahá’í Publishing Trust, rev. edn. 1982. |
ميرزا أبو الفضل
كتاب “الفرائد”. القاهرة: غير مؤرخ. كتب عام 1315ﻫ (1899م). |
ABÚ’L FADL, MÍRZÁ.
Kitábu’l-Fará’id. An apologia. Cairo. Undated. Written in AH 1315 (AD 1899). |
|
‘ALÁ’Í, ‘ABDU’L-‘ALÍ
Mu’assisiy-i-Ayádíy-i-Amru’lláh. Tihrán: Bahá’í Publishing Trust, BE 130 (AD 1973). |
||
Bahá’í Meetings; The Nineteen Day Feast. Extracts from the Writings
of Bahá’u’lláh, ‘Abdu’l-Bahá, Shoghi Effendi and the Universal House of Justice. Compiled by the Research Department of the Universal House of Justice. Wilmette, Illinois: Bahá’í Publishing Trust, 1980. (Published in the U.K. under the title Seeking the Light of the Kingdom). |
||
Bahá’í World, The. An International Record. Wilmette, Illinois: Bahá’í
Publishing Committee, Vol. VIII. 1938-40, issued 1942. Vol. IX. 1940- 44, issued 1945. Vol. XII. 1950-54, issued 1956. |
||
Bahá’í World Faith. Selected Writings of Bahá’u’lláh and ‘Abdu’l-Bahá.
Wilmette, Illinois: Bahá’í Publishing Committee, 1943. |
||
حضرة بهاءالله
آثار قلم أعلى. طهران: مؤسسة المطبوعات الأمرية، المجلد الأول (كتاب مبين) 120ب (1963م)، المجلد الرابع 125ب (1968م). |
BAHÁ’U’LLÁH
Áthár-i-Qalam-i-A’lá. A Compilation of the Writings of Bahá’u’lláh. Tihrán: Bahá’í Publishing Trust. Vol. 1. BE 120 (AD 1963); Vol. 4, BE 125(AD 1968). |
|
لوح ابن الذئب (كتاب الشيخ)
(1) طبعة من إعداد لجنة نشر الآثار الأمرية باللغتين الفارسية والعربية في لانگنهاين – ألمانيا. (2) طبعة من مطبعة السعادة في مصر سنة 1920م. |
Epistle to the Son of the Wolf.
Trans. by Shoghi Effendi. Wilmette, Illinois: Bahá’í Publishing Trust, rev. edn. 1953. |
منتخباتي از آثار حضرت بهاءالله
إعداد لجنة نشر الآثار الأمرية باللغتين الفارسية والعربية في لانجنهاين – ألمانيا. الطبعة الأولى 141ب (1984م) |
Gleanings from the Writings of
Bahá’u’lláh Trans. by Shoghi Effendi. Wilmette, Illinois: Bahá’í Publishing Trust, 1949. |
|
الكلمات المكنونة
من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل. 152ب، حزيران 1995م. |
The Hidden Words
Trans. by Shoghi Effendi with the assistance of some English friends. First published in England 1932. London: Bahá’í Publishing Trust, 1949. Wilmette, Illinois: Bahá’í Publishing Trust, rev. edn.1954. |
|
اقتدارات
مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله. 1310ﻫ (2-1893م). |
Iqtidárát. A compilation of the
Tablets of Bahá’u’lláh. AH 1310 (AD 1892-3). |
|
إشراقات
مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله. الهند: 1310ﻫ (2-1893م) |
Ishráqát. A Compilation of the
Tablets of Bahá’u’lláh. India: AH 1310 (AD 1892-3). |
|
الكتاب الأقدس
بيت العدل الأعظم طبع في كندا في مطابع Quebecor Jasper Printing
|
Kitáb-i-Aqdas. Extracts Trans.
by Shoghi Effendi in Synopsis and codification of the Kitáb-i- Aqdas, the Most Holy Book of Bahá’u’lláh. Bahá’í World Centre, 1973. |
|
كتاب الإيقان
معرب عن الفارسية – الطبعة الثالثة، من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل. |
The Kitáb-i-Íqán. The Book of
Certitude. Trans. by Shoghi Effendi. Wilmette, Illinois: Bahá’í Publishing Trust, rev. edn. 1974. |
مجموعة “مناجاة”
من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل. شهر البهاء 138ب، آذار 1981م. |
Prayers and Meditations by
Bahá’u’lláh. Trans. by Shoghi Effendi. Wilmette, Illinois: Bahá’í Publishing Trust, 6th RP 1974. |
|
الوديان السبعة والوديان الأربعة
آثار قلم أعلى، المجلد الثالث. طهران: مؤسسة المطبوعات الأمرية، 121ب. |
The Seven Valleys and the Four
Valleys. Trans. by Marzieh Gail. and Ali-Kuli Khan Wilmette, Illinois: Bahá’í Publishing Trust, rev. edn. 1978. |
|
1) مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله.
نزلت بعد الكتاب الأقدس. من منشورات دار النشر البهائية في بلجيكا. شهر البهاء 137ب، آذار 1980م. 2) مجموعة من ألواح الجمال الأقدس الأبهى |
Tablets of Bahá’u’lláh revealed
after the Kitáb-i-Aqdas. Compiled by the Research Department of the Universal House of Justice and translated by Habib Taherzadeh with the assistance of a Committee at the Bahá’í World Centre, 1978. |
|
لئالئ الحكمة، المجلد الثاني. من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل. 146ب،
1990م. |
||
آيات إلهي (المجلد 2)، لجنة نشر الآثار الأمرية بالفارسية والعربية، لانگنهاين – ألمانيا
153ب |
||
ألواح حضرة بهاءالله إلى الملوك والرؤساء، من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل،
رضوان 140ب، نيسان 1983م |
BLOMFIELD, LADY (Sitárih Khánum)
The Chosen Highway. London: Bahá’í Publishing Trust, 1940. Wilmette, Illinois: Bahá’í Publishing Trust, 1967. |
||
ميرزا أسد الله فاضل المازندراني
أمر وخلق. طهران: مؤسسة المطبوعات الأمرية، المجلد الأول 122ب (1965م)؛ المجلد الثالث 128ب (1971)؛ المجلد الرابع 131ب (1974م). |
FÁDEL-I-MÁZINDARÁNÍ,
ASADU’LLÁH, MÍRZÁ Amr Va Khalq. Tihrán: Bahá’í Publishing Trust. Vol. 1, BE 122 (AD 1965); Vol. 3, BE 128 (AD 1971); Vol. 4, BE 131 (AD 1974). |
|
أسرار الآثار. معجم للمصطلحات البهائية.
طهران: مؤسسة المطبوعات الأمرية، 5 مجلدات. 124-129ب (67-1972م). |
Asráru’l-Áthár.
A Glossary of Bahá’í terms. Tihrán: Bahá’í Publishing Trust. 5 Vols. BE 124-9 (AD 1967-72) |
|
محمد علي فيضي
خاندان أفنان. طهران: مؤسسة المطبوعات الأمرية، 127ب (1970م). |
FAIZI, MUHAMMAD ‘ALÍ
Khánidán-i-Afnán. A biography of some members of the Afnán family. Tihrán: Bahá’í Publishing Trust, 127 BE (AD 1970). |
|
الحاج ميرزا حيدر علي
بهجة الصدور بومبى 1913م. |
HAYDAR-‘ALÍ, HÁJÍ MÍRZÁ.
Bihjatu’s-Sudúr. Reminiscences and autobiography. Bombay: 1913. |
|
HOFMAN, DAVID
A Life of George Townshend. Oxford: George Ronald, 1980. |
حقوق الله. مجموعة من النصوص
المباركة ورسائل بيت العدل الأعظم حول موضوع “حقوق الله”. إعداد دائرة مطالعة النصوص والألواح في المركز البهائي العالمي. ترجمة لبيب شهيد. شهر الكمال 143ب، آب 1986م. |
Huqúq’u’lláh. Extracts from the
Writings of Bahá’u’lláh, ‘Abdu’l-Bahá, Shoghi Effendi, and the Universal House of Justice. Compiled by the Research Department of the Universal House of Justice. London: Bahá’í Publishing Trust, 1987. |
|
عبد الحميد إشراق خاوري
نورين نيرين، تاريخ حياة سلطان الشهداء ومحبوب الشهداء وشهداء آخرين في إصفهان، وبعض الألواح بخصوصهم. طهران: مؤسسة المطبوعات الأمرية، 123ب (1966م). |
ISHRÁQ KHÁVARÍ, ‘ABDU’L HAMÍD
Núrayn Nayyirayn An account of the lives of the King and Beloved of Martyrs and some others martyred in Isfahán, including Tablets related to them. Tihrán: Bahá’í Publishing Trust. BE 123 (AD 1966). |
|
رسالة أيام تسعة
مطبعة “كلمات” في الولايات المتحدة الأمريكية، 1981م. “الأيام التسعة”-إعداد الدكتور شوقي مرعي من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل. رضوان 144ب، نيسان1987م. |
Risáliy-i-Ayyám-i-Tis‘ih.
The history of the nine Bahá’í Holy Days together with a compilation of relevant Tablets. Tihrán: Bahá’í Publishing Trust, 103 BE (AD 1946); 3rd RP BE 121 (AD 1964). |
|
“مائدة آسماني”
9 مجلدات ومجلد فهرس طهران: مؤسسة المطبوعات الأمرية، 129ب (1972م). |
Má’idiy-i-Ásamání.
A compilation of Bahá’í Writings. 9 vols. and one index volume. Tihrán: Bahá’í Publishing Trust, BE 129 (AD 1972). |
“القرآن الكريم” | Koran, The. Trans. by George
Sale. London: Frederick Warne & Co., undated. |
|
MAXWELL. MAY. An Early Pilgrimage. Oxford: George Ronald,
1969. |
||
روح الله مهرابخاني
شرح أحوال ميرزا أبو الفضل گلپايگاني (فارسي). إيران: 131ب (1975م). |
MEHRÁBKHÁNÍ, RÚHU’LLÁH.
Sharh-i-Ahwál-i-Mírzá Abú’l- Fadl-i-Gulpáygání. Iran: BE 131 (AD 1975(. |
|
الدكتور حبيب مؤيد
خاطرات حبيب طهران: 1961م. |
MU’AYYAD, DR. HABÍB.
Khátirát-i-Habíb. Tihrán: 1961. |
|
النبيل الأعظم (محمد الزرندي)
مطالع الأنوار ترجمه عن الإنگليزية عبد الجليل سعد طبع في دار البديع للطباعة والنشر، بيروت- لبنان، آذار 2008م. |
NABIL-I-A’ZAM
(Muhammad-i-Zarandí) The Dawn-Breakers. Nabíl’s narrative of the Early Days of the Bahá’í Revelation. Wilmette Illinois: Bahá’í Publishing Trust, 1932. |
|
نفحات قدس
مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله وحضرة عبدالبهاء، نيودلهي |
Nafahát-i-Quds A short
compilation of Tablets of Bahá’u’lláh and ‘Abdu’l-Bahá. New Delhi: Bahá’í Publishing Trust, n.d. |
|
NATIONAL ARCHIVES COMMITTEE OF THE NATIONAL SPIRITUAL ASSEMBLY OF THE BAHÁ’ÍS OF IRAN. Series of
unpublished compilations of the Writings of Bahá’u’lláh. Nos. 15, 18, 19, 22, 23, 27, 28, 31, 32, 38, 41, 73. |
وحيد رأفتي
پيك راستان مطبعة العصر الجديد دارمشتاد – ألمانيا 2005م |
RA’FATI, DR. Vahíd
Payk-i-Rástán Bahá’í Sacred Writings, Biogra- phies and Works of Ismu’lláhu’l- Asdaq and his Family ‘Asr-i-Jadíd Publisher Darmstadt, Germany, 2005 |
|
الشيخ كاظم سمندر
تاريخ سمندر. طهران: مؤسسة المطبوعات الأمرية، 131ب (1974م). |
SAMANDAR, SHAYKH KÁZIM
Táríkh-i-Samandar. Tihrán: Bahá’í Publishing Trust, BE 131 (AD 1974). |
|
شوقي أفندي
“ظهور عدل إلهي” ترجمه إلى الفارسية نصر الله مودت. |
SHOGHI EFFENDI.
The Advent of Divine Justice. First published 1939. Wilmette, Illinois: Bahá’í Publishing Trust, rev. edn. 1963. |
|
Citadel of Faith: Messages to America 1947-1957. Wilmette, Illinois:
Bahá’í Publishing Trust, RP 1980. |
||
Dawn of a New Day: Messages to India 1923-1957. New Delhi: Bahá’í
Publishing Trust, 1970. |
||
كتاب القرن البديع
من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل. آذار 2002م. |
God Passes By.
Wilmette, Illinois: Bahá’í Publishing Trust, 1944. |
|
Letters from the Guardian to Australia and New Zealand: 1923-1957.
National Spiritual Assembly of the Bahá’ís of Australia 1970. |
||
Messages to the Bahá’í World: 1950-1957. Wilmette, Illinois: Bahá’í
Publishing Trust, 1971. |
||
The Promised Day Is Come. First published 1941. Wilmette, Illinois:
Bahá’í Publishing Trust, rev. edn. 1961. |
||
The World Order of Bahá’u’lláh. First published 1938. Wilmette,
Illinois: Bahá’í Publishing Trust, rev. edn. 1955. |
]
عزيز الله سليماني
مصابيح هدايت. طهران: مؤسسة المطبوعات الأمرية، المجلد 5، سنة 118ب (1961م)؛ المجلد 7، سنة 129ب (1972م)؛ المجلد 8، سنة 130ب (1973م). |
SULAYMÁNÍ, ‘AZÍZU’LLÁH.
Masábíh-i-Hidáyat. Biography of some of the early Bahá’ís. Tihrán: Bahá’í Publishing Trust. Vol. 5, BE 118 (AD 1961); Vol. 7, BE 129 (AD 1972); Vol. 8, BE 130 (A.D. 1973). |
“الصدق والأمانة”
من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل. شهر المسائل 145ب، كانون الأول 1988م. |
Trustworthiness. Extracts from
the Writings of Bahá’u’lláh, ‘Abdu’l-Bahá, and Shoghi Effendi. Compiled by the Research Department of the Universal House of Justice. London: Bahá’í Publishing Trust, 1987. |
|
Women. Extracts from the Writings of Bahá’u’lláh, ‘Abdu’l-Bahá, Shoghi
Effendi and the Universal House of Justice. Compiled by the Research Department of the Universal House of Justice. London, Wilmette: Bahá’í Publishing Trust, 1986. |
||
ميرزا محمود الزرقاني
بدائع الآثار. يوميات عن زيارة حضرة عبدالبهاء لأوروپا وأمريكا كتبها سكرتيره. بومبى: المجلد الأول، 1914م؛ المجلد الثاني، 1921م. |
ZARQÁNÍ, MÍRZÁ MAHMÚD
Kitáb-i-Badáyi‘u’l-Áthár. Diary of ‘Abdu’l-Bahá’s travels in Europe and America, written by His secretary. Bombay: Vol. I. 1914; Vol. II, 1921. |
|
ZAYNU’L-MUQARRABÍN. Unpublished compilation of the Writings of
Bahá’u’lláh. |
يحتوي “مسرد الكتب والمراجع” على تفاصيل كاملة عن المؤلفين والكتب
الفصل الأول: حضرة بهاء الله في قصر المزرعة
1 – Blomfield, The Chosen Highway, pp. 100–101.
2 – ”بهجة الصدور”، الصفحتان 251–252.
الفصل الثاني: حديقة الرضوان
1 – ”الكتاب المقدس”، سفر المزامير، الأصحاح 46، الآيتان 4، 5.
2 – المصدر السابق، سفر إشعياء، الأصحاح 33، الآية 21.
3 – حصل المؤلف على قصة الحاج يهودا من قريب الحاج، السيد نُصرت الله مجذوب.
4 – Blomfield, The Chosen Highway, p. 97.
5 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 20.
6 – ”مائدة آسماني”، المجلد الرابع، الصفحة 25.
7 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 53–54.
8 – المصدر السابق، الصفحة 18.
9 – المصدر السابق، الصفحتان 19–20.
10– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 28، الصفحة 58.
11– أعطيت قصة رحلة الحاج محمد إلى جدة للمؤلف بواسطة ابن الحاج، السيد عزيز اليزدي.
12– نشرة “الصدق والأمانة” إعداد دائرة البحوث في الأرض الأقدس، أيار 1987م، الصفحتان 20–21.
13– المصدر السابق، الصفحة 21.
14– ”ألواح حضرة بهاء الله إلى الملوك والرؤساء”، الصفحة 119.
15– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 80–81.
16– Maxwell, An Early Pilgrimage, pp. 32–4.
17– ”خاطرات حبيب”، المجلد الأول، الصفحتان 458–459.
الفصل الثالث: “لوح الحكمة”
1 – ”تذكرة الوفاء”، الصفحتان 11–12.
2 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 117.
3 – المصدر السابق، الصفحتان 117–118.
4 – ”آثار قلم أعلى”، المجلد الخامس، الصفحتان 110–111.
5 – ”القرآن الكريم”، سورة الحجر، الآية 99.
6 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 38، الصفحة 251.
7 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 118–119.
8 – رسالة مؤرخة في 4/11/1931.
9 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 119.
10– المصدر السابق.
11– ”آثار قلم أعلى”، المجلد السابع، الصفحة 113.
12– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 119–120.
13– ”النور الأبهى في مفاوضات عبد البهاء”، الصفحتان 251–252.
14– المصدر السابق، الصفحة 252.
15– ”منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 81.
16– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 120.
17– المصدر السابق.
18– يرجع القارئ إلى مقالة بالفارسية للدكتور وحيد رأفتي، صدرت في مجلة “عندليب”، رقم 19.
19– ”مائدة آسماني”، المجلد الرابع، الصفحة 24.
20– ”الكتاب المقدس”، إنجيل يوحنا، الأصحاح 1، الآية 1.
21– المصدر السابق، سفر إشعياء، الأصحاح 55، الآيتان 9–10.
22– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 121.
23– المصدر السابق، الصفحة 120.
24– ”النور الأبهى في مفاوضات عبد البهاء”، الصفحتان 181–182.
25– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 121–122.
26– ”مؤسسة أيادي أمر الله”، المجلد الثاني، الصفحات 64–67.
27– ”القرآن الكريم”، سورة يونس، الآية 94.
28– ”لوح ابن الذئب”، طبعة ألمانيا، الصفحتان 107، 108؛ طبعة مصر، الصفحتان 122، 124.
29– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 127–128.
30– المصدر السابق، الصفحتان 122–123.
الفصل الرابع: ورقاء، حواري حضرة بهاء الله
1 – ”تذكرة الوفاء”، الصفحات 133–135.
2 – رواها ابن ورقاء، أيادي أمر الله ولي الله ورقاء إلى أيادي أمر الله ذكر الله خادم.
3 – ”القرآن الكريم”، سورة الحج، الآية 5.
4 – ”الكلمات المكنونة”، الفارسية رقم 59.
5 – ”بهجة الصدور”، الصفحة 413.
6 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 19، الصفحة 274.
7 – ”الكلمات المكنونة”، العربية رقم 42.
8 – بهاء الله، مقتطف أورده شوقي أفندي في “ظهور عدل إلهي”، الصفحة 160.
9 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 19، الصفحتان 315–316.
10– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 32، الصفحة 317.
11– ”اقتدارات”، الصفحة 301.
12– ”الكلمات المكنونة”، العربية رقم 59.
13– المصدر السابق، الفارسية رقم 27.
14– المصدر السابق، الفارسية رقم 26.
15– ”لوح ابن الذئب”، الصفحة 2 (ألمانيا)؛ الصفحة 3 (مصر).
16– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 198.
17– ”آثار قلم أعلى”، المجلد الثاني، الصفحتان 48–49.
18– لم ينشر؛ مؤرخ 29 ربيع الأول 1304 ﻫ (26/12/1886م).
19– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 19، الصفحة 338.
20– ”منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 61.
21– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 101–102.
الفصل الخامس: سلطان الشهداء ومحبوب الشهداء
1 – ”نورين نيرين”، الصفحة 147.
2 – المصدر السابق، الصفحتان 131–132.
3 – المصدر السابق، الصفحة 135.
4 – ”الكلمات المكنونة”، الفارسية رقم 53.
5 – ”نورين نيرين”، الصفحة 136.
6 – ”اقتدارات”، الصفحة 27.
7 – ”منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 142.
8 – المصدر السابق، رقم 100.
9 – ”نورين نيرين”، الصفحة 139.
10– المصدر السابق، الصفحتان 146–147.
11– المصدر السابق، الصفحتان 169–170.
12– المصدر السابق، الصفحتان 185–186.
13– المصدر السابق، الصفحة 151.
14– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 28، الصفحة 517.
الفصل السادس: التوبيخ الإلهي – “لوح البرهان”
1 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 184.
2 – المصدر السابق، الصفحة 183.
3 – المصدر السابق، الصفحتان 184–185.
4 – المصدر السابق، الصفحة 186.
5 – المصدر السابق، الصفحة 187.
6 – المصدر السابق، الصفحتان 189–190.
7 – المصدر السابق، الصفحة 183.
8 – المصدر السابق، الصفحتان 185–186.
9 – المصدر السابق، الصفحة 186.
10– المصدر السابق، الصفحة 191.
11– المصدر السابق، الصفحتان 191–192.
12– المصدر السابق، الصفحة 191.
13– المصدر السابق، الصفحة 192.
14– المصدر السابق، الصفحة 188.
15– المصدر السابق، الصفحة 190.
16– Quoted by Shoghi Effendi, The Promised Day Is Come, p. 19.
17– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 28، الصفحة 364.
18– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 79.
19– ”الكتاب الأقدس”، 165، 166، 167، 169.
20– ”كتاب القرن البديع”، الصفحة 273.
الفصل السابع: قصر البهجة
1 – ”كتاب القرن البديع”، الصفحة 229.
2 – ”آثار قلم أعلى”، المجلد الخامس، الصفحة 135.
3 – ”مصابيح هدايت”، المجلد الخامس، الصفحتان 456–457.
4 – ”أسرار الآثار”، المجلد الرابع، الصفحة 52.
5 – ”آثار قلم أعلى”، المجلد الأول، الصفحة 302.
6 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 73، الصفحة 338.
7 – ”مائدة آسماني”، المجلد الثامن، الصفحتان 147–148.
8 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 15، الصفحة 1.
9 – ”كتاب القرن البديع”، الصفحتان 255–256.
الفصل الثامن: يوم الله – “لوح التجليات”
1 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 66.
2 – ”كتاب القرن البديع”، الصفحتان 353–354.
3 – بهاء الله، مقتطف في “ظهور عدل إلهي”، الصفحة 160.
4 – المصدر السابق، الصفحتان 161–162.
5 – المصدر السابق، الصفحة 165.
6 – المصدر السابق، الصفحة 163.
7 – المصدر السابق، الصفحة 162.
8 – بهاء الله، في “دورة حضرة بهاء الله”، الصفحة 17.
9 – المصدر السابق، الصفحة 14.
10– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 70–71.
11– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 41، الصفحة 4.
12– ”دورة حضرة بهاء الله”، الصفحتان 24–25.
13– المصدر السابق، الصفحة 25.
14– المصدر السابق، الصفحتان 25–26.
15– مجموعة “مناجاة”، الصفحة 184.
16– المصدر السابق، الصفحة 214.
17– ”مائدة آسماني”، المجلد التاسع، الصفحة 24.
18– ”أمر وخلق”، المجلد الأول، الصفحة 71.
19– Baha’i World Faith, pp. 342–3.
20– ”آثار قلم أعلى”، المجلد الأول، الصفحة 10.
21– مقتطف في “ظهور عدل إلهي”، الصفحة 160.
22– مقتطف في “دورة حضرة بهاء الله”، الصفحة 14.
23– المصدر السابق، الصفحة 26.
24– Letters from the Guardian to Australia and New Zealand, p. 41.
25– ”بهجة الصدور”، الصفحتان 72–73.
26– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 65.
27– ”الكتاب الأقدس”، 181. وكذلك “منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 70.
28– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 67–68.
29– المصدر السابق، الصفحة 68.
30– مجموعة “إشراقات”، الصفحة 196.
الفصل التاسع: أنوار الظهور – “لوح الإشراقات”
1 – ”مائدة آسماني”، المجلد الثاني، الصفحتان 74–75.
2 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 5.
3 – المصدر السابق، الصفحة 6.
4 – المصدر السابق، الصفحتان 7–8.
5 – المصدر السابق، الصفحتان 8–9.
6 – ”كتاب الفرائد”، الصفحتان 492–493. (ترجمة بتصرف)
7 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 8.
8 – المصدر السابق، الصفحة 16.
9 – ”الكتاب المقدس”، سفر دانيال، الأصحاح 12، الآيتان 8–9.
10– ”القرآن الكريم”، سورة الأعراف، الآية 34.
11– ”منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 61.
12– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 41، الصفحة 331.
13– ”آثار قلم أعلى”، المجلد الخامس، الصفحة 113.
14– المصدر السابق، المجلد الرابع، الصفحة 19.
15– ”منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 103.
16– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 28.
17– ”نفحات قدس”، الصفحات 5–8.
الفصل العاشر: بشارات للناس كافة – “لوح البشارات”
1 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 27، الصفحة 491.
2 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 38.
3 – ”مائدة آسماني”، المجلد الرابع، الصفحة 33.
4 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 40.
5 – المصدر السابق، الصفحتان 42–43.
6 – المصدر السابق، الصفحتان 40–41.
7 – مقتطف في “مصابيح هدايت”، المجلد الأول، الصفحة 488.
8 – ”مائدة آسماني”، المجلد الثاني، الصفحة 105.
9 – المصدر السابق، الصفحة 88.
10– Dawn of a New Day, pp. 77–8
11– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 44–45.
الفصل الحادي عشر: حقائق أمره – “لوح الطرازات”
1 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 49.
2 – ”خاطرات حبيب”، المجلد الأول، الصفحة 81.
3 – المصدر السابق، الصفحة 449.
4 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 49.
5 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 41، الصفحة 241.
6 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 51.
7 – المصدر السابق، الصفحة 58.
8 – المصدر السابق، الصفحة 59.
9 – المصدر السابق، الصفحة 97.
10– المصدر السابق، الصفحة 58.
الفصل الثاني عشر: وصول أنوار أمر الله إلى الهند وبورما
1 – ”تاريخ سمندر”، الصفحة 213.
2 – ”مصابيح هدايت” المجلد الثامن، الصفحات 134–136.
3 – ”تذكرة الوفاء”، الصفحة 209.
4 – المصدر السابق، الصفحة 210.
5 – المصدر السابق، الصفحات 210–212.
6 – الزرقاني، “بدائع الآثار”، المجلد الثاني، الصفحة 158.
الفصل الثالث عشر: معنى الاتحاد
1 – مقتطف من رسالة لبيت العدل الأعظم إلى الأحباء الإيرانيين، في 10/2/1980م.
2 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 123.
3 – ”آثار قلم أعلى”، المجلد الثامن، الصفحة 57.
4 – مجموعة “إشراقات”، الصفحة 230.
5 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 18، الصفحة 382.
6 – وردت في “مائدة آسماني”، المجلد التاسع، الصفحة 123.
7 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 82.
8 – ”منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 132.
9 – ”لوح مقصود”، “مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 144.
10– ”منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 131.
11– المصدر السابق، رقم 111.
12– المصدر السابق، رقم 93.
13– ”القرآن الكريم”، سورة النساء، الآية 34.
14– ”مائدة آسماني”، المجلد الثامن، الصفحة 52.
15– ”آيات إلهي”، المجلد الثاني، الصفحة 339.
16– Women (comp.) p. 20
17– المصدر السابق، الصفحتان 2–3.
18– ”منتخبات من مكاتيب عبد البهاء”، الصفحة 291.
19– المصدر السابق، الصفحة 77.
الفصل الرابع عشر: “سورة وفا”
1 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 176–177.
2 – المصدر السابق، الصفحتان 174–175.
3 – المصدر السابق، الصفحة 172.
4 – المصدر السابق، الصفحة 175.
5 – المصدر السابق، الصفحة 174.
6 – ”كتاب الإيقان”، الصفحتان 177–178.
7 – انظر “مطالع الأنوار”، الصفحتين 242–243.
8 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 173، 174.
9 – المصدر السابق، الصفحة 178.
10– المصدر السابق، الصفحة 179.
11– المصدر السابق، الصفحة 177.
12– ”الكتاب الأقدس”، 99.
الفصل الخامس عشر: “الكلمات الفردوسية”
1 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 82.
2 – مجموعة “مناجاة”، الصفحة 213.
3 – Quoted by May Maxwell, An Early Pilgrimage, p. 40.
4 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 79.
5 – المصدر السابق، الصفحة 96.
6 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 28، الصفحة 292.
7 – ”آثار قلم أعلى”، المجلد الخامس، الصفحة 63.
8 – المصدر السابق، المجلد الأول، الصفحة 309.
9 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 93.
10– المصدر السابق.
11– المصدر السابق، الصفحة 94.
12– المصدر السابق، الصفحة 79.
13– مؤرخ 1339ﻫ.
14– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 88.
15– Quoted by Lady Blomfield, The Chosen Highway, p. 184.
16– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 77.
الفصل السادس عشر: ألواح بارزة أخرى
1 – ”مجموعهای از الواح جمال اقدس ابهی”، الصفحتان 4–5.
2 – المصدر السابق، الصفحتان 3–4.
3 – المصدر السابق، الصفحة 6.
4 – The Promised Day Is Come, pp. 104–105.
5 – المصدر السابق، الصفحة 105.
6 – ”مجموعهای از الواح جمال اقدس ابهی”، الصفحة 6.
7 – Quoted by David Hofman, A Life of George Townshend, p. 49.
8 – ”مجموعهای از الواح جمال اقدس ابهی”، الصفحة 6.
9 – Quoted by Shoghi Effendi, “America and the Most Great Peace”, The World Order of Baha’u’llah. pp. 74–5.
10– Citadel of Faith, p. 130.
11– ”مجموعهای از الواح جمال اقدس ابهی”، الصفحتان 8–9.
12– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 150.
13– المصدر السابق، الصفحة 167.
14– ”بهجة الصدور”، الصفحتان 184–185.
الفصل السابع عشر: “أبواب العزة والجلال… تفتحت على مصاريعها”
1 – ”كتاب القرن البديع”، الصفحتان 229–230.
2 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 205–206.
3 – ”كتاب القرن البديع”، الصفحات 230، 232–233.
4 – مجموعة بخط يد زين المقربين (لم تنشر).
5 – ”آثار قلم أعلى”، المجلد الأول، الصفحة 310.
6 – مجموعة “اقتدارات”، الصفحة 292.
7 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 18، الصفحة 24.
8 – المصدر السابق، الصفحة 546.
9 – المصدر السابق، رقم 31، الصفحة 168.
10– المصدر السابق، الصفحة 169.
11– المصدر السابق، الصفحة 205.
12– ”آثار قلم أعلى”، المجلد السابع، الصفحة 236.
13– ”لوح ابن الذئب”، الصفحة 39 (ألمانيا )؛ الصفحة 42 (مصر).
14– مقتطف أورده شوقي أفندي في كتاب “ظهور عدل إلهي”، الصفحتان 64–65.
15– المصدر السابق، الصفحتان 51–52.
16– ”الكتاب الأقدس”، 97.
17– كتيب “حقوق الله”، رقم 19، الصفحة 9.
18– المصدر السابق، رقم 1، الصفحة 29.
19– المصدر السابق، رقم 9، الصفحة 7.
20– المصدر السابق، رقم 27، الصفحة 13.
21– مجموعة “اقتدارات”، الصفحة 292.
22– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 27، الصفحتان 206–207.
23– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 28، الصفحة 482. ترجمة المؤلف، بتصويب المركز البهائي العالمي.
الفصل الثامن عشر: مبلّغو أمر الله البارزون
1 – مقتطف أورده ر. مهرابخاني في “شرح أحوال ميرزا أبو الفضل گلپايگاني”، الصفحتين 88–89.
2 – المصدر السابق، الصفحات 89–91.
3 – ”مجلد العالم البهائي” (بالإنگليزية)، رقم 9، الصفحتان 857–858.
4 – أورده مهرابخاني في المصدر المذكور أعلاه، الصفحة 94. المقتطف من “القرآن الكريم” من سورة الأعراف، الآية 180.
5 – ”مجلد العالم البهائي” (بالإنگليزية)، رقم 9، الصفحة 859.
6 – أورده مهرابخاني في المصدر المذكور أعلاه، الصفحات 119–124.
7 – المصدر السابق.
8 – ”بهجة الصدور”، الصفحتان 219–220.
9 – المصدر السابق، الصفحة 220.
الفصل التاسع عشر: وظيفة أيادي أمر الله
1 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 27، الصفحة 281.
2 – المصدر السابق، رقم 22، الصفحة 9.
3 – مجموعة “اقتدارات”، الصفحة 249.
4 – ”الكلمات المكنونة”، الفارسية رقم 56.
5 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 15، الصفحة 96.
6 – ”خاندان أفنان”، الصفحة 221.
7 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 23، الصفحة 273.
8 – ”آثار قلم أعلى”، المجلد السادس، الصفحة 327.
9 – ”مائدة آسماني”، المجلد الثاني، الصفحتان 13–14.
10– المصدر السابق.
11– المصدر السابق، المجلد السابع، الصفحة 36.
12– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 15، الصفحة 385.
13– ”مؤسسة أيادي أمر الله”، الصفحتان 11–12.
14– المصدر السابق، الصفحة 12.
15– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 101.
16– رسالة مؤرخة 19/5/1969 موجهة إلى أحد المحافل الروحانية المركزية.
17– ”مؤسسة أيادي أمر الله”، الصفحة 425.
18– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 15، الصفحة 71.
الفصل العشرون: سير حياة أيادي أمر الله الذين عيّنهم حضرة بهاء الله
1 – أجرى العلامة البهائي الدكتور شاپور راسخ، أبحاثاً مستفيضة عن حياتهم نشرت في إيران في نشرة “آهنگ بديع”، الأرقام 3–5، (سنة 107ب) والأرقام 7–12 (سنة 129ب). يتقدم المؤلف بالشكر الجزيل للدكتور راسخ لتقديمه معظم المادة المقتبسة في هذا الفصل.
2 – ”تذكرة الوفاء”، الصفحة 21. (جرى هنا تعديل بسيط على الترجمة)
3 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 27، الصفحة 394.
4 – ”تذكرة الوفاء”، الصفحتان 21–22.
5 – المصدر السابق، الصفحة 22.
6 – ”مائدة آسماني”، المجلد الرابع، الصفحة 360.
7 – ”مؤسسة أيادي أمر الله”، الصفحة 391.
8 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 19، الصفحة 421.
9 – ”مؤسسة أيادي أمر الله”، الصفحتان 394–395.
10– ”تذكرة الوفاء”، الصفحتان 22–23.
11– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 15، الصفحة 435.
12– المصدر السابق، الصفحة 414.
13– ”تذكرة الوفاء”، الصفحات 23–25. (جرى هنا تعديل بسيط على الترجمة)
14– من كتاب “پيك راستان”، لوحيد رأفتي، الصفحة 45.
15– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 27، الصفحة 351.
16– المصدر السابق، الصفحة 314.
17– المصدر السابق، الصفحة 222.
18– شوقي أفندي في “ظهور عدل إلهي”، الصفحة 171.
19– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 27، الصفحة 178.
20– ”مؤسسة أيادي أمر الله”، الصفحة 422.
21– المصدر السابق، الصفحة 424.
22– المصدر السابق، الصفحة 442.
23– لوح نسخ على صورة لابن الأبهر.
24 – ”مؤسسة أيادي أمر الله”، الصفحتان 430–431.
الفصل الحادي والعشرون: ألواح نزلت لأيادي أمر الله
1 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 27، الصفحة 354.
2 – ”لئالي الحكمة”، المجلد الثاني، الصفحة 292.
3 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 28، الصفحة 157.
4 – المصدر السابق، الصفحة 190.
5 – المصدر السابق، رقم 27، الصفحة 394.
6 – المصدر السابق، الصفحة 419.
7 – المصدر السابق، الصفحة 379.
8 – المصدر السابق، رقم 28، الصفحة 3.
9 – المصدر السابق، رقم 27، الصفحة 297.
10– المصدر السابق، رقم 28، الصفحتان 7–8.
11– المصدر السابق، رقم 27، الصفحة 226.
12– المصدر السابق، رقم 15، الصفحة 395.
13– ”الكلمات المكنونة”، الفارسية رقم 11.
14– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 28، الصفحة 190.
15– المصدر السابق، رقم 27، الصفحتان 230–231.
16– المصدر السابق، رقم 28، الصفحة 191.
17– المصدر السابق، رقم 27، الصفحة 264.
18– المصدر السابق، رقم 28، الصفحة 179.
19– المصدر السابق، رقم 15، الصفحتان 423–424.
20– مقتطف أورده الحاج ميرزا حيدر علي في “بهجة الصدور”، الصفحتين 426–427.
21– مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 27، الصفحة 314.
22– مقتطف أورده النبيل الأعظم في “مطالع الأنوار”، الصفحة 84.
23– ”بهجة الصدور”، الصفحتان 316–317.
24– ”الأخبار البهائية” (أصبحت لاحقاً “نجمة الغرب”) 1910، العدد 18. يتقدم المؤلف بالشكر العميق للسيد رهبر أگه لتزويده بصورة سراج الحكماء ووليم پاتشين الصفحة 319.
الفصل الثاني والعشرون: “سمو العالم وارتقاء الأمم” – “لوح الدنيا”
1 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 101.
2 – المصدر السابق، الصفحتان 103، 106.
3 – المصدر السابق، الصفحتان 105–106.
4 – المصدر السابق، الصفحتان 104–105.
5 – ”الكلمات المكنونة”، الفارسية رقم 3.
6 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 104.
7 – المصدر السابق، الصفحة 111.
8 – المصدر السابق، الصفحتان 113–114.
9 – المصدر السابق، الصفحة 108.
10– الأستاذ علي أكبر البنّاء، تاريخ عشق آباد (لم ينشر).
11– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 103.
12– ”كتاب القرن البديع”، الصفحتان 239–240.
13– ”مائدة آسماني”، المجلد الرابع، الصفحتان 129–130.
الفصل الثالث والعشرون: دستور المركز العالمي – “لوح الكرمل”
1 – ”منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 11.
2 – ”مجموعهای از الواح جمال اقدس ابهی”، الصفحة 6.
3 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 19، الصفحة 257.
4 – المصدر السابق، رقم 73، الصفحة 363
5 – ”منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 11.
6 – ”الكتاب المقدس”، سفر إشعياء، الأصحاح 35، الآيتان 1–2.
7 – ”منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 11.
8 – المصدر السابق.
9 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 101–102.
10– ”منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 11.
11– ”كتاب القرن البديع”، الصفحة 231.
12– المصدر السابق، الصفحة 324.
13– Citadel of Faith, p. 95.
14– مجلد “العالم البهائي” (بالإنگليزية)، رقم 12، الصفحة 239.
15– ”منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 11.
16– ”الكتاب المقدس”، سفر إشعياء، الأصحاح 2، الآيات 2–4.
17– ”كتاب القرن البديع”، الصفحة 411.
18– Messages to the Baha’i World, pp. 74–5.
الفصل الرابع والعشرون: “لوح ابن الذئب”
1 – ”لوح ابن الذئب”، الصفحات 3–6 (ألمانيا)؛ الصفحات 4–7 (مصر).
2 – ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحتان 127–128.
3 – ”لوح ابن الذئب”، الصفحة 8 (ألمانيا)؛ الصفحة 9 (مصر).
4 – المصدر السابق.
5 – المصدر السابق، الصفحة 9 (ألمانيا)؛ الصفحة 10 (مصر).
6 – المصدر السابق.
7 – المصدر السابق، الصفحة 10 (ألمانيا)؛ الصفحة 10 (مصر).
8 – المصدر السابق، الصفحة 10 (ألمانيا)؛ الصفحة 11 (مصر).
9 – المصدر السابق.
10– المصدر السابق.
11– المصدر السابق، الصفحة 11 (ألمانيا)؛ الصفحة 11 (مصر).
12– المصدر السابق، الصفحة 11 (ألمانيا)؛ الصفحة 12 (مصر).
13– المصدر السابق، الصفحة 16 (ألمانيا)؛ الصفحتان 17–18 (مصر).
14– المصدر السابق، الصفحة 17 (ألمانيا)؛ الصفحة 18 (مصر).
15– المصدر السابق، الصفحة 18 (ألمانيا)؛ الصفحتان 18–19 (مصر).
16– المصدر السابق، الصفحة 18 (ألمانيا)؛ الصفحة 19 (مصر).
17– المصدر السابق، الصفحة 19 (ألمانيا)؛ الصفحة 20 (مصر).
18– المصدر السابق، الصفحة 21 (ألمانيا)؛ الصفحة 21 (مصر).
19– المصدر السابق، الصفحة 36 (ألمانيا؛ الصفحة 38 (مصر).
20– المصدر السابق، الصفحة 38 (ألمانيا)؛ الصفحة 40 (مصر).
21– المصدر السابق، الصفحة 89 (ألمانيا)؛ الصفحة 100 (مصر).
22– المصدر السابق، الصفحة 88 (ألمانيا)؛ الصفحة 99 (مصر).
23– المصدر السابق، الصفحة 62 (ألمانيا)؛ الصفحتان 68–69 (مصر).
24– المصدر السابق، الصفحتان 15، 16 (ألمانيا)؛ الصفحتان 16، 17 (مصر).
25– المصدر السابق، الصفحة 18 (ألمانيا)؛ الصفحة 19 (مصر).
26– المصدر السابق.
27– المصدر السابق، الصفحة 22 (ألمانيا)؛ الصفحتان 22–23 (مصر).
28– المصدر السابق، الصفحتان 59–60 (ألمانيا)؛ الصفحتان 65–66 (مصر).
29– المصدر السابق، الصفحة 89 (ألمانيا)؛ الصفحة 101 (مصر).
30– المصدر السابق، الصفحة 50 (ألمانيا)؛ الصفحة 55 (مصر).
31– المصدر السابق، الصفحات 48، 48–49 (ألمانيا)؛ الصفحتان 52، 53 (مصر).
32– المصدر السابق، الصفحة 49 (ألمانيا)؛ الصفحتان 53–54 (مصر).
33– المصدر السابق، الصفحة 49 (ألمانيا)؛ الصفحة 54 (مصر).
34– المصدر السابق، الصفحة 50 (ألمانيا)؛ الصفحة 54 (مصر).
35– ”كتاب القرن البديع”، الصفحة 239.
36– ”مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، الصفحة 197.
37– ”لوح ابن الذئب”، الصفحة 43 (ألمانيا)؛ الصفحتان 43–44 (مصر).
38– المصدر السابق، الصفحة 52 (ألمانيا)؛ الصفحة 57 (مصر).
39– المصدر السابق، الصفحة 63 (ألمانيا)؛ الصفحتان 69–70 (مصر).
الفصل الخامس والعشرون: “لوح ابن الذئب” (تكملة)
1 – ” منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله”، رقم 46.
2 – ”لوح ابن الذئب”، الصفحتان 24–25 (ألمانيا)؛ الصفحتان 25–26 (مصر).
3 – المصدر السابق، الصفحة 81 (ألمانيا)؛ الصفحتان 90–91 (مصر).
4 – المصدر السابق، الصفحة 82 (ألمانيا)؛ الصفحتان 92–93 (مصر).
5 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 19، الصفحة 455.
6 – ”لوح ابن الذئب”، الصفحتان 72–73 (ألمانيا)؛ الصفحات 80–82 (مصر).
7 – مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 15، الصفحتان 404–405.
8 – المصدر السابق، رقم 27، الصفحتان 343–344.
9 – المصدر السابق، رقم 31، الصفحة 32.
10– ”مائدة آسماني”، المجلد الخامس، الصفحتان 18–19.
11– ”أسرار الآثار”، المجلد الأول، الصفحة 21.
12– ”لوح ابن الذئب”، الصفحتان 71–72 (ألمانيا)؛ الصفحتان 79–80 (مصر).
13– المصدر السابق، الصفحتان 70–71 (ألمانيا)؛ الصفحة 78 (مصر).
14– المصدر السابق، الصفحة 46 (ألمانيا)؛ الصفحة 50 (مصر).
15– ”تذكرة الوفاء”، الصفحة 35.
16– ”لوح ابن الذئب”، الصفحة 30 (ألمانيا)؛ الصفحة 31 (مصر).
17– ”القرآن الكريم”، سورة الإخلاص.
18– ”لوح ابن الذئب”، الصفحة 30 (ألمانيا)؛ الصفحة 32 (مصر).
19– المصدر السابق، الصفحة 31 (ألمانيا)؛ الصفحة 33 (مصر).
20– المصدر السابق، الصفحة 76 (ألمانيا)؛ الصفحة 85 (مصر).
21– المصدر السابق، الصفحة 95 (ألمانيا)؛ الصفحة 107 (مصر).
22– المصدر السابق، الصفحة 95 (ألمانيا)؛ الصفحتان 107–108 (مصر).
23– المصدر السابق، الصفحتان 92، 93 (ألمانيا)؛ الصفحتان 104، 105 (مصر).
24– المصدر السابق، الصفحة 78 (ألمانيا)؛ الصفحة 87 (مصر).
25– المصدر السابق، الصفحة 12 (ألمانيا)؛ الصفحة 13 (مصر).
26– المصدر السابق، الصفحة 14 (ألمانيا)؛ الصفحة 14 (مصر).
27– المصدر السابق، الصفحة 27 (ألمانيا)؛ الصفحة 28 (مصر).
28– المصدر السابق، الصفحة 31 (ألمانيا)؛ الصفحتان 32–33 (مصر).
29– المصدر السابق، الصفحة 46 (ألمانيا)؛ الصفحة 49 (مصر).
30– المصدر السابق، الصفحة 52 (ألمانيا)؛ الصفحة 57 (مصر).
31– المصدر السابق، الصفحة 70 (ألمانيا)؛ الصفحة 77 (مصر).
32– المصدر السابق، الصفحة 64 (ألمانيا)؛ الصفحة 71 (مصر).
33– المصدر السابق، الصفحة 91 (ألمانيا)؛ الصفحة 103 (مصر).
34– المصدر السابق، الصفحة 75 (ألمانيا)؛ الصفحتان 83–84 (مصر).
الفصل السادس والعشرون: صعود حضرة بهاء الله
1 – ”الكلمات المكنونة”، الفارسية رقم 15.
2 – إشراق خاوري، “رسالة أيام تسعة”، الصفحات 399–406.
3 – ”كتاب القرن البديع”، الصفحتان 261، 262.
4 – إشراق خاوري، “رسالة أيام تسعة”، الصفحتان 404–405. (مع تعديل بسيط)
5 – مقتبس أورده شوقي أفندي في “الكشف عن المدنية الإلهية”، الصفحتين 69–70.
6 – المصدر السابق، الصفحة 70.
الملحق رقم 1: قوم عاد وثمود، هود، صالح والناقة
1 – ”القرآن الكريم”، سورة الحاقة، الآيات 6–8.
2 – المصدر السابق، سورة الأعراف، الآيتان 77–78.
3 – ”مائدة آسماني”، المجلد الثاني، الصفحتان 99–100.
4 – ”كتاب الإيقان”، الصفحة 4.
5 – المصدر السابق، الصفحتان 7–8.
يشمل الجزء الأول من هذا الفهرس قائمة بأسماء ألواح حضرة بهاء الله وكتاباته التي ذكرها المؤلف. بينما يتضمن الجزء الثاني فهرساً عاماً. وأضيف حرف “ح” بعد رقم الصفحة عند الإشارة إلى الحواشي
“رشح العماء“، قصيدة، 395
“سورة الملوك“، 27
“سورة الهيكل“، 128، 269
“سورة وفا“، 197–204
“الكتاب الأقدس”، 119، 134، 152، 203، 388، 389، 409؛ أحكامه، 112–114، 291، 313، 409، 422؛ الألواح النازلة بعده، 33، 115، 159، 217–227؛ حكم حقوق الله، 239–246؛ في تبجيل “العلماء”، 38
“كتاب الإيقان“، 94، 131، 134، 146، 147، 199، 204، 286، 313، 321، 375، 408، 415، 429
“كتاب عهدي“، 378، 407، 408، 423
“الكلمات الفردوسية“، 114، 168، 188، 205–216، 364
“الكلمات المكنونة“، 52، 67، 82، 274، 310، 332، 422
“لوح ابن الذئب“، 359–400؛ دراسته، 364، 421–431
“لوح الاتحاد“، 184–188
“لوح أحمد“، 136
“لوح أرض الباء“، 230
“لوح الإشراقات“، 17، 18، 114، 139–152، 154، 161، 392
“اللوح الأقدس“، 114، 217–223، 344، 345
“لوح البرهان“، 91–100، 413، 425
“لوح البشارات“، 114، 151، 152، 153–159، 161
“لوح التجليات“، 114، 115–138، 161
“لوح الحكمة“، 33–48، 185، 363؛ في البيان، 185؛ تعاليم لرفع روحانية البشر، 35–37؛ في الخليقة، 39–45؛ في علم المظاهر الإلهية، 47–48؛ فلاسفة اليونان القدماء، 45؛ المصطلحات الفلسفية فيه، 33؛ نزوله في حق النبيل الأكبر، 33، 39، 48؛ وصف الطبيعة، 44؛ يختلف عن السجلات التاريخية، 45؛ يرثي لحال العالم، 34–35
“لوح الدنيا“، 114، 278، 321–341، 390، 417
“لوح الرئيس“، 428
“لوح الرؤيا“، 404
“لوح الزيارة“، 157، 407
“لوح السلطان“، 365، 378
“لوح سلمان“، 165
“لوح السيد مهدي الدهجي“، 225–227
“لوح الطرازات“، 17، 18، 114، 161–169
“لوح عبد الوهاب“، 41
“لوح عندليب“، 83
“لوح فؤاد“، 428
“لوح القيصر ألكساندر الثاني“، 424
“لوح الكرمل“، 343–357، 409
“لوح مقصود“، 114، 224–225
“لوح الملكة ڤكتوريا“، 424
“لوح ناپليون الثالث“، 239، 424
“لوح نصير“، 373
مناجاة الصيام، 10
“الوديان السبعة“، 137، 175
آبادة، 306، 317–318، 375
إبراهيم الأبهري، ميرزا، 296
إبراهيم، السيد (خليل)، 431
إبراهيم، عليه السلام، 31، 316، 413، 425
إبراهيم، ميرزا، 74
ابن الأبهر، انظر محمد تقي، الحاج ميرزا
ابن الأصدق، أيادي أمر الله (ميرزا علي محمد)، 268؛ ألواح موجهة إليه، 243، 266، 268، 287، 294، 295، 307–320؛ حياته، 293–296؛ صورتان، 272، 282
ابن الفارض، 379، 422
أبهر، 297
أبو بديع (الحاج عبد المجيد النيشاپوري)، 376، 425
أبو بصير، 376، 425
أبو الحسن الأمين، الحاج (الحاج أمين)، 17ح، 179، 242، 244، 246، 248، 269، 275، 290، 298، 329، 330، 340، 386، 387، 426
أبو ذرّ، 423
أبو القاسم (البستاني)، 28–32
أبو القاسم الخراساني، ميرزا (حارس مرقد حضرة بهاء الله)، 30ح
أبو القاسم الفراهاني، ميرزا (القائم مقام)، 212، 214؛ صورة، 215
أبو القاسم الكاشي، 430
أبو القاسم الناظر، 385–388
أبو نصر، 423
أبو علي سينا، 423
أبو الفضل، ميرزا، 14، 98، 144–145، 248–260، 335؛ أسفاره، 171، 247–260؛ أعماله التبليغية، 247–260؛ في الإيقان، 35؛ حياته البسيطة، 248–250؛ سجنه، 369؛ قدوة، 36؛ مناظراته، 253–260
اتحاد، 152، 153، 289، 366، 370، 372؛ الجامعة البهائية، 183–188، 308، 356؛ عدم تحقق السلام بدونه، 150، 189–192؛ غير ممكن في الدورات السابقة، 332؛ قوته، 310؛ في المجتمع، 189–192، 205، 356؛ معناه، 183–196؛ هدف ظهور حضرة بهاء الله، 356، 378، الوحدة والاتحاد في التنوع والتعدد، 191
أحباء، انظر: البهائيون
أحكام، قوانين 113–114، 150، 177، 203، 206–207، 247، 278، 409، 422؛ إطاعتها، 137؛ أحكام إلهية، 352؛ تطبيقها، 313؛ = حضرة الباب، 157–158؛ = حقوق الله، انظر: حقوق الله؛ = فيزيائية، 245؛ نشرها، 291
أحلام النوم، 197–198
أحمد أفنان، السيد، 386، 387–388
أحمد أفندي، 24
أحمد روحي، الشيخ، 388–391
أحمد، ميرزا (الملاّ عبد الكريم القزويني)،430
أختر (صحيفة)، 385، 390، 426
آخوند، الحاج، انظر: علي أكبر الشهميرزادي
أدرنة، 2، 5، 7، 81، 105، 113، 147، 222، 237، 247، 383، 408
آدم، 130
أديب، انظر: حسن أديب، الحاج ميرزا
أديب العلماء، انظر: حسن أديب، الحاج ميرزا
آذربيجان، 84، 139–140، 179، 201، 424، 431
أراك، 213
أردبيل، 179
أردِكان، 235
الأرض الأقدس، المقدسة، 10، 13، 24، 104، 244–245، 296، 350، 386، 406، 408؛ علو سمعة أمر الله فيها، 229–230؛ وصول الزوار إليها دون إذن، 82–86؛ وصول الهيكليين إليها، 69، 343؛ الوضع الخطير فيها، 140؛ انظر أيضاً: عكاء؛ حيفا
أرواكا، الفيكونت، 214
أزبكستان، 252
الأزليّون، 80–81، 167، 169، 184، 210–211، 216، 297، 305، 388، 390، 393، 400؛ مؤامراتهم في الآستانة، 381–400؛ والنبيل ابن النبيل، 384–387
الأزهر، جامعة، 144، 255
أساقف، 219–220
الإسپرانتو، 427
الآستانة، 424، 426؛ سفارة إيران فيها، 382، 383، 386، 427؛ نفي حضرة بهاء الله إليها، 105، 221؛ مؤامرات الأزليين فيها، 216، 381–400
أستراليشيا، 222
استشهاد، 56، 136، 168، 223، 254، 314؛ = الإمام الحسين، 194، 314؛ = بهائيين في يزد، 116، 182، 325، 338–340؛ بيان حضرة بهاء الله عنه، 373–378؛ = الحاج محمد رضا الإصفهاني، 334–338؛ لوح عنه، 86، 294، 297
أسد الله، السيد، 179
أسد الله القمي، السيد، 14، 179–180، 213، 325
أسد الله، ميرزا (الديّان)، 430
إسرائيل، 397؛ أنبياء =، 13، 45، 147، 352؛ بنو =، 46، 202، 258
إسطنبول، انظر الآستانة
الإسكندر الكبير، 46
الإسكندرية، 23، 24
الإسلام، 43، 88، 145، 178؛ إخفاء العقيدة مسموح فيه، 92؛ الإدارة فيه، 356؛ اضمحلاله، 97؛ دعاء =، 399ح؛ = والشتم، 92؛ الشيعة، 167–168، 200، 314، 333؛ علماؤه، 97–99، 145، 235؛ معتنقو المسيحية من =، 254ح؛ معرفة المواضيع =، 364؛ النساء في =، 192، 193–194؛ نسخ أحكامه،178؛ النفي يقع فوق الإثبات فيه، 165
إسماعيل، السيد، 376، 425
إسماعيل، ميرزا (أخو سلطان ومحبوب الشهداء)، 76
الإسماعيليون، 177، 178
اسم العائلة، 283
الاسم الأعظم، 130، 134، 220، 366، 399ح؛ جامعة =، 165، 226، 229، 247، 352
آسيا، 222، 384، 409
أشرف الزنجاني، 168ح، 375، 424
أشرف، ميرزا، 168
أشرف، ميرزا، (من آبادة)، 374، 375–376
إشعياء، 42، 218، 258، 347، 349، 352، 397، 401
إصفهان، 54، 99، 116، 167، 168، 253–254، 256، 306، 334؛ استشهاد سلطان الشهداء ومحبوب الشهداء فيها، 73–80، 374 اضطرابات فيها، 359؛ سجنها، 54
اضطهاد، 86، 254؛ = ابن الأبهر، 296–302؛ = أمر الله، 327؛ = البابيين، 6؛ = البهائيين في إيران، 112، 338–340؛ = الحاج آخوند، 287–288؛ = الحاج يهودا، 13؛ = حضرة بهاء الله، 164، 381؛ = ميرزا هادي، 16
إطاعة، 25، 137، 201
الأطفال، 206؛ تعليمهم، 152، 332؛ معاناتهم، 93
الاعتدال، 66، 184–185، 206، 225
الاعتراف (بالخطايا)، 155
أعظم (مالك أرض في عشق آباد)، 117
الأعمال، 226، 240، 252، 279، 309، 331، 361، 366، 372؛ إدانة = الشريرة، 362؛ الخدمة أعظم =، 294؛ وحدة =، 185
الأغصان، 10، 325
أفريقيا، 222، 409
أفغانستان، 177
الأفنان، 49، 73، 116–117، 237، 275؛ تشاورهم في أحوال الجامعة البهائية، 116ح؛ في الهند، 172–175؛ يؤسسون شركة تجارية في الآستانة، 384–386
الأفنان الكبير (الحاج ميرزا سيد حسن)، 322، 385، 391، 392–395، 424؛ صورة، 394
آقا جان، ميرزا (خادم الله)، 8، 10، 24، 73، 103، 104، 112، 236، 238، 244، 291، 325، 326،389؛ سقوطه، 236؛ كتابته للوحي، 121، 210، 325، 326
آقا خان الكرماني، ميرزا، 388–391
آقا خان، ميرزا (القائم مقام)، 212–213
آقا سيد آقا، 275، 322–324
آقا كليم، انظر موسى، ميرزا
آقا ميرزا آقا أفنان (نور الدين)، 8، 275، 321–329، 417–419؛ صورة، 323
اقتراع، 281–283؛ انظر أيضاً: انتخابات
أگه، رهبر، 459
الله، 161–162، 190، 346؛ اتهام حضرة بهاء الله بنسبة نفسه لله، 122، 396–397؛ شريعته، 352؛ مشيئته، 44، 314؛ الإيمان به، 27–28، 45؛ امتحاناته، 28، 237، 277؛ = والإنسان، 47، 64، 134–135، 144، 150، 278؛ تحقيق التقرب إليه، 64–65، 137، 202؛ التوجه إليه، 310–311؛ التوكل عليه، 312–313؛ جوهره، 122–124، 397؛ خشيته، 28، 205، 251، 279، 366، 372؛ والخليقة، 39–43؛ والرجعة، 199–202؛ رحمته، 398–400؛ سخطه، 310؛ صفاته، 17، 44، 94، 127–129، 130–131، 150، 191–192، 196، 234؛ طبيعته، 40–44، 122–130، 256–259؛ عبادته، 36، 159؛ عرفانه، 134؛ عظمته، 251؛ علاقته بمظاهر أمره، 125–131؛ علمه، 134–135، 204، 365؛ عوالمه، 197–198؛فضله، 111، 207، 223، 309؛ قدرته، 316، 363؛ كتاب =، 203؛ كلمته، انظر: الكلمة الإلهية؛ لا “زمن” في نظره، 162–163؛ المتفرد، 191؛ محبته، 35، 287؛ البهّاج، 234؛ هدايته، 315–316؛ لقاؤه، 396–398، 426؛ توحيده، 278، 386، 395؛ يخاطب ابن الذئب، 362
الألمان، 69، 343، 344
ألواح حضرة الباب، 321
ألواح حضرة بهاء الله، 33، 88–89؛ إلى أحباء هنود، 175؛ إلى ابن الأبهر، 280، 297–298؛ إلى ابن الأصدق، 243، 266، 268، 287، 294–296، 307–320؛ في الاستشهاد، 87؛ إلى أطفال ورقاء، 58؛ إعادة تنزيلها، 362–364؛ إلى الأعداء، 94؛ في الأفعال غير المقبولة، 153؛ إلى الأفنان، 275؛ لآقا سيد آقا، 275؛ اقتباس من فقرات لحضرة الباب، 47؛ عن الله المتفرد، 192؛ في الأمانة، 17، 437؛ للإنسانية، 34؛ في الانقطاع، 239–240؛ عن أيادي أمر الله، 278–279؛ عن “البهجة”، 102؛ عن بيت حضرة الباب، 417؛ إلى “التايمز”، 340–341؛ في التبليغ، 266، 297، 311؛ تخاطب مواقع ومدناً، 344؛ تزخر بالدلالات العميقة، 161؛ تسليمها، 315–318؛ في تفسير “النجوم”، 218؛ إتلافها، 144؛ في التنسك، 154–155؛ في الثبات، 136؛ في جوهر الغيب، 126؛ للحاج أبو الحسن أمين، 113، 269، 280؛ إلى الحاج آقا محمد “علاقه بند”، 209؛ للحاج محمد إبراهيم، 146ح؛ للحاج محمد رضا، 335–336؛ للحاج محمد طاهر المالميري، 315؛ إلى الحاج الملاّ علي الكَني، 288؛ للحاج الملاّ مهدي العطري، 50؛ للحاج ميرزا بزرگ أفنان، 17؛ في “الحجبات” و”مظاهر الظلم”، 165–166؛ عن حديقة الرضوان، 11، 15–16؛ في حقوق الله، 242–243، 246؛ في الحقيقة المكنونة للشخصيات البارزة، 277؛ في خشية الله، 28؛ عن الخطيئة، 85؛ في الخليقة، 39–40، 42، 44؛ دراستها، 217–227؛ ذكر قصة سلطان الشهداء ومحبوب الشهداء، 73، 80–89؛ لرئيس الهيكليين، 343؛ إلى رجال الدين، 94–98؛ في الريف، 8؛ إلى سلطان الشهداء، 86؛ إلى سليمان خان، 175؛ في سوء تصرفات المؤمنين، 216، 381؛ في الشر، 331؛ للشيخ كاظم سمندر، 87؛ عن الشيخ محمد اليزدي، 383؛ في الصلاة المفروضة، 291؛ صياغتها، 23ح؛ في ضآلة قيمة هذا العالم، 239؛ في طبيعة الله ومظاهر أمره، 125–127؛ في الطواف، 106؛ في ظهوره، 395؛ في عدم إعطاء “الكتاب الأقدس”، 239؛ في العصمة، 143–144؛ في عقاب البشرية، 149؛ في العلوم التي تبدأ وتنتهي بالكلام، 138؛ لعندليب، 83؛ عن القلب، 35؛ في قوة الاتحاد، 187–188، 190–191؛ للكربلائي آقا جان، 261؛ في اللغة المساعدة، 152؛ عن مجموعات =، 249ح؛ لمحمد باقر، 237؛ لمحمد علي أفنان، 237؛ في مساواة الرجال والنساء، 193–195؛ في المشورة، 280؛ في المعاناة، 103، 150، 391؛ لدى مغادرة عكاء، 103؛ في المغفرة، 85؛ في مكائد الأزليين، 388، 392؛ للملاّ علي أكبر، 245، 278، 307–320؛ للملوك والرؤساء، 378؛ الموجهة لأساقفة الكنيسة وقساوستها، 219–220؛ عن المؤمن الحقيقي، 153؛ عن المؤمنين كأيادي أمر الله، 275؛ لميرزا أبو الفضل، 250؛ عن ميرزا آقا خان والشيخ أحمد، 391–392؛ لميرزا حسن، 52؛ النازلة في “البهجة”، 111–112؛ النازلة في بيت آقا كليم، 232–233؛ النازلة في حديقة الرضوان، 15–16؛ في النباتات، 11؛ في النبؤات الإسلامية، 146–147؛ للنبيل ومحمد طاهر، 106؛ لنساء بهائيات، 194–195؛ نصيحة في التبليغ، 185؛ لنور الدين، 8؛ لهادي دولت آبادي، 47، 169؛ في لقاء الله، 398؛ لورقاء، 18، 50، 63–71، 87–88؛ (27 لوحاً) نزلت للأستاذ علي أكبر، 121
ألواح حضرة عبد البهاء، لابن الأبهر، 27، 298، 302؛ لآقا ميرزا آقا، 418؛ لأيادي أمر الله، 276، 307؛ للحاج آقا محمد “علاقه بند”، 26؛ = الخطة الإلهية، 349؛ إلى د. فوريل، 127؛ في دفن رفات حضرة الباب، 350؛ في زيارة “أهل القبور”، 156؛ عن سجلات التاريخ، 46؛ في الدعاء، 157؛ في الصفات الإلهية، 128؛ في طبيعة الله، 127–128؛ = غير معنونة، 317–318؛ = الزيارة، 157؛ في مساواة الرجل والمرأة، 195؛ في المشورة، 280؛ للمنظمة المركزية للسلام الدائم، 295؛ لميرزا آقا خان، 214؛ للناقضين، 140
إماء الله، انظر النساء
الأمانة، 17–28، 166، 240، 366، 372، 427
الامتحانات، 237، 277، 300
“أمر وخلق”، كتاب، 45
أمر الله، انظر البهائي، الدين
أمريكا، 222، 250، 252، 255، 275، 349
آمُل (إيران)، 142، 379، 425
أمم، دول، 197، 224، 226، 352، 372، 411، 422
الأموات، 156–157، 199، 219، 223
الأموال، 239، 243، 246، 249، 253؛ الصناديق العالمية، 246؛ انظر أيضاً: حقوق الله
أمين، الحاج، انظر: أبو الحسن، الحاج
أمين السلطان، انظر: علي أصغر خان
الأناجيل، 42، 69، 123، 147، 219؛ انظر أيضاً: الكتاب المقدس؛ الكتب المقدسة؛ العهد القديم؛ العهد الجديد
أنبياء، 106، 111، 122، 126، 222، 351، 387؛ = بني إسرائيل، 13، 45، 147، 352؛ منزلو الكلمة الإلهية، 46؛ = قدماء، 46، 413–416؛ يخبرون عن مجيء حضرة بهاء الله، 218، 397، 401؛ اليونان تعلّموا الحكمة منهم، 45؛ انظر أيضاً: المظهر الإلهي
انتخابات، 281
اندماج، 281
الإنسان، أعظم مكتسباته، 82؛ الحاجز بينه وبين الله، 277؛ انقطاعه، 67–68؛ حاجته للتواضع، 64؛ اتصافه بالإنصاف، 310؛ طريقة حياته، 69؛ طبيعته البشرية، 137؛ “الطلسم الأعظم”، 224؛ قدرته على فهم الله، 144؛ كائن محدود، 207؛ كل إنسان فريد، 191، 192؛ مقامه، 64؛ المواساة أنبل صفاته، 188؛ نموه الروحي، 36–37؛ يمتحنه الله، 237؛ انظر أيضاً: الروح
الإنسانية، 132–134، 166، 206–207، 224؛ اتحادها، 150، 152، 153، 184–185، 189–190، 206، 224، 258، 378؛ إحاطة الدين البهائي بالبشرية، 247؛ بعثها، 66، 224؛ الألفة بين البشر، 332؛ حالتها، 66–71، 144، 149–150؛ رؤيتها، 162؛ ضلالها، 310؛ معاناتها، 70، 149–151؛ نصائح حضرة بهاء الله لها، 151، 330–332؛ وحدتها، 190، 258
الانقطاع، والتبليغ الناجح، 248، 251، 260؛ الحاجة له، 67، 239–240، 244، 279، 308–309؛ = حضرة بهاء الله، 236–238
إنكار العقيدة، 92–93، 168
أهل البهاء، انظر: البهائيون
أوبر، هارلان، 302
أورشليم، 352، 397
أوروپا، 222، 295
الأولاد، مدرسة، 304
أيادي أمر الله، أدعية نزلت لهم، 278، 290، 312، 329–330؛ ألواح نزلت في حقهم، 307–320، 329–330؛ في إيران، 119، 247–248؛ تأسيسهم لأول محفل روحاني منتخب في طهران، 281، 303؛ تطور مؤسستهم، 267–268، تعيينهم، 176، 304، 329ح، 409؛ حثهم على التنقل ولقاء البهائيين، 291؛ حثهم على المشورة، 280–281؛ = وحقوق الله، 243–244؛ حياتهم، 285–306؛ خدمتهم، 292؛ دورهم، 265–283؛ “العلماء”، 37–38؛ مبلّغو أمر الله، 247–248؛ مقرهم الإداري، 356؛ مهامهم، 269–274، 278–279؛ صور، 270–273، 282
إيران، 92، 99، 112، 240، 333، 336، 341، 350، 359، 370، 391، 406، 409، 419، 422؛ اتخاذ اسم للعائلة فيها، 283ح؛ إرسال الصلاة المفروضة إليها، 291؛ تأثير الظهور البابي عليها، 158؛ التزاوج فيما بين البهائيين فيها، 281؛ تنقلات ابن الأبهر فيها، 297–304؛ تنقلات الحاج ميرزا حيدر علي فيها، 260–263؛ تنقلات ميرزا أبو الفضل فيها، 248–260؛ الجامعة البهائية فيها، 297؛ حكومتها، 212، 298، 305، 327، 330، 372، 390؛ رجال الدين فيها، 92؛ المبلّغون فيها، 171، 244، 247–263، 265–267، 289، 292، 293، 296، 302، 409؛ المجاعة فيها، 290؛ المحفل الروحاني المركزي فيها، 305؛المدارس البهائية فيها، 119ح؛ مهد أمر الله، 222؛ مهمة سليمان خان فيها، 179؛ النساء فيها، 303
الإيقان، 35–36
إيليا، مغارة، 343، 349
الإيمان، مصطلح نسبي، 54، 65؛ = الفرد، 36، 138، 151، 204، 208، 266؛ كلمات حضرة عبد البهاء عنه، 208
الباب (حضرة)، 123، 141، 197–198؛ وإتلاف الكتب الدينية، 157؛ أحكامه، 157–158؛ استشهاده، 73؛ أسماؤه وألقابه، 198، 200؛ في إصفهان، 74، 75؛ إعلان دعوته، 142، 321، 322ح، 417؛ إعلانه لمقام حضرة بهاء الله، 123، 124؛ أقرباؤه، انظر: الأفنان؛ بيته، 17، 119ح، 157، 322، 323، 326، 417–419؛ تمهيده الطريق لحضرة بهاء الله، 80، 141، 397؛ حرمه، انظر: خديجة بگم؛ دفن رفاته، 349–351؛ رفاته، 349–350؛ وسلطان الشهداء ومحبوب الشهداء، 74؛ عن القدرة الإلهية، 316؛ كتاباته، 47، 123، 363، 397؛ عن مجيء حضرة بهاء الله، 397؛ منحه مقام إمام لمؤمن، 200؛ ميلاده، 326–327؛ نفيه إلى ماه كو، 212؛ “نقطة البيان”، 198–199، 200، 210؛ يفتتح الدورة البهائية، 148؛ انظر أيضاً، 100ح، 117، 119، 123، 132، 142، 144، 168، 392، 395، 423، 426–431
البابيون، 52، 63، 390، 408؛ = وأحكام حضرة الباب، 157–158؛ = واستعمال العنف، 368–369؛ اضطهادهم، 6؛ إعلان حضرة بهاء الله دعوته لهم، 321؛ = والبهائيون، 369؛ خطاب حضرة بهاء الله لأهل البيان، 142، 168، 198، 210، 400؛ تركيز حضرة بهاء الله دعوته لهم، 81؛ توبيخ حضرة بهاء الله لهم، 210؛ توجههم للقدوس، 201؛ ثباتهم، 135؛ زحفهم نحو مازندران، 201؛ السماح لهم بالدفاع عن أنفسهم، 368؛ لقاء الحاج الملاّ علي أكبر بهم، 286؛ محاولة اغتيال الشاه، 368؛ وميرزا يحيى، 296؛ ونقض العهد، 81، 144، 167–168
باقر، الملاّ، إمام الجمعة في نيريز، 197
باقر، الملاّ، حرف الحيّ، 439
بالي، 176
بخارى، 252
بدخشان، 177
بدر الدين الغزّي، الشيخ، 145
بدشت، مؤتمر، 16، 74
بديع، 38، 73، 290، 297، 376، 424
بديع الله (ابن حضرة بهاء الله)، 58، 367، 425
بديع الله (ابن ورقاء)، 58
براون، إدوارد گرانفيل، 238، 296
برق، الحمار، 103
بروس، القس الدكتور روبرت، 253–260
بريطانيا، 99، 253، 254
بزرگ، الحاج ميرزا، الأفنان، 17، 325، 329
بطرس، 422
بغداد، 5، 105، 113، 234، 237، 296؛ لقاء الزوار بحضرة بهاء الله فيها، 50، 52، 74، 80، 87، 234–236، 293، 430
بلخ، 177
البنات، مدارس، 304
البهائية، الدورة، 200، 357، 411
البهائي، الدين؛ أحكامه، 114؛ استقلاليته، 178؛ اعتناقه، 177؛ اعتناقه على نطاق عالمي، 55؛ أعداؤه، الرثاء لهم، 93؛ انتشاره، 69، 163–164، 171، 222، 240–241؛ إنكار العقيدة، 92، 168؛ تبليغه، انظر: التبليغ؛ تطور مركزه الإداري العالمي، 352–353؛ حمايته، 269، 278، 281، 312؛ دورته، 148؛ دين بهيئته النقية، 149؛ رعايته، 312؛ رؤية حضرة بهاء الله بخصوصه، 162؛ عزّته، 229؛ القائمون على معارضته، 310، 332؛ لا يجوز إخفاؤه، 92؛ مبادؤه، 409؛ متطلبات تبليغه، 226؛ المحبة فيه، 187؛ مركز أمر الله، 138؛ مستقبله، 71، 327؛ معارضته، 310، 327؛ مقره العالمي، 343–357؛ نموّه، 135، 171، 222–223، 240–241، 247، 312، 411، 419؛ هدفه، الاتحاد بين العباد، 377–378؛ الوحدة فيه، أنموذج، 183، 356؛ الولاء له، 327
البهائيون؛ اتحادهم، 183–184، 185؛ اجتماعاتهم، 308؛ والأحكام، 278؛ أخلاقهم، 205؛ ازدهارهم ورفاههم، 280؛ أصحاب السفينة الحمراء، 310؛ من أصل يهودي، 244، 281، 409؛ صورة، 282؛ الاضطهادات ضدهم، 120–121؛ أعمالهم، 205، 309؛ ألواح نزلت في حقهم، 315–316؛ إنكار العقيدة، 92، 262ح؛ اهتماماتهم، 382؛ وأيادي أمر الله، 268؛ والبابيون، 369؛ بناؤهم للمدارس، 119ح؛ بهائيون بارزون، 276؛ بهائيون حقيقيون، 153، 287؛ ترويجهم السلام، 333؛ التزاوج فيما بينهم، 281؛ تصرفاتهم، 309؛ والتضحية، 183؛ تطور الجامعة البهائية، 280؛ التعامل التجاري بينهم، 27؛ تعريف أنفسهم كبهائيين، 262ح؛ تعصباتهم، 281؛ تكامل الجامعة، 281؛ تملّك الصفات القدسية، 166؛ تهم موجهة ضدهم، 298، 382–391؛ ثباتهم، 135–136؛ حثّهم على التبليغ، 268؛ حقوق الله والبهائيون، 239–245؛ حمايتهم، 315؛ دعاء لهم، 232؛ سجنهم في طهران، 369؛ سلوكهم، 370؛ سوء تصرفهم، 216، 381؛ شتمهم، 93؛ عرض ظل السلطان لمساعدتهم، 100؛ في عكاء، 2؛ فهمهم للتعاليم، 202–203؛ فهمهم للعهد القديم والجديد، 259؛ محبتهم لبعضهم، 187، 308؛ محبتهم لحضرة بهاء الله، 183، 269–274؛ مخاطبتهم في “لوح الكرمل”، 347–348؛ معيار الانقطاع، 239–240؛ معيار حضرة بهاء الله لهم، 82؛ مقاماتهم، 185–186، 275؛ نصائح حضرة بهاء الله لهم، 151–152، 165، 185، 203، 226، 308، 330–334، 365–367؛ في مندلاي، 177–178؛ ميزتهم الروحية، 372؛ نصحهم بتوخي الحكمة، 312؛ = والهجرة، 164؛ في الهند، 171–175؛ ولاؤهم، 327؛ انظر أيضاً، 112، 116ح، 180، 404
البهائي، المركز العالمي، 343–357؛ صورة، 355
بهائية خانم، انظر: الورقة المباركة العليا
بهاء الله، حضرة؛ وأبو القاسم، 28–30؛ في الاتحاد، 184–191؛ اتهامه بنسبة الألوهية إلى نفسه، 122–123، 395–396؛ في أحوال الإنسانية، 71؛ في أدرنة، 237، 383، 408؛ وإدوارد براون، 238؛ إرساله ألواح غير معنونة، 315–317؛ إرساله مبلّغين جوالين، 266–267؛ والآستانة، 383؛ استجابته لاستشهاد أتباعه في يزد، 338؛ في استخدام العنف، 368–369؛ نداؤه لابن الذئب، 398–400؛ أسماؤه وألقابه، 134–135، 198، 359؛ إعلان دعوته، 52، 81، 296، 321؛ إعلان دعوته للملوك والرؤساء، 408؛ اقتباسه من ألواح نزلت سابقاً، 362–364؛ ألواحه، انظر: ألواح حضرة بهاء الله وكتاباته، 463؛ أمره بشراء أرض في عشق آباد، 117؛ إنجازاته، 408–411؛ انجذاب السيد مصطفى الرومي إليه، 176؛ انقطاعه، 236–238، 255؛ أولاده،5–6، 274؛ الإيمان به، 187؛ براهينه، 252؛ في بغداد، 235–236، 286؛ في البهجة، 9ح، 84، 101–114، 232، 235، 325، 343، 402، 405، 409؛ بيانه عن حضرة المسيح، 146؛ بيته في بغداد، 157؛ = وبيت حضرة الباب، 417–418؛ تعاليمه، انظر: التعاليم؛ تعيينه لأيادي أمر الله، 275، 285–306، 304–320، 409؛ في حديقة الرضوان، 11–32؛ في الحكمة، 309، 311–314؛ حماره، 103، 104، 328؛ حماية حضرة عبد البهاء له من العالم الخارجي، 2، 4، 5؛ حواريه، 49، 52، 87ح، 102، 285، 384، 402، 429؛ في حيفا، 343؛ نعاله، 238؛ في الدين، 148–149؛ ذكريات الحاج ميرزا حيدر علي عنه، 5؛ رسالة ظل السلطان إليه، 100؛ رسالته لأمين السلطان، 179؛ رسالته للمسيحيين، 217–223؛ روايات منسوبة إليه، 163؛ وروح الله، 57–63؛ والزوار في الأرض الأقدس، 83–87؛ سجنه، 231–232؛ في سوء تصرف بعض البهائيين، 216، 381؛ وسلطان الشهداء ومحبوب الشهداء، 73–75، 80–89؛ وسليمان خان، 171–178؛ والسيد أسد الله، 184؛ شتمه، 92–93، 168؛ شخصه، 130–131؛ ظرفه، 233–235، 246؛ شهامته، 231–238؛ صعوده، 105ح، 177، 292، 343، 401–411؛ ظهوره، انظر: ظهور حضرة بهاء الله؛ عائلته، من الناقضين، 5–6، 274؛ عرض تعاليمه، 364–367؛ عرفان الله يأتي بواسطته، 134–135؛ عرفانه، 136، 186، 190، 198–199، 203، 207، 296؛ عصمته، 142–143؛ وعكاء، 103، 232–233؛ على جبل الكرمل، 324–329؛ وعملية نزول الوحي، 209–211؛ في العوالم الروحية، 197–204؛ قصيدة النبيل عنه، 105–106؛ وكتابات حضرة الباب، 47، 363؛ كتاباته، جرى تشويهها، 144؛ لقاء ابن الأصدق به، 293؛ لقاء الأستاذ علي أكبر به، 117؛ لقاء آقا ميرزا آقا به، 322–329؛ لقاء جليل الخوئي به، 139؛ لقاء الحاج محمد رضا به، 334؛ لقاء الحاج ميرزا سيد محمد به، 321؛ لقاء الحاج يهودا به، 12–13؛ لقاء الملاّ علي أكبر به، 289؛ والمجاعة في إيران، 290؛ محبته، 183، 202، 266، 274–275؛ مخاطبته لرؤساء الأديان، 203؛ مخاطبته لعلماء الإسلام، 97–98؛ ومرسوم السلطان عبد العزيز، 230، 231؛ ثناؤه بصفته “الواسطة الكبرى“، 360؛ مرقده، انظر: مرقد؛ مركز أمر الله، 138؛ في المزرعة، 1–10، 73، 101–102، 175، 180؛ في مساواة الرجل والمرأة، 192–196؛ في مستقبل أمر الله، 71؛ مشرق آيات الله، 126؛ في المشورة، 279–280؛ المظهر الكلي الإلهي، 130، 131–134، 141، 365، 395–398؛ المظهر العالمي، 130؛ معاناته، 6، 38، 142، 378–379، 381–382، 391–392؛ مقام “الآب” 218، 219، 401؛ مقامه، 65، 93، 106، 122–134، 136، 213، 312؛ والملاّ حسين، 200؛ ملابسه، 236–238؛ مناجاته للأحباء، 232–233؛ نصائحه للبهائيين، 166؛ منحه لقباً للقدوس، 201؛ ميلاده، 327؛ النبيل الأكبر عزيز عليه، 48؛ نصائحه لأتباعه، 330–334؛ وورقاء، 52–63؛ وصف الحاج محمد طاهر المالميري له، 9–10؛ وصفه لمقام حضرة عبد البهاء، 55–56؛ وصوله إلى عكاء، 343؛ وصيته (كتاب عهدي)، 378، 407، 408؛ ولائم أقيمت على شرفه، 8–10؛ والهدايا، 235–237؛ يتكلم كمظهر إلهي، 311؛ يشبّه نفسه بيوسف (ع)، 81؛ انظر أيضاً، 117، 171، 172، 176، 354
البهجة، قصر، 30، 101–114، 392، 402؛ صور، 107–110، 410؛ حضرة بهاء الله في، 9ح، 84، 101–114، 232، 234، 325، 343، 402، 405، 409؛ وحضرة عبد البهاء، 1، 5، 101، 103، 105؛ الطواف حوله، 104–106؛ عدم ذهاب الأسرة المباركة للإقامة فيه، 1، 106؛ الكتابة المحفورة فوق مدخله، 102؛ وصف الحاج محمد طاهر لأحداث فيه، 104–106
“بهجة الصدور“، كتاب (للحاج ميرزا حيدر علي)، 59
بوانات (إيران)، 318
بوذيون، 175، 178، 257، 409
بور سعيد، 324
بورما، 171، 175–177، 182، 295، 409
بومبى، 104، 172، 175، 322، 375
“البيان“، كتاب، 47، 123، 157، 296، 322؛ أهل “البيان”، 141–142، 166، 198، 210، 400؛ “نقطة البيان”، انظر الباب، حضرة
بيروت، 51، 322؛ جامعتها، 31؛ زيارة حضرة عبد البهاء لها، 229–230
بيبي طوبا (أخت ورقاء)، 54
بيت العدل الأعظم، 38، 86، 152، 156، 207؛ والسفينة، 352؛ والصناديق المالية العالمية، 246؛ عصمته، 143، 316؛ والمركز الإداري العالمي، 353؛ مركزاً للعهد، 138، 246؛ مروجاً للصلح الأصغر 333؛ مقره، 353، صورة، 355؛ ومؤسسة أيادي أمر الله، 267، 279؛ واجباته، 154؛ يمكنه تشريع الأحكام الجديدة، 206
بيت لحم، 344
بيروني (القسم الخارجي من المنزل)، 3
بيوت العدل، 38، 313
پاتشين، ويليام ج.، 318، 320، 458؛ صورة، 319
پروتستانت، الجمعية الإيفانجيلية، 145
الپنجاب، 176
پنچ، الهند، 177
التاريخ، 45–46، 63، 105
“تاريخ الأمر في مقاطعة يزد“، (للحاج محمد طاهر المالميري)، 23، 49–50
“تاريخ شهداء يزد“، كتاب، 120، 338
تاونزند، جورج، أيادي أمر الله، كاهن في كاتدرائية القديس پاتريك في دبلن وآرشديكون كلونفيرت، 220–221
التايمز، صحيفة، 340–341
تبريز، 54، 146، 172، 180، 256، 391، 430
التبليغ، 117، 120، 121، 205، 311–312؛ “ألواح الخطة الإلهية” دستوره، 349؛ أهمية الانقطاع للنجاح فيه، 248، 251، 308؛ أهميته، 226، 297، 309؛ أيادي أمر الله يقومون عليه، 265، 311؛ في إيران، 112؛ تشجيع النساء عليه، 194؛ جولات ابن الأصدق للتبليغ، 293–296؛ الجوال، 171–182، 225، 247–248، 250–252، 293، 295؛ حث البهائيين عليه، 265–268؛ الحكمة أثناءه، 66، 297، 311–312؛ سليمان خان يقوم عليه، 171–182؛ طرقه، 226، 252–253؛ طريقة روح الله فيه، 57–58؛ متطلباته، 48، 153–154؛ معناه، 309؛ ومقام الشهادة، 56؛ النجاح فيه، 248، 251–252، 309؛ نصيحة حضرة بهاء الله للبهائيين أثناءه، 184–185
التجسد، 40
“تذكِرة الوفاء“، كتاب، (لحضرة عبد البهاء)، 392–395
ترانسكاسپيا، 336
“التربية“، مدرسة، 305
تركستان، 119، 248
تركمانستان، 171
تركمانشاي، معاهدة، 422
التسلح، 166، 224
التسول، الاستجداء، 155، 243
التضحية، 135، 183، 188، 409
التعاليم؛ اتفاق الدين والعلم، 149؛ “لأمراء الأرض ووزرائها”، 148؛ بسطها في “لوح ابن الذئب”، 362؛ في بناء المجتمع الإنساني، 332؛ في تحري الحقيقة، 136–137؛ تحريم النزاع والجدال، 365–372؛ تدور حول مبدأ المحبة والاتحاد، 153؛ في الحياة البهائية، 69، 83؛ في الخليقة، 39–45؛ شرحها لنائب السلطنة، 370؛ صممت لرفع روحانية الجنس البشري، 35، 38؛ في العبادة، 36؛ عرض حضرة بهاء الله لها، 364–367؛ العمل بها، 137، 151؛ فهمها، 203–204؛ قائمة بها، 151–152، 153–159، 205–206، 331، 365–367؛ مساواة الرجال والنساء، 192–196؛ انظر أيضاً، 111–112، 140، 161، 165، 178، 203، 227، 247، 308–309، 378، 422
تعدد الزوجات، 193
التعصب، 55، 133، 144، 187، 281، 300
تعليم، تربية، 151، 224؛ = الأطفال، 152، 32؛ = أهل العالم، 332؛ = الشباب البهائي، 305؛ = المرأة، 193، 303؛ وزارة = في إيران، 305
تفويض (إنابة)، 249
التقاليد، 66، 133
التقية، (إخفاء الدين)، 92
تلخنچه، 374
التواضع، 64، 186
التوراة، 46، 123
التوسط، 336
التيبت، 177
الثبات، 135–136، 308، 310
الثروة، 82، 246؛ انظر أيضاً: حقوق الله
ثمود، 96، 413–416
جاهل، انظر محمد علي السيّاح، الحاج
جاوا، 177
جِدّة، 25، 443
الجراد، 29–30
جعفر، منقي القمح، 423
جعفر، ميرزا، 1ح
جعفر الكرماني، الملاّ، 389
جعفر الصادق، (الإمام السادس)، 426
جعفر اليزدي، ميرزا، 234–236
الجليل، تلال، 1
جليل الخوئي، 139–140، 142
جمال البروجردي، 139، 182، 244، 277ح، 313
جمال الدين (جمال أفندي)، انظر سليمان خان التنكباني
جمال الدين الأفغاني، السيد (مؤسس جمعية “العروة الوثقى”)، 333، 390–391
الجنة، معناها، 202
“الجنينة“، حديقة، 31، 103، 234، 328
جهاد العشر سنوات، خطة، 349
جواد الكربلائي، الحاج السيد، 428
جواهري، السيد، 281؛ صورة، 282
جوهر الجواهر، انظر: الله
حاجب الدولة، 63
حبيب أفنان، الحاج ميرزا، 100
حبيب الله، الحاج ميرزا، 324–329
الحج؛ (إلى الأرض الأقدس)، شروطه، 83؛ طلب الإذن له،83–87؛ قصة ميرزا حبيب الله عنه، 324–329؛ شعائر الحج الرسمي (للبيتين المباركين)، 157
الحجاج، 8–9، 208، 244؛ حضرة عبد البهاء يعمل إجراءات لهم، 2؛ القادمون إلى الأرض الأقدس، 33، 83–86، 409؛ القادمون إلى عكاء، انظر عكاء، القادمون إليها؛ ماي ماكسويل في أول مجموعة من الحجاج من الغرب، 28؛ في مرقد حضرة بهاء الله، 101؛ في المزرعة، 10؛ في المقام الأعلى، 163؛ وصولهم دون إذن، 82–84؛ يزورون بومبى، 172
حديث (نبوي)، 39، 201ح، 204، 376، 426
حديقة الرحمن، 318
الحرب، 55، 153، 189، 224، 258، 352، 368–372، 382؛ = المقدسة (الجهاد)، 153، 159، 422
حروف الحيّ، 200–201
حسام السلطنة، 430
حسن، الحاج ميرزا سيد، انظر الأفنان الكبير
حسن، ميرزا (أخو ورقاء)، 50، 52
حسن أديب، الحاج ميرزا (أديب)، 268، 303، 304–306؛ صورتان،273، 282
حسن المازندراني، 429
حسين آشچي، 234–235
الحسين، الإمام، 194، 314، 340
حسين خان، ميرزا، مشير الدولة، 424
حسين الشيرازي، 25–26
حسين، الملاّ، 200–201، 427
حسين، ميرزا (أخو ورقاء)، 49–52
حسين، ميرزا (قريب سليمان خان)، 175
حسين اليزدي، السيد، من حروف الحيّ، 430
الحضارة، 316؛ = البهائية، 133، 222، 357، 401، 409
حضرموت، 413
حقوق الله، 58، 239–246
الحق، 129، 168، 203
الحقيقة، 162؛ تحري = بحرّية، 133،136، 189، 285؛ = الدينية، 144، 149؛ روح الحق، 218؛ أحقية ظهور حضرة بهاء الله، 331
الحكمة، 309–314
الحكومة، 152، 154، 184، 205،224، 336؛ تدخّل البهائيين لديها، 336؛ = الإيرانية، 298، 305، 327، 330؛ = البريطانية، 253؛ الحكم الدستوري، 332؛ النظام الرئاسي، 154
حلب، 406
الحياة، الهدف منها ومبادؤها، 186، 269
حيدر علي، الحاج ميرزا، 248، 260–263، 314، 317–318، 421؛ أعماله التبليغية، 226؛ عن التبليغ، 261–263؛ ذكرياته عن حضرة بهاء الله، 4–5، 15؛ ذكرياته عن ورقاء وروح الله، 59–62؛ عن شخص حضرة بهاء الله، 131؛ لقاؤه بالحاج محمد اليزدي، 25–26؛نزول “الكلمات الفردوسية” في حقه، 205
حيفا، 69ح، 164، 324–325، 329، 338، 343
الحيوانية، الطبيعة = في الإنسان، 137؛ المملكة =، 191
خادم، ذكر الله، أيادي أمر الله، 445
خانم بزرگ (شاه سلطان خانم)، 429
خان المحلاتي، آقا، 177
خاور، الحاج، 328
الخدمة، 186؛ والامتحانات، 237؛ لأمر الله، 35، 274، 283، 289، 293؛ أيادي أمر الله، 267–268، 292؛ الجنس البشري، 224؛ مقام الإنسان في =، 64
خديجة بگم، 321، 323، 392، 417، 418
خراسان، 98، 201، 201ح، 244، 285، 334
الخرافات، الأوهام، 144، 168، 219
الخرطوم، 24، 26
الخطيئة، 155
الخلاف، الفُرقة، 187، 189
الخلافة، 356
الخليقة، الخلق، 191، 195–196، 198، 207–208؛ استجابتها لظهور حضرة بهاء الله، 345؛ أصلها، 39–45، 274؛ قوانينها ومبادؤها، 36، 191، 269؛ الهدف منها، 129، 401
خليل (السيد إبراهيم)، 431
خليل التبريزي، آقا، 256، 258
الخيمياء، 214
چهريق، قلعة، 430
“دار الفنون“، 304
دار المسافرين، 2، 10، 403
دانيال، 147، 422
درزي، 406
درويش، 49ح، 172
الدعاء، 161، 399ح؛ = لابن الذئب، 360–361؛ تأثيره، على ميرزا أبو الفضل، 251؛ = للفهم، 203؛ = يتلى عند مراقد الأموات، 156–157
دمشق، 406
دورة، 132، 183، 185؛ التطورات فيها، 316؛ = حضرة الباب، 157–158، 368، 427؛ = السابقة، 332، 422؛ لكل = بداية ونهاية، 148
ديار بكر، 84
الديّان (ميرزا أسد الله)، 430
الدين، 55، 189، 205، 269؛ أتباعه، 332، 356، 411؛ اتفاقه مع العلم، 149؛ = والأرض الأقدس، 356؛ الانقسامات فيه، 184، 356؛ تطوره، 316؛ تلاشي نفوذه، 148؛ حقيقته، 146؛ خطاب حضرة بهاء الله لقادة الأديان، 203؛ الديانات السابقة، 153؛ شرائطه، 205؛ الطوائف، 133؛ العلاقة بين الأديان، 148، 153–154؛ فقدان الثقة به، 70؛ لا ضرورة للتوجه للأديان الأخرى، 136؛ “نور مبين”، 148–152؛ هدفه، 152؛ وحدته، 184؛ يُهمَل في يومه، 71
الراية السوداء، 201
الرجال، (العباد) 206؛ = البهائيون في خطر عظيم، 116؛ المساواة بينهم والنساء، 192–196
رجال الدين، 166، 180، 261–263، 340؛ حوار ميرزا أبو الفضل معهم، 253–260؛ خلال محرم، 313؛ والشتم، 333ح؛ الشيعة في إيران، 336؛ = المسلمون، 158، 167، 193، 310، 419، 422؛ النجوم المشار إليهم في الأناجيل، 219؛ انظر أيضاً: العلماء؛ الرهبان
“الرجعة“، 199–202
الرحمة، 93، 94
“الرسالة السياسية” (لحضرة عبد البهاء)، 296
رشت، 12، 184، 373
رضا، الإمام، 181ح
رضا قلي، ميرزا، 429
رضا قناد، آقا، 407
رضا اليزدي، الشيخ، 277
رَضيّ الروح، 317
الرضوان، حديقة، 11–32، 103، 234، أبو القاسم البستاني فيها، 28–32؛ لوح عنها، 15–16؛ رواية ماي ماكسويل عنها 28–30؛ فقرة عن الأمانة أنزلت فيها، 17؛ صور، 20، 21
راضية، 15–16
رعد، الحمار، 103
الرقشاء، انظر محمد حسين، مير
رمضان، الجلاد، 79
الرهبان، 155، 219، 344
الروح، النفس، 151، 182، 193، 223، 226، 241؛ أدعية لها، 156؛ الأرواح المقدسة، 308؛ تساوي مراتبها، 195–196؛ تحررها، 186؛ خلودها، 41؛ رجعة صفاتها، 199، 200–201؛ = واحدة في عدة أبدان، 183؛ في العالم الآخر، 362؛ فضائلها، 36؛ تأليفها، 289؛ انظر أيضاً: الإنسان
الروح القدس، 128–129
روح الله، 54، 57، 58–59، 62؛ صورة، 61
الروحانية، رفع، 35–38، 137–138
روزنبرغ، إيثل، 45
روسيا، 378، 406، 422
“روضة خاني” (قارئ الروضة)، 194
رياسة، 258
زرادشتيون، 252، 257، 281، 409؛ صورة، 282
الزراعة، 332
زنجان، 59، 62، 297، 368، 370، 425
زهرة بگم، 417–418
الزواج، 155، 193، 281، 302–303
زين المقربين، 102، 234
السادات الخمسة، 184
السامري، 202
السامرية، 46
سجن؛ الملاّ علي أكبر في =، 288–289؛ في تبريز، 180؛ في زنجان، 297؛ في طهران، 63، 293، 298–299، 330؛ صورة، 301؛ في قزوين، 290، 298، 329–330، 426
السجن الأعظم، 5، 7، 102، 103، 232، 327، 390، 400؛ انظر أيضاً: عكاء
السدرة، 162، 400، 426
سراج الحكماء، 318، 458؛ صورة، 319
سردار عزيز خان، 424
سعدي، 64
السفينة، 348، 352؛ السفينة الحمراء، 310، 352، 399، 427
سقراط، 45
“سلاسل“، 379، 425
السلسبيل، سهل، 339
السلام؛ “رئيس السلام” 258؛ راحة البال، 70؛ ترويجه، 333–334؛ تعاليم تقود إليه، 148؛ العالمي، 189–191، 224، 332–334؛ “المنظمة المركزية للسلام الدائم”، 295؛ ينتج عن الاتحاد، 150، 189–191؛ انظر أيضاً: الصلح الأصغر؛ الصلح الأعظم
“السلام العالمي وعد حق“، (وثيقة لبيت العدل الأعظم)، 333
سلطان الشهداء، (ميرزا محمد حسن)، 16، 57، 73–89، 91، 98–99، 100، 116، 243، 359، 373، 424؛ مناجاة أنزلها حضرة بهاء الله له، 81؛ صورة، 77
سلمان، الشيخ، 317
سليمان خان التُنُكاباني (جمال الدين، جمال أفندي)، 171–182؛ صورة، 173
السليمانية، 113
سمرقند، 252
سهراب، عنايت الله، 253
السودان، 171، 263
“سورة التوحيد” (الإخلاص، في القرآن الكريم)، 398
سوريا، (الشام) 230، 248، 252، 403، 406
السوق الأبيض، 104، 233
سياسة، 133، 296
سيام، 176
سياه چال، 6، 113، 128، 142، 238، 379، 368ح، 395
سياوش، 281؛ صورة، 282
سيد فندرسك، 423
سيلان، 175، 176
سيليبيز، 176
سيناء، الطور، 69، 94، 123، 126، 134، 218، 348
شاه خليل الله، 244ح
شاه سلطان خانم (خانم بزرگ)، 429
الشباب، 305
الشتم، السباب، 92–93، 151، 333
شجاع الدولة، 424
الشجرة المحترقة، السدرة، 211، 218، 331، 348
الشرق، 221–223، 232
شمس الضحى، 16
شهداء، 157، 317ح، 318، 373–377، 409
شهربانو، 429
شهميرزاد، 285
شهيد ابن شهيد، انظر ابن الأصدق
شوقي أفندي، حضرة؛ في أحكام حضرة الباب، 158؛ وأيادي أمر الله، 58، 220، 267، 276–277؛ تبيينه للكتب المقدسة، 348؛ تشجيعه على الهجرة؛ 164؛ تصميم النظم الإداري العالمي، 352–353، 356–357؛ تفسير “لوح الكرمل”، 348، 352؛ تلخيصه للاستشهادات في يزد، 338–339؛ في الخطط التبليغية، 349؛ روايات منسوبة إليه، 163؛ والسيد مصطفى الرومي، 176؛ طلب إذن الحج منه، 86؛ عصمته، 143؛ المبلّغون الجوالون في فترة ولايته، 267؛ في المحبة والرحمة، 183؛ مركزاً لأمر الله، 138؛ والمقام الأعلى، 350–351؛ وثيقته عن حقوق الله، 242؛ وصفه للأحداث التالية لصعود حضرة بهاء الله، 405–406؛ وصفه لأهمية مشرق أذكار عشق آباد، 119–120؛ وصفه لسمو سمعة أمر الله، 229؛ وصفه للعلاقة بين الله وحضرة بهاء الله، 125، 130؛ وصفه لمصير الذئب والرقشاء، 99؛ يسرد وقائع استشهاد الملاّ علي جان، 377؛ يفتتح عصر التكوين، 222؛ يفسر تنزيل الأحكام، 114؛ يفسر عبارتَي “الأمراء” و”العلماء”، 37–38؛ في موضوع “البهجة”، 102؛ انظر أيضاً، 29
الشيخ الأحسائي، (الشيخ أحمد)، 426
الشيخية، 286، 426، 431
شيراز، 306، 322، 323، 326، 374، 417–419، 427
شيكاغو، 350
الصادق، الإمام (جعفر الصادق)، 426
صادق الخراساني، الملاّ (اسم الله الأصدق)، 276، 293
صالح، 96، 413–416
صبح الأزل، انظر يحيى، ميرزا
الصحف، 166، 340–341، 385، 390
صدر الصدور، 305
الصدق، 166، 211، 240، 314، 370
الصدور، نظرية، أو الفيض، 40–41، 44
صفا، ميرزا، 424
الصفات؛ = الإلهية، 17، 43، 94، 127–129، 130–131، 185، 191–192، 208، 234؛ تظهر في كافة الممالك الإلهية، 191–192؛ المظاهر الإلهية يحملون = الإلهية، 128، 129
الصلاة، 36
الصلح الأصغر، 151، 154، 190، 357؛ بيت العدل الأعظم يسعى لترويجه، 333؛ انظر أيضاً: السلام
الصلح الأعظم (الأكبر)، 151، 191، 224، 333، 357؛ انظر أيضاً: السلام
صهيون، 348، 352، 397
صيدا، 50
ضياء، الحاج ميرزا، 325
ضياء الله، ميرزا، 58
الطاهرة، 16
طبرسي، 370، 425
الطبيعة؛ البشرية، 137؛ الحيوانية، 137؛ الروحانية، 138؛ = تخلق الحياة، 316؛ تعريف حضرة بهاء الله لها، 44؛ قوانينها، 245؛ ملاحظتها، 191، 245
طهران، 98، 344؛ اضطرابات فيها، 120، 359، 370–372؛ الإفراج عن السجناء البهائيين فيها، 14؛ رفات حضرة الباب فيها، 291؛ سجن البهائيين فيها، 369–370؛ سجنها، 63، 293، 298–299، 330؛ صورة، 301، انظر أيضاً، سياه چال؛ السيد أسد الله فيها، 180؛ المحفل الروحاني فيها، 281–283، 303، صورة، 282؛ مدرسة البنات فيها، 304؛ مشرق الأذكار فيها، 308؛ معاناة حضرة بهاء الله فيها، 142؛ المعهد التدريبي التبليغي فيها، 296، 305؛ مقر إقامة ابن الأبهر، 297؛ انظر أيضاً، 12، 76، 116، 171، 212، 249، 287، 288، 303، 305، 306، 320، 377، 417
طوائف، أحزاب، 133، 149، 286، 356، 382
طواف، 104–106، 111
طوبا خانم، 2–4، 13–14
ظِلّ السلطان، انظر مسعود ميرزا
الظهور، 129–130، 162، 202، 204، 258، 387؛ أحقيته، 62؛ = الأعظم، 136؛ = الجديد، 157؛ = حضرة الباب، 157–158، 200، 321؛ = الصفات الإلهية، 17
ظهور (بعثة) حضرة بهاء الله، 6، 52، 64–65، 95، 132، 133، 158، 165، 186، 200، 291، 344، 348، 349، 362، 401، 411، 428؛ أحقيته، 136، 146، 331؛ إعلان بشارة ظهوره إلى القساوسة والمطارنة والرهبان، 219–220؛ البابيون المنكرون له، 81، 142؛ تأثيره، 345؛ تاريخه، 113؛ الحجب المانعة أمامه، 133؛ طبيعته وجوهره، 125، 144، 378؛ العالم يعتمد عليه، 311؛ عظمته، 65، 106، 122، 123–124، 129، 144، 207، 209، 304، 310، 312، 327؛ غايته، 151، 189، 356، 377؛= والغرب، 222–223؛ قدرته، 226، 378؛ مجده، 312، 345؛ المسيح الدجال في دورة حضرة بهاء الله، 216؛ ميزاته الفريدة، 332، 356؛ ميلاده، 395؛ يجري في قنوات النظم الإداري، 222
“ظهور حضرة بهاء الله”، (لأديب طاهرزاده)، 408، 421
العائلة المباركة، 243–244، 407
عاد، 96، 413–414
العالم؛ الروحاني، 197–198، 245؛ لا قيمة له، 240
عالي باشا (وزير السلطان عبد العزيز)، 231
عاموص، 397
العبادة، 36، 155–156؛ انظر أيضاً: الله
عبد البهاء، حضرة، 179–180، 354، 367ح؛ وأبو الفضل، 36؛ وأبو القاسم، 32؛ في الاتحاد، 189؛ في أحد الأحاديث النبوية، 39ح؛ إرساله ألواحاً غير معنونة، 317–318؛ إرسال مبلّغين إلى الهند، 177، 178؛ إرشاده للمبلّغين، 287؛ الأستاذ علي أكبر يقابله، 119؛ إشادته بالأفنان الكبير، 392، 395؛ إشادته بالحاج الملاّ مهدي العطري، 50؛ ألواحه للخطة الإلهية، 349؛ ألواح عن الأمانة، 26–27؛ في أهمية الغرب، 222؛ وأيادي أمر الله، 48، 269، 275–276، 277، 279، 281؛ ألقابه، 402ح؛ في الإيمان، 208؛ والبهجة، 1، 5، 101، 103، 105؛ في بيروت، 229–230؛ في التاريخ، 45–46؛ تأسيسه لأول محفل روحاني منتخب في طهران، 281؛ وتبيين الكتابات المقدسة، 141، 279، 348، 365ح، 415؛ ترتيباته للزوار، 2؛ تفسيره للإشراقات، 141؛جلال الدولة يقابله، 340؛ وجمال الدين، 390–391؛ والحاج محمد اليزدي، 25؛ في حبس حضرة بهاء الله، 232؛ وحديقة الرضوان، 11، 14؛ في الحكمة، 313؛ وحضرة بهاء الله في حديقة الجنينة 328؛ حمايته لحضرة بهاء الله من العالم الخارجي، 1–2، 4–5، 329؛ حياته في عكاء، 1–6؛ والدكتور حبيب مؤيد، 31؛ ذكريات طوبا خانم عنه، 2–4، 14؛ رسالته إلى أمين السلطان، 179–180؛ روايات نسبت إليه، 163؛ وزواج ابن الأبهر، 302–303؛ وسليمان خان، 177، 179، 182؛ سمعته ونفوذه، 229–230، 409؛ “سيد عكاء”، 2؛ وصعود حضرة بهاء الله، 402–411؛ صعوده، 222؛ في الطاقة النووية، 214؛ في طبيعة الله، 41، 44–45، 127–128؛ طلب إذن الحج منه، 86؛ ظل السلطان يقابله، 100؛ عصمته، 143؛ في الصفات، 191؛ قصيدة تاونزند له، 220–221؛ كتابته للألواح، 317؛ لوح لابن الأبهر، 298؛ لوح للأستاذ علي أكبر، 119، 120، 121؛ لوح عن الخليقة، 39، 40، 44؛ لوح إلى ميرزا آقا خان، 214؛ لوح لناقضي العهد، 140؛ المبلغون الجوالون في أيام ولايته، 267، 295، 302–303، 306؛ في المحافل الروحانية، 281؛ مدارس شيدت خلال فترة ولايته، 119ح؛ مديحه للنبيل الأكبر، 34؛ مركز العهد، 138، 303، 407؛ في مساواة الرجل والمرأة، 195؛ عن المستقبل، 411؛ عن المسيح، 146؛ ومشرق الأذكار في عشق آباد، 119؛ والمقام الأعلى، 349–350؛ مقامه، 55–56، 230، 296، 328؛ نبوءاته عن جبل الكرمل، 163–164؛ في نظرية الصدور والتجسد، 40؛ مع ورقاء وأطفاله، 58؛ وصفه للحاج الملاّ علي أكبر، 285–286، 287، 290، 292؛ وصفه لنقض العهد، 81؛ وصيّته، 277، 279، 367ح؛ انظر أيضاً، 16، 73، 85، 93، 212، 263، 266، 305، 317، 320، 418
عبد الحسين سمندر، ميرزا، 384
عبد الحميد، السلطان، 405
عبد الرحيم القنّاد، 23
عبد العزيز، السلطان، 27، 94، 102، 103، 230، 231، 409
عبد الله باشا، 1
عبد الله النوري، ميرزا، 54
عبد المجيد الشيرازي، 45
عبد المجيد المراغي، 84–85
عبد المجيد النيشاپوري، الحاج (أبو بديع)، 425
عبّود، 238
عبّود، بيت، 33، 104، 232
العثمانية، الإمبراطورية، 172، 383؛
المحكمة، 385
العدل والإنصاف، 34، 94، 148، 166، 168، 188، 207، 212، 216، 219، 241، 276، 331، 341، 360، 366، 373، 379، 383، 386، 399؛ = أيادي أمر الله، 276؛ حضرة عبد البهاء يساعد الناس في الحصول عليه، 3؛ رحمة الله تسبق عدله، 85؛ “لا إنسان إلاّ بالإنصاف“، 310؛ تطبيقه على قاتلي بهائي، 336؛ يؤسس على عمادَي المكافاة والمجازاة، 152
العراق، 7، 408
عربي، عرب، 32، 200، 316، 379، 423
العربية، شبه الجزيرة، 25، 413
العربية، اللغة، 46، 152، 255، 406
“العروة الوثقى”، جمعية، 390
“العروة الوثقى” (صحيفة)، 391
عزيز الله (ابن ورقاء)، 54، 57، 58
عزيز الله جذّاب، 387
عشق آباد، 30، 334، 377، 409؛ الأستاذ علي أكبر فيها، 116–120، 121؛ الاضطرابات فيها، 334–338
العصر البطولي، 116، 120، 176، 222، 357
عصر التكوين، 176، 222، 267، 276، 356
العصر الذهبي، 357
العصمة، 138، 139، 142–146
عطاء الله، سراج الحكماء، ميرزا، 318
عظيم (الملاّ علي)، 428
عظيم التفرشي، 245
العقاب، 150، 152، 202، 225
العقل الأول، 44
عكاء، 9، 11، 14، 25، 31، 50، 57، 101، 104، 113، 163، 197، 234ح، 294، 317، 334، 353، 382، 387، 389، 391، 392، 403، 404، 408، 418؛ الأحاديث التي تمجدها، 377؛ حاكمها، 7، 328؛ حياة حضرة عبد البهاء فيها، 1–6، 45؛ زائروها، 8، 12، 33، 84–85، 86، 117، 172، 208؛ زيارة السيد أسد الله إليها، 184؛ زيارة الشيخ يوسف إليها، 229؛ سليمان خان فيها، 171، 175، 178، 182؛ “سيد عكاء”، انظر: عبد البهاء، حضرة؛ العائلة المباركة فيها، 103؛ مفتي عكاء، 229؛ النبيل الأكبر فيها، 33؛ نفي حضرة بهاء الله إليها، 7، 29، 232، 269، 343، 345؛ نوّاب تبقى فيها، 1، 103
علاء الدولة، حاكم زنجان، 59
العِلم، 203، 204، 224، 265–266، 334، 423؛ معرفة الله، 365
علماء، 346
علماء الدين؛ تحدي حضرة بهاء الله لهم، 208؛ = المسلمون، 97–98، 166، 186، 195، 205، 209، 372، 377، 379؛ انظر أيضاً: الكهنوت
علوم، 115ح، 133، 138، 154، 166، 203، 269، 345، 395، 423؛ اتفاق الدين والعلم، 149
علي أصغر (أول شهداء يزد)، 338
علي أصغر (سادس شهداء يزد)، 339
علي أصغر حكمت، 305
علي أصغر خان، أمين السلطان، 179، 181–182
علي، آقا (شهيد يزد)، 339
علي أكبر البنّاء، الأستاذ، 30، 115–121؛ صورة، 118
علي أكبر الشهميرزادي، أيادي أمر الله الحاج الملاّ (الحاج آخوند)، 14، 179، 245، 266، 268؛ ابنته، 302، 304؛ ألواح نزلت في حقه، 245، 307–318؛ حياته، 285–292؛ زوجته، 303؛ سجنه، 288–290، 298، 329، 330، 340، 369، 426؛ وناصر الدين شاه، 370؛ صور، 270، 282، 371
علي أكبر محبّ السلطان (روحاني)، 283
علي أكبر، ميرزا، 430
علي، الإمام (ابن أبي طالب)، 200، 426
علي البَسطامي، الملاّ، 200
علي جان، الملاّ 376–377، 425
علي، الحاج ميرزا سيد، 417
علي السبزواري، الملاّ (شهيد يزد)، 339، 340
علي السَيّاح (تلميذ حضرة الباب وحضرة بهاء الله)، 100ح
علي، السيد، 16
علي، السيد (صهر حضرة بهاء الله)، 392
علي، الشيخ، 24
علي قلي خان، 250، 255
علي الكَني، الحاج الملاّ، 288
علي محمد، ميرزا، انظر ابن الأصدق
علي محمد ورقاء، 18، 276
علي، الملاّ (عظيم)، 428
علي الميري، الشيخ، مفتي عكاء، 235
علي اليزدي، الحاج، 238
علي اليزدي، السيد، 23–24
العمل، 155، 248
العهد الجديد، 46، 258، 259، 413
العهد القديم، 13، 46، 257–259، 413
العهد والميثاق، 140، 165، 295، 303؛ أحقيته، 140؛ تأسيسه، 409؛ الثبات عليه، 138، 140، 198، 223، 292؛ سفينة العهد، 352؛ كتابات ابن الأصدق عنه، 296؛ كتاب العهد، انظر “كتاب عهدي“؛ مركزه، 137–138، 140، 239، 242، 303، 408؛ نقضه، 6، 58، 81، 85، 139–140، 182، 236–237، 295، 361، 407–408
عودي خمّار، 101–102، 105، 109
الغرب، 221–223، 232، 423
الغصن الأطهر، 353، 357، 408
الغصن الأعظم، انظر عبد البهاء، حضرة
فائزة خانم، 302
فاران، 244
فارس، 317ح
فارس أفندي، 217
فاطمة (الزهراء)، 91ح، 421
فاطمة خانم، 289
فاطمة المعصومة، 181ح
فتح علي شاه، 212، 295، 422
فرعون، 46، 316
فرمان فرما، 430
فروغية (ابنة حضرة بهاء الله)، 392
الفضل، 16، 34، 35، 37، 62، 65، 88، 94، 102، 111، 113، 117، 146، 155، 188، 193، 195، 196، 207، 208، 212، 218، 219، 223، 232، 233، 237، 241، 249، 291، 298، 310، 347، 361، 369، 400
فكاهة، دعابة، 233–235
فلسطين، انظر: الأرض الأقدس
فلسفة، حكمة، 131، 225، 286؛ فلاسفة اليونان القدماء، 33، 42، 45–46؛ = الإسلامية، 42؛ = الحاج الملاّ هادي السبزواري، 211
الفلقة، 6، 142، 299–300، 379
الفنون، 115ح، 133، 138، 154، 166، 395
الفهم، 65، 203–204، 247، 265، 311
فؤاد باشا (وزير السلطان عبد العزيز)، 231
فوريل، الدكتور أوگست، 127
ڤكتوريا، الملكة، 378، 424
القائم (الموعود)، 167
القائم مقام (ميرزا أبو القاسم الفراهاني)، 212، 214؛ صورة، 215
قائم مقامي (ميرزا آقا خان)، 212–214؛ صورة، 215
القاعدة الذهبية، 188
القاهرة، 24، 120، 144، 406
قبرص، 388
القِِبلة، 353
القبور، 157
القدوس، 201
القرآن الكريم، 29، 46، 53، 62، 123، 145، 148، 201، 202، 257، 302، 396، 413–415، 422؛ أحقيته، 259، 263؛ أحكامه، 158؛ في اليقين، 35–36؛ في تفوق الرجال، 192؛ القصص التاريخية فيه، 46–47؛ نبؤاته، 397
قَرَه گُهَر، سلسلة، 7، 389، 425
قزوين، 184، 384؛ سجنها، 179، 290، 298، 329–330، 393، 426
القسطنطينية، انظر الآستانة
قصيدة، 9، 64، 105–106، 121، 220–221، 304، 405، 422
القصيدة التائية، 379
القصيدة الورقائية، 379
القلب، 67–68، 204، 274، 370
قُم (إيران)، 181، 261
القوقاز، 85، 302
قيصر (روسيا)، 336، 338، 378، 424
“قيوم الأسماء“، 352، 399، 427
كاشان، 237، 430
كاظم، الأستاذ، 235
كاظم سمندر، الشيخ، 87، 172، 184، 384
كاظم، الملاّ، 374–376
كامران ميرزا، نائب السلطنة، 288، 290، 330
كتابة الوحي، 121، 325
الكتاب المقدس، 43، انظر أيضاً: الأناجيل؛ العهد القديم؛ العهد الجديد؛ الكتب المقدسة
كتاب العهد، 68، 378
الكتابات المقدسة، 122، 161، 185، 385، 409؛ اقتباس حضرة بهاء الله من كتاباته، 146ح، 154؛ في الانقطاع، 67، 236، 240–241؛ أول دار نشر بهائية، 172؛ تحريفها، 144؛ تعريف بعض المصطلحات فيها، 165–166، 209، 414–415؛ في تفرد الخليقة، 191؛ تفسيرها، 141؛ تكرار حضرة بهاء الله لبعض المواضيع في كتاباته، 122؛ الحاجة لتلاوتها، 65؛ لحضرة الباب، 363، 397؛ لحضرة بهاء الله عن السلطات الإيرانية، 212؛ لحضرة عبد البهاء، 191؛ في حقوق الله، 243؛ في الخليقة، 42–43؛ دراستها، 17، 203؛ طباعتها، 313؛ في العبادة، 36؛ عدم توفرها مطبوعة، 249ح؛ في عرفان الله، 134؛ في العلاقة بين الله ومظاهر أمره، 126، 127؛ في قوة الاتحاد، 184–185، 189، 190؛ مبلّغون مطلعون عليها جيداً، 266؛ في مساواة الرجال والنساء، 193؛ المستوى السامي المطلوب فيها للسلوك،83؛ مقتطفات حضرة بهاء الله من كتاباته السابقة، 362؛ في وصف فساد البشر وضلالهم، 69
الكتب، 364؛ إتلافها، 157، 158؛ حرقها، 333؛ طباعتها، 313؛ كتاب الله، 203؛ الكتب المقدسة، 47، 48، 122، 132، 209، 252، 363؛ انظر أيضاً: الأناجيل؛ الكتاب المقدس؛ الكتابات المقدسة؛ القرآن الكريم؛ العهد القديم؛ العهد الجديد
كربلاء، 99، 341، 417
الكربلائي آقا جان، 261
كردستان، 7
كِرمان، 388، 389
كرمانشاهان، 249
الكرمل، جبل، 69ح، 119، 163–164، 324، 343–347، 352–353؛ صورة، 354
كروپاتكن، الجنرال، 119
الكسالة، 154–155
كشمير، 177
الكعبة، 348، 349، 351، 372، 399، 422
الكلمة، 135، 218، 251؛ العلوم التي تبدأ بالكلام وتنتهي بالكلام، 138، 224؛ المعنى الباطني لها، 141
الكلمة الإلهية، 199، 203، 204، 218، 309، 387، 399، 419؛ ارتفاعها، 361؛ الأنبياء مُنزِلين لها، 46؛ حضرة بهاء الله مُنزلها، 186؛ مصدر اتحاد العباد، 187، 189؛ مصدر الحرارة، 269، 274؛ مصدر الخليقة، 42، 269، 274؛ نزولها، 326؛ نفوذها، 226، 419؛ وقت نزولها، 210
كمال باشا، 424، 427
كنائس، 218، 220، 254، 255
الكهنوت، 186، 219–220، 279؛ انظر أيضاً: رجال الدين
كوارث، 214، 224
كوماروف، الجنرال، 336
الكومونولث البهائي (الجامعة العالمية)، 353
گلستان، معاهدة، 422
گليپولي، 345
لاهاي، 295
لاهور، 177
لبنان، 347
لَدّاخ، 177
اللغة، 187، 346، 364؛ = العالمية المساعدة، 152، 154، 206، 332
لقمان، 426
لوح الألف بيت (لحضرة عبد البهاء)، 140
مازندران، 6، 142، 171، 201، 368، 372، 373، 376، 379
ماه كو، 212، 321، 430
ماكسويل، ماي بولز، 28
مبادئ، 189؛ = أمر الله، 112، 140، 278، 312، 365–366، 409؛ = الحياة، 269
مبلّغ، 247–248، 265–268
مبلّغون؛ في إيران، 244، 265–266؛ بارزون، 247–263؛ تشاوروا في شؤون الجامعة، 116ح؛ جوالون، 171، 265–266، 409؛ تدريب الشباب، 305؛ زيارة قبورهم، 157؛ مدركون، 247، 266؛ معاهد تدريبية للمبلّغات، 296؛ نصيحة حضرة بهاء الله لهم، 226، 287
متصوفون، عرفاء، 206، 286
المثنوي، 221
المجاعة، 253، 290
المجتمع، 189–192، 195، 332
مجد الدين، 407
مجذوب، نُصرت الله، 443
“مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله”، 217
المحافل الروحانية المحلية، 186، 266–268، 281؛ أسست في إيران، 267؛ = الخاصة بالبهائيات، 303؛ في طهران، 281، 303؛ صورة، 282
المحافل الروحانية المركزية، 186، 266، 268، 281؛ في إيران، 305
المحبة، 153، 299، 331، 365؛ علة الخلق الأولى، 191؛ بين المؤمنين، 308؛ لحضرة بهاء الله، 183، 187، 223؛ للوطن، 332
محبوب الشهداء، ميرزا محمد حسين، 16، 57، 73–89، 91، 98–100، 116، 359، 373، 424؛ صورة، 78
مُحرّم، 313، 326، 327
مَحْرَم، ميرزا، 178
محسن أفنان، ميرزا، 385
محفظة الآثار البهائية العالمية، 238، 353؛ صورة، 355
محمد إبراهيم، آقا، 30–31
محمد إبراهيم، الحاج (المبلّغ)، 146ح، 392
محمد الإصفهاني (دجال الدورة البهائية)، 216، 400، 424، 425
محمد باقر، من كاشان، 237
محمد باقر (شهيد في يزد)، 339
محمد باقر، الشيخ (الذئب)، 75–76، 79، 288، 359، 374–375؛ توجيه “لوح البرهان” له، 91–100
محمد تقي، أيادي أمر الله الحاج ميرزا (ابن الأبهر)، 27، 120، 268، 280، 281، 330، ألواح نزلت له، 307–320؛ حياته، 296–304؛ رسائله، 297–302؛ زوجته، 302–303؛ صورتان، 271، 301
محمد تقي، الحاج ميرزا، وكيل الدولة، 117، 119، 384
محمد تقي، الشيخ (ابن الذئب)، 79، 168، 306؛ “لوح ابن الذئب” موجه له، 359–400؛ مناجاة أنزلت له، 360–361
محمد تقي، ميرزا، 23
محمد، الحاج ميرزا سيد، 321
محمد حسن السبزواري، الشيخ، 50
محمد حسن (شهيد يزد)، 339
محمد حسن، ميرزا، انظر سلطان الشهداء
محمد حسن النجفي، الشيخ، 200، 423
محمد حسين، الشيخ، 197–198
محمد حسين، مير (إمام الجمعة في إصفهان، الرقشاء)، 75، 79–80، 91، 95–96، 98–99، 288
محمد حسين، ميرزا، انظر محبوب الشهداء
محمد خان بلوچ، 104
محمد، الرسول ﷰ، 46، 76، 87، 91، 96، 123، 200، 255–256، 259، 286، 288، 316، 396
محمد رضا الإصفهاني، الحاج، 334–338، 377، 425؛ صورة، 337
محمد رضا “المحمد آبادي“، الملاّ، 277ح
محمد رضا اليزدي، الملاّ، 369
محمد شاه، 212
محمد طاهر المالميري، الحاج، 111؛ “تاريخ الأمر في مقاطعة يزد”، 23، 49؛ ذكرياته عن حضرة بهاء الله، 9–10، 233–234، 238؛ روايته عن البهجة، 104–106؛ قصته عن ميرزا جعفر، 235–236؛ لوح أنزل له، 315
محمد عبده، الشيخ، 229
محمد “علاقه بند”، الحاج آقا، 26، 209
محمد علي الإصفهاني، 216، 384–387
محمد علي أفنان، الحاج، 237، 238
محمد علي التبريزي، 383، 385
محمد علي، الحاج الشيخ، انظر النبيل ابن النبيل
محمد علي، الحاج ميرزا (ابن خال حضرة الباب)، 117، 384
محمد علي السيّاح، الحاج (جاهل)، 100
محمد علي، ميرزا (الناقض الأكبر للعهد)، 5، 58، 139–140، 225، 408
محمد علي، ميرزا (والد منيرة خانم)، 73–74
محمد علي ميرزا (ولي العهد)، 391
محمد القائني، آقا، انظر النبيل الأكبر
محمد قلي، ميرزا، 237
محمد قلي، ميرزا (الأخ غير الشقيق لحضرة بهاء الله)، 232
محمد، مير سيد، 74، 75
محمد اليزدي، الحاج، 23–26؛ صورة، 22
محمد اليزدي، الشيخ، 383، 385، 388
محمود الزرقاني، ميرزا، 140، 275، 302
محمود ميرزا، الأمير، جلال الدولة، 338
مدحت باشا، 229
مدارس، 206، 305–306
مَدراس (الهند)، 175
مرتضى، ميرزا، صدر العلماء، 425
مرقد، = حضرة الباب، 119، 157، 163–164، 349–356، 407؛صورتان، 354، 355؛ = حضرة بهاء الله، 30ح، 101، 157، 405، 407، صورة، 410؛ = المعصومة، 181؛ انظر أيضاً: الحج
مريم سلطان بگم (زوجة آقا ميرزا آقا)، 324، 329
المزرعة، قصر، 50؛ حضرة بهاء الله في =، 1–10، 11، 49–52، 73، 101–103، 175، 180، 234، 409؛ غرفة حضرة بهاء الله فيه، 238؛ المنظر الطبيعي حوله، 7
المساواة، 188، 192؛ = بين الرجل والمرأة، 192–196
مستشار الدولة (ميرزا يوسف خان)، 256
مسعود ميرزا، ظِلّ السلطان، 75–76، 79، 98–99، 253، 338، 374–375
المسلمون؛ بهائيون من خلفية إسلامية، 281؛ = والجهاد، 153؛ رجال الدين =، انظر: رجال الدين؛ = السنّة، 178، 405؛ = الشيعة، 178، 333، 405؛ = في مندلاي يعتنقون الدين البهائي، 177؛ انظر أيضاً، 145، 165، 252، 254، 259ح، 327، 334، 405
المسيح، حضرة، 55–56، 316؛ تعاليمه، 146؛ حقيقته، 146، 257؛ رجعته، 147، 218–219، 343–344؛ وجوده تاريخياً، 255؛ انظر أيضاً، 62، 71، 96، 106، 123، 126، 155، 164، 178، 206، 217، 222، 309، 341، 357، 422
المسيح الدجال، انظر محمد الإصفهاني
المسيحية، الديانة، 145، 146، 155، 217–223، 254؛ الإدارة الدينية، 356؛ معتنقيها، 254ح
مسيحيون، 252، 255–258، 341، 343–344، 406
المشاورين، هيئات، 267، 279
مشرق الأذكار، 164، 308ح؛ على جبل الكرمل، 344، 354؛ في طهران، 308؛ في عشق آباد، 117–119، 409
مشكين قلم، 234، 325
مشهد، 201، 285، 287
المشورة، 116، 226، 279–280، 281، 310، 313
مصر، 171، 230، 320، 406
مصطفى الرومي، السيد، أيادي أمر الله، 175–176؛ صورة، 174
مصطفى، ميرزا، 376، 424
المطارنة، 219
المظهر الإلهي، 122–123، 128–129، 132، 426؛ أثر مجيئه، 141، 148؛ برهانه، 111؛ = التالي، 206؛ حامل الصفات الإلهية، 128؛ حضرة بهاء الله هو المظهر الكلي الإلهي، 130، 131–134، 141، 258، 365، 395–398؛ = في دورة النبؤات، 158؛ صفاته، 236؛ عرفانه، 136–138؛ علاقته بالله، 125–127؛ قدرة الإنسان على فهمه، 144؛ منقذ الإنسان، 186؛ “المظهر العالمي”، 130؛ موهوب بالمعرفة الإلهية، 47؛ يظهر صفات الله للإنسان، 47، 127–128، 134؛ يمكنه معرفة النهاية من البداية، 162–163؛ انظر أيضاً، الباب، حضرة؛ بهاء الله، حضرة؛ موسى، حضرة؛ محمد ﷰ؛ الأنبياء
المعاناة، 71، 149–150، 189
المعاونين، أعضاء هيئة، 267
المعجزات، 111، 227، 263، 316–317
المغفرة، 85–86
“مفاوضات عبد البهاء“، 40، 45، 146
“مقالة في الإسلام“، 145
مقام (رتبة)، 185–186، 199–202
المقام الأعلى (ضريح حضرة الباب)، انظر: مرقد
مقصود، ميرزا، 224
المكافاة، 150، 152، 202، 225
مكة المكرمة، 356
الملأ الأعلى، 275، 289، 308، 338، 345، 356
“ملاك الكرمل“، انظر حيدر علي، الحاج ميرزا
الملايو، 176
الملكوت الأبهى، 34، 214
الملكي الدستوري، النظام، 154
الملوك، 97، 164، 224، 283، 378، 408
الممتلكات الدنيوية، 188
مملكة الجماد، 191
المملكة النباتية، 191، 245
مناجاة، دعاء، 261، 308ح؛ لابن الأصدق، 293؛ لأيادي أمر الله، 278، 290، 312، 329–330؛ في جوهر الله، 126؛ لسلطان الشهداء، 81؛ للصيام، 10
مندلاي، 177، 178
منشاد (إيران)، 30
المنظمة المركزية للسلام الدائم، 295
منيرة خانم (حرم حضرة عبد البهاء)، 16، 73، 418
منيرة خانم (ابنة الملاّ علي أكبر)، 302، 304
“من يظهره الله“، 52، 141، 158، 167، 210، 322، 428؛ انظر أيضاً: بهاء الله، حضرة
مهدي، الدرويش، 49
مهدي الدهجي، 225–226، 277ح
مهدي العطري، الحاج الملاّ، 49–50
مهدي، الملاّ (شهيد يزد)، 339
مؤسسات، 186
مؤيد، الدكتور حبيب، 31، 163
المواساة، 188
مودي، الدكتورة سوزان، 318
موسى، حضرة، 46، 106، 123، 126، 202، 211، 316، 317
موسى، ميرزا (آقا كليم)، 232، 407ح، 429
موسوعة عربية، 390
المولى، انظر عبد البهاء، حضرة
المولويّون، 429
ميدان الخان، 339
ميدان الشاه، 374
ميرزا أفنان، الحاج السيد، 104
مير محمد بيك، آقا، 243ح
النار (جهنم)، 202
الناموس الأكبر، 91
النائب، جناب، 249
نائب السلطنة (كامران ميرزا)، 288، 290، 330، 369–370
ناپليون الثالث، 94، 239، 378، 424
ناصر الدين شاه، 38، 76، 100، 180، 288ح، 370، 373، 377، 390–391، 430؛ شكوكه، 369؛ “لوح السلطان” موجه إليه، 365، 378؛ محاولة اغتياله، 120، 368، 369
الناصرة، 229
ناصري (علامة تجارية)، 172
ناقضو العهد، 165، 296؛ وأيادي أمر الله، 292؛ جمال البروجردي، 139، 182، 244، 277ح، 313؛ سقوط ميرزا آقا جان، 236؛ السيد علي وفروغية، 392؛ ميرزا محمد علي، 5، 58، 139، 225، 408؛ ميرزا يحيى، انظر يحيى، ميرزا؛ انظر أيضاً: الأزليون
نبوءات؛ تحققها، 146–147، 395–396، 401، 411؛ = حضرة بهاء الله، 149–150، 185، 214؛= حضرة عبد البهاء، 163–164؛ دورة =، 158؛ = السيد أسد الله، 179–180
النبيل ابن النبيل (الحاج الشيخ محمد علي)، 384–387، 426؛ صورة، 393
النبيل الأعظم، 84، 104–106، 111، 201، 231، 233–234، 321–322؛ روايته عن صعود حضرة بهاء الله، 402–405، 406
النبيل الأكبر، أيادي أمر الله (آقا محمد القائني)، 33–34، 38، 39، 45، 48، 115ح، 226، 248، 276، 304؛ أسفاره، 171؛ ثناء حضرة عبد البهاء عليه، 34
النجف، 99
نجف آباد، 375
نجف علي، آقا، 376، 424
النجفي، آقا، انظر محمد تقي
النجوم، سقوط، 219
النساء، 206؛ تعليمهن، 194، 303؛ حياتهن المنغلقة، 116، 193؛ المحفل الروحاني للنساء، 303؛ مساواة الرجال والنساء، 192–196؛ المعهد التدريبي للمبلغات، 296
نصر الله، السيد، 184
نصير، الحاج، 373، 424
النطق، القول، 68، 184–185، 227
النظام الإداري، 222، 267–268، 276، 409
النظام العالمي، 112، 134، 206، 351، 409
النعيمين، حديقة، انظر الرضوان، حديقة
نمرود، 316
نَوّاب (حرم حضرة بهاء الله)، 1، 103، 353، 357
نوح (عليه السلام)، 413–415
نور الدين، انظر آقا ميرزا آقا
نور الدين زين، 102
النوم، 197
النووية، الطاقة، 214
نياز، الحاج، 403
نيريز، 197، 318، 368، 370، 425
نيكولاكي بيك، 4
هادي دولت آبادي، ميرزا، 47، 167–169، 400، 425، 429
هادي السبزواري، الحاج الملاّ، 211
هادي، ميرزا، 16، 73
هاريس، هوپر، 302
هجرة، 164–165، 318
هدايا، 236–238
همدان، 13، 249
الهند، 171–180، 182، 295، 302، 306، 320، 375، 406، 409
الهندوس، 178، 257
الهنود، 128
هود (عليه السلام)، 96، 413–415
الهيكليون الألمان، 69، 343–344
الوحي، 46، 89، 400؛ تنزيل الألواح، 247؛ حين نزوله، 208–210، 362–364؛ ذروة وحي حضرة بهاء الله، 111؛ العالم محاط ببحر =، 69؛ عملية نزول =، 309، 325، 326؛ = قلم حضرة بهاء الله بعد الاستشهادات في يزد، 338؛ نزول الكلمة الإلهية، 4
ورقاء، علي محمد، 49–71، 256، 259؛ صورتان، 61، 62؛ ألواح نزلت له، 63–71؛ لوح إلى =، 87، 88
ورقة، انظر النساء
الورقة المباركة العليا (بهائية خانم)، 1، 58–59، 103، 303، 329، 352، 357
وصية حضرة عبد البهاء، 277، 279
وفا (الشيخ محمد حسين)، 197–198
الولايات المتحدة، انظر أمريكا
ولاية الأمر، 356
ولي الأمر، انظر شوقي أفندي، حضرة
ولي الله، أيادي أمر الله، 58، 445
وليمة، 8–10، 14
يحيى، ميرزا، 52، 81، 85، 113، 167، 202، 247، 388–390، 397ح، 400، 408، 429، 430، 431؛ أتباعه، انظر الأزليون؛ خطاب حضرة بهاء الله له، 211؛ مقامه، 296
يرقند، 177
يزد، 23، 49–50، 115–117، 120، 235ح؛ استشهادات فيها، 182، 325، 338–340؛ حاكمها، 115؛ ظالم يزد (الأمير محمود ميرزا)، 338–340؛ مذبحة عام 1903، 182ح، 306، 338، 359
اليزدي، عزيز، 443
يعقوب، 352، 379
يهودا، الحاج، 12–13، 443
اليهود، 252، 257، 254ح، 406؛ في أيام المسيح، 55، 96، 218، 316؛ بهائيون من أصل يهودي، 12–13، 244، 281، 409؛ صورة، 282؛ وشهداء يزد، 339
يهودي، 46
اليهودي، الدين، 148، 244
يوسف، الشيخ، 229
يوسف خان، ميرزا (مستشار الدولة)، 256
يوسف خان وجداني، ميرزا، 325
يوسف (عليه السلام)، 81
يوسيفوس، 255
يوم القيامة، 199
يوم الله، 65، 115، 122، 129، 146، 158، 200، 208، 211، 220، 227، 239، 247، 249، 294، 304، 343، 365، 395، 401
اليونان، الإغريق، 33، 42، 45، 46
اليونانية، اللغة، 46